مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الكنيسة الأرثوذكسية احتفلت بعيد مار مارون قبل الموارنة
 
الإزدواجية المارونية: من فائض القوة إلى فائض الضعف
أبو زيد، سركيس
 

 

 

    

 

يحتفل الموارنة في 9 شباط بعيد القديس مارون شفيع طائفتهم. 

 

كان مار مارون راهباً سريانياً متنسكاً، عاش في شمال سوريا بالقرب من جبال طوروس، أو ما كان يسمّى بمنطقة قورش قرب انطاكيا في عهد الإمبراطورية الرومانية، في منتصف القرن الخامس للميلاد.  في الوقت الراهن، تعرف قورش بالنبي هوري، وتقع بين مدينتي عفرين إلى الشرق، وحلب إلى الغرب.

 

في منسكه، شيّد مارون خيمة من جلد الماعز، وأقام فيها لفترات قصيرة، إذ كان يقضي وقته في العراء مصلياً ومتعبداً، ليلاً نهاراً، وفي كافة فصول السنة.

 

ذاع صيت مارون في القرى المحيطة بمنسكه، لقدرته على شفاء المرضى، وطرد الشياطين.  

 

مذهب مارون في التنسّك جعله يستميل بعض التلاميذ، فقلده بعض الرهبان والمتنسكين. ويشير المؤرخون لسيرة مارون، على قلّة المراجع، إلى أنّه من مؤسسي مدرسة التنسّك السورية التي سار عليها أيضاً القديس سمعان العمودي الذي أقام في العراء ولكن على عمود، حيث عاش حياته معتزلاً الناس ومصلياً.

 

 

خلاف على مار مارون

 

من المرجّح أن يكون القديس مارون قد توفي عام 410، ونشب خلاف بين أبناء المناطق المجاورة على الاستئثار بجثمانه لتكريمه. ومن المرجّح أيضاً أن يكون أهالي القرية المعروفة اليوم ببراد، في شمال سوريا، هم من فازوا بالجثمان، وبنوا له كنيسة، لم يبق من آثارها الكثير.

 

فلماذا الاحتفال بعيده في 9 شباط؟  نقلاً عن المطران اسطفان عواد أحد أساقفة القرن الثامن عشر: "اكتشف البطاركة الموارنة أنّ عيد القديس مارون غير مسجل في قائمة أعيادهم الصادر بأمر من البابا زخيا العاشر عام 1647، فجعلوا عيد القديس مارون في التاسع من شباط وهو يوم عيد مار يوحنا مارون الذي نقله بدوره البطريرك يوسف اسطفان عام 1787 إلى 2 آذار".

 

بينما الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وسائر الكنائس الارثوذكسية التي تبجله، تحتفل بعيده قبل الموارنة بمئات السنين في 14 شباط.

 

مع ندرة المرجعيات التاريخية عن تلك الحقبة، يلجأ الكثير من المؤرخين إلى تناقل مرويات غير مثبتة عن حياة القديس مارون. فلم يرد في أيّ مرجع ما يثبت تأسيس الناسك مارون لجماعة دينية، باستثناء تلاميذه الذين قلدوه في نمط تعبّده. لمزيد من التفاصيل راجع كتابي عن " مار مارون والموارنة: نظرة تاريخية جديدة " صادر عن دار ابعاد.

 

 

مجزرة يهودية ضد الرهبان

 

لم ينشئ مار مارون وتلاميذه أي مدرسة أو رهبنة، ولم يشيّدوا ديراً باسمه قبل القرن السادس، حين اشتهر دير مار مارون على ضفاف نهر العاصي في سوريا، بعد المجزرة التي أودت بحياة 350 راهباً من رهبانه، إثر الانشقاق الكنسي والخلاف اللاهوتي حول طبيعة المسيح والتي نفذها “مجموعة من اليهود الاشرار " كما ورد في وثائق تلك الايام.

 

أول من نسب الموارنة إلى مارون هو مرهج بن نمرون أحد خريجي المدرسة المارونية في القرن السابع عشر. كما أنّ البطريرك الماروني الشهير اسطفان الدويهي (1630-1704) نسب الطائفة حيناً إلى مار مارون الناسك، وحيناً إلى دير مار مارون على العاصي.

 

يقول المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي في كتابه "الموارنة - صورة تاريخية" إنّ المؤرخين لم يذكروا الموارنة بشكل واضح قبل القرن التاسع عشر، أي بعد مئات السنوات من وفاة الناسك مارون. ولم تصل للمؤرخين أي وثيقة أصلية حول الكنيسة المارونية قبل القرن الثالث عشر. ويتضح أنّه بعد تخريب دير مار مارون المذكور، لجأ عدد من رهبانه، وفي مقدمتهم يوحنا مارون السرومي إلى جبل لبنان، وكان أوّل البطاركة الموارنة.

 

بعد مرور أكثر من 1600 سنة على وفاة القديس الناسك مار مارون ما زالت تشهد الطائفة المارونية دورة جديدة من الصراع على هويتها ودورها وغدها. عندما توفي الناسك مارون تقاتل محبوه حول من يحتفظ بجثمانه. ومن يومها، يختلف الموارنة حول تسميتهم ومرجعيتهم، إلى درجة انهم لا يتفقون على مكان تنسك ودفن شفيعهم. وحول كل محطة تاريخية يتباين الموارنة ويختلفون.

 

 

اسطورة حفرون ونفرون

 

واليوم ينقسم البيت الماروني إلى عدة غرف وطوابق، تتوزع فيها القوى السياسية بين «8 و14 آذار» وما بينهما من فرق واتجاهات. هذا الإنقسام يترافق مع خلاف على الأولويات ولا سيما مع «زحمة» الاستحقاقات أهمها: 

 

تزايد شعور الجمهور الماروني بغياب دوره وحضوره، وقد وصل إلى إعلان موت الكيان الذي اسسوه كما يدّعون، والذي وجد لأجلهم كما يرغبون، وبات اليوم في مهب الضم والتقسيم في مشاريع «سايكس ـ بيكو» جديدة. كل هذا فاقم شعور الماروني العادي بأن دوره مهمّش، فأضحى كمن «يتسوَّل» دوراً فقده، أو كمن يراهن على وهم غير ممكن التحقق في ظل موازين القوى على الأرض التي تبرز ضعفه وهشاشته، فأضحى بلا 2وزن او تأثير، فلا أحد يحسب له حساب إلا في صفوف الكومبارس او تلوينة مستحبة.

 

في ظل هذا المشهد يطمح بعض الموارنة إلى لبنان القوي او الجمهورية القوية في زمن انتقلوا فيه من فائض القوة إلى فائض الضعف. 

 

اصدق تعبير عن واقع الموارنة اسطورة " حفرون ونفرون " من التراث خلاصتها:

 

حفرون ونفرون اخوان من أنصاف الآلهة. ولدتهما امرأة من الأرض وماتت. والتحق والدهما بالغيب.

 

حفرون البكر بقي في الجبل "يحفر" الأرض ويقلب الصخر ويعارك الطبيعة القاسية لينتزع منها رزقا لحاجة يومه. ولكن الطبيعة غلبت صموده بقحطها. يسقط حفرون في الجهاد ويموت من بؤس وجوع وبرد مطمورا تحت الثلج على صخرة الجبل الأجرد.

 

اما نفرون اخوه الثاني " نفر" لضيق المجال الحيوي ورحل عن الجبل الصخري وسافر في درب المغامرة. فنزل إلى الساحل وأبحر بعيدا في مركب قاده إلى التغرّب في متاهات العالم. وضل طريق العودة. تم نسي نفرون أخاه حفرون ولم يعد إلى القرية ولم يسمع به من بعد أحد.

 

حفرون قضى على الجبل العاري ونفرون انطوى في ذاكرة النسيان. هذه هي الأسطورة التي ترمز إلى تاريخ وواقع الموارنة:

 

ففي نفس كل ماروني يعيش حفرون اللاصق بجبله، المنكفيء على ذاته، المنقبض في عزلته .... ويعيش ايضا نفرون المهاجر الذي يناديه الرحيل، في مدى المساحات البعيدة ومتاهات الفكر.

 

انعكست ثنائية الجبل والبحر في شخصية الموارنة فولدت ازدواجية في القيم والسلوك وطبعت تاريخ الموارنة بالخلافات والانقسامات والصراعات وبالسؤال المستمر عن الهوية نتيجة الشعور بعدم الاستقرار والأمان والتردد في الإنتماء وحالات الهجرة والنزوح والترحال والخوف المستمر على الوجود والقلق الدائم على المصير.

 

وقراءة للتاريخ يظهر لنا انقسام الموارنة حول الموقف من البيزنطيين والصليبيين والأتراك والمسلمين وحتى من الغرب ومن الصهيونية واسرائيل.

 

 

ازدواجية الجبل والبحر

 

يقول الأب ميشال حايك: "الموارنة غلاة في كل شيء، هكذا هو مناخ الجبل بتناقضات فصوله يعكس على اخلاقهم اضداده العنيفة..... فهم أكثر الناس تقدمية إذا آمنوا، وأشدهم رجعية إذا فزعوا "

 

إلى متى سيبقى الماروني مغال في الإنعزالية وفي الإنفتاح؟

 

إلى متى سيبقى أسير جدلية الجبل من جهة وما يمثل من رجولة وكرامة وتمسك بالأرض ومن جهة اخرى البحر وما يجسد من رغبة في الهجرة والسفر والمتاجرة والسمسرة؟

 

فأين نحن اليوم من أسطورة حفرون ونفرون؟

 

ما زال حفرون اليوم يطحن الصخر ليؤمن لقمة العيش الكريم والمسكن اللائق وحبة الدواء وقسط المدرسة في ظروف اقتصادية صعبة وأزمة اجتماعية خانقة وفرص عمل معدومة.

 

التحدي الكبير الذي يواجه الموارنة وجميع اللبنانيين هو أي اقتصاد نريد؟

 

هل اقتصاد الجبل قادر على ادخالنا في عصر العولمة وزمن الأسواق الاقليمية وضرورات الشراكة مع اوروبا، ونحن عاجزون عن ترشيد اقتصادنا وتنظيم علاقاتنا مع سوريا ومع السوق العربية المشتركة؟

    

حفرون يحفر الجبل لكن طحن الصخر لم يعد يشبع وكذلك السفر لم يعد يغني. الهجرة اليوم هي التحدي للموارنة وجميع اللبنانيين فهي تطال شبابنا والقوى المنتجة والمبدعة والمتخصصة. هجرة الأدمغة تفقر البلد من المعرفة والعلم والثقافة. الهجرة في أزمة ونفرون ما زال ينفر من ضيق العيش في وطنه وتجدد دورات العنف وتكرار الأسباب التي ولدت الحروب الأهلية.

 

نفرون نافر في ايديولوجية التيئيس التي تطل عليه كل يوم من خلال خطب رنانة وشعارات جوفاء وافاق مسدودة، نفرون نافر من التملّق والنفاق والتكاذب وغياب ثقافة سياسية واستراتيجية تبني له دولة يطمئن لها بدلاً من كوخ للتهجير او محطة للهجرة.

 

والسؤال المطروح في الواقع هو كيف نضع حداً لهذا النزيف البشري واي كرامة لوطن من دون سكانه؟

 

أسطورة حفرون ونفرون ما زالت حاضرة في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وفي الأمية السياسية المستشرية وفي التعصب الأعمى والعنصرية القتالة وفي الفوضى والفساد والغش.

 

 

موارنة بين الشرق والغرب

 

هذا هو الواقع......فماذا عن المرتجى؟

 

لا رجاء خارج بناء دولة قوية عادلة قادرة على تطبيق القانون على الجميع وتحقيق المساواة بين المواطنين وتوفر العدالة الاجتماعية مما يولد هوية وطنية جامعة.

 

المرتجى يبدأ بابداع صيغة حضارية للهوية الوطنية وبناء نظام جديد يعطي لبنان رسالة ومعنى ودوراً في ريادة النهضة والحداثة والمعرفة الآن وفي الزمن الآتي.

 

المارونية الحضارية رسالة محبة وتسامح وعطاء تستلهم القديس مار مارون شفيعها   الذي تتفيأ روحانيته وهو الناسك الذي قهر ذاته ليحيا الآخر.  

 

 

إن ارتباك المواقف السياسية المارونية اليوم ناتج تاريخياً من ان الطائفة المارونية يتجاذبها منذ نشأتها في القرن السابع وحتى اليوم، تياران أساسيان:

 

تيار أول مشدود باتجاه الغرب وثقافته ومشاريعه، وقد عملت الكنيسة اللاتينية وفرنسا على تشويه ذاكرة الموارنة لتسهيل ربطهم بمخططات اوروبا الإستعمارية. وبفضل الدعم القوي الذي توفر لهذا التيار تمكن من ارباك الجمهور الماروني على نطاق واسع.

 

تيار ثان متمسك بجذوره المشرقية الانطاكية. وقد ظل هذا التيار محصورا في إطار بعض النخب والأوساط المارونية.

 

لذلك فمن الضروري العمل على احياء الذاكرة الحضارية التراثية الثقافية التي تشدّ هذه الطائفة إلى جذورها الحضارية. خاصة وان المارونية سورية المنشا: الناسك مارون شفيعها تنسّك في جبل سمعان في شمال سوريا. والمارونية ولدت في دير مار مارون على العاصي، من رحم التيار الاستقلالي الوطني الذي ظهر في سوريا رداً على الهيمنة البيزنطية. وتاريخ الطائفة المارونية غني بالمواقف الوطنية المضيئة حيث تصدى فريق من الموارنة لكل استعمار خارجي اكان بيزنطياً ام صليبياً ام غربياً او صهيونياً. لكن هذه المواقف مطموسة في ثنايا التاريخ بهدف تغريب الموارنة عن واقعهم وتغذية عدائهم لمحيطهم.

 

فليتم إذا إلقاء الأضواء على هذه المعالم الحضارية التاريخية، لأن إدراك البعد الفكري التراثي لجذور الطائفة يساعد على ارتباطها بهذه الأرض، وليست كما يحاول ان يصوّرها البعض امتداداً للغرب وثقافته.  

 

هل يستعيد الموارنة طريق الحاج إلى المشرق وليس إلى الغرب، انطلاقا من المكان الذي تنسّكَ فيه مار مارون، وهو جبل سمعان وبالتحديد قرب حلب بين قرية كفر نابو وقرية براد المتاخمة لها، وما زالت بقايا آثار الكنائس والمدافن موجودة حتى الآن. ام يبقى السواد الأعظم من الموارنة في حالة ضياع وسؤال مستمر عن الهوية وتائه في خيارات متناقضة بين الغرب والمشرق؟

      

 
التاريخ: 2022-02-08
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: جريدة الديار، 8 شباط 2022
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro