مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
ندوة الكتاب القومي - مهرجانات العرزال 2022
 
كلمتي د ميلاد السبعلي والأستاذ يوسف الخوري
إعداد: مؤسسة سعاده للثقافة
 

 

 

 

 

أحيت مؤسسة سعاده للثقافة ندوة الكتاب القومي، مساء الأربعاء 13 الحالي، من ضمن فعاليات مهرجان العرزال – ضهور الشوير لعام 2022.

 

تخلل الندوة توقيع كتب للباحثين وجدي المصري والدكتور ميلاد السبعليوتحدث في الندوة: الأستاذ يوسف الخوري، الدكتور جهاد العقل، الأستاذ وجدي المصري، الدكتور ميلاد السبعلي.

 

وعرّفت الحفل وقدّمت المتكلمين الأستاذة سمر حسان.

 

وعُرض في المناسبة كتب جديدة للباحثين: د. صفية سعاده، د. إدمون ملحم، د. عادل بشارة، الأستاذ شحادي الغاوي.

 

حضر الندوة حشد من المدعوين والأصدقاء والرفقاء من بينهم الرفيق د. علي حيدر.

 

 

 

كلمة الأستاذ يوسف الخوري

 

 

مساء الخير

 

أشكر مؤسّسة سعادة للثقافة على اختياري لأن أكون أحد المتكلّمين في هذه الندوة.

 

أشكر لكم حضوركم.

 

أسمحوا لي، في بداية هذه الندوة الأكاديّميّة، أخرج عن الكلام الأكاديميّ، فتعود بي الذاكرة إلى ثمانينات القرن الماضي. يومها كان الدكتور ميلاد سبعلي تلميذي. مهضوم. نشيط. لائق. مهذّب. وقوميّ عقائديّ إلى أقصى الحدود. لا يترك مناسبةً إلا ويستشهد فيها بقول للزعيم. وكان يعرف أنّي أمين سرّ حزب الكتائب اللبنانيّة. وتعلمون ما كان بين الكتائبيّين والقوميّين في تلك المرحلة. كنت أذكرُ له ما إذا كان الشاهد الذي يستخمه من فكر أنطون سعاده في موضعه أو لا، ولكنّي لم أكنْ أنجرُّ إلى مناقشته فيه. فأنا مع حريّة التفكير. ولا أسمح لنفسي بتغيير معتقد طلابي، أو إقناعهم بمعتقداتي. وكان ميلاد من الأوائل في اللغة العربيّة. وكان ولا يزال محبّبًا إلى قلبي.

 

عدتُ والتقيته بعد ربع قرنٍ تقريبًا فإذا هو "دكتور قد الدّني". جاحظيّ المعرفة. عميق التفكير. تربويّ بامتياز. رجل أعمال ناجح. وقوميّ حتّى العظم. ومنفتح إلى أقصى الحدود. فسمحتُ لنفسي وقتها أن أناقشه في الفكر القوميّ الاجتماعيّ. وأوصلتنا طريقتنا الموضوعيّة والعلميّة، وصداقتنا إلى قواسم مشتركة كثيرة. وها أنا اليوم مدعوّ لمناقشة كتابه "طروحاتٌ جديدة في الفكر القوميِّ الاجتماعيّ"

________________________________

 

 

 

 

 

عندما تقرأ عنوانَ هذا الكتاب، فإنّ أوّلَ ما يتبادر إلى ذهنك مسألةُ الثابتِ والمتحرّك.

 

سأجعلُ مداخلتي حول هذا الكتاب تحت عنوان الثابت والمتحرّك، في كتاب

"طروحاتٌ جديدة في الفكر القوميِّ الاجتماعيّ". فالكلمة "جديدة" تحيلنا إلى احتمالَين: الأوّل تفسيرٌ جديد لفكر سعاده، والثاني إضافاتٌ جديدة على هذا الفكر. هلمّ نكتشف ما تفصح عنه مقالاتُ هذا الكتاب.

 

ملاحظة قصيرة قبل البدء بالمداخلة: توضيح مفهوم الكلمتين الثابت، والمتحرّك.

 

الثابت هو ما لا يمكن تغييرُه في العقيدة الحزبيّة. وهو يصلح لكلّ زمان أو مكان.

 

المتحرّك هو المرتبط بعصر الزعيم، ونستطيع أن نؤوِّنَه بحسب تبدّل الأزمنة والأمكنة. ودائمًا بحسب ما ورد في الكتاب موضوعِ المداخلة.

 

يتألّف الكتاب من ثمانية أبواب، وجميعها مقالاتٌ قيّمة شيّقة عميقة وموضوعيّة، باستثناء الباب الأ خير "كلمات في رفقاء العزّ" فقد جاء ذاتيًّا ذاخرًا بالعواطف الصادقة.

 

يقدّم د. ميلاد سبعلي لكتابه بأربعة أسطر ونصف تختصر منهجيّته في العمل وهي تقوم على مبدأين: الأول قراءة التطوّرات المعاصرة في ضوء المبادئ القومية الاجتماعيّة. والثاني تحديدُ موقع الفكر القوميّ الاجتماعيّ مقارنة بتطوّر الفكر الإنسانيّ. من هنا يبدأ التجديد. منهج علميّ لمراجعة الفكر القوميّ الاجتماعيّ.

ونظرًا لضيق الوقت اخترتّ من مقالات الكتاب بعض ما يتحقّق فيه بوضوح عنوان مداخلتي هذه "الثابت والمتحرّك، في كتاب "طروحاتٌ جديدة في الفكر القوميِّ الاجتماعيّ"

 

المقال ألأوّل: سعاده والدولة المدنيّة الحديثة

 

يتناول الدكتور سبعلي في هذا المقال أربعَ مسائلَ:

 

المسألة الاولى: سعاده والتغيير الاجتماعي

يورد الدكتور سبعلي في هذا الباب مسألة تطور الإنسان وصولًا إلى العصر الزراعيّ ثمّ الصناعيّ. ويذكرُ أنّ سعادة دعا إلى نهوض الأمّة لمواكبة العصر الصناعي، والانخراط فيه. ثمّ يدعو د. سبعلى إلى مواكبة عصر المعرفة الحاليّ. فالثابت في هاتين الدعوتين هو مواكبة التطوّر، والمتحرّك هو العصر الذي علينا مواكبته. وهذا معناه أن الحزب، كما أراده المؤسّس، يجب أن يكون في سعي دائم نحو التطوّر، لا أن يقف عند التطوّرات التي اقترحها المؤسسُ.

 

ويورد الدكتور سبعلي قول سعادة: "العالم اليوم على أبواب معارك هائلة، تلتحم فيها جنود العلوم والمعارف والآداب والعدل والحرّيّة والسلام، مع جنود المبادئ الرجعيّة والظلم والعبوديّة والحروب. فمن أي الجنود أنت؟" (ص24) الثابت في هذا القول هو الوقوف إلى جانب التطوّر العلميّ والحضاريّ، بالإضافة إلى مناصرة القضايا العادلة. فالتساؤل: من أيّ الجنود أنتَ؟ هو استفهام يُرادُ به التأكيدُ على الوقوف إلى جانب العلوم والمعارف والآداب والعدل والحرّيّة والسلام، ومناهضة جنود المبادئ الرجعيّة والظلم والعبوديّة والحروب. فقد تُعرضُ علينا قضايا غيرَ القضايا التي تناولها الزعيم، فهل نحتار في أن نكون مع القضايا المحقّة وضدّ المصالح والأنانيّات والنكايات والأحقاد، كما هي حالنا اليوم؟

 

ويذكر د. سبعلي أن سعاده يدعو إلى "الاستقلال الروحيّ. الفكريّ والشعوريّ. الذي لا يعني الانعزال عن العالم"، في النظر إلى مبادئ الحقّ والخيرِ والجمال. هذه الاستقلاليّة الفكريّة ثابتةٌ، أمّا موضوعاتُها فمتحرّكة مع العصور. وهذه حاجة ماسّة في مجتمعاتنا الشرقيّة. فمصيبتنا التبعيّةُ. إن لم تكن إراديّة فهي مفروضة.

 

هنا الجديد الذي جاء به الدكتور سبعلي: الدعوة إلى التمسّك بالمبادئ التي أعلنها سعادة لأنّها إنسانيّة شاملةٌ صالحة على مدى الأزمنة، لا أن نتمسّك بالظروف الآنيّة التي جعلت سعادة يستنبط تلك المبادئ.

 

ويذكر سبعلي أنّ سعادة يركّز على الشخصيّة القوميّة. وهي لا تمحو الشخصيّة الفرديّة بل ترتقي بها إلى الشخصيّة الاجتماعيّة التي تحقّق خير المجتمع، فيتحقّق خير الفرد في المجتمع. ولعلّ هذا أعمق المشاكل التي تعاني منها الدول العربيّة ودول العالم الثالث اليوم، التي تكمّ الأفواه، وتحجّر العقول، وتستعبد الأفكار.

 

وهنا تحضرني الإشكاليّات الآتية: كان عصر سعادة عصرَ القوميّات. وصراع القوميّات في ذلك العصر أدّى إلى حربين عالميّتين مدمّرتين. وكان شرقنا غارقًا في صراع قوميّتين. القوميّة التركيّة والقوميّة العربيّة. وكلتاهما قائمتان على إلغاء الآخر. فهل أوجد سعادة القوميّة السوريّة لمواجهة القوميّتين العربيّة والتركيّة؟ أم جاءت القوميّة السوريّة نتيجة نظرة علميّة موضوعيّة، تدعو إلى التوقّف عن صراع القوميّات والسعي إلى تحقيق الذات الإنسانيّة من خلالها. فتنتقل الإنسانيّة من الكيانات المتصارعة إلى الكيانات المتعاونة؟ وهل أنّ حدود سوريا الطبيعيّة هي حدود ثابتة أم يمكن أن تتسّع أو تتقلّص بحسب الدول التي ترغب بالإنضمام إليها؟ وإذا أُجْرِيَت دراسة علميّة لسكّان سوريا الطبيعة وأظهرت أنّهم ليسوا من عرق واحد، هل تبطُل الحاجةُ إلى إنشاء هذا الكيان؟ وأنا أدعو الصديق الدكتور ميلاد أن يأخذ هذا بعين الاعتبار، في تحديد ثوابت القومية السوريّة، إذا وجده ضروريًّا.

 

 

المسألة الثانية: النظام التقليديّ والنظامُ الجديد

يفصّل د.سبعلي موقف الزعيم من النظام التقليديّ القديم القائم على الإقطاع، والروح القبليّة - الفرديّة، والتعصّبُ الطائفيّ. ويتكلّم على النظام الجديد الذي دعا إليه سعاده، وهو "يرتكز إلى نظرة جديدة إلى الحياة، ومفاهيم وقيم وعقليّة أخلاقيّة جديدة"، ليخلص إلى قول الزعيم: "لا فائدة من التوفيق بين النفسيّة الجديدة والنفسيّة العتيقة". وهذا هو الثابت (ص30): وهذا معناه مواكبة التطوّر. لا اعتماد خصائصَ تجديديّة بعينها. من هنا تأتي دعوة الدكتور سبعلي إلى "تنمية الموارد البشريّة وتسليحها بالاختصاصات العصرية والعلوم الحديثة للمساهمة الفعّالة في عمليّة التنمية المستدامة والنهوض الشامل.. وتحصين المجتمع الجديد تجاه رياح العولمة ومغرياتها. وكلّها مفاهيمُ جديدة لم تكن في عصر مؤسّس الحزب. ولكنّها تطبيق عمليّ لما دعا إليه سعادة..

 

 

المسألة الثالثة: التغييرات البنيويّة في المجتمع

وينتقل الدكتور سبعلي إلى عرض التغييرات البنيويّة في المجتمع، التي دعا إليها سعادة. وتدخل جميعُها تحت مسمّى "فصل الدين عن الدولة"، مع احترام الإرث الروحيّ والثقافيّ للأمّة، وإقامة النظام المدنيّ الحديث، الذي لا يفرّق بين مواطن وآخر (هذا هو الثابت) (ص 32). أمّا الطريقة التي ستحقّق هذا الثابت فهي المتحرّك الذي يمكن أن يتطوّر بحسب تطوّر المجتمع؛ فتُسنُّ القوانينُ والتشريعات اللازمة لذلك، وتُؤَوّن بحسب تطوّر المجتمع. وهنا الجديد الذي يأتي به د. سبعلي وهو تفسير للثابت الذي أطلقه سعاده؛ فدعا سبعلي إلى نظام علمانيّ يضمن حقوق "الأقلّيات" في التعليم والحفاظ على التقاليد واللغة وغيرها من عوامل اطمئنان لها شرط عدم عزلها عن المكوّنات الأخرى في المجتمع. وهنا أقترح على الدكتور سبعلي وقيادة الحزب السوري القومي الاجتماعيّ التعمّق بدراسة دعوة د. سبعلي ومقارنتها بالميثاق الوطنيّ والتعايش بين الطوائف، أذ سيكون هذا الأمر مطمئنًا لمكوّنات سوريا الطبيعيّة التي تخاف (المكوّنات) على نفسها من فقدان هويّتها الذاتيّة والذوبان في الهويّة القوميّة الكبرى التي قد تطغى عليها هويّة الأكثريّة.

 

 

المسألة الرابعة: التغييراتُ البنيويّة في الدولة

ينطلق د. سبعلي في عرض هذه المسألة من فرضيّة مفادها أنّ الدعوة إلى الإصلاح والتغيير والعصرنة، لن تتحقّق بمجرّد بناء أشكال حديثة للدولة. بل هي تبدأ "بالتركيز على التغيير الاجتماعيّ الجذريّ". ويفصّل بأسهاب التغييرات المطلوبة. من هنا فإنّ التغيير الاجتماعيّ الجذريّ هو الثابت. وهو تغييرٌ قائمٌ على "تخطيط الدولة الحديثة بأحدث الأشكالِ والتجارب العالميّة ومواءمتِها مع التغييرات الجذرية في طريقة بناء المواطن وتحديد قِيَمه، وفي بُنية المجتمع لتأمين وحدته" (ص37)، هذا التغيير"يؤمّنُ الإطار السياسيَّ للشعب، كي يحقّق غاياتِه الكبرى". أما كيف يحصل هذا التغيير فهو المتحرّك. وقد توسّع د. سبعلي في عرض مبادئه شارحًا فكر سعاده، داعيًا إلى أن تُرافقَ هذا التغييرَ "رؤية استراتيجيّة اقتصاديّة اجتماعيّة متكاملة ترتكزُ إلى مكتنزات الأمّة وتطوّرات العصر." (ص 40).

 

 

المقال الثاني: سعادة ومجتمع المعرفة

يتقن الدكتور سبعلي البناء على الثابت، لإخضاع المتحرّكات له. ففي الكلام على مجتمع المعرفة يعرضُ تطوّر الفكرِ الإنسانيّ في تعامله مع البيئة ومع وعيه لذاته. ثمّ يعرض الحالتين الاجتماعيّتين اللتين سبقتا عصر المعرفة الحاليّ: المجتمعَ الزراعيَّ والمجتمعَ الصناعيَّ. ويُوضح موقف سعادة الداعي إلى الانتقال من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة ومواكبة الصناعات الحديثة، والمشاركة في ابتكارها لا في استخدامها فقط. وهذا شرح لفكر سعاده. ثم يجعل من دعوة سعادة إلى مواكبة تبدّل العصر من زراعيّ إلى صناعيّ ثابتًا هو مواكبة العصور، والمتحرّك هو ميزات كلّ من هذه العصور. فيُكْمِل هو رسالةَ سعادة ويدعو إلى مواكبة عصر المعرفة. ويأخذ من قول سعادة "إنّ سوريا لا تحيا اليوم في القرن العشرين"، ليدعوَ هو إلى نقل سوريا إلى القرن الواحد والعشرين. فيعرض متطلّبات الانتقال إلى هذا القرن، على غرار ما فعل سعادة في دعوته لمواكبة العصر الصناعيّ.

 

 

المقال الثالث: القوميّة الاجتماعيّة: تلازم المواجهة والتنمية

تنقسم هذه المقالة إلى أربعة أقسام.

 

  • أولويّة الصراع

يوجز د. سبعلي، في هذا القسم، الظروف التي نشأ فيها الكيان الصهيونيّ ، وتقسيم المنطقة إلى كيانات صغيرة. ممّا دفع سعاده إلى التحذير من الكيان اليهوديّ واعتباره خطرًا على المنطقة بأسرها، واستنفارِ الأمّة لمواجته. فما كان من هذه الكيانات إلّا محاصرته والتخلّص منه. ويذكرُ د. سبعلي أنّ الأنظمة المحلّيّة والعربيّة ظلّت في تخلّفها، وفي مشاكلها الداخليّة، وفي تسلّطها على شعوبها، وكبت الحرّيّات، بحجّة المعركة... في حين أّنّها خسرت جميعَ المعاركِ التي خاضتها ضدّ إسرئيل. وتخلّفت عن تطوير شعوبها، وعن مواكبة ركب الحضارة.

 

الواضح في هذا القسم أنّ الثابت هو أولويّة الصراع مع الكيان الصهيونيّ.

 

 

  •  تحدّيات الوحدة والنهوض وخطر الوجود

يعرض الدكتور سبعلي في هذا القسم "النظريّات التحرّريّة" التي اجتاحت العالم العربي في القرن الماضي، وهي الليبرالية المقلّدة للغرب، والدعوة إلى قوميّة قائمة على اللغة والعرق، والنظريّات الماركسية والاشتراكيّة وجميعها ركّزت على البرامج الاقتصاديّة وأهملت "خاصيّة الأرض والتفاعل والدورة الاجتماعيّة الاقتصاديّة". ليعود إلى فكر سعادة الداعي إلى "الترابط بين الأمّة والوطن"، وهذا هو الثابت أي بين الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه، وبينه وبين الأرض التي يعيش عليها. غير أنّ هذا الإنسان لن يكون فاعلًا في محيطه ما لم يحصل على مستوى متطوّر من المعرفة والعلوم العصريّة. وهذا ما جعل الكيان الصهيونيّ متفوًّقًا علينا. فيخلص د. سبعلي إلى الدعوة إلى "نشوء نهضة شاملة لكلّ نواحي الحياة" مرتكزة على مبادئ قوميّة اجتماعيّة صحيحة وعقليّة أخلاقيّة جديدة.

 

 

  •  محاولات تصفية الصراع بحجّة التنميّة

هذا القسم دراسة للتيّارات الفكريّة التي واكبت الصراع الإسرائيليّ العربيّ. والأنظمة الفاشلة التي انتقلت من هزيمة إلى الأخرى، ثم تيّارات تدّعي الواقعيّة وتدعو إلى حلّ الصراع والتفرّغ للتنمية، وبعدها الحركات الإصوليّة الإسلاميّة. فيذكرُ أنّ هذه التيّارات جميعها خدمت المشروع الصهيونيّ أكثر ممّا ساهمت في مواجهته.

 

 

  • التنمية كأداة للمواجهة

يدعو الدكتور سبعلي في هذا القسم إلى "العصرنة والتطوير والتحديث والتنمية الشاملة ومواكبة التطوّرات العالميّة والانفتاح على العصر". ولا يكتفي بهذا بل يدعو إلى إنتاج المعرفة والعلوم والتكنولوجيا.

 

ثم يشير د. سبعلي إلى خطر المشروع الأميركيّ اليهودي، وخطر التكتّلات الإقليمية (إيران، أو تركيا) على الأمّة السوريّة. من هنا دعوته إلى ضرورة "بناء شكلٍ من أشكال التكامل والتعاون الأقتصادي بين كيانات المشرق العربيّ.

 

ليخلص في نهاية هذه المقالة إلى الدعوة إلى تلازم المواجهة والتنميّة في كيانات الأمّة جميعها. وهذه الدعوة "النهضويّة" هي من ثوابت الفكر القوميّ الاجتماعيّ.

 

 

المقال الرابع: مجتمعنا بين عقيدة أوباما وعقيدة سعادة

يعرضُ الدكتور سبعلي رأي الرئيس الأميركيّ أوباما في دول الشرق الأوسط وملخّصه أنّ مشكلة الشرق الأوسط هي القبليّة المتمظهرة في عودة المواطنين إلى الطائفة أو المذهب أو العشيرة أو القرية بعد أن يئسوا من دولهم الفاشلة. ثم يعرض رأي سعاده الذي يؤكّد أن المؤسّسات الدينيّة، والإقطاعيّة، وحتّى المؤسّة العائليّة جميعها لا تصلح لبناء الأمّة لأنّها قائمة على الطائفيّة. وفي هذه الحالة لا يجد المواطن حقًّا عامًّا يستند إليه، ويساوي بينه وبين جميع مواطنيه. من هنا كانت مهمّة الحزب القومي السوري الاجتماعي إحداث نهضة في المجتمع. هنا إذن الثابت هو إحداث النهضة أمّا المتحرّك فهو الوسيلة المقترحة لإحداث هذه النهضة. فقد يكون ما اقترحه سعاده صالحًا لعصره، ولا يزال صالحنا في عصرنا الحاليّ، أو تخطّاه العصر. وهذا شرح لفكر سعادة.

 

وهنا يأتي الجديد الذي جاء به الدكتور سبعلي: "وإذا كان الواقع لا يزال كما هو بعد سبعة عقود، فهذا يضع  أمام تلامذة سعاده مهمّة البحث عن أسباب عدم تغيُّر هذا الواقع. فهل العطل هو في الحلول نفسها، التي وضعها سعاده، أم في انحراف القيّمين على النهضة عن العمل لتحقيق الغاية التي أُنشِئت من أجلها، وتحويلها إلى حزب سياسيّ آخر؟" وفي هذا الكلام دعوة إلى العودة إلي جذور الحزب، ودعوة إلى تقييم نضاله تقييمًا موضوعيًا(ص91). ملاحظة: ليت الأحزاب جميعها تتلقّف هذه الدعوة وتضع نضالها وإنجازاتها على ميزان الموضوعيّة.

 

المقال الخامس: الغاية والمبادئ، ودور الحزب في تطوير الدولة والمجتمع...

 

يحدّد الدكتور سبعلي "الغاية النهضويّة للحزب"، ولكن الجديد في هذا المقال هو تساؤله: " فهل يكفي أن يؤمن الأعضاء بالغاية بشكل حفظيّ، من دون أن تكون كلّ خطط الحزب متمحورةً حول تحقيق هذه الغاية، ومشدودةً إلى الاّتجاه الذي تحدّده؟"

 

ومن الجديد الذي جاء به الدكتور سبعلي هو الدعوة إلى تحويل مبادئ الحزب إلى خطط عمليّة وبرنامج سياسيّ واقتصاديّ ودفاعيّ وإداريّ وتنمويّ من خلال اقتراح مشاريع قوانين لكل منها، ومتابعة إقرارها وتنفيذها. ثم يعدّدُ المجالات التي يجب أن يطالها العمل النهضويّ: "مستوى الكيانات، والأحوال الشخصيّة، وقوانين الانتخاب، وقوانين الأحزاب، وصيانة الحرّيّات، وأنظمة التربية والتعليم وتوحيد المناهج التربويّة وتطويرها، والاستراتيجيّات الاقتصاديّة والتنمويّة"... وغيرها ممّا يجعل الأمّة السوريّة تواكب الحضارة الحديثة وتكون فاعلة فيها. (ص95-96) وهنا لا بدّ من القول إنّ الدكتور سبعلي رجل دولة بامتياز بطروحاته التقدّميّة والعصريّة والخلّاقة. يترفّع عن المناكفات السياسيّة، ويوجّه بوصلته نحو المبادئ والمسائل القوميّة والإنسانيّة.

 

 

المقال السادس: الحزب لا يكون حزبًا من دون فكر سعادة ومنهجه العلميّ المتجدّد، والنهضة الجديدة قادمة

 

يقول د. سبعلي "ونحن ندّعي أنّ نهج سعاده العلميّ الحاضن للتطوّر، يحتّم على الحزب ومؤسّساتهه وأعضائه، مقارنة الدراسات الجديدة مع مناحي العقيدة كافة، والمساهمة الجريئة إمّا بنقد تلك الدراسات الجديدة، وتقديم أفضل منها، أو بتعديل ما يجب تعديله، فيما لو كان هناك حاجة لذلك" (ص105)

 

إلامَ يقودنا كلام الدكتور سبعلي هذا؟ هو نظرة موضوعيّة إلى فكر مؤسّس الحزب. فسعاده حتمًا مرتبط بعلوم عصره ومعارفه. عندما تتجاوز العصور القادمة علوم عصر المؤسّس ومعارفه، يغدو تطوير العقيدة واجبًا. وهذا يؤكّد ما دعوتكم إليه من البحث عن الثابت والمتحرّك في الفكر القوميّ الاجتماعيّ.

 

ويدعو الدكتور سبعلي إلى ربط فكر سعاده بآخر ما توصّلت إليه الأبحاث العلمية الجديدة، بل ومراجعته في ضوء تطوّرات وأبحاث العصر. ويدعو أيضًا إلى تطوير العمل الحزبيّ، وآليّات الحزب، والرفقاء والقيادات، وتطوير عمليّة ومواصفات بناء الإنسان النهضويّ الجديد، وإضافة مجموعة من المهارات العلميّة الحديثة إلى جانب الثوابت الحزبيّة. (ص 108) وهذا يدعونا مجدّدًا إلى التفكير في الثوابت التي نبني عليها المتحرّكات، أي التطويرات المطلوبة.

 

 

المقال السابع: فصل الدين عن الدولة: من المعلّم بطرس البستاني والإمام الكواكبي إلى أنطون سعادة

 

يذكرُ د. سبعلي أن مسألة فصل الدين عن الدولة طُرحت قبل أن يتناولها سعاده. فيوردُ أسماء الكثيرين ممن تناولوا هذا الموضوع. ولكنّي هنا أريدُ أن أتوقّف عند استشهاده بمفكّرين: الأوّل فرنسيس مرّاش (مُثقّف حلبيّ) الذي طرح مسألة تحوّل مجتمع فسيفسائيّ إلى مجتمع مدنيّ موحّد. فدعا العرب إلى "محبّة وطنيّة منزّهة عن أغراض الدين"، وإلى إحلال "الرابطة الوطنيّة" محلّ "حبّ الملّة أو الرابطةِ الملّيّة". (125)

 

والثاني شبلي شميّل الذي يقول: "... إنّ الدين هو عنصرُ تفرقة، لا بحدّ ذاته، بل لأنّ رؤساء الدين يبذرون الشقاق بين الناس.." ثم يُوردُ قولًا آخرَ للشميّل أيضًا: "... إنّ ما أضعف الأمّة، ليس الإسلامَ أو القرآن بل سلطةُ رجال الدين". (ص126)

 

وهذان القولان متناقضان، ولكنّهما يعبّران عن فهم مختلف لمسألة الطائفيّة، وربّما للميثاق الوطني الذي ظهر بعدهما. فالمرّاش يعتبر "الرابطة الملّيّة" نقيض "الرابطة الوطنيّة"، وهذا غير صحيح. ذلك أنّ الانتماء إلى طائفة والاعتزاز به، هو إرث ثقافيّ دينيّ يدعو سعادة إلى أحترامه. ما يجب نبذه هو التعصّب الطائفيّ لا الانتماء الطائفيّ. والدليل على ذلك المبادئ الثلاثة التي وضعها سعادة لهذه المسألة والمذكورة في هذا الكتاب (ص130):

 

  • فصل الدين عن الدولة.

 

  • منع رجال الدين من التدخّل في شؤون السياسة والقضاء القوميّين.

 

  • إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب.

 

فسعاده في هذه المبادئ لم يجعل الانتماء الديني نقيض الانتماء الوطني. وفي يقيني أن سعاده لم يرد منع رجال الدين من الكلام في المبادئ الأخلاقيّة التي يقوم عليها القضاء والسياسة، بل منعهم من التدخّل في الأمور الإداريّة والتنظيميّة، أو فرض المعتقدات الدينيّة على طريقة إدارة الدولة، أو جعل الدين منطلقًا للتشريع. وهو على حقّ. ورأي أن يؤخذ هذا بعين الاعتبار في الكلام على أيّ شكل من أشكال سوريا التي ستكون في غالبيّتها من دين واحد. الثابت هنا: فصل الدين عن الدولة، والحيادُ الإيجابيّ تجاه الدين.

 

 

المقال الثامن: مجلس تعاون المشرق العربيّ

يدعو د. سبعلي في هذ المقال إلى إنشاء "مجلس تعاون المشرق العربي"، الذي يبدأ بتطوير الكيانات الموجودة، سياسيا واجتماعيا وثقافيا وتقنيا واقتصاديا، على قاعدة تعاونها وتكاملها عوضَ تقويضها وتفتيتها وترسيخ العداوات التاريخية فيما بينها. (ص81). وهو طرحٌ خلّاق يُبقي الثابت الذي هو قيام سوريا الطبيعيّة. أمّا كيفيّة تحقيق ذلك وآليّاته، وشكله فهي من المتحرّكات. ذلك أنّ فكرة الاتحاد مع الإبقاء على الكيانات تزيل الكثير من العقبات التي تُنتِجُها الدعوة إلى انصهار دول سوريا الطبيعيّة في دولة واحدة. فالإبقاء على الروح الوطنيّة التي يشعر بها أبناء كلّ من دول سوريا الطبيعيّة، يُسهم في خلق رابط قوميّ جديد يحقّق الغاية النهضويّة التي أرادها سعاده.

 

وفي الكتاب فصل حول هذا الموضوع عنوانه "حول الفدراليّة". فيه مقال بعنوان "الفدراليّة والمشروع المشرقيّ".  يُعلنُ غاية هذا التجمع (التكامل الاقتصاديّ)، ووضع آليّة للوصول إليه، وعدمُ ذوبان الكيانات الحاليّة، وجعل هذا الكيان مقدّمة لتحقيق سوريا الطبيعيّة. واللافت في هذه الدعوة أنّ د. سبعلي جعل الثابت قيام سوريا الطبيعيّة، أمّا الكلام على الخريطة الجغرافية لهذه الدولة، وعلى القوميّة العرقية فهو من المتحرّكات التي لم تعد ممكنة في هذا العصر.

 

 

في خلاصة هذه المداخلة أعرض عليكم الثوابت التي استنتجتُها من كتاب "طروحاتٌ جديدة في الفكر القوميِّ الاجتماعيّ". ثمّ أطرح بعض الأسئلة التي من شأنها أن تؤدّي إلى تحقيق هذه الثوابت.

 

 

المقال التاسع: الرتب والوظائف في الحزب

هذا المقال قفزة تجديديّة، تعصرن الحزب وتجعله ينافس الأحزاب العالميّة من حيث التنظيم والإدارة المسهّلةِ الوصولَ إلى الغايات الحزبيّة.

 

ثوابت الحزب، كما استنتجتُها من هذا الكتاب:

 

  • قيام سوريا الطبيعيّة.

 

  • مواكبة التطوّر.

 

  • مناصرة القضايا العادلة

 

  • الاستقلاليّة الفكريّة

 

  • فصل الدين عن الدولة"، مع احترام الإرث الروحيّ والثقافيّ للأمّة، وإقامة النظام المدنيّ الحديث، الذي لا يفرّق بين مواطن وآخر (الحيادُ الإيجابيّ تجاه الدين).

 

  • إحداث النهضة في المجتمع السوريّ.

 

  • التغيير الاجتماعيّ الجذريّ: بناء المواطن وتحديد قيَمه، وبناء المجتمع لتأمين وحدته.

 

  • الترابط بين الأمّة والوطن، أي بين الإنسان والمجتمع من جهة، والأرضِ من جهة ثانية.

 

  • تلازم مواجهة الكيان الصهيوني مع تنمية المجتمعات السوريّة.

 

 

 

بعد ثلاثة أرباع قرنٍ من النضال الحزبي أطرح عليكم هذه التساؤلات:

 

هل عدد المنتسبين إلى الحزب في أقطار سوريا الطبيعيّة هو في ازدياد، يؤشّر إلى إمكانيّة إحداث تغيّر إيجابيّ نحو قيام سوريا التي تريدونها؟ أم هو في تناقص؟ أم هو ثابت إلى حدّ ما؟

 

هل وضعتم آليّاتٍ ومشاريعَ تنفيذيّةً من أجل تحقيق الثوابت الحزبيّة.

 

هل أنتم الحزب النهضويّ المتجدّد الذي أراده الزعيم، أم أنتم حزب تقليديّ كأيّ حزب لبنانيّ آخر؟

 

هل درستم نتيجة نضالكم من حيث إحداث النهضة المطلوبة؟

 

هل دخلت القيادات الحزبيّة في آفة التسابق على السلطة؟

 

هل واكبتم التطوّر فطوّرتم الكادرات الحزبيّة، بما يلائم التطوّرات السريعة التي حصلت منذ نشوء الحزب حتّى يومنا الحاليّ؟

 

أين موقع بلدان سوريا الطبيعيّة من عصر المعرفة الحاليّ؟ وهل ولوجُ هذا العصر من همّ حزبكم؟

 

من المفترض أنّكم منتشرون في دول سوريا الطبيعيّة جميعها، ما الإنجازات التي حقّقتموها في تطوير شعوب هذه الدول؟ وهل مشروع سوريا الطبيعيّة مطروح شعبيًّا وسياسيًّا في هذه الدول؟

 

ما القضايا الإنسانيّة العادلة التي حشدتم قواكم الحزبيّة لمناصرتها، داخل دول سوريا الطبيعيّة أو خارجها، غير القضيّة الفلسطينيّة؟ وما كانت نتيجة نضالكم فيها؟

هل فكّرتم بطريقة أخرى لمواجهة العدوّ الصهيوني غير الحروب التي خسرناها جميعَها؟

 

هل لديكم آليّة واضحة لتقييم إنجازات الحزب؟

 

هل لديكم آليّة لمحاسبة القيادة الحزبيّة؟

 

هل تجدون أن الحزب اليوم لا يزال بحاجة إلى جناحٍ عسكريّ؟ ثمّ أليس الجناح العسكريّ في حزب مخالفًا للقوانين، وفيه انتقاصٌ من سلطة الدولة؟

 

هل قدّم ممثّلوكم في المجالس النيابيّة، والوزاريّة، والوظائف العامّة صورة صادقة عن مبادئ الحزب التي تبشّرون بها؟

 

الخاتمة

 

لم يكن الدكتور سبعلي مجرّد شارحٍ لفكر أنطون سعادة، ولمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي. بل كان خلّاقًا مطوّرًا الفكرَ القوميَّ الاجتماعيّ، مؤوّنًا إيّاه مع العصر الحديث، فجاءت الشواهد التي استعان بها الكاتب من مؤلّفات سعادة لتدعم طروحاتِ الدكتور سبعلي التجديديّةَ، فتُظهرَ الجديد فيها المبنيَّ على ثوابت تفكير مؤسّس الحزب. هذا هو أعظم جديد جاء به الدكتور سبعلي: تأوين العقيدة القوميّة، الإبقاء على الثوابت، مواكبة متحرّكات العصر.

 

لقد أخرج الدكتور سبعلي العقيدة من سجنها الزمنيّ، وجعلها كائنًا حيًّا متطوّرًا ذا ديمومة لا تدع الأزمنةَ تتجاوزها.

 

ملاحظة:

تجدون في كتاب د. سبعلى "طروحاتٌ جديدة في الفكر القوميّ الاجتماعيّ" إجاباتٍ واضحةً عن الكثير من الأسئلة التي طرحتها عليكم، وطروحاتٍ كثيرةً لعصرنة الحزب. قراءةُ هذا الكتاب ممتعة ومفيدة. أنّه من ضرورات العمل الساسيّ، وعلى كلّ حزبيّ، إلى أيّ حزب انتمى، أن يقتَنِيَه، ويقرأَه بإمعان.

 

 

 

 

كلمة الدكتور ميلاد السبعلي 

 

 

 

شكراً لمؤسسة سعاده على هذه الندوة، وشكراً لكم على حضوركم.

 

كنا بضعة طلاب من عائلات قومية في المدرسة.. وقد تعلّمنا من الأهل والرفقاء أن نواجه بالكلمة والمناقب والتميّز في زمن الحروب وسيطرة الميليشيات. جاءنا أستاذ لغة عربية، هو الأفضل على الإطلاق، لكنه مسؤول كتائبي. فكان لا بد من الاكثار من مقولات سعاده في كل الكتابات والخطب. وكان هو مرناً في تقبلها، كما ذكر، ونحن نعتبر تمريرها انتصاراً على قياسنا في تلك المرحلة.

 

اليوم، في حضرة سعاده وصنين، تحضُرني ابيات علّمنا إياها الأستاذ يوسف الخوري في صف البريفيه، من قصيدة لسعيد عقل، وبقي القاؤه لها راسخاً في ذاكرتنا ووجداننا، تقول:

 

جبالنا هي نحن، الرّيح تضربها،          نقوى وما يعطي قصف الرّعد نختزنِ

 

عشنا هنا، لا نُهمّ، الفقرُ مرّ بنا           ومرّ من شبر أرضٍ غرّه ففني

 

للفقر قلنا استرح، للمستبدّ أشح         غداً على الرمل لن يبقى سوى الدّمن

 

ويبدأ الرفشُ في جمعٍ، هنا جثث،       هناك أشلاءُ، فادفِن رفشُ، واندفن

 

 

أعجبتني الروح الوطنية في هذه الأبيات، برغم الملاحظات الكثيرة على سعيد التي كنا اكتسبناها من أجواء القوميين وقتها، واعتبرت أن أستاذي الكتائبي، المحبب لنا، قد ضاهانا نحن القوميين بالصلابة والعزّ.

 

بعد عشر سنوات، في منتصف التسعينيات، وفي إحدى جلسات الفكر والشعر والسياسة والادب التي كنا نعقدها في بيت سفير لبنان في طوكيو، الأستاذ المتميّز والراقي والمرهف سمير شما، والذي كلّفته بتأمين موعد لرئيس الحزب وقتها الأمين انعام رعد مع رئيس حكومة اليابان، كما هو وارد في أحد مقالات الكتاب، وأمّن الموعد، وصرنا من أعز الأصدقاء. وهو من المثقفين الزحالنة المقربين من سعيد عقل، ويعرفون الكثير من أخباره وأسراره. وخلال نقاشنا في تلك الجلسة حول علاقة سعيد بسعاده، أخبرني أن تأثير سعاده على سعيد لم يقتصر على نقده لملحمة بنت يفتاح، وتحفيزه لسعيد على اختيار مواضيع من تاريخنا القومي، فكانت ملحمة قدموس، والتي لم تعجب سعاده، بل بقي هذا التأثير الى فترة طويلة بعد غياب سعاده. وأحد الأمثلة على ذلك، على حد قول السفير، هو في رثاء سعيد للأخطل الصغير، في القصيدة التي وردت فيها هذه الأبيات، حيث قال سعيد للسفير أنه استوحاها من قول سعاده: لقد شاهد أجدادنا الفاتحين ومشَوا على بقاياهم، أما نحن فسنضع حداً للفتوحات... عندها شعرت بالنشوة، وتمنيت لو كان الأستاذ يوسف الخوري حاضراً لتلك الجلسة.

 

أيها الحفل الكريم،

 

من السهل أن يكتبَ أحدُنا عن سعادة وراهنيته وريادته للقوميين الاجتماعيين. فالكثيرون منهم يقرأون بوجدانهم وعاطفتهم الجامحة تجاه الزعيم. أما أن نكتب بموضوعية علميّة للمواطنين، على اختلاف مشاربهم، عن ريادة الفكر وراهنيته، وضرورة وجود الحزب للمجتمع، وإمكانية تطوير خططه وآليات عمله، بعد كل المصاعب والأزمات التي عصفت به وبالأمة، والتشويه والتهميش الذي طال الفكر من الخصوم والتلامذة أحياناً، فهذه مهمّة شاقة وشائكة.

 

وقياس نسبة نجاحها يقوم على الانطباعات والردود والتقييمات التي تأتينا من غير القوميين، خاصة من قلة نادرة، كانت في مواقع الخصومة للفكر والحزب، وأجرت مراجعة نقدية جريئة لتجربتها، وقرأت ما نكتبُه باحترام وعمق وموضوعية، وقدّمت رأيها بشجاعة وفروسية ومحبة وصدق، كما فعل اليوم الأستاذ يوسف الخوري.. فقيّموا انتم، لأن شهادتي به مجروحة.

 

الحزب الذي أراده سعاده، هو فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها. هو وضع الفكرة، وأسس حركة في زمنه، لتتنكب مهام النهضة والوحدة وقتها. كان لا شك، مشروعُه النهضوي متناقضاً مع مشاريع الاستعمار ونشوء الكيان اليهودي وترسيخ الواقع الجيوسياسي الذي فرضه الحلفاء علينا بعد الحرب العالمية الأولى، فتخلّصوا من سعاده قبل أن تصبح الحركة قادرة على تحقيق الفكرة.

 

وبعد اغتياله، تعرض الحزب، على مدى عقود، لمكافحة منهجية، بعضها حروب ومؤامرات خارجية، وبعضها فشل داخلي، الى أن بدأت الحركةُ بالضمور، وخططُها بالقصور، وزادت الفجوة بينها وبين الفكرة والغاية الأساسية، مما أدى الى تزايد في التوتر والقلق والخلافات بين القوميين.

 

ومع تطور الأحداث، وتغير العهود والسياسات داخل الحزب، ونشوء التنظيمات والانقسامات، بقي التحدي لكل من تولى المسؤولية، هو كيف يبني حركة تستطيع تحقيق الغاية وتكون على مستوى الفكرة.

 

الفكرة تجوهرت مع الوقت، في ظل فشل الكثير من الأفكار الأخرى، الانعزالية منها والإنفلاشية، الرجعية منها والتقدّمية. لكن الحركةَ وخططَها وآلياتَها بقيت تكافحُ للحفاظ على ما أرساه سعاده في الاربعينيات، مع أن الزمن تغيّر كثيراً في العقود الماضية، وتعقّدت أكثر مهام الوحدة والنهضة وتشعّبت، عما كانت عليه في الاربعينيات، ولم تعد الآليات التي ما زلنا نكافح لتقليدِها أو استخدامِها، كافيةً أو قادرةً على تحمّل هذه المهام وتحقيق الغاية والفكرة.

 

تقول الكثير من الدراسات، أن العالم شهد تغييرات منذ الثمانينيات الى اليوم، في مجالات التكنولوجيا والإدارة والقيادة والتنمية، أكثر مما شهِده في تاريخه. وكان الحزب، أبطأ حتى من المجتمع في تلقّف هذه التطورات، وكان كما المجتمع، متلقياً مستهلكاً، قاصراً عن مواكبة هذه التحولات والدخول المنتج والمبتكر الى عصر المعرفة الرقمية وما يوفره من آليات وممكنات، يمكنها أن تعيد بناء الحركة، على قياس الفكرة.

 

فكانت كل مقالات هذا الكتاب، متمحورة حول هاجس أساسي: كيف يمكن أن نعيد بناء الحركة على قواعد العلم والتطور وما يقدمه العصر، لتكون على مستوى تحقيق الفكرة في المرحلة المقبلة، مع التركيز بجدية وجذرية، على بناء جيل جديد من القوميين الشباب، مترسخين بالفهم والإيمان العقائدي الصلب، ومتمتّعين بالعقلية الأخلاقية الجديدة، وبنفس الوقت يمتلكون تخصصات معاصرة وأدوات حديثة، تجعلهم فاعلين ومنتجين ومبدعين في هذا العصر.

 

تقزيم الحركة الى مستوى طموحات بعض القيادات ومناصريهم، في زمن معين، أو الى مستوى فهمهم الموضعي للفكرة، هو بنيان مؤقت تجتاحه الأجيال الجديدة التي تنتمي على أساس وسع الفكرة التي وضعها سعاده، لا على أساس ضيق الخطط والسياسات والتبعيات التي تنتجها القيادات. وهذا أدى الى نشوء المزيد من الفئويات والعهود، خاصة في ظل التلاعب بالديمقراطية الحقيقية داخل الحزب، وتعطيل آليات المراقبة والتقييم والمحاسبة والتصويب، التي وضعها سعاده في دستور الحزب، قبل سبعين عاماً من بدء تطبيق الحوكمة في الحكومات والمؤسسات في العالم.

 

لا بد من الاستفادة من تجارب الماضي. لكن الغرق في تبادل الاتهامات والتخوين وصراع المدارس والمقاربات والتفسيرات والفئويات والتصنيفات، والتراشق بالأحقاد والشتائم، وتناتش سعاده وكل يدعي أنه الأقرب اليه، فهذا مضيعة للوقت والجهود، يؤدي الى تطفيش أصحاب الكفاءات والقيم السامية والأخلاق الراقية، خاصة من بين الطلبة والشباب، ويجعل الفاجر يأكل مال التاجر، وتصبح السلبطة والتسلط والفجور والادعاء الفارغ والتبعية والتباهي بما هو ضحل من الإنجازات، هي سيدة الموقف.

 

كما أن الاكتفاء ببعض الأنشطة الاجتماعية والثقافية الموسمية، على أهميتها وضرورتها، لا يمكن أن تكون بديلاً عن الحركة، ولا آليةً كافية لتطبيق الفكرة.

 

إن التجدّد هو من سمات التطوّر في المؤسسات. والتجدّد لا يعني فقط إدخال عناصر جديدة الى المؤسسة كيفما اتفق. بل يعني ترسيخ عملية البناء وفق قواعد أخلاقية وعقائدية ووجدانية من جهة، وعلى قواعد الاختصاص والمفاهيم المعاصرة للتفكير والعمل والإدارة والتكنولوجيا والاعلام والتربية والتنمية البشرية من جهة أخرى.

 

نحن اليوم على مسافة عشر سنوات من الذكرى المئوية للتأسيس. وهي مدة كافية، لوضع رؤية جديدة للعمل الحزبي، وترجمتها الى خطة استراتيجية لاستعادة دور الحزب الريادي، وتجديد أجياله، وعصرنة آليات عمله، وتطبيق خطط مرحلية من ضمن نظام الفكر والنهج، وصولاً الى وحدة حزبية شاملة تقوم على أساس دور استراتيجي للحزب على مساحة الوطن، لاستعادة التوازن والملاءمة مجدداً بين الفكرة والحركة، آخذين بعين الاعتبار التطورات الحياتية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأمة والعالم.

 

في رحاب عرزالك وشهر استشهادك، نعاهدك يا حضرة الزعيم، أننا لن نألوَ جهداً لتحقيق هذه الرؤية المعاصرة للعمل الحزبي، والعمل مع كل الرفقاء في كل المواقع والمؤسسات، بمحبة وحرص وجدّية وعقلانية وتواضع، لاستعادة وحدة الحزب ودوره، تدريجياً، ليعود جاذباً للمفكرين والمبدعين والمناضلين والابطال والاجيال الجديدة وأصحاب المواهب، وليجسّدَ المؤسسات الفعّالة التي قلت عنها أنها أعظمَ أعمالك بعد وضع العقيدة، بعيداً عن طبقات الفوضى والثرثرة. وكل ما دون ذلك هو تخدير وضياع وتبدد.

 

ولتحيَ سورية وليحيَ سعاده.

 

 

 

كلمة د. جهاد العقل

 

 

مساء الخير من عرزال سعاده الذي شعّ، كلّ الحقّ والخير والجمال على الإنسانية جمعاء، من خلال نظرته الإنسانية الشاملة إلى الحياة والكون والفن التي وهبها حياته حتى الشهادة. التزم بالوقت المحدّد لي بـ15 دقيقة، في مداخلة متواضعة، تتناول دراسة مزدوجة قيمة في ألف صفحة، تختزن بين دفتيها كنزا ثقافيا، أمضى مؤلفها الباحث وجدي المصري زهرة شبابه في إنجازها، رافدا المكتبة القومية والعربية بعمل مرجعي كبير.

 

القاسم المشترك بين عنواني الكتابين، موضوع هذه المداخلة، هو "التوراة":

 

الأول: "البعد التوراتي للإرهاب الإسرائيلي".

 

والثاني: "حقائق لفائف بحر الميت نصوص توراتية تثير جدلا.."، ويُختصر المضمون بعبارتين، لا ثالث لهما: الإرهاب والتزوير. وهما وليدا الهستيريا اليهودية، وما يرافقها من أمراض نفسية واضطرابات عقلية، حيث يجزم معظم إخصائيي الأمراض النفسية والعصبية في العالم أنّ الهستيريا النادر وجودها عند باقي الأعراق موجودة بكثرة عند اليهود، وهي ناتجة عن دراسة اللاهوت التلمودي ــ التوراتي في سنّ مبكرة، ولا عجب في ذلك لأنّ دائرة المعارف اليهودية تؤكد صحّة هذا الأمر، ومن فمهم ندينهم!

 

أولا في الإرهاب: وقد خصّص المؤلف الفصل الثامن، بأبوابه الخمسة، من كتابه الأول لتشريح الإرهاب اليهودي ــ الصهيوني ــ الإسرائيلي بمساراته العسكرية والسياسية والإقتصادية والثقافية والدينية. مثبتاً شروحاته بمجموعة من المراجع الموثوقة التي تخصصت وتعمقت في دراسة الإرهاب اليهودي في أسبابه ومراحله ونتائجه الكارثية على البشرية جمعاء، خصوصاً على شعبنا وأرضنا وحضارتنا وتراثنا، وتهديد مستقبلنا في إطار مشروع إرهابي منظّم، تديره دولة إرهابية تهدف، في إطار خديعة كبرى، إلى زرع كيان إغتصابي عنصري، على حساب إبادة شعب بكامله، في حلم يهوي ــ تلمودي هستيري، لإقامة "إسرائيل الكبرى"، على أرضنا القومية، سورية الطبيعية. إنّ الحديث عن الإرهاب اليهودي الإجرامي الوحشي المنظّم بحقّ الشعوب التي استضافتهم، وخصوصا بحقّ شعبنا، يطول ويطول، وقد أضاء على بعضها الأستاذ وجدي في كتابه، مستعرضاً المجازر التي ارتكبها اليهود نتيجة تشبعهم الهستيري بالتربية الدينية التوراتية ـ التلمودية بحقّ شعبنا في فلسطين ومحيطها الطبيعي منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا.

 

ثانياً في التزوير: التاريخ اليهودي، برمته مزوّر، هذا إذا كان لليهود تاريخ، لأنّ التاريخ مستمد من أرض الوطن، وهم قطعان بشرية متشردّة، لا وطن لهم يجمعهم، ولا تاريخ. وما كشفه الأستاذ وجدي في كتابه من تزوير مخطوطات البحر الميت، ما هي إلا غيض من فيض، من تلاعب هذه القطعان بتراثنا وتزويره وادعائه ونسبته إليهم، وتركيب خديعة أنّهم شعب الله المختار، المنزه عن الشر والكذب والإجرام، وكلّ من يتعرّض لأكاذيبهم وتزويرهم ووحشيتهم يوصم باللاسامية.. يقول الكاتب برميا هوفيل "يخيّل إليّ أنّه لا يوجد هناك معادون للسامية أكثر من اليهود أنفسهم". وقد فسّر هذا الأمر روجيه ديلوم في كتابه "إنّي أتهم"، حين أشار إلى إتهام الصهيونية-اليهودية في تذبيح اليهود واضطهادهم سعيا وراء تعزيز الوجدان اليهودي، وإذكاء شعور اليهود بهويتهم.

 

 وقد انطلت هذه الخديعة التزويرية على بعض العقول العفنة في الغرب الإستعماري ــ الإرهابي، وعلى هذا، رسّخوا في أدمغة شعوبهم، العطف والمساعدة غير المحدودة لهذه العصابات اليهودية، الخارجة عن كلّ القوانين السماوية والإنسانية، على حساب العداء لثقافتنا الخيّرة الجميلة، التي كانت الأساس في مدنية الإنسانية وتحضرها وتطورها على جميع الصعد. لقد أجاد وجدي المصري في كتابه رصد الأكاذيب التوراتية مبيناً "حقيقة لفائف البحر الميت"، وبأسلوب عقلي ـ علمي – موضوعي قام بنقدها ونقضها وتجريدها من أيّة حقيقة تاريخية.. وعدم صلاحيتها واعتمادها كمرجع تاريخي بالمعنى العلمي. مع تأكيده على أنّ القيمة الوحيدة لمخطوطات البحر الميت، وما ورد في التوراة تكمن، فقط، في أقدميتها الزمنية، لا في المضمون، الذي كشفت آلاف الرقم الطينية الواغلة في القدم، المحفوظة في باطن الأرض في منطقة الهلال السوري الخصيب، ومصر، التزوير الفاضح الهادف إلى ترسيخ الخديعة اليهودية الكبرى "أعطوا الأرض التي لا شعب عليها، للشعب الذي لا أرض له". وامتد التزوير اليهودي إلى المسّ بحقيقة السيد المسيح، الذي برسالته نقض الشريعة الموسوية التي استندت إليها المخطوطات، وهو لم يكن بأي حال من الأحوال "يهوه اليهودي"، الذي تنبأ به أنبياء التوراة. وفي العودة إلى التلمود، الذي هو في الحقيقة جوهر الشريعة اليهودية، والتفسير السريّ للتوراة، والأساس في بروتوكولات حكماء صهيون، ودليل الإيمان اليهودي وآدابهم، والمعترف به علناً، من "مجلس السنهدرين" في فرنسا عام 1806، في ظلّ الثورة الفرنسية السيئة الذكر. والذي قيل عنه: "هذا الكتاب - التلمود، المملؤ بغضاً وجشعاً وثأراً وجنوناً، إنّها غلطة فادحة على الصعيد الأخلاقي والتاريخي، التي اقترفتها عبقرية نابليون...كان من الواجب استهداف التلمود، بإلغائه ومنعه واتلافه تحت وابل من الرصاص".

 

ونظرا للوحشية والعنصرية والروح الإجرامية المتضمنة في الكتب اليهودية من التلمود إلى التوراة إلى البروتوكولات، والمتمظهرة في الهستيريا اليهودية المعادية للشعوب التي استضافتهم، فقد حرّم على المسيحيين في معظم الدول الأوروبية اقتناء التوراة، ووصلت عقوبة المخالفين للحرق مع هذا الكتاب في الساحات العامة. مع الإشارة إلى الدعوات المتعدّدة التي أطلقها بعض اللاهوتيين المسيحيين الكبار لمطالبة الكنيسة بإلغاء "العهد القديم" لأنّه يشوّه الإنجيل الذي هو "انفجار غاضب ضد شرائع الحقد العرقي والنهم الوحشي والمشاعر غير الإنسانية التي تعلّمها التوراة" – قانون الجلادين الذي غايته "تدمير المسيحية وتهويد كنيسة السيد المسيح.. وهو ما أضاء عليه وجدي المصري في كتابيه في عشرات الصفحات ناقداً وناقضاً نظرة اليهود إلى السيد المسيح وموقفهم التزويري العدائي منه، ومن رسالته الإنسانية.

 

إنّ لا يهودية المسيح مثبتة في هويته الإنسانية.   كما أنّ لا يهوديته مثبتة في التلمود - التوراتي اليهودي وفي العهد الجديد وفي القرآن الكريم.

 

لم يكن المسيح يهوديا، كما يقول سعاده، ولم يكن له آباء يهود.. فلا يصحّ أن يُقال أنّ المسيح كان يهوديا، فهو إبن البيئة السورية. هذا من ناحية هويته وانتمائه إلى أرض وشعب حضاري تراثه حافل بالقيم والمثل ومبادئ الحق والخير والجمال والعدالة والمساواة  والحبّ والسلام .

 

لا يهودية المسيح مثبتة في التلمود اليهودي وإفرازاته التوراتية والسلوكية اليهودية عبر التاريخ. التي تدعي زوراً وكذباً أنّ ولادة المسيح كانت "عن طريق الزنا"، وهو موجود في لجان الجحيم بين الزفت والقطران والنار.

 

لا يهودية المسيح يؤكدها المسيح نفسه، بقوله:" كيف يقولون أنّ المسيح هو ابن داود؟ وداود نفسه يقول في كتاب المزامير: قال الربّ لربي إجلس عن يميني، حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك، ويتساءل المسيح: فإذا كان داود يدعوه ربا، فكيف يكون ابنه؟". المسيح اعتبر أنّ اليهود، ليسوا من الله، بل من أب هو الشيطان: "أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك (أبيكم) كان قتالا للناس من البدء، ولم يثبت في الحقّ، لأنّه ليس في حقّ".  ونعت المسيح اليهود بالقتلة والحيات وأولاد الأفاعي. بعد هذا كلّه كيف يكون المسيح إبن من نعتهم بهذه الصفات الإجرامية؟

 

لا يهودية المسيح مثبتة أيضا في القرآن الكريم، وما ورد في سورتي مريم وآل عمران، يؤكد، ما ورد في الأناجيل الأربعة.

 

"واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً. فاتخذت من دونهم حجاباً، فأرسلنا إليها روحنا، فتمثّل لها بشرا سوياً".

 

"قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرّك بكلمة منه إسمه المسيح ".

 

  المسيح ليس يهوديا.. فهو إبن البيئة السورية.. إبن مريم بنت عمران الفلسطينية السورية. ولقد حسم المجمع النيقاوي المسيحي الأول عام 325 م. الأمر برفض بنوة المسيح لغير الله.

 

الإرهاب والتزوير اليهودي بلغا أوجهما بعد تأسيس الصهيونية، التي أسسها اليهودي هرتزل، واختصرها بالتعريف التالي "الصهيونية هي العودة إلى الحظيرة اليهودية". وأرفقها اليهود بخديعة كبرى هي التفريق بين الصهيونية واليهودية، والتي انطلت على العديد من الكتّاب. السؤال: ماذا يبقى من الصهيونية إذا أفرغت من يهوديتها. فاليهودية هي الروح والصهيونية هي الجسد، ولا حياة للجسد بدون الروح. هذه الخديعة الكبرى، وهذا التزوير الكبير في التمييز بين الصهيونية واليهودية، حسمت الأمر فيه المرجعيات اليهودية الكبرى، التي رفضت بشكل قاطع هذا التمييز. وللتذكير أنّه بعد صدور قرار الأمم المتحدة عام 1975 القاضي بمساواة الصهيونية بالعنصرية.. قادة اليهود هم من أقاموا الدنيا وأقعدوها حتى تراجعت الأمم المتحدة عن قرارها  تحت الضغط الإرهابي اليهودي .

 

ناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، وصف القرار، بأنّه "لا أخلاقي"، وطالب الشعب اليهودي بالتحرك بصورة حازمة ضد هذا القرار. وتصدرّت جريدة النيويورك تايمز إعلانا نشره "المؤتمر اليهودي الأميركي"، تضمّن عبارة رئيسية: "نحن فخورون بأنّنا يهود، نحن فخورون بأنّنا صهيونيون". كما تداعى "قادة اليهود في العالم" إلى عقد مؤتمر في القدس المغتصبة، أعلن فيه رئيس الدولة اليهودية كاتسير: "أنّ المؤتمر يشكّل رمز الوحدة لإسرائيل واليهود والصهيونية".

 

باختصار إذا كان اليهود يتباهون بصهيونيتهم، والصهاينة مخلصون – أوفياء ليهوديتهم، ويرفضون قطعا التمييز والفصل بينهما.. فماذا يريد الصائدون في الماء العكرة للتمييز بين اليهودية والصهيونية؟ ننتظر منهم الجواب!

 

إنّ فظائع الإرهاب اليهودي، التي كُتب عنها عشرات المجلدات، بلغات العالم أجمع، لم يعد سراً، وهو يتمظهر اليوم في أبشع صوره في فلسطين المغتصبة، وإنّ التزوير اليهودي المبرمج، لتشويه وجه التاريخ والحقائق والتراث والحضارة الإنسانية والرسالات السماوية، لم يعد ينطلي على المؤرخين والباحثين المعتمدين على العقل والعلم كما على "الأخلاق التي هي أساس العلم والعمران" على حدّ تعبير إبن الشوير د أسد رستم.

 

وإنّها دعوة، وليست دعاية، مفادها أنّ الخطر اليهودي المباشر على أمتنا، شعباً وأرضاً وتراثاً ومستقبلاً، لن تردعه الجعجعة من بعيد، ولا التوغل في الضلال البعيد والتعامي عن مشروعه الإجرامي المنظم، بل التصدي له بمشروع أكثر تنظيماً. من ركائزه الكشف المبين، من جهة، عن مشروعه التهويدي. وقد أجاد وجدي المصري في إغناء المكتبة بهذين المرجعين القيمين، حيث دعا من خلالهما "المثقفين أينما وجدوا إلى استشراف الخطر الناتج من الخوف من مقاربة الأفكار الدينية اللاهوتية، لأنّه من وضع الإنسان وابداع عقله، الذي ما زال ينمو حتى اليوم، ومع هذا النمو تتطوّر نظرته إلى الأمور وتتسع آفاق تفكيره، ما يؤدي إلى تمسكه بما يتناسب مع العقل وإسقاط كلّ ما يخالفه ".

 

 وإنّي أرى أنّ ما يتناسب مع العقل، وإسقاط ما يخالفه، في صراعنا الوجودي مع العدوّ اليهودي هو في يقظة الشعب الروحية لما أعلنه سعاده منذ ثمانين عاماً: "ليس من سوري إلا وهو مسلم لرب العالمين.. فاتقوا الله واتركوا تآويل الحزبية الدينية العمياء، فقد جمعنا الإسلام؛ منا من أسلم لله بالإنجيل، ومنا من أسلم لله بالقرآن، ومنا من أسلم لله بالحكمة، فليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطننا غير اليهود. فلنكن أمّة واحدة في قضيتنا الواحدة ونظامنا الواحد ".

 

وفي الختام دعوة إلى المؤرخين العلمانيين واللاهوتيين للعمل الجاد على ايجاد مؤسسة دراسات عالمية تطالب بتجريد وتطهير كتب التاريخ العامة والمدرسية وخصوصاً الدينية، من كلّ ما يتعارض مع الحقائق التاريخية العلمية الموضوعية، لاسيما اليهودية منها، لأنّ "الفلسفة التاريخية المتغرضة، كما يقول سعاده، كانت ولا تزال آفة التاريخ والعقبة التي تعترض سبيل التفاهم البشري". والسلام العالمي.

 

الشكر للحضور الكريم، والشكر لمعدي هذه الأمسية الثقافية الرائعة بمناسبة الثامن من تمّوز، ذكرى استشهاد سعاده ملهم الشهداء والإستشهاديين في حربنا الوجودية ضد عدونا اليهودي. التوفيق والمزيد من العطاء للباحثين المشاركين في هذه الندوة التموزية. والمجد لأمتنا.

 

 

 

 

كلمة الباحث وجدي المصري

 

 

                                                                                                                                                                                     

"كُلّنا مسلمون لربّ العالمين، منّا من أسلم لله بالإنجيل، ومنّا من اسلم لله بالقرآن، ومنّا من أسلم لله بالحكمة، وليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا وحقّنا وأرضنا إلّا اليهود"، صدق سعادة العظيم؟ عند تلاوة هذه الجملة يتبادر إلى ذهننا سؤالان، الأوّل: لماذا أسقط سعادة اليهوديّة من ثلاثيّة الأديان السماويّة؟ والثّاني: بما أنّ سعادة أشار، بعد تحديده البيئة الجغرافيّة الطبيعيّة الّتي نشأت فيها أمّتنا السوريّة، إلى فقدان أمّتنا لأجزاء من أراضيها لصالح كلّ من إيران وتركيا وإسرائيل وسلخ جزيرة قبرص عن جسم الأمّة، ليس فقط جغرافيا، بل ديموغرافيا وحضاريًّا وعلى كافّة المستويات، لماذا حصر عداءنا باليهود وحدهم دون سائر الأمم الّتي تحتّل أجزاء من أرضنا؟

 

الجواب برأيي نجده في الجملة نفسها إذ حدّد هذا العداء مبتدءًا بالدين، لأنّه كان على دراية وإطّلاع كشفا له حقيقة المنظّمة اليهوديّة الصهيونيّة الّتي استغلّت النصوص الدينية التوراتيّة، خاصّة ما ورد في هذه النصوص عن الوعد الإلهي لبني إسرائيل والقاضي بمنحهم كلّ أرضنا القوميّة، وليس فقط جنوبنا السوري أي فلسطين، لتكون لهم ولأجيالهم المتعاقبة على مدى العصور. فعندما نقرأ أسفار العهد القديم الخمس الأساسيّة الأولى نجد أنّ إله بني إسرائيل يهوه قد حدّد لهم جغرافيّة "الوطن" الّذي، ودون شفقة أو رحمة، قرّر إبادة من هو ساكن فيه، ومن أنشأ فيه الحضارة الإنسانيّة الأولى فوق الأرض كرمى لعيونهم، وإهدائه لهم. وعلى سبيل المثال نقرأ من سفر التثنية الإصحاح الأوّل ما يلي: "الربّ إلهنا (والترجمة الصحيحة يهوه إلهنا) كلّمنا في حوريب قائلًا: "كفاكم قعود في هذا الجبل. تحوّلوا وارتحلوا وأدخلوا جبل الأمّوريين وكلّ ما يليه من العرّبّة والجبل والسهل والجنوب وساحل البحر أرض الكنعانيّ ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات".

 

وفي الإصحاح الأوّل من سفر يشوع أكّد يهوه حدود الأرض الّتي سيمنحها لبني إسرائيل إذ كلّم بني إسرائيل قائلًا: "كلّ موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلّمت موسى. من البريّة ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحثيّين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم".

 

إنّ هذه النصوص التوراتيّة الّتي أسبغ عليها اليهود صفة الأولوهيّة والقداسة كانت الأساس الّذي ارتكزت عليه الصهيونيّة العالميّة لإقناع الدول الكبرى الفاعلة أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بحقّها الإلهيّ بأرض فلسطين. وهي استلهمت من اوامر الإله يهوه لبني إسرائيل الّذي طلب منهم فيها القتل والتدمير والنهب، ويخطيء من يعتقد أنّ ما عُرف بالوصايا العشر، والّتي أعطيت هالة إلهيّة مقدّسة، هي وصايا إنسانيّة راقيّة، بل هي وصايا وضعية معظمها مأخوذ من شريعة حمورابي الّتي كانت تطبّق على جميع النّاس فرضًا للعدل المتعارف عليه في ذلك الوقت، وأصبحت  مع يهوه شريعة إلهيّة خاصّة ببني إسرائيل، إذ حدّد من خلالها تعامل بني إسرائيل فيما بينهم ولم يعمّمها لتشمل كلّ النّاس. "لا تقتل. ولا تزن. ولا تسرق. ولا تشهد على قريبك شهادة زور. ولا تشتهِ امرأة قريبك ولا حقله ولا عبده ولا أمته ولا ثورة ولا حماره ولا كلّ ما لقريبك". إذن هي وصايا لا تتعدّى قبائل بني إسرائيل إلى الآخرين، والدليل الثابت على ذلك فضلًا عن التركيز على القريب، هو أوامر يهوه الدائمة لبني إسرائيل بالقتل والتدمير والنهب. نقرأ من سفر التثنية وعلى سبيل المثال لا الحصر: "فضربًا تضرب سكان تلك المدينة بحدّ السيف وتحرّمها بكلّ ما فيها مع بهائمها بحدّ السيف. تجمع كلّ أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكلّ أمتعتها كاملة للربّ إلهك" من الإصحاح الثالث عشر. ومن الإصحاح التاسع من سفر التثنية نقرأ: "فاعلم اليوم أنّ الربّ إلهك هو العابر أمامك نارًا آكلة. هو يبيدهم أمامك فتطردهم وتهلكهم سريعًا كما كلّمكم الربّ".

 

كان على الإنسانيّة أن تنتظر قدوم يسوع لينقض في موعظة الجبل هذه الأوامر المرتكزة على ثقافة الحقد والموت ضدّ الأغيار، ويدعو إلى ثقافة السلام والمحبة والتسامح بين كلّ البشر.

 

إنّ صراعنا مع الدول الّتي تحتلّ جزءًا من أراضينا هو صراع على الحدود، بينما صراعنا مع اليهود هو صراع على الوجود. وحدهم اليهود، واستنادًا إلى أساطير كتابهم الدينيّ، الّتي ما زالوا يتمسكون بها، يعملون على، ليس فقط ضمان استمرار وجود إسرائيل بحدودها الحالية، بلّ على تحقيق أوامر إلههم بإقامة إسرائيل الكبرى حسب الحدود الّتي وردت في أكثر من إصحاح وسفر. وهذا يجب أن يترافق مع الإبادة الجماعيّة لقاطني هذه الأرض. وهنا إسمحوا لي أن أخالف، ليس فقط بعض الدارسين والمفكّرين والمثقفين بل بعض الأمناء والرفقاء، حول مقولة أنّ سعادة لم يعادِ الدين اليهودي بشكل عام كما يفهم من جملته الشهيرة، ويستشهدون على ذلك بما كتبه في بعض المقالات والردود. فبرأيي المتواضع سعادة كان مقتنعًا، إنطلاقًا من فهمه العميق لما جاء في العهد القديم بأنّ:" في سورية عناصر وهجرات كبيرة متجانسة مع المزيج السوري الأصلي يمكن أن تهضمها الأمّة إذا مرّ عليها الزمن الكافي لذلك، ويمكن أن تذوب فيها وتزول عصبياتها الخاصّة. وفيها هجرة كبيرة لا يمكن بوجه من الوجوه أن تتّفق مع مبدأ القوميّة السوريّة هي الهجرة اليهوديّة. إنّها هجرة خطرة لا يُمكن أن تُهضم، لأنّها هجرة شعب اختلط مع شعوب كثيرة فهو خليط متنافر خطر وله عقائد غريبة جامدة وأهدافه تتضارب مع حقيقة الأمّة السوريّة وحقوقها وسيادتها ومع المثل العليا السوريّة تضاربًا جوهريًّا. وعلى السوريين القوميين أن يدفعوا هذه الهجرة بكلّ قوتهم" من المحاضرة الرابعة- شرح المبدأ الرابع. فهل يقصد سعادة بهذا القول عن الهجرة اليهوديّة اليهود كقوم وأمّة أم كطائفة دينيّة لها عقائد غريبة وجامدة؟ والجواب على هذا السؤال نجده في نشوء الأمم حيث يقول: "اليهود احتفظوا بيهوديّتهم الجامدة من حيث هم مذهب ديني. وقد أكسبهم دينهم الشخصيّ (وليس العالمي أو الكوني أو حتّى الإنساني) عصبيّة لا تلتبس بالعصبيّة القوميّة إلّا على البسطاء والمتغرّضين. اليهود ليسوا أمّة أكثر ممّا هم سلالة (وهم ليسوا سلالة مطلقًا)، إنّهم كنيس وثقافة".

 

صحيح أنّ سعادة لم يعادِ اليهوديّة كدين لأنّه اعتبر أنّ مسألة الإيمان هي مسألة فرديّة وليست مجتمعيّة، حيث أنّ لكلّ إنسان، سواء أكان سوريًا أو ينتمي إلى أيّة أمّة أخرى، الحق بأن يؤمن بما يشاء، وأن يمارس هذا الإيمان أيضًا كما يشاء، ولكن بشكل لا يتعارض مع مصلحة المجتمع. من هنا أكّد على عدم إمكانيّة هضم الهجرة اليهوديّة في مجتمعنا وذلك لأنّ عقيدتها الدينيّة غريبة ومتحجرة أيّ أنّها أثبتت عبر مئات السنين أنّها غير قابلة للتطوّر والإنعتاق من حرفيّة النّصّ استنادًا إلى إعمال العقل وإعطائه فرصة الخروج من الفوضى النمطيّة إلى الوضوح المشرق.

 

أيّها الحضور الكريم،

 

إنّ الإرهاب الإسرائيليّ يتغذّى من نسغ وصايا يهوه الإله الخاصّ ببني إسرائيل. والصهيونيّة إنطلقت من هذه الوصايا الخياليّة للإستيلاء على أرضنا وهي لم تكتفِ بسرقة الأرض بل سرقت حضارتنا وثقافتنا وتاريخنا حتّى أنّهم أخيرًا سطوا على مائدتنا ونسبوها لهم. إلههم طلب منهم في أساطيرهم المسروقة من أساطير بلاد ما بين النهرين وبلاد كنعان كما أظهرت حديثًا المقارنات بين ما تمّ إكتشافه وتمت ترجمته وبين ما هو وارد في التوارة، طلب منهم تدمير معابد شعوبنا القديمة، وها هم اليوم يسعون إلى تدمير مقدساتنا في فلسطين، المسيحيّة منها والإسلاميّة، والعالمان المسيحي والإسلاميّ يتفرّجان ببرودة أعصاب قلّ نظيرها. إنْ تآمر العالم علينا فإنّه ليس ذنب العالم، لأنّه يرانا نتآمر على أنفسنا، فماذا يردعه؟

 

كتاب " العبد التوراتي للإرهاب الإسرائيليّ" فضحٌ للكتاب المؤامرة أيّ العهد القديم، الّذي ولّد مؤامرة حديثة لا زالت فصولها متتابعة. في نهاية الكتاب تبنيّت حلَّ المسألة الفلسطينيّة كما طرحته منظّمة ناطوري كارتا اليهوديّة كحل مثالي لا يمكن أن يُبصر النورَ وأنا في قرارة نفسي مقتنع بأنّ القوّة وحدها هي السبيل إلى إقرار الحق القومي. المقاومة هي الطريق، والتسلّح بالوعي يحصّن المقاومة ويسير بها إلى الإنتصار.

 

هذا الكتاب هو إستفزاز للعقل لكي ينفض الغبار عن الحقائق، والعقل وحده يزوّدنا بالشجاعة لقول ما به نؤمن، والعقل هو الّذي يقودنا إلى الحوار، والحوار على ترسيخ القناعة أو الإقتناع برأي الآخر دون حرج. في مطلع إنجيل يوحنا نقرأ : " في البدء كان الكلمة"... والكلمة بنت العقل، فمنه المبتدأ ومعه يستمر العطاء والإبداع والتطوّر. إني احترم كلّ الأديان، وأقدّر شعور المؤمنين، وليس الكتاب دعوة إلى التخلي عن الإيمان أبدًا، بلّ هو دعوة إلى إقصاء ما فُرِضَ علينا بإسم القدسيّة والألوهيّة، هو دعوة للتمسّك بالإيمان القويم وفضح التحريف الّذي تحدث عنه القرآن الكريم في الآية 75 من سورة البقرة: "وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام الله ثم يحرّفونه من بعدِ ما عقلوه وهم يعلمون". وهذا يعني، كما توصل إليه بعض الباحثين، أنّ التوراة الّتي بين أيدينا هي كتاب محرّف فأين هو الأصل؟ لقد إنطلقتُ من التوراة التي بين أيدينا والمتعارفِ عليها عالميًّا والمعتمدة من اليهود أنفسهم بانتظار إظهار الأساسيّة عندها نبني على الشي مقتضاه. ونتيجة لكلّ أفعالهم دعاهم القرآن إلى الكف عن التحريف والإيمان بماء جاء فيه لأنّه جاء تصديقًا لكلام الأنبياء الصحيح فجاء في سورة النساء الآية 46: "يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدِّقًا لما معكم من قبلِ أن نطمِسَ وجوهًا فنردّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت"، وبما أنّهم لم يرعووا نزلت فيهم الآية رقم 81 من سورة  المائدة: "لتجدنَ أشدَّ الناس عداوة للّذين آمنوا اليهود والّذين أشركوا..."

 

أمّا إقدامي على كتابة هذا البحث عن لفائف البحر الميت فيعود إلى سببين: الأوّل هو إدراكي أنّ قِلّة من الناس قد سمعوا بها، ومن سمع بها لم تسعفه المكتبة العربيّة بما يمكن أن تقدّم له من دراسات وأبحاث حولها، في الوقت الّذي فاقت المؤلّفات  في الغرب عن 5000 كتاب، عدا عن عشرات ألوف المقالات. والسبب الثاني تملكني يعد أن تمكّنت من قراءتها وقراءة تاريخ اكتشافها وصولاً إلى سيطرة كيان العدو عليها بعد احتلاله لفلسطين، ومنع العلماء والدارسين من الإطلاع عليها، مدّعياً أنّ مضمونها يتعارض مع ما جاء في الكتاب المقدّس مما قد يؤثّر سلباً على المؤمنين. فقرّرت بعد إنتهائي من وضع كتابي الأوّل: البعد التوراتي للإرهاب الإسرائيلي، ان استتبعه بكتاب آخر يكون تتمّة له من حيث إلقاء الضوء على هذه النصوص ودراستها عقلانيّاً لكي يكون تأثيرها إيجابياً على المؤمنين بحيث أُظهرها على حقيقتها دون تجميل وتبخير استرضاءً لجمهور المؤمنين الّذي لم يدرك بعد خطورة هذه النصوص على الإنسانيّة الجمعاء.

 

لقد أصبح من الثابت لدى العديد من الدارسين والكتّاب والصحفيين وأصحاب العقول والأقلام الجريئة حول العالم أنّ غاية اليهود، وما أفرزوه من مؤسّسات ذات طابع إنساني ظاهريّاً، هو السيطرة على العالم كما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون. وللذين يشككون بذلك سأروي لهم ما قاله هنري فورد صاحب شركة فورد للسيّارات وواضع كتاب ( اليهودي العالمي) عندما سئل: هل تعتقد أنّ هذه البروتوكولات صحيحة النسب إلى اليهود أمّ أنّها محض اختلاق لتشويه سمعتهم كما يدّعون؟ فقال: لست مجبراً على التحليل والإستقراء والإستنتاج إذ تكفيني مراقبة ما يجري في العالم لكي أقول بأنّها صحيحة. وبعده خبرنا بأنفسنا أنّها صحيحة لأنّ تنفيذها الفعلي انطلق بعد إقامة كيان الإحتلال الإسرائيلي فوق أرضنا.

 

وما حتّم علي الإصرار على الكتابة حول هذا الموضوع هو خوف جمهور الكتبة والدارسين من مقاربته إذ إنّهم بعتقدون أنّه يُثير حساسيّة المؤمنين، وبالطبع غضب اللوبي اليهودي الّذي يسارع إلى إتهام كلّ من يشير بالبنان من الكتّاب أو المفكّرين أو الإعلاميّين، ليس فقط إلى عدم شرعيّة كيان الإستيطان الإحتلال اليهودي، بلّ إلى ممارسات حكومات هذا الكيان المتعاقبة لا فرق بين يمين أو يسار، بحق، ليس فقط الفلسطينيين، بل بحق شعوب كلّ الدول المجاورة، وحتّى الدول البعيدة الّتي تناويء سياسة هذا الكيان العدوانيّة العنصريّة المستعليّة، يتّهمها بمعاداة السامية.

 

 ولأنّنا تنازلنا عن حقّنا بمعرفة نوايا هذا العدو ومخططاته وغاياته القريبة والبعيدة، تخلينا عن حقّنا بمسؤولياتنا الّتي وحدها تخوّلنا مواجهته وتجعل إمكانيّة الإنتصار عليه حقيقة لا وهماً، لأنّ شرط الإنتصار على أيّ عدو هو المعرفة. فلكي ننتصر على هذا العدو يجب أن نعرف أيديولجيته الدينيّة أوّلاً ومن ثمّ أيدولجيته السياسيّة لأنّ الثانية ترتكز بقوّة على الأولى والعكس ليس صحيحاً برأيي. ففور صدور قرار التقسيم عن الأمم المتحدة الّذي يحمل الرقم /181/ تاريخ 29 تشرين الثاني من العام 1947، والّذي رفضته الدول العربيّة وثبته اليهود وتجاوزوا ما أعطي لهم بموجبه، قال بن غوريون: "إنّ قيام إسرائيل لم يأت انطلاقاً من قرار الأمم المتحدة، بل  انطلاقاً من الأمر الإلهي" مشيراً بذلك إلى الوعد الأوّل الّذي أعطاه إله بني إسرائيل يهوه إلى أبرام ( إبراهيم لاحقاً) والّذي أعطى بموجبه إبراهيم وذريّته من بعده، والّتي عُرفت ببني إسرائيل = العبرانيين = أو اليهود، أرض كنعان بداية ثمّ توسّع بهذا الوعد لكي يشمل بلاد ما بين النهرين وجزءاً من مصر.

 

وبعد القراءة جاء التحليل ثمّ الإستنتاج بأنّ هذه المخطوطات لا تختلف بشيء عن أسفار التوراة الّتي بين أيدينا إلّا بحداثة كتابتها نسبة إلى أسفار العهد القديم الّتي يتّفق الدارسون أنّ البدء بكتابتها يعود إلى القرن السادس ق.م. واستمرّ لعدّة قرون، أمّا اللفائف فكتابتها تعود إلى القرن الثاني ق.م. واستمرّت إلى القرن الثاني بعد الميلاد أيّ بفارق ثلاثة قرون. لقد أعطيت أهميّة ليس لمحتواها برأيي وإنّما لأنّها أقدم مخطوطات عن العهد القديم وُجدت لغاية اليوم.

 

إنّ دراسة هذه المخطوطات هي محاولة أخرى لفضح كذب اليهود وتزويرهم للحقائق ومحاولاتهم الدائمة للسيطرة على عقول المؤمنين من خلال تصويرهم لديانتهم بأنّها الديانة التوحيديّة الأولى والّتي ارتكزت عليها المسيحيّة أوّلًا وبعدها المحمديّة. ولقد نجحوا لغاية الآن بمؤامراتهم، لأنّ أمتنا، وكما أشار إلى ذلك سعادة، لم تؤسّس منظمة لمواجهة المنظمة الصهيونيّة، بل هي عملت على إجهاض هذه المنظّمة أيّ الحزب السوري القومي الإجتماعيّ الّذي ألقى عليه وحده مسؤوليّة المواجهة وبالتالي الإنتصار على المشروع اليهودي الصهيوني. يقول سعادة: "نحن أمّة  واقفة الآن بين الموت والحياة ومصيرها متعلّق بالخطّة الّتي نرسمها لأنفسنا والإتّجاه الّذي نعيّنه. فالتّاريخ لا يسجّل الأماني ولا النيّات بل الأفعال والواقائع". فهلا عملنا على تحقيق مضمون هذه المقولة قبل فوات الأوان؟"

 

"المجتمع معرفة والمعرفة قوّة"، والمعرفة لا تتمّ إلّا بالمواصلة الدائمة على الإطّلاع والتنقيب والكتابة للمساعدة على كشف الحقائق وفضح التزوير المستمرّ للحقائق الدينيّة والتاريخيّة والجغرافيّة.

 

الكتابان مساهمة متواضعة بهذا الإتّجاه مرتكزة على ما قاله إبن رشد من أنّ " العقل يجب أن يقدّم على النقل. وعلى ما قاله أبو علاء المعرّي: "لا إمام سوى العقل"، وعلى ما قاله سعادة: "العقل هو الشرع الأعلى"، فهل لنا أن نلتجأ إليه لكي يلج بنا من عالم الظلمة والغموض والتفسّخ إلى عالم النور والوضوح والوحدة؟

 

وفي الختام لا بدّ لي من أن أشكر الرفيق الدكتور جهاد العقل الّذي كرّس وقته وجهده للإضاءة على هذين العملين، كما أشكر الرفيقة سمر حسان على التقديم، وأخصّ بالشكر مؤسّسة سعادة للثقافة رئيسة وهيئة إداريّة وأعضاء وكلّ من شارك وساهم بإنجاح مهرجان العرزال بشكل عام وندوتنا هذه بشكل خاصّ، والشكر للحضور الكريم على أمل الإستمرار بالنضال على كلّ الصعد لما فيه مصلحة أمّتنا.

                                                                                                                                                                                                                                                                              

 
التاريخ: 2022-07-13
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro