مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الإرث الصراعي في الذاكرة القومية الاجتماعية
 
ألقيت في الندوة المركزية قاعة خالد علوان
سمعان، أسامة
 

                                                                                         

 

مقدمة.

 

يعدّ علم التاريخ من أقدم العلوم الإنسانية، إذ نشأته مرتبطة بنشوء البشر،  فحيث لا يوجد بشر لا يوجد تاريخ، وهو علم مرتبط بالوعي، فإذا انعدم الوعي مات التاريخ.

 

وإذ تبرز أهمية علم التاريخ في كونه مركزاً لسائر العلوم، ومدخلاً إليها كلها. يستطيع المؤرخ من خلال هذا العلم الدخول إلى أي علم يريد من خلال إضافة كلمة تاريخ إليه. كون كل العلوم مرتبطة بعملية الوعي عند الإنسان، ولهذا كان على من يريد اقتحام علم التاريخ أن تكون ثقافته شاملة وواسعة، ولديه إلمام في كيفية سبر أغوار هذه العلوم. 

 

والتاريخ مرتبط بالحدث التاريخي، الذي يؤثر في حياة الناس، سلباً أو إيجاباً، ولكي يصبح التاريخ فناً، وجب على المؤرخ أن يفكك الحدث ويحلله تحليلاً علمياً عميقاً متجرداً من الأهواء، لكي يتمكن من سبر أغوار الحدث والوقوف على إسراره، قبل وقوعه، وأثناء وقوعه، ونتائجه، لكي يتمكن المؤرخ الباحث من استنباط العبرة التاريخية.

 

 والتاريخ لا يعيد نفسه، لأن ذلك يتطلب توفر المكان نفسه، والإنسان نفسه، والزمان نفسه. ولكن التاريخ يعيد عبره، التي يصح أن تكون بمثابة نظريات يمكن اعتمادها في تفسير أحداث قادمة في أوقات لاحقة.

 

وفي رأيي أن أهم ما في علم التاريخ، ليس الحدث التاريخي، على أهميته، بل قدرة المؤرخ على استشراف المستقبل أو ما يسميه عالم التاريخ بالوعي التاريخي، أو التاريخانية، وعلى أساس الوعي التاريخي تقدم العظماء في التاريخ الذين تم لديهم الوعي التاريخي لقيادة شعوبهم على صنع تاريخ لائق بهم وبشعبهم، استناداً على الإرث الصراعي الموجود لدى ذاكرة الجماعة القومية، كما فعل سعاده العظيم وحزبه. وهو القائل:

 

"إن أهم عوامل فقدان الوجدان السوري القومي أو من عوامل ضعفه، إهمال نفسية الأمة السورية، الحقيقية، الظاهرة في إنتاج رجالها الفكري والعلمي، وفي مآثرها الثقافية، كاختراع الحروف الهجائية، التي هي أعظم ثورة فكرية ثقافية حدثت في العالم، وإنشاء الشرائع التمدنية الأولى، ناهيك بآثار الاستعمار والثقافة السورية المادية – الروحية، والطابع العمراني الذي نشرته سورية في البحر السوري... وبما خلده سوريون عظام، كزينون، وبار صليبي، ويوحنا فم الذهب، وافرام، والمعري، وديك الجن الحمصي، والكواكبي، وجبران وطائفة كبيرة من مشاهير الأعلام قديماً وحديثاً. أضف على ذلك قوادها ومحاربيها الخالدين من سرجون الكبير، إلى اسرحدون، وسنحاريب، ونبوخذ نصر، وآشور باني بال، وتقلاط فلاصر، إلى حنون الكبير وهاني بعل أعظم نابغة حربي في كل العصور وكل الأمم، إلى يوسف العظمة الثاوي في ميسلون" .

 

ويتابع في الشرح قائلاً: "في النفس السورية كل علم وكل فلسفة وكل فن في العالم... إذا لم تقو النفس السورية، وتنزه عن العوامل الخارجية وسيطرة النفسيات الغربية، فإن سورية تبقى فاقدة عنصر الاستقلال الحقيقي، فاقدة المثل العليا لحياتها"([1]). وفي قول سعادة هذا استناد واضح لا لبس فيه في استرجاع الإرث الصراعي في ذاكرة الأمة السورية،       

 

 

1-مفهوم التاريخ عند سعاده.

 

لم نعثر على نص لسعاده يحدد مفهومه للتاريخ، ولكن من السهل استنباط مفهومه للتاريخ من مجمل كتاباته التي استخدم فيها التاريخ فيأتي على الشكل التالي:

 

علم التاريخ يقدم قواعد نظرية علمية وفلسفية، ودراسته تؤدي إلى الاستقلال الفكري الذي يؤسس للاستقلال السياسي، وتعلمه له أثر فاعل في التوجيه، والجماعة الإنسانية هي التي تصنع التاريخ، وليس التاريخ مكتوب في طبيعة الأرض، والتطور التاريخي ثلاثة أنماط:

 

- التطور الارتقائي التدرجي.

 

- التطو القطعي.

 

- التطور الارتدادي ولكنه متقدم. وأن عملية التطور بانماطها كلها، إنما تتم وفق قاعدة التفاعل المادي- الروحي.

 

فمن حيث أن التاريخ يقدم قواعد نظرية علمية، يندد سعادة بالذين لا يفقهون شيئاً من مبادئ علم الاجتماع ولا يعرفون تاريخ بلادهم ويحتجون على الحقيقة بادعائهم خلوص الأصل الدموي وتفضيل القول بأصل واحد على الاعتراف بالمزيج الدموي، ويتهمهم بارتكاب خطأين أولهما علمي والثاني فلسفي، فالخطأ العلمي يكمن بادعاء نقاوة السلالة الواحدة أو الدم كون ذلك خُرافة لا صحة لها في أمة من الأمم على الإطلاق، وهي نادرة جداً إلا في الجماعات المتوحشة، أما الخطأ لفلسفي فيكمن في الحقيقة، وإقامة وهم خرافي مقامها([2]).

 

ومن حيث أن دراسته تشكل عامل استقلال فكري فيكمن في شرحه للمبدأ السابع القائل: "تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي"  

 

ومن ناحية أن تدريس التاريخ له Hثر فاعل في التوجيه، فيكمن في كلامه على عوامل الانحراف الذي وقعت فيه قيادة الحزب أثناء اغترابه ألقسري إذ يقول:" كنت أثناء غيابي أتوقع أن يكون القوميون الاجتماعيون المهتمون بالمسائل الروحية الثقافية والأسس الفكرية قد جعلوا همهم الأول درس حقيقة مبادئ النهضة، ودرس الشروح الأولية الأساسية، التي توضح الاتجاه، والغاية والأهداف القومية الاجتماعية، إرساخاً للعقيدة وتدقيقاً في العمل. هذا ما كان ينتظر، ولكن ما استغربته كثيراً جداً هو الاتجاهات الانحرافية التي نشأت وبرهنت على انه لم يكن شيء مما توقعت، وقد ظهر من الاختبارات التي مرت في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، أن تاريخ الحزب، ضمن العوامل التي جابهها، لم يكن له أثر فاعل في التوجيه، وهذه الحقيقة تدل على أنه لم تكن هناك عناية بتدريس تاريخ الحزب وتاريخ نشأته وسيره الأول، وكيف تغلب على الصعوبات، وما هي القضايا الأولى التي جابهها وكيف عالجها، وكيف أنشأ قضية عظيمة، وجعلها تنتشر، وتمتد وتسيطر على الرغم من كل الصعوبات والعراقيل التي اعترضها([3]).   

 

أما من حيث ارتباط التاريخ بوجود الجماعة، يقول سعاده في كتابه نشوء الأمم تحت عنوان البيئة وتاريخ الجماعة، "إن التاريخ غير مكتوب في طبيعة الأرض، مع أن الأرض هي احد الافتراضات التي لا بد منها لنشوء التاريخ والعوامل الفاصلة في حياة البشر وتطورها هي العوامل النفسية والفردية، التي، مع أنها تتأثر كثيراً بعامل البيئة، إما أن تستفيد من القاعدة الطبيعية، شان الجماعات الراقية، وإما أن تهملها على حساب استعدادها وإرادتها... فالقاعدة التي يمكن أن نستخرجها... هي: لا بشر حيث لا أرض، ولا جماعة حيث لا بيئة، ولا تاريخ حيث لا جماعة."([4])

 

 أما مفهوم التطور التاريخي عند سعاده، فقد استنبطناها من أقوال سعاده، واليكم عينة منها: فلجهة مفهومه للتطور التاريخي الارتقائي التدرجي أو التراكمي، يتضح في قوله في مقدمة كتابه نشوء الأمم:" إن أعظم ظاهرة اجتماعية في عصرنا، هي الظاهرة التي يصطبغ بها هذا العصر على درجة من التمدن، ولقد كان ظهور شخصية الفرد حادثاُ عظيماً في ارتقاء النفسية البشرية، وتطور الاجتماع الإنساني، أما ظهور شخصية الجماعة فأعظم حوادث التطور البشري شاناً وأبعدها نتيجة، وأكثرها دقة ولطافة، وأشدها تعقداً ([5]). فيفهم من هذا النص أن التطور البشري كان بفعل تطور ارتقائي تدرجي وليس بقفزة قطعية واحدة.

 

أما التطور القطعي الذي يحصل بسبب الثورات أو الحروب أو الزلازل وما شابه، وبه يتم نقل المجتمع بفترة وجيزة جداً من حال إلى حال فنلمحه عند سعاده بقوله:" سيأتي يوم (وليس مئات السنين) وهو قريب يشهد فيه العالم منظراً جديداً وحادثا خطيراً، رجالاً متمنطقين، بمناطق سوداء، على لباس رصاصي، تلمع فوق رؤوسهم حراب مسنونة، يمشون وراء الزوبعة الحمراء، يحملها جبابرة من الجيش، فتزحف غابات الأسنة صفوفاً بديعة النظام، فتكون إرادة للأمة السورية لا ترد، لأن هذا هو القضاء والقدر([6]).

 

أما التطور الارتدادي – المتقدم، فيظهر مفهومه عند سعاده بقوله: الحرية صراع، وحق الصراع حق التقدم، فلسنا بمتنازلين عن هذا الحق للذين يبشروننا بالسلام ويهيئون للحرب([7]).

 

ولجهة أن عملية التطور بكل أنماطها إنما تخضع لأسس التفاعل المادي- الروحي فنجده عند سعاده في مقولته الفلسفية: " إن الحركة السورية القومية الاجتماعية ترفض الإقرار باتخاذ قاعدة الصراع بين المبدأ المادي والمبدأ لروحي أساساً للحياة والأعمال الإنسانية، ولا تقف الحركة السورية القومية الاجتماعية عند هذا الحد، بل تعلن للعالم مبدأ الأساس المادي – الروحي للحياة الإنسانية ووجوب تحويل الصراع المميت إلى تفاعل متجانس يحي ويعمر ويرفع الثقافة ويسيّر الحياة نحو ارفع مستوى([8]).

 

 

2- فهم سعادة لتاريخ أمته.   

 

تحفل المكتبات العامة والخاصة بدراسات معنونة: لماذا تأخر الشرق وتقدم الغرب؟، أو لماذا تقدم الغربيون وتأخر المسلمون؟، والقصد هو واحد، فيما كان سؤال سعاده، ما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟ وقد أجاب على هذا السؤال من الوجهة التاريخية بأسطر قليلة دلل فيها على فهم متقدم لحركة التاريخ، جاء فيها: جاء " فتح المغول الذي نكب البلاد وهدم دمشق، ثم أعقبه الفتح التركي القاهر، وهذه الحوادث المتعاقبة التي تكون الحروب الصليبية فصلاً من فصولها، قطعت المجرى الثقافي الذي كان سائراً وجعلت مصير الأمة معلقاً على تفاعل هذه العوامل وتجاذبها السيادة، وأوجدت حالة سادت فيها الفوضى الاجتماعية والاقتصادية، فاضطرب سير العمران في هذه البلاد الجميلة التي التقت فيها الجحافل المتطاحنة الزاحفة من الجنوب والشمال ومن الغرب في طورس من أطوار التاريخ الكثيرة الحوادث الخطيرة، وتضعضعت العقلية تحت ضربات الحروب والفتوحات، فضاعت المعنويات السورية التي قامت بالثورات العمرانية والثقافية الكبرى، وزرعت المدن البحرية في جهات المتوسط، وحملت على جميع شواطئه فنون الحضارة السورية، ومدت الإغريق بالأساطير الفلسفية والفلسفات، ووضعت أسس التمدن الحديث وانحدرت في مهاوي الخمول قرونا([9]).

 

لم تكن الحروب وحدها هي سبب الخمول، بل ثمة أسباب أخرى فكرية وأحداث سياسية  أدت إلى نشوب خلاف  فكري في أواخر القرن الثاني الهجري بين المسلمين حول طبيعة القرآن، إذ قالت المعتزلة بأنه مخلوق، وقالت الأشعرية بأنه من ذات الله غير مخلوق، واحتدم الخلاف إبان خلافة المأمون (813-833 م) فأخذ المأمون برأي المعتزلة، وجعله مذهب الدولة وأوصى لمن يخلفه بإتباع مذهبه في القرآن، ولكن الفتنة لم تهدأ واستمرت حوالي قرنين من الزمان أي لغاية عهد القادر(991-1031م) الذي أنهى الخلاف بإصدار وثيقة عرفت بالوثيقة القادرية، كفرت الفريق الذي يقول بالقرآن مخلوقاً ودعت إلى قتل كل من يقول بالقرآن مخلوقاً، فشكلت تلك الوثيقة أكبر عملية إرهاب فكري قُتل بموجبها عدد كبير من الناس، وألحقت بفتاوى تدعو إلى عدم التفكير وإلى إقفال باب الاجتهاد. فأدى ذلك الانقسام الفكري إلى انقسام سياسي مزّق الدولة الواحدة إلى دويلات ضعيفة، الأمر الذي أسال لعاب الفرنجة في الغرب وتحريض البابا أوربان الثاني الغرب للقيام بحروبه الصليبية التي امتدت حوالي مائتي عام (1095-1291م)، كما أسال لعاب المغول في الشرق، للهجوم على الداخل السوري بقيادة هولاكو والسيطرة على العراق زهاء مائتين وست سبعون سنة (1258-1534 م)، ناهيك عن معاودة المغول بالإغارة مرة ثانية، على مدن الشام وإحراقها بقيادة تيمورلنك، عام 1399. إلى أن جاء العثمانيون وسيطروا على الأمة السورية زهاء أربعمائة عام (1516-1918 م)، أعقبهم الانكليز والفرنسيون واليهود بفعل الحرب العالمية الأولى (1914-1918 م)، حيث لا يزال احتلالهم للأمة السورية من الوجهة الإستراتيجية مستمراً حتى هذه اللحظة.

 

هذا التاريخ الذي يمتد حوالي ألف عام من الانقسام المذهبي والسياسي وما رافقه من إرهاب فكري، عبّر عنه الشيخ تقي الدين النبهاني، مؤسس حزب التحرير الإسلامي، في كتابه التفكير بقوله " إن الأمة الإسلامية قد بليت في القرن الرابع الهجري بعلماء عملوا على تعطيل التفكير في الأمة ونادوا بخطر التفكير على الأمة، وضرره على الإسلام والمسلمين، وذلك حين قام رهط من علماء مثل العالم المشهور باسم القفال ونادوا بإقفال باب الاجتهاد وعملوا على منع الاجتهاد وأقنعوا الناس بخطر الاجتهاد فصدق المسلمون هذه الدعوة وعملوا بها، وتحرّج العلماء من الاجتهاد، وخاف المفكرون من الاجتهاد، وكره الناس ان يكون هناك مجتهدون. وقد تبنى الرأي العام في جميع أقطار الإسلام هذا الرأي، وبذلك تعطل التفكير ووقف الناس عند حد التقليد والغوا عقولهم ولم يعودوا يجرؤن على الاجتهاد. فكان هذا المنع للاجتهاد والتفكير أعلاه إنما يكون في الإسلام، فأدى ذلك إلى وقف التفكير لدى الناس واستمرؤوا هذا التعطيل للتفكير،... لذلك وقفت الأمة عن التفكير حتى هذا القرن، القرن الرابع عشر هجري، فسلخت عشرة قرون وهي معطلة التفكير"([10]).

 

وقد اعتمدت آليات تبشيرية لتعطيل العقل استخدمت فيها آيات القرآن الكريم حول الإلوهية، والقضاء والقدر، والأجل، والرزق، والهدى والضلال، والنصر، والجزاء، بشكل تم بها تعطيل التفكير كلياً.

 

ومن جهة ثانية قامت، السلطات الحاكمة بتنفيذ فتاوى المفتين بقتل العلماء، فقتل رهط منهم، كان أبرزهم الحلاج، والسهروردي، والجباعي، والجزيني، والكواكبي وغيرهم كثيرون، وكان اغتيال سعاده، وموسى الصدر، ومحمد باقر الصدر، من ضمن فترة التحريم هذه التي استمرت حتى تاريخ محاولة الأزهر الشريف من خلال وثيقته حول الحريات المؤرخة في 8/1/2012. وقف قتل العلماء في الشام بفعل الأحداث، حيث لم يتوقف قطع الرؤوس على الأحياء بل طاول الأموات كما حصل لتمثال المعري.

 

رداً على هذا الواقع الذي جعل الإنسان في امتنا معطل التفكير لفترة امتدت ألف عام قال سعاده بشأنها "إذا كان الله قد خلقنا وأعطانا مواهب فكرية، أعطانا عقلاً نعي به ونفكر ونقصد ونعمل فهو لم يعطينا هذا عبثاً. لم يوجد العقل الإنساني عبثاً.

 

لم يوجد ليتقيد وينشلّ، بل وجد ليعرف، ليدرك، ليتبصر، ليميز، ليعيّن الأهداف وليفعل في الوجود. وفي نظرتنا أنه لا شيء مطلقاً يمكن أن يعطل هذه القوة الأساسية وهذه الموهبة الأساسية للإنسان.

 

العقل في الإنسان هو نفسه الشرع الأعلى والشرع الأساسي، هو موهبة الإنسان العليا، هو التمييز في الحياة، فإذا وضعت قواعد تبطل التمييز والإدراك، تبطل العقل، فقد تلاشت ميزة الإنسان الأساسية وبطل أن يكون الإنسان إنساناً وانحط إلى درجة العجماوات المسيرة بلا عقل ولا وعي"([11]). وأصبحت الأمة حسب تعبيره قطعاناً بشرية عمل لها من أجل أن تتحول إلى أمة واعية.([12])

 

وفي أقوال سعاده هذه وعي للتاريخ مستند على فهم عميق للتاريخ. فكان وضع اليد على أساس المشكلة وجوهرها.

 

 

ثالثاً- محطات من الإرث الصراعي والوعي التاريخي عند سعاده.

 

فهم سعاده تاريخ أمته الذي يغوص في التاريخ إلى عصور ما قبل التاريخ، إلى عشرة آلاف سنة منذ بدء الحضارة النطوفية الواعدة في فلسطين، والحضارة المعاصرة لها في بلاد ما بين النهرين، وشواطئ المتوسط، واطلع على تاريخ أمته منذ قامت أول دولة سورية مركزية على يد لوجال داجيزي، ومن بعده سرجون، وحمورابي، وأشور باني بال، ونبو بلاصر، والغزوات التي اجتاحت أمته من غوتيين، وكاشيين، وفرس، ويونانيين، ورومان، وبيزنطيين، وصليبيين، ومغوليين، وعثمانيين وبريطانيين، وفرنسيين، ويهود صهيونيين، إلى أن انتهت إلى فقدان السيادة القومية، وتجزئة الأمة إلى كيانات سياسية، وانسلاخ أجزاء خصبة وحيوية في الاحواز، وكيليكيا، وسيناء وقبرص، واغتصاب فلسطين وتشريد أهلها، فالأمة تدعو أبناءها إلى تحريرها، وإلى توحيدها، وإلى رفاه بنيها، فلبى سعاده النداء، وأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي لتغيير مجرى التاريخ. مبيناً وعياً متقدماً للتاريخ حيث أن الوعي التاريخي عنده هو صنع تاريخ يليق بالأمة كون التاريخ لا يتوقف ولا ينام بل يستمر صنعه في المستقبل. وهذه نماذج من وعي سعادة لتاريخ أمته.

 

 

1ً: تعيين النقاط الهامة لنهج الحزب السياسي.

 

بعد انقضاء ثلاث سنوات على تأسيس الحزب بالسر، وإزاء انتشاره، صار واضحاً أمام الزعيم ان مرحلة الانكشاف قد دنت، وأن مرحلة جديدة علنية ستبدأ ولا بد من الاستعداد لها، حيث ينتقل الحزب من التبشير بالعقيدة إلى تحقيقها بالنضال السياسي اليومي، فدعا فروع الحزب في الأول من حزيران 1935 إلى اجتماع عام، حيث ألقى بهم خطاباً، عنونه بالخطاب المنهاجي الأول([13]) وقد تضمن النقاط التالية:

 

- غدونا أمة حية بفعل وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولم نعد قطعاناً بشرية، أمة حية تريد الحياة الحرة الجميلة، تحب الحياة لأنها تحب الحرية، وتحب الموت متى كان الموت طريقاً للحياة.

 

- بتأسيس الحزب تأسست القضية القومية بمعناها الصحيح، التي تعني إرادة شعب حي يريد سيادته على نفسه ووطنه ليحقق مثله العليا.

 

- الحزب فكرة وحركة تتناولان حياة الأمة السورية بأسرها، التي لا ترضى القبر مكاناً لها تحت الشمس.

 

- غرض الحزب هو جعل الأمة صاحبة السيادة على نفسها ووطنها، بالاعتماد على الإرادة الذاتية، بدلاً من التسليم والخضوع للإرادة الخارجية.

 

- العمل لإنشاء الدولة القومية المستقلة بالعمل، إذ أن التاريخ لا يسجل الأماني بل الأفعال والأعمال والوقائع.

 

- نظام الحزب لم يؤسس على قواعد تراكمية، بل على قواعد حيوية، تأخذ الأفراد إلى النظام وتفسح المجال أمامهم بالتطور والنمو.

 

- تحرر القوميين من وهم الضعف والتسليم للأمر المفعول، وتحمل مسؤولية تحرير سوريا بأكملها. وهذا يتطلب إطلاق المواهب القومية وعدم حصارها وتحطيمها.

 

- تحذير من الوقوع في فخ الدعوات الأجنبية سواء أكانت أوروبية أو غير أوروبية، والاستعداد لإقامة علاقات مع أية دولة أجنبية على قاعدة اعترافها بحق الأمة السورية بالحياة واستعدادها لاحترام هذا الحق.

 

ولكن هذه النقاط التي عينها في خطابه ألمنهاجي كان لا بد من إخراجها في إطار مشروع نضالي، كون النضال بدون مشروع، يصبح ردّات فعل على أفعال، ومع الزمن تتحول العقيدة العلمية إلى عقيدة انفعالية، وتحدث الانحرافات هنا وهناك، فكان نداؤه إلى القوميين الاجتماعيين بتاريخ 16 تشرين الثاني عام 1936، بعد خروجه من السجن، الذي يتضمن رسم آلية لإنتاج المشروع النضالي وفق ما يلي: "إن مطالب العمل السياسي لفروع الحركة السورية القومية الاجتماعية المنتشرة في لبنان والشام وفلسطين وشرقي الأردن والعراق، وضرورة الاهتمام بالعمل السياسي العلني، توجب علينا الاهتمام بالبرامج السياسية الخاصة التي يجب أن تقرر لكل فرع من فروع الحركة السورية القومية الاجتماعية بطريقة يمكن معها العمل للغاية الكبرى بدون تعريض سلامة الحركة للخطر.

 

إن سلامة الحركة القومية الاجتماعية وتأمين مطالب العمل السياسي في لبنان تجعلان الاهتمام بوضع برنامج لفرع الحركة السورية القومية الاجتماعية في هذه البقعة أمراً ضرورياً يوجب عقد مؤتمر لأركان الحزب في لبنان لدرس الموقف وتعيين خطة العمل، وهو ما سنباشر به حالما نرتاح من عناء السجن، ومن درس النقاط الهامة مع المعاونين. وبعد أن نفرغ من إعداد برنامجنا السياسي في لبنان نبدأ بإعداد برنامجنا للشام، ثم لفلسطين، ثم لشرق الأردن، ثم للعراق وإنا واثقون من أن هذه الطريقة ستفسح لنا مجالاً واسعاً للعمل القومي وتفتح لفروع الحركة الاستفادة من القضايا المحلية وما تقدمه الظروف المحلية من الممكنات."([14]) 

 

 

2- آلية إنتاج المشروع النضالي كما وضعها سعاده:

 

يمكن أن نستنتج من هذا لنص الآلية التي وضعها سعاده وفق ما يلي:

أ-البرامج السياسية الخاصة لكل كيان: إن واقع تقسيم سوريا أوجد معضلة سياسية ينبغي التعاطي معها بكل مرونة سياسية شكلية، حيث تنوعت أشكال النظم السياسية في الكيانات السياسية من ملكية وجمهورية، ثم تطورت إلى برلمانية ورئاسية، وليبرالية واشتراكية، وهذا ما يوجد مطالب سياسية متنوعة ينبغي معالجتها بانتزاع أدوات النضال من واقع ظروف كل كيان.

 

بـ-سلامة الحركة القومية الاجتماعية: إن تأمين مطالب العمل السياسي يجب ألاّ تكون متهورة على غرار قرار مقتل المالكي، ولا على غرار قرار المحاولة الانقلابية الفاشلة، الواقعتان اللتان شطبتا الحزب من الحياة السياسية 20 عاماً في الشام و 8 أعوام في لبنان.

 

تـ-درس النقاط الهامة مع المعاونين: إن مهمة اختيار النقاط الهامة ودرسها تقع على عاتق مجلس العمد كسلطة تنفيذية، والمجلس الأعلى كسلطة مراقبة وهذا يعني إعداد تقرير سياسي، يشمل عرضاً للواقع الدولي والإقليمي والعربي والمحلي في كل كيان، بغية توزيعه على المؤتمرين، قبل انعقاد المؤتمر، ليتمكنوا من درسه وتحديد المهمات النضالية في كل كيان، ومن الضروري أن تكون عمدة الثقافة بأجهزتها، لاسيما الندوة الثقافية، هي المكان الصالح لإنتاج المشروع النضالي. سياسياً وعقائدياً وتنظيمياً.

 

ثـ-القضايا القومية والقضية المحلية: إن وجود كيانات سياسية متباينة في أنظمتها السياسية، تنتج قضايا ومشكلات متباينة في واقعها ولذلك لا يمكن تعيين خطة عمل قومية وإهمال القضايا الكيانية وبالعكس.

 

ج-عقد المؤتمر لأركان الحزب: إن المكان الصالح لتعين خطة العمل، هو المؤتمر، وليس أي مكان آخر، لأن من واجبات المؤتمرين مراعاة التلازم بين مطالب العمل السياسي، وسلامة الحركة القومية الاجتماعية.  وفي هذه النقطة يرد سعاده على القائلين بأن المؤتمرات هي أداة انقسام للقوى الموحدة، لأن تقرير خطة العمل توجب نزع الألغام من دربها، لا زرع الألغام في دربها كما حصل في مؤتمري "ملكارت 1969" و"بولونيا 1984 ". التي سرعان ما انفجرت بالحزب وشقته، وأضرت به أيما ضرر.

 

 وكون المؤتمر أثناء انعقاده هو سلطة عليا، فإن مقرراته يجب أن تكون ملزمة، فليس لأي سلطة شطب أو تعديل المقررات إلا بالعودة إلى المؤتمر.

 

 

3- المعركة السياسية التي عدّها تاريخية.

 

بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير 1936، مثل سعاده أمام المحكمة الفرنسية، وقد سيقت ضده تهم عديدة أبرزها: الصفة السرية للحزب، خرق وحدة البلاد الجغرافية وانتهاك حرمة الأرض، تغيير شكل الحكم، تقليد حركات أوروبية، حرمان الناس من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية، وكره الأجنبي.

 

أراد سعاده في رده على تهم المحكمة الفرنسية، أن يقدم نفسه كما هو، متهم سياسي، يفاخر بأعماله في المحكمة أمام الصحافة والإعلام وحتى الاحتلال الأجنبي، لا كما يريد أن يصوره المحتل مشاغبا ًأو مأجوراً لأية دولة أجنبية.

 

وكان لا بد من أن تتضح الصورة منذ اللحظة الأولى وفي أول احتكاك معه، فعندما نادى القاضي بأعلى صوته: أنطوان سعاده، بقي الزعيم في مكانه دون أن ينبث ببنت شفه. وعندما تقدم المحاميان فرنجية وأبي شهلا وقالا له: الرئيس يناديك، أجابهما الزعيم: لم اسمعه يذكر اسمي، فسأل القاضي عن اسمه، قال الزعيم: أنطون سعاده. فنادى القاضي، أنطون سعاده فنهض الزعيم وأجاب: حاضر. وعندما أصر القاضي أن يرد سعاده على التهم الموجهة إليه باللغة الفرنسية، أجابه الزعيم بتلك الكلمات المدوية: إني سوري وفي بلادي، وإني أقود حركة تحرير ترمي إلى إقامة السيادة القومية، وجعلها مطلقة، فلست اقبل ان أحمل على الكلام في بلادي بغير لغتي"([15])

 

أما إجابته على تهمة تعطيل وحدة سورية الجغرافية، قال الزعيم: "إني متهم بخرق وحدة البلاد الجغرافية، وانتهاك حرمة الأرض، فأراني مضطراً علمياً لا بالعاطفة، للقول: إن خرق وحدة وطننا الجغرافية، وانتهاك حرمة أرضنا قد تما بالفعل في سان ريمو وسيفر ولوزان، والمسؤولون عن ذلك هم غير الحزب السوري القومي الاجتماعي.

 

في هذا الدفاع كان الموقف هجومياً، فالذين خرقوا وحدة البلاد هم دول المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح المؤلف من: الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا واليابان، وإيطاليا وفرنساً عندما قرروا في مؤتمرهم في سان ريمو 1920، فرض الانتداب البريطاني على العراق وشرق الأردن وفلسطين، والانتداب الفرنسي، على سورية ولبنان، والالتزام بوعد بلفور.

 

وحول البواعث على إيجاد الحزب، جاء في دفاع سعاده: من أجل تحقيق غاية الحزب

 

"جزمت بجعل الحزب كله "ميليشبا" مقاومة، منظمة يتعلم فيها الشباب فضائل الجندية، ويتهيئون للعمل والتضحية بدلاً من الانصراف على أوهام الكسل والخمول، هذا هو الدافع الأول لإنشاء الدائرة الخاصة، التي سميت "عمدة الحربية".

 

لا بد من التأمل الهادئ في كلام الزعيم لاستخلاص العبرة، إذ كان الوطن السوري كله تحت الاحتلال، والزعيم عدّ نفسه قائد حركة تحرير قومي، والحزب كله مقاومة، فإذا كانت المهمة النضالية في تلك المرحلة عسكرية بامتياز، فإن البنية التنظيمية يجب أن تكون متجانسة مع طبيعة المهمة، ففي ظل النضال العسكري تتقلص الديمقراطية إلى حدود الحوار، ولكن عندما تنجز مهمة التحرير فيجب أن تتسع دائرة الديمقراطية إلى حدود المشاركة في صنع القرار، ولذلك عندما تم جلاء الفرنسيين عن لبنان عام 1946، قال سعاده في مقدمة بيان الحزب الانتخابي،" ليس خافياً على أحد أن الحزب السوري القومي الاجتماعي في لبنان هو حزب سياسي".

 

 

4- مستقبل مسألة فلسطين.

 

"قبل تأسيسه الحزب، كتب سعاده في مجلة "المجلة" الصادرة في سان باولو – البرازيل، مقالة بعنوان القضية الوطنية (الصهيونية وامتدادها)، جاء فيها: "رغماً من كل ما تقدم، ومن أن الحركة الصهيونية غير دائرة على محور طبيعي، تقدمت هذه الحركة تقدماً لا يستهان به، فإجراءاتها سائرة على خطة نظمية دقيقة، إذا لم تقم في وجهها خطة نظامية أخرى معاكسة لها، كان نصيبها النجاح. ولا يكون ذلك غريباً، بقدر ما يكون تخاذل السوريين كذلك، إذا تركوا الصهيونيين ينفذون مآربهم ويملكون فلسطين.

 

 ويتابع: حتى الآن لم تقم حركة منظمة، تنظر في شؤون سورية الوطنية ومصير الأمة السورية، لذلك نرى إننا نواجه أعظم الحالات خطراً، على وطننا ومجموعنا. فنحن أمام الطامعين والمعتدين، في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيين، هما الحياة أو الموت، وأي نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها. ([16])

 

أجل لقد وعى سعاده التاريخ جيداً، إذ يسيطر الصهاينة اليوم على كامل فلسطين وقسم من الجولان، لأن السوريين تخاذلوا في الماضي ولم يتجاوبوا بالقدر المطلوب مع دعوة سعاده التحريرية، ولكن وجود المقاومة المعاصرة التي يشكل حزبنا جزءاً منها، هي الأمل الوحيد في تحرير فلسطين وكل الأمة.

 

 

5- نتائج الحرب العالمية الثانية.

 

قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية بأشهر قليلة، وجه سعاده، من مغتربة القسري، نداءً إلى الأمة السورية، مستنهضاً الهمم القومية الاجتماعية بالإرث النضالي الذي صنعوه بأنفسهم مذكراً إياهم بيوم عماطور- الشوف، ويوم بكفيا، ويوم طرطوس، ويوم دمشق، ويوم صافيتا، ويوم تلكلخ الذي قال فيه مخاطباً القوميين الاجتماعيين "... اشعر أن العالم يتجه بسرعة نحو موقف فاصل توضع فيه مقدرات الأمم في محكمة القوة أو محكمة حق المصالح.

 

إن الساعة التي تتمكنون فيها من أن تبرهنوا للعالم ما معنى وجودكم وكيانكم، تدنو مستعجلة! في هذه الساعة المقتربة توضع مثلكم والعليا في معترك تنازع الحياة الجيدة والتفوق، ومصيركم يتوقف على مصيرها! في هذه الساعة الآتية ستعرفون التاريخ والتاريخ سيعرفكم."([17])

 

قرأ سعاده الواقع الدولي لا سيما أوروبا الاستعمارية، فوجد اصطفافاً بين جبهتين، الأولى: تضم ألمانيا، وايطاليا، تؤازرهما اليابان في الشرق الأسيوي. والثانية: تضم بريطانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفياتي، تؤازرهم الولايات المتحدة من الشمال الأميركي. وأدرك خطورة نجاح ألمانيا في استعادة أراضي ألمانية، وسعيها للسيطرة على القارة الأوروبية، وهذا ما لا يتم إلا بحرب عالمية، ستأتي على الاستعمار بالضعف والتراجع، وهذا ما يفسح المجال أمام الشعوب المستعمرة لاقتناص الفرصة لتحقيق استقلالها.

 

لبى القوميون الاجتماعيون نداء سعادة وكانت مشاركتهم في معارك استقلال الشام ولبنان عام 1943، ولكن قوى الأمة الأخرى كانت مشتتة، الأمر الذي أدى إلى رحيل المستعمر الأصيل، وترك المستعمر البديل المتمثل باليهود الصهاينة، الذين جعلوا للكيان الصهيوني وظيفة كبيرة عنوانها منع سورية والعالم العربي بأسره من النهوض.

 

 

 6- الثورة القومية الاجتماعية الأولى وتوازن القوى.

 

إن ما أقدمت عليه حكومة رياض الصلح، من افتعال مشكلة أمنية، بالتنسيق مع حزب الكتائب، بهدف إيجاد ذريعة أمنية، للقضاء على سعادة وحزبه، عدّه سعادة إهانة وجهت للحزب، ولا رد للإهانة إلا بالثورة.

 

والواقع أن الشعوب والجماعات تذهب إلى الثورة عندما تشعر بالإهانة، بعامل وطني أو قومي، أو بعامل ديني، أو بعامل الفقر المدقع والجوع. وهذا العوامل سواء أكانت مجتمعة أم منفردة، فإنها تفسر الأسباب لجميع الثورات في التاريخ.

 

صحيح أن الحكومة اللبنانية أرادت استدراج الحزب السوري القومي الاجتماعي للقضاء عليه، في ظرف من انعدام توازن القوى، كما تخيلت. ولهذا ينبري بعض المتشدقين للقول بأن سعادة وقع في الفخ وذهب إلى الثورة بدون إعداد لها.

 

آن الأوان للرد على هؤلاء المتشدقين بالقول: أن سعادة بنيله وعداً من رئيس الجمهورية العربية السورية، بالدعم حقق للثورة أهم عناصر نجاحها. وخطته العسكرية التي وضعها الشهيد الصدر عساف كرم التي قضت بالسيطرة على المناطق وعزل العاصمة بيروت، تمهيداً لإسقاطها كان العامل الثاني المكمل للأول لنجاح الثورة،

 

ولكن خيانة حسني الزعيم ونكثه بوعوده وتحوله إلى خصم للثورة وإبلاغه خطتها العسكرية إلى الحكومة اللبنانية، كل ذلك قلب الموازين من تفوق للثورة إلى توازن مع خصمها. فإذا ما استطاعت الحكومة اللبنانية من القضاء على سعادة، دون حزبه استطاعت الثورة أن تقضي على رئيس الحكومة رياض الصلح وإسقاط بشاره الخوري، والقضاء على حسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي، دون إسقاط النظام في كل من الكيانين..

 

أجل، لقد استطاع حزب سعادة أن يحدث التوازن مع جمهوريتين، عندما استطاع ضابط قومي اجتماعي، اسمه فضل الله أبو منصور، بمناسبة الاحتفال بذكرى أربعين استشهاد سعادة خلال شهر آب 1949، من صفع حسني الزعيم على وجهه، قائلا له: خذها من يد سعادة، ثم قاده ورئيس وزرائه محسن البرازي إلى مرمى رشاش المصفحات الانقلابية، ليقضي بمائة وسبعين رصاصة، اخترقت جسده.

 

واستطاع الشهيد ميشال الديك مع رفيقيه، في العام 1951، أن يردي رياض الصلح صريعاً، عندما أطلق النار عليه، قائلاً له:ً خذها من يد سعادة.

 

وفي العام 1954 أطلق الرفيق حسين الشيخ رصاصاته الثلاث على مفوض الحكومة يوسف شربل، في محكمة أنور كرم، قائلاً له خذها من يد سعادة.

لقد أرادوا القضاء على سعادة وحزبه، وحكموا على سعادة بالإعدام، وما قتلوه يقيناً بل شبه لهم، لأن سعادة سيبقى حياً طالما يوجد قوميون اجتماعيون مؤمنون بالصراع من أجل حق هذه الأمة، خذها من يد سعادة، قالها خالد علوان، وقالها وجدي وقالتها سناء وقالها حبيب الشرتوني. فقد تجسّد فكر سعاده في هؤلاء الأبطال الشهداء خالدين كما هو في وجدان الأمة والتاريخ.

 

 

خاتمة:

 

 إن كل ما كتبه سعاده وما قاله، في كتبه أو رسائله أو خطبه أو مقالاته، هو وعي تاريخي متقدم لأنه هدف إلى بعث أمة، طال ليلها، ومن حقها أن تحيا حرة أبية، متطورة دائماً، لها القدرة في استعادة دورها الأساسي في أن تكون أمة هادية للأمم. فالإرث الصراعي، بهذا الاتجاه، يعزز القدرة على التوجيه، بما تقدمه المواقف العظيمة من خلق الروح النضالية، ولا ريب بأن ثمة انكسارات في تاريخ نهضتنا، ومحطات انحرافية سواء فلسفية أو عقائدية، او سياسية أو سلوكية، ولكن هذه الانحرافات لم تقدم لنا سوى النتائج السلبية التي بعثرت قوى الحزب، وبالرغم من ذلك لا بد من درسها وتبيان مقدار مفاسدها للاستفادة منها وعدم تكرارها، بالابتعاد عنها، من اجل حياة سوريا ومجدها.

 

ولتحيى سوريا وليحيى سعادة. وشكراً لكم.

 

 

 

 

المراجع والمصادر

 

([1])  سعاده،أنطون، المحاضرات العشر، ص 64.

(2) المرجع نفسه، ص 64.

(3) المرجع نفسه، ص 15.

(4)  سعاده، أنطون، نشوء الأمم، ص 48.

(5) المرجع نفسه، ص 13.

(6) سعاده، المحاضرات العشر، ص 33.

(7)  سعاده، أنطون. شروح في العقيدة، ص 16.

(8)  سعاده، أنطون، الآثار الكاملة، ج7، ص 18.

(9)  سعاده، الآثار الكاملة، ج4، ص 31-50.[1]) النبهاني، تقي الدين، التفكير، مطبوعات حزب التحرير الإسلامي، ط1، د.م، 1973، ص132-133.

(10)  سعاده المحاضرات العشر، ص 121.

(11) المرجع نفسه، ص26.

(12) سعاده، الآثار الكاملة، ج2، ص 175.

(4[1]) المرجع نفسه، ص 234.

(5[1]) المرجع نفسه، ج2، ص 192.

(6[1]) سعاده، أنطون، في المسألة الفلسطينية، ص16.

(7[1]) سعادة، الآثار الكاملة، ج6، ص63.

([1])   سعاده، أنطون، المحاضرات العشر، ص 64.

([2])  المرجع نفسه، ص64.

([3]) سعاده، المحاضرات العشر ، ص 15

([4])  سعاده، أنطون، نشوء الأمم، ص 48

([5])  سعاده، نشوء الأمم، ص 13

([6])  سعاده، المحاضرات العشر، ص 33

([7])  سعاده، أنطون. شروح في العقيدة، ص 16

([8])  سعاده، أنطون، الآثار الكاملة، ج7، ص 18

([9])  سعاده، الآثار اكاملة، ج4، ص 31-50

([10]) النبهاني، تقي الدين، التفكير، مطبوعات حزب التحرير الإسلامي، ط1، د.م، 1973، ص132-133

([11])  سعاده المحاضرات العشر، ص 121.

([12]) المرجع نفسه، ص26

([13]) سعاده، الآثار الكاملة، ج2، ص 175

([14]) سعاده، الآثار الكملة ج2، ص 234.

([15]) سعاده، الآثار الكاملة، ج2، ص 192

([16]) سعاده، أنطون، في المسألة الفلسطينية، ص16

([17]) سعادة، الآثار الكاملة، ج6، ص63-64.

 
التاريخ: 2013-02-20
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro