مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
قصة "عيد سيدة صيدنايا"
 
حاج إسماعيل، حيدر
إعداد: كلية سعاده - أستراليا
 

 

 

 

قالت (ل):    عرفتُ أن سعاده، كتبَ في الفلسفة والسياسة والأدب، سؤالي: هل كتب سعاده كتابة قصصية؟

 

قلتُ:         الحق يقال، إنّ سعاده كتب قصتين هما: "فاجعة حب" و "عيد سيدة صيدنايا".

 

قالت (ل):    هل تعطينا فكرة، عن الإتجاه القصصي لسعاده، في القصتين المذكورتين؟

 

قلتُ:         بكل سرور. كان إتجاه سعاده العام في كل كتاباته، إتجاهاً قومياً أو شعبياً. وفي كتاباته القصصية، لم يحد سعاده عن هذا الإتجاه.

 

قالت (ل):    ما هي قصة "عيد سيدة صيدنايا"؟ وكيف ظهر الإتجاه القومي في هذه القصة؟

 

قلتُ:         يبدأ سعاده قصته، بوصف جميل لبلدة صيدنايا الصغيرة، الواقعة بالقرب من مدينة دمشق، المؤلفة من منازل صغيرة، ثم يخصص وصفاً للدير الكبير المشهور في البلدة، فيقول أنه مبني على ذروة تل، تشرف على جميع الجهات، ويذكر الملاحظة التالية: "إن احتلال الأديرة أجمل مواقع البلاد، لأمر بديهي عندنا. فالأديرة في بلادنا تقوم مقام قصور الأمراء والأشراف في البلدان الغربية"[1]. ولا ينسى سعاده، أن يشير إلى أحد الإعتقادات الشعبية، عندما يقول أنه وجدت على هضبة قريبة من التل، مغارة اسمها مغارة "أم بزاز"، أي ذات الأثداء، وكان يعتقد أهل تلك النواحي أنها مقدسة، ويعدّون الحج إليها من جملة الفرائض.

 

             أما القصة الشعبية ل "أم بزاز" فتشمل الإعتقاد بأنها قديسة قديمة، كان لها قوة عجائبية، والقرويون يستدلون على صحة حكايات القديسة وعجائبها، بوجود مكان في قمة المغارة، ترشح منها قطرة ماء في شبه نظام، كل ثلاث دقائق تقريباً، وهم يتبركون بقطرات الماء.

 

             في عيد سيدة صيدنايا، يتوافد السوريون من جميع أنحاء البلاد السورية، دمشق، انطاكيه، حلب، حمص، الإسكندرونة، بيروت، جبيل، صيدا، صور، حيفا، يافا، القدس، ومن مختلف قرى لبنان، فتغص البلدة بالزائرين ويضيق الدير بالحجاج. ويصف سعاده المظهر الشعبي لذلك العيد بقوله: "فيجتمع في العيد المذكور خلق كثير، ليس من المسيحيين فقط، بل من المحمديين أيضا، لأن عيد سيدة صيدنايا يتخذ صفة عيد شعبي لتلك المنطقة، فيبتهج فيه الشعب على مختلف نحلهم". ثم يضيف رأيه التوجيهي التربوي الإجتماعي التالي فيقول: "إن هذا الأمر ينبهنا إلى الفائدة الإجتماعية الجليلة التي يجنيها الشعب السوري كله، من جعل الأعياد الدينية، المسيحية والمحمدية، أعياداً شعبية يوحد فيها السرور والإبتهاج، عواطف جميع السوريين، ويجعلهم يشعرون بوحدتهم القومية الإجتماعية"[2].

 

قالت (ل):    هذا يعني أن سعاده يعتبر الأعياد، حتى لو كانت دينية، مناسبة لإجتماع عواطف الشعب، وليست مناسبة لترسيخ تمزيقه؟

 

قلت:         هذا صحيح.

 

قالت(ل):     لكن توجيه سعاده يقتضي، أن يكون أبناء الشعب السوري، على قدر من الوعي القومي، على مقدار من الثقافة التهذيبية، فيتساهلون مع بعضهم البعض، ويحترمون معتقدات بعضهم البعض.

 

قلت:         كلامك صحيح.

 

قالت (ل):    ثم ماذا حصل في القصة؟

 

قلت:         يصف سعاده بعد ذلك ملابس القرويات السوريات، باعتبارها ملابس قومية، فيقول ما يلي: "فللقرويات السوريات حلل زاهية الألوان، بديعة المنظر، حتى يحق لهن أن يباهين بها قرويات العالم، في سلامة الذوق وجمال المظهر". ويضيف قائلاً: "وملابس قروياتنا إجمالاً جميلة ولها رونق الزي القومي"[3].

 

قالت (ل):    ومادا حصل بعد ذلك؟

 

قلت:         بعد ذلك، يدخل سعاده في صلب قصته، فيصف لنا الحوادث التي وقعت في مناسبة عيد سيدة صيدنايا عام 1930، والمتعلقة بشاب من لبنان، مثّل فضائل البطولة والشهامة والحب العفيف.

 

قالت (ل):    كيف كان شكل بطل القصة هذا؟

 

قلت:         يصف سعاده، بطل القصة ابراهيم، وصفاً دقيقاً تجلّت فيه المقدرة الفنية واللغوية عند سعاده فيقول: "كان من القادمين الى دير صيدنايا في عيد السنة المذكورة، شاب من لبنان، ربعة إلى الطول، مرير القوى، مسمور الجسم، في قامته استقامة الرمح، ذو صدر يشبه بارتفاعه برجاً حصيناً، وهو مستوي الوقفة، معتدل الخطوة، ولعينيه بريق تظهر فيه قوة روحه، وهيأته إجمالاً تدل على أنه غير ميال كثيراً إلى الهزل".

 

             ثم يقول في وصف ابراهيم، أن هذا لم يأتِ إلى صيدنايا للقيام بفروض كنسية، "لأن هذا كان يحب الله والطبيعة، حباً خالياً من الرهبة، التي تدعو الى السجود وتقديم القرابين"[4].

 

قالت (ل):    إذن لماذا ذهب إلى صيدنايا؟

 

قلت:         الذي يقول سعاده أيضاً "أن رغبته الوحيدة كانت أن يشترك في العيد، ويرى مظاهر جديدة من مظاهر قومه الشعبية"[5].

 

قالت (ل):    وبعدها ماذا حصل؟

 

قلت:         الذي حصل هو أن بطلنا إبراهيم، بينما كان يتجول في باحات الدير وأروقته، ويتنقل على سطوحه، وقعت عيناه على حلقة رقص (دبكة)، في وسط الباحة الكبيرة التي أمامه، وكانت الحلقة مؤلفة من فتيات قرويات. لكن الذي لفته بقوة غريبة، كانت فتاة انفردت عن رفيقاتها، وراحت ترقص وحدها بشكل مبتكر في وسط الحلقة.

 

قالت (ل):    وما شكل تلك الفتاة؟

 

قلت:         يصف سعاده تلك الفتاة بالوصف الدقيق الجميل التالي، الذي يدل على سعة اطلاعه على مفردات اللغة العربية، فيقول: "كانت الفتاة معتدلة القد هيفاء القوام، تلعاء الجيد، أسيلة الخد، ذلفاء الأنف، حوراء العينين، وطفاء الأهداب، وكانت لابسة حلة أرجوانية، شادة وسطها بنطاق مذهّب، معلّقة في أذنيها الصغيرتين قرطين كبيرين تتدلى منهما قطع نقود ذهبية صغيرة، لافّة شعرها بمنديل تتدلى منه قطع نقود فضية، ومن فوقه وشاح أبيض مسدل على ظهرها".[6]   

 

             هل فهمت هذا الوصف الدقيق الجميل للفتاة الراقصة؟

 

قالت (ل):    الحقيقة إني لا أجيد اللغة العربية مثل سعاده، لكني كأنثى أستطيع أن أقول أني فهمت أن تلك الفتاة، هي حلوة القد، حلوة القوام، حلوة الجيد، حلوة الخد، حلوة الأنف، حلوة العينين، حلوة الأهداب وحلوة الثياب، إنها حلوة حلوة حلوة، من جميع الجهات.

 

قلت:         حقاً لقد فهمتِ تماماً ما أراده سعاده.

 

قالت (ل):    لكن لم تذكر لي حتى الآن اسم تلك الفتاة.

 

قلت:         كان اسمها نجلا.

 

قالت (ل):    وماذا حصل بعد ذلك؟

 

قلت:         إني كنت أحب أن أسألكِ أنتِ هذا السؤال: ماذا حصل بعد ذلك؟

 

قالت (ل):    لا بد أن إبراهيم وقع في حب نجلا

 

قلت:         وكيف عرفتِ؟

 

قالت (ل):    أنا أنثى. وللأنثى مصادر خاصة بها.

 

قلت:         الحقيقة هي تماماً كما قلتِ. وقع إبراهيم في حب نجلا، منذ نظرته الأولى لها.

 

قالت (ل):    ماذا حصل بعد ذلك؟

 

قلت:         بعد ذلك بدأت المشاكل، إذ يبدو أن الحب لا يمضي هيّناً.

 

قالت (ل):    باللّه حدثني، ماذا حصل بعد ذلك؟

 

قلت:         تدخّل شاب اسمه جرجس، بأن شق طريقه نحو الفتيات الراقصات، وراح يحدّث نجلا بتودد وهي تبدي امتعاضاً من وجوده.

 

             هنا انطلق ابراهيم وخلّص نجلا من الحال المفروض عليها قائلاً: "أيتها الآنسة، إن الطريق مفتوحة لك ولرفيقاتك". وعندما همَّ جرجس باللحاق بنجلا، جذبه ابراهيم بيده القوية إلى الوراء وصاح به بغضب، إذا كنت لا تترك مطاردة الفتيات، فقد تقع في ورطة يعسر عليك الخروج منها[7]. منذئذ امتلأ قلب جرجس حقداً على ابراهيم.

 

قالت (ل):    لكن لماذا يتدخل جرجس في شؤون نجلا؟

 

قلت:         جرجس، هو ابن عائلة ذات نفوذ في المنطقة، وهو يمثّل نمطاً من الشبّان المائعين. كان دائماً يطارد نجلا، التي كانت تتردد على مدرسة في بيروت، ويحاول الوصول إليها، لكنها كانت تتجنبه بذكاء.

 

             حدث مرة أن زارها في بيروت، مدّعياً أنه يحمل كتاباً إليها من والدها، وهناك حاول اختطافها، لولا تدخل رشيد صديق ابراهيم.

 

             وقد تحدى جرجس رشيداً بعد تلك الحادثة، فكان ان اتفق الإثنان على المبارزة بالسيف في عيد سيدة صيدنايا.

 

قالت (ل):    وماذا حصل بعد ذلك؟

 

قلت:         تقدم جرجس من ابراهيم ووجه إليه تحدياً قائلاً: "إذا كنت تدّعي استعمال السيف أحسن مني، فجرّب نفسك"[8].

 

             قبِل ابراهيم التحدي وراح يبارز جرجس. وهذا وصف سعاده لبعض مراحل تلك المبارزة:

 

             "والتحم المتضاربان مرة أخرى، وسُمِع لسيفيهما صليل وقبقبة، وحانت لإبراهيم فرصة، يدرك كل من يعرفه أنها قاضية له، ولكنه بدلا من أن يهوى بسيفه على منكَشَفِ منازله، تباطأ كمن يشعر بارتخاء ساعده، وكان جرجس قد سدد ضربة شديدة إلى عنقه، فمال عنها واعترضها بكتفه، فجرحته جرحاً بالغاً. وقبل أن يتمكن الإثنان من العودة إلى الإلتحام، ركضت الراقصة ووقفت بينهما وأسرع الناس وكفّوهما عن القتال".[9]

قالت (ل):    وماذا حصل بعد ذلك؟

 

قلت:         بعد عام عاد ابراهيم مع صديق له إسمه أنيس، الى صيدنايا، بعد أن أصبحت صورة نجلا لا تفارق مخيلته.

 

             ويصف سعاده الحوار العاطفي الرقيق التالي، الذي جرى بينه وبين محبوبة قلبه، قال ابراهيم:

 

- "أنتِ هنا؟"

 

- "نعم أنا هنا. لقد كنت أفكر منذ هنيهة وأسائل نفسي: هل يجيء؟"

 

- "هل شككتِ في مجيئي؟"

 

- "أرجوك أن لا تحملني على الإباحة بكل الهواجس، منذ يوم عيد سيدة صيدنايا الأخير، حتى هذا اليوم."

 

"لقد جئت وفي نيّتي أننا إذا التقينا فلا فراق، فما هي نيّتك أنت؟"

"أنت الشخص الوحيد الذي تمنيت من كل قلبي، أن يبقى إلى جانبي دائماً، فقد أرعبني الكثيرون، وملأوا نفسي اشمئزازاً وخوفاً".

 

فضمّها إبراهيم إلى صدره وطبع على شفتيها قبلة حارة، وأجابها: “إننا لن نفترق، ولن يخيفوكِ بعد الآن".

 

قالت (ل):    وماذا حصل بعد ذلك؟

 

قلت:         الذي حصل، أن جرجس اعترض سير ابراهيم متحدياً بقوله: "إن ذلك السيف الذي تراه على الأرض، ينتظرك لإنهاء البراز الذي بدأناه السنة الماضية، في مثل هذا اليوم".

 

             هنا أخذ إبراهيم عصا صديقه أنيس قائلاً: "لا حاجة إلى ذلك السيف، فإن هذه العصا تكفي لتأديبك، فخذ مكانك سريعا".

 

             ونشبت المعركة، وكانت نتيجتها سقوط جرجس على الأرض صريعاً نتيجة ضربة شديدة في قمة رأسه، من ابراهيم.

 

             وحاول أربعة من رجال جرجس مطاردة ابراهيم، فتصدى أنيس لإثنين منهما، وكرّ ابراهيم على الإثنين الآخرين بأن أمسكهما من عنقيهما، ودق رأسيهما الواحد بالآخر، مما أفقدهما الصواب.

 

             وخرج ابراهيم ونجلا من صيدنايا في سيارة أنيس، وتوجه جمهورهم في أول الأمر إلى منزل والد نجلا، وفي صباح اليوم التالي، أصبح ابراهيم ونجلا....

 

قالت (ل):    ... زوجين

 

قلت:         ما هي ملاحظاتك على هذه القصة؟

 

قالت (ل):    أوافقك أنها قصة ذات إتجاه قومي، فهناك عدة مسائل وردت في القصة، تدل على أن سعاده، أراد منها توجيها تربوياً قومياً، من هذه المسائل أذكر:

 

 أولاً: مسألة الأعياد الدينية، واقتراح تحويلها إلى أعياد شعبية جامعة. 

            

ثانياً: مسألة إبراز الفضائل القومية، مثل فضيلة نصرة المرأة المظلومة، والشهامة وكرم الأخلاق والمروءة.

 

ثالثا: مسألة محاربة المثالب الرجعية، التي مثّلها خير تمثيل، جرجس.

 

رابعاً: مسألة المحافظة على بعض التقاليد الجميلة، مثل لعبة السيف وأزياء الثياب القومية.

 

خامساً: مسألة إبراز الحب الراقي، الذي لا يغرر ولا يخدع، بل يكون حباُ جدّياُ مسؤولاً.

 

قلت:         أوافقك كل الموافقة.

 

 

 

 

 


[1] أنطزن سعاده، الآثار الكاملة، أدب، بيروت، 1960، ص 115

[2] المرجع السابق ص 116

[3] المرجع السابق ص 117

[4] المرجع السابق ص 118

[5] المرجع السابق ص 118 أيضاً

[6] المرجع السابق ص 119

[7] المرجع السابق ص 121

[8] المرجع السابق ص 127

[9] المرجع السابق ص 128

 
التاريخ: 2022-12-23
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro