مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
هل سيتحقق ما نصبو إليه؟
 
ملحم، ادمون
 

 

 

 

في عشرينيات القرن الماضي، كتب سعاده في "الجريدة"، وهو في الثامنة عشرة من عمره، كلاماً أبدى فيه رفضه للخرافات والغيبيات والمعجزات والتزامه بمنهج التفكير العلمي، إذ قال:

 

"كلنا يعلم أنّ زمن الـمعجزات والعجائب والـخرافات قد مضى وأصبح النـاس يسيرون على أنوار الـحقائق بعد أن كانوا يسيرون في ظلمـات الـجهل. والذين لا يتبعون الـحقائق خاسرون لا محالة. ونحن، السوريين، لكي نكون من الفائزين في نهضتنا الـحديثـة، يجب علينا أن نسير بـموجب الـحقائق الراهنة. أما إذا كنا ننتظر مسيحـاً آخر آتياً من السماء، أو أماً حنوناً آتية من الأرض لتمنحنا ما نريد، فثقوا بأننا سننتظر إلى الأبد."[i]

 

وإيماناً منه بالحقائق العلمية والاجتماعية وبقوة المعرفة، لم ينصرف سعاده إلى الأحلام والتمنيات منتظراً حصول العجائب والمعجزات، بل انطلق من واقع أمته الفاقدة السيادة والحرية وكرَّسَ جهده لدراسة هذا الواقع وللكشف عما يعتريه من إنقسامات وأمراض وعصبيات.. فهو اعتبر ان هكذا دراسة توضح الواقع الاجتماعي الإنساني والعلاقات الناتجة عنه هي أمر ضروري لحياة الأمة وارتقائها و"لكل مجتمع يريد أن يحيا."[ii] لقد أراد أن يحقق يقظة شعبه بتوليد وعي قومي صحيح يؤدي إلى إنقاذ أمته من تخبطاتها ويقضي على عصبياتها العنجهية المشتتة وعلى جميع مشاكلها الروحية والنفسية. وأراد أن يهيئها بالعقيدة القومية لتستعيد حريتها وسيادتها على نفسها فتنهض من قبر التاريخ وتقوم بدورها الحضاري الريادي وتؤدي رسالتها الإنسانية في إنشاء حضارة العالم وترقية البشرية.

 

إذاً، سعاده أراد إنقاذ الأمة وتوجيه حياتها نحو التقدم والفلاح بواسطة المبادىء القومية الاجتماعية.. لذلك فهو يقول: "إن قصدنا نحن بالمبادىء ليس فقط صوراً جميلة على الورق، بل قوة فاعلة في الحياة - حياة تعمل وتنشىء وترتقي وتحقق وتخلق."[iii]

 

ولكي نتمكن من توليد الوعي القومي الصحيح وتأسيس الحياة الجديدة لشعبنا، لا بد لنا من اعتماد سبيل العلم والمعرفة والتنوير والعقل.

 

العقل:

 

العقل هو منتج الأفكار والفلسفات والشرائع والعلوم وكل ما ابتدعه الإنسان العاقل - الفنان، من كتابة ورموز وفنون وعلوم وتكنولوجيا وأدوات وما حققه من انجازات واكتشافات ومآثر وانتصارات وحضارة. فبالعقل وتطور الذكاء ذلّلَ الإنسان الصعاب وبدّد الظلمات ونشر المعارف واخترق طبقات الأرض وحلّق في السماء صاعداً إلى النجوم وأخضع الأشياء لسلطانه وجعل من نفسه سيد المخلوقات متفوقاً وباسطاً سلطانه على الأرض.

 

العقل، بإختصار، هو التفسير الكبير والصحيح لوجود الإنسان. هو حقيقة الحقائق كلها وقد عبَّرَ عنها الفيلسوف الفرنسي ديكارت حين قال "أنا أفكر إذن أنا موجود". وهو، كما يقول سعاده: "الشرع الأعلى والشرع الأساسي. هو موهبة الإنسان العليا. هو التمييز في الحياة.."[iv]

 

إن قيمة حياة الإنسان تكمن بما يصحبها من وعي وإرادة وقدرة فائقة على التمييز والتغيير وعدم الاستسلام للواقع وبما تدفعه إرادته لتحقيق مطالبه في الحياة ليحيا بأمان وحرية وكرامة وإبداع. فإذا "تلاشت ميزة الإنسان الأساسية"[v] وعطلنا الفكر والعقل، يقول سعاده: "عطلنا الإرادة، عطلنا التمييز وأنزلنا قيمة الإنسان إلى قيمة الحيوان."[vi]

 

إذا أردنا أن نضع حداً لحالة التراجع والانهيار في أوضاعنا فيجب أن نعتمد العقل ونأخذ بأحكامه والعمل بمقتضاها. فالعقل يمثّل النور والضياء واليقين والسبيل للنفاذ إلى الحقيقة. لذلك يعتبر الباحث الإنكليزي د. جون ج. تايلور في مؤلفه "عقول المستقبل" أن "الأمة التي تكيّف مؤسساتها بحيث يتم استيعاب ثمار الثورة العقلية بأكبر فائدة ممكنة ستكون أصلح من تلك التي لم تستوعبها استيعاباً جيداً."[vii]

 

الإرادة الواعية:

 

يجب أن نتخلى عن معالجة شؤون حياتنا بالأحلام الطوباوية والشعارات الوهمية وبالعقلية الغيبية والقبلية والاتكالية الإستسلامية فالإصلاح لا يتحقق بالأحلام والتمنيات وبتغيير المجالس والحكومات ولا يتحقق بالجعجعة والبهورات السخيفة وبرفع الشعارات الزائفة وتحريك العصبيات المذهبية ولا بإعتماد الحلول الإرتجالية الترقيعية والقوانين الطائفية وغيرها من المسكّنات.. بل نراه نابعاً من ذواتنا بالعقل والإيمان، بالإدراك والإبداع، بالإرادة الفاعلة والبطولة المؤمنة، بالتخطيط البديع والرؤيا الواضحة، وببناء النفوس بناءً جديداً في المعرفة الفاضلة والعقيدة الصالحة والمناقب الجديدة التي تزرع الفضائل النبيلة وتؤسس حياة جديدة للأمة فيها الخير والبحبوحة والمحبة والمثل العليا والجمال.

 

لذلك يجب أن نعتمد العقل شرعاً أساسياً وأعلى في تدبير أمورنا. فبدل الاستسلام للقدر وللإرادات الغربية في تقرير مصيرنا، يجب أن نبدأ بتقرير قدرنا في الحياة بإرادتنا نحن. فنحن قادرون بعقولنا ونضالنا وجهادنا أن نعالج مشاكلنا وأن نخطط للنهوض والعز والكرامة. إن لدينا القدرة على الخلق والإبداع وعلينا أن نؤمن بنفسيتنا الجميلة ونراهن على ما يختزن فيها من خير وجمال وإبداع. إن ما ينقصنا هو الإرادة الواعية المصممة التي تدفعنا إلى التخطيط والعمل المنظّم والإجماع على مشروع نهضوي بناء يوّحد اتجاهنا في الحياة ويحرّر "أفكارنا من عقائد مهترئة وأوهام قعدت بنا عن طلب ما هو جدير بنا."[viii]

 

نحن قادرون أنّ نُثبت للعالم أنّ في نفوسنا استعداداً للتطوّر والإبداع والإشعاع من خلال ما نتمتّع به من مواهب طبيعيّة ومن خلال ما في أمّتنا من طاقات هائلة وما يكمن في نفسيّتها من علم وفنّ وفلسفة وجمال… فأمّتنا هي أمّة الثّقافة والعمران، أمّة التّاريخ الحافل بالخير والنّور والعطاء الحضاريّ، أمّة العلوم والأبجديّات والمعارف والشّرائع والفلسفات الإنسانيّة والأديان السّماويّة، أمّة النّوابغ والعبقريّات الخّلاّقة ومشاعل الفكر والأدب والنّهضة والحريّة والسّلام.

 

العلم:

 

لقد لعبت العلوم الأساسية دوراً بارزاً في عملية التطور الحديث والتقدم المعرفي وتحقيق الكثير من المنافع التي تعود بالخير على البشر كافة، وكانت الركيزة التي بنيت عليها مختلف النشاطات العلمية والتكنولوجية التي تحققت حتى الآن. العلم هو ثقافة الثورة المستمرة والتقدم إلى الأمام، وهو ثقافة التغيير والتطوير عن وعي وإرادة وتصميم. وهذه الثقافة هي ثقافة قوة الإنسان والإيمان بنفسه وبقدرته على البحث والإبتكار والتحدي والتغيير وبناء المستقبل. وهي بالتالي ثقافة الإيمان بقيمة الإنسانية وجمالها.

 

إن تقدم الدول مرهون بقوتها العلمية والتكنولوجية وإنتاجها العلمي والثقافي وبإهتمامها بحرية الفكر والتعليم وبناء الطاقات البشرية والعلمية القادرة على إحداث تغيير في المجتمع. فهل نسعى إلى استغلال العلم وفوائد المعرفة لتحسين حياتنا ولصياغة مستقبل مُشِع لأجيالنا القادمة؟

 

الوعي القومي

 

إن ما نصبو إليه هو ان ننقض واقعنا الراهن وننهض بأمتنا من قبر التاريخ.. وهذا لا يكون، في رأينا، إلا بمشروع نهضة حقيقية تشق طريق الوحدة بإيقاظ الروح القومية التي تحرّر النفوس من عبودية الإستسلام للحال الراهنة. وهذه الروح لا يولِّدها إلا الوعي القومي الصحيح لحقيقتنا الاجتماعية ولوحدة حياتنا ومصيرنا فيجمعنا شعباً واحداً بصفوف واحدة واتجاه واحد.. هذا الوعي القومي هو الشرط الأولي للسير نحو المقاصد السامية لأنه يوّحد قوى الأمة الحية وإمكانياتها وعقولها ومواهبها المخزونة ويجعل منها قوة فاعلة قادرة على تحقيق ما تريد. فهل سيتحقق ما نصبو إليه وتنتصر هذه الروح القومية؟

 

 


[i] أنطون سعادة، الأعمال الكاملة، المجلد الأول، "السوريون في عالم الاقتصاد" – الـجريدة، سان باولو، العدد 80، 1922/6/10.

[ii] أنطون سعاده، نشوء الأمم، المقدمة، ص 14.

[iii] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 36.

[iv] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، طبعة 1976، ص 127.

[v] المرجع ذاته.

[vi] المرجع ذاته، ص 156-157.

[vii] د. جون ج. تايلور، عقول المستقبل، ترجمة د. لطفي فطيم، سلسلة عالم المعرفة 92، 1985، ص 17.

[viii] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، عمدة الثقافة، بيروت، 1976، ص 33.

 
التاريخ: 2022-05-06
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro