مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الدرس الإذاعي الثالث غاية الحزب
 
 

 

 

المادة الأولى من الدستور السوري القومي الاجتماعي: غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها, وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ورفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية.

 

القسم الأول من غاية الحزب يلخص الهدف من المبادئ الأساسية: الحزب غايته بعث نهضة تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها.

 

ويقول سعاده في شرح غاية الحزب أن النهضة القومية – البعث القومي هي محور اهتمام الحزب السوري القومي الاجتماعي.

 

ويتضمّن معنى النهضة القومية الاجتماعية تأسيس فكرة الأمة, وهذا يشمل المبادئ الأساسية كلها.

 

أما القسم الثاني من غاية الحزب فيتضمن "تأمين حياة الأمة السورية ووسائل تقدمها وتجهيزها بقوة الاتحاد المتين والتعاون القومي الصحيح وإقامة نظام قومي اجتماعي جديد".

 

في غاية الحزب, هذان الهدفان متلازمان:

- تأسيس فكرة الأمة أي الوعي القومي بالهوية القومية في المبادئ الأساسية.

- وتأمين حياة الأمة ووسائل تقدّمها.. وإقامة النظام الجديد في المبادئ الإصلاحية.

 

المبادئ الاساسية تعيّن هوية الأمة وحقيقتها, المبادئ الاصلاحية تعيّن وسائل تنظيم المجتمع القومي اجتماعياً, سياسياً, اقتصادياً, دفاعياً, هي نظام الدولة, النظام الجديد, قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي القضية القومية والنظام الجديد.

     

1- الهوية القومية التي طمسها الاستعمار والانحطاط والتجزئة.

 

2- والنظام الجديد الذي يعيد للأمة حيويتها وقوتها ووحدتها على قاعدة العدل الاجتماعي – الحقوقي, والعدل الاقتصادي وهما متلازمان ومتكاملان. نأخذ مثلاً واحداً, هو الطائفية, فالمبادئ الإصلاحية إلغاء عملي وحقوقي للطائفية، لكن ذلك يتأسس على مفهوم وحدة المجتمع القومي, على أن اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض, على أن الاتحاد في الحياة هو اساس الوجود القومي, على أن الأنظمة الطائفية والإقطاعية هي أنظمة الحرمان تتنافى مع الاخوة القومية. إذ يقول سعاده "وما معنى الاخوة القومية حين اقول لك أنت أخي وأحرمك بالفعل من حقوق الاخوة معي". فالعدل الاجتماعي والاقتصادي الحقوقي في المبادئ الإصلاحية متأسس على معنى الاخوة القومية في المبادئ الأساسية.

 

1-)- وهذا يقتضي إنشاء تقاليد جديدة ترسخ فيها نظرتنا الجديدة الى الحياة ومذهبنا القومي الاجتماعي, وتحطم قوة التقاليد الرثة وتحرير الأمة من قيود الخمول والسكون إلى عقائد مهترئة.

 

2-)- حين تنهض الأمة يتم وقوفها "سداً ضد المطامع الأجنبية التي تهدّد مصالح ملايين السوريين وكيانهم"، أي تدخل حلبة الصراع القومي بسلاح الوعي القومي. من هنا يتضح "ان غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها ومن جميع وجوهها. إنها غاية تشمل جميع قضايا المجتمع القومي, الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية والمناقبية وأغراض الحياة الكبرى".

 

3-)- "فهي تحيط بالمثل العليا القومية والغرض من الاستقلال وبإنشاء مجتمع قومي صحيح".

 

4-)- "وينطوي تحت ذلك تأسيس عقلية أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقبي جديد".

 

5-)- هذا كله "ما تشتمل عليه مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الاساسية والاصلاحية, التي تكون قضية ونظرة الى الحياة كاملة, أي فلسفة كاملة".

 

أما القسم الثالث والأخير من غاية الحزب "فالسعي لإنشاء جبهة عربية". وهذا رفع كهدف من اهداف غاية الحزب منذ 1932 يوم كان العالم العربي رازحاً كله تحت الاستعمار مفككاً, ضائع الهوية, عمليات التفرنس والتلبنن والانكلزة على أشدها في كل مناطقه وبين كل شعوبه.

 

وحدّد سعاده الغرض من "إنشاء الجبهة العربية" "لتكون سداً ضد المطامع الأجنبية الاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار المسائل السياسية الكبرى". (المحاضرات العشر – شرح غاية الحزب، ص. 173).

 

فهل خطى العالم العربي رغم كل محاولات الوحدة والتوحيد لتحقيق هذا الهدف؟ اين هي الجبهة العربية القومية التي تكون سداً ضد المطامع الأجنبية الاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار المسائل السياسية الكبرى؟

 

هل الجامعة العربية المفككة هذه هي القوة – السد في وجه الاستعمار وذات الوزن الكبير في إقرار المسائل الكبرى؟

 

هل جبهة الصمود والتصدي التي أيّدها الحزب حين قيامها، ولكنها اختفت كجبهة؟

 

إن الزعيم حدّد علاقة سوريا بالعروبة على أساس واضح وصريح وعلمي محدّد. "إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا الى العالم العربي, ولكننا نريد قبل كل شي أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا, يجب على سوريا أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بمهتها الكبرى". (المحاضرات العشر، ص. 175).

 

ولا يمكننا أن نقدّم شيئاً ونحن لا شيء, لا يمكن لسوريا أن تخدم العالم العربي في شيء وهي مبعثرة, مجزأة نفسياً واجتماعياً واقتصادياً وليس لها كيان أو ذات أو حقيقة أو نفسية".

 

"لذلك نحن نرى هذه النهضة مقرّبة لنا للعمل والتعاون في العالم العربي لا مبعّدة, لأنه حين لا تكون هذه النهضة ولا نكون متعاونين في العالم العربي بل نكون منساقين في تيارات العالم العربي". (المحاضرات العشر، ص. 177).

 

الخطأ التاريخي الذي جعل الحملة على الحزب السوري القومي الاجتماعي مسعورة هو أنه لم يطرح الوحدة العربية بل الوحدة السورية وكأنما نضال الحزب في سبيل بعث الأمة السورية وتوحيدها هو تجزئة للعالم العربي. وكأنما العالم العربي كان موحّداً ونحن نجزئه بدعوتنا لتوحيد سوريا أي ستة كيانات في كيان قومي واحد, تتشكل في المخطط التوحيدي الخطوة العملية للنهوض في العالم العربي, وإن دعوتنا الى توحيد العالم العربي في جبهة منيعة هي الخطوة المكملة لوحدة سوريا.

 

وإن التزامنا بعروبة سوريا ودورها في نهوض العالم العربي والسعي لتوحيده في الجبهة العربية القومية لم يكن خطوة تكتيكية بل جزءاً من غاية الحزب التي هي المادة الأولى من دستوره, وإن دعوتنا كانت نموذجاً لتوحيد كل مجتمع عربي في بيئته الطبيعية, وها هي الوحدات الطبيعية الأخرى في العالم العربي تسعى لتحقيق وحداتها في وادي النيل, والمغرب العربي, والجزيرة العربية, من دون أن يُتّهم أي منها بالشعوبية. وإن صيغة الجبهة العربية لم تحدد في إطار جامد فهي قابلة للتطور على قدر تشابك وتقارب المصالح العربية: كونفدرالية أو فدرالية اتحادية شرط أن لا تكون بديلاً عن الوحدات القومية الطبيعية بل إطار تنضم إليه الوحدات القومية الطبيعية.

 

إن اجتماع اثنتين وعشرين دولة في الجامعة العربية ليس وحدة عربية بل مجمع الأشلاء. إن اجتماع أربع وحدات قومية طبيعية في الجبهة العربية المنشودة هو القوة للعرب وهو يشكل الخطوة التوحيدية الكبرى.

 

إيضاحات حول نظرة سعاده إلى العروبة – الجبهة العربية لنذكر في الخلاصة هذه الحقائق:

 

حول "العروبة السورية القومية الاجتماعية"، كما عرّفها سعاده مؤكداً أن لحزبه نظرة في العروبة فهو ليس ضد العروبة بل له تحديد علمي لها.

 

  1. )- منذ تأسيس الحزب اشتملت غايته التي هي المادة الأولى من دستوره على نهضة الأمة السورية ووحدتها واستقلالها مقترنة بالنظام الجديد وبالسعي لإقامة الجبهة العربية.

 

فالسورية والعروبة جزءان من غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي وهما اذن في إطار تحديد علمي لكل منهما. فهما متكاملتان غير متناقضتين.

 

إن السورية مقترنة بالعروبة, اي ان العمل لبعث سوريا ووحدتها مقترن بالعمل للجبهة العربية التي تكون سوريا أهم دعائمها متى توحّدت.

 

إن السورية ليست بديلاً عن العروبة، كما ان العروبة لا وجود لها خارج السورية. فسوريا مجزأة بقرار استعماري صهيوني وسوريا الموحّدة هي صدر العالم العربي وسيفه وترسه، كما يقول سعاده. هي نقض لمفاعيل التجزئة الاستعمارية الصهيونية.

 

2-)- كما تكوّن الحلف الامبريالي الصهيوني المعادي دعا سعاده الى قيام الجبهة العربية المعادية للاستعمار. وغاية الحزب أن الجبهة العربية هي الإطار الجبهوي الذي تتحصّن فيه سوريا في مواجهة الاستعمار.

 

3-)- إن سعاده لم يقتصر بالدعوة إلى جبهة عربية عسكرية سياسية بل كان السباق إلى إعطاء التضامن العربي بعداً في المصالح المادية, وفي أخطر هذه المصالح على الإطلاق, البترول, وهذه نقطة مهمة.

 

يقول سعاده في مقال "البترول سلاح انترنسيوني لم يُستخدَم بعد" وفي دعوته الى استخدام النفط سلاحاً استراتيجياً للضغط على الولايات المتحدة لوقف تأييدها لليهود ورفض توقيع الاتفاقات النفطية معها قبل هذا التبديل في موقفها؛ إنه كان يجب أن يدعم موقف المفاوض السوري مع موقف موحّد الغاية والوسيلة في جميع الدول السورية وأن يكون وراءه، وبالتالي تعاون بين سوريا كلها من جهة والدول العربية, يسد في وجه الديبلوماسية الأجنبية منافذ الضغط والتهويل والمساومة.

 

4-)- إن سعاده يطلب مساندة العرب لسوريا في قضية فلسطين وكل مسألة أخرى شرط أن تتخذ هي قرارها القومي, فتأتي المساندة العربية لتدعم موقفاً سورياً محدداً وقوياً وموحداً, فتكون أجدى وأفعل.

 

يمكن أن تعاون السوريين من الخارج دول لها بسوريا صلات تاريخية ودموية وثقافية وقرابة مصالح. لكن لا يجوز أن يقرر أحد, مهما كان قريباً لنا, قضية تخصنا نحن.. فيجب أن نضطلع نحن بمسؤولية قضايانا القومية وأن نقرر مصيرنا بإرادتنا وأن نبقي تقرير المصير من حقنا وحدنا. ( المحاضرات العشر، ص. 55).

 

في غياب وحدة القرار السوري القومي ماذا حصل؟ ماذا فعل الإجماع العربي في قمّتي فاس الأولى والثانية: عرض مشروع التسوية لا مشروع المجابهة والتحرير.

 

5- )- وضع سعاده قاعدة لقدرة سوريا على الاشتغال بالقضية العربية: "لذلك, شرط التعاون في العالم العربي هو أن نقدر على تقديم شيء، ولكي نقدر على تقديم شيء، يجب أن نكون نحن أولاً شيئاً". (المحاضرات العشر، ص. 177).

 

وذلك لا يحصل في ظل أوضاع تجزئة سوريا بل في ظل أوضاع وحدتها.

 

إن وحدة سوريا ترهب بل تقضي على الكيان الصهيوني الذي ترعرع في عهد تجزئتها كالفطر والسم في الجسم. ولا يجوز ان يرى احد من العالم العربي ان وحدة سوريا هي ضده أو ضد الوحدة العربية الا اذا كان مفهومه للوحدة العربية يقوم على تنكيس سوريا واستمرار تجزئتها وعندها يلتقي مع المخطط الاستعماري الصهيوني.

 

إن أخلص العروبين للعروبة هم الذين قالوا بوحدة سوريا، لأن ذلك نقض لسايكس – بيكو ولوعد بلفور ولكل نتائجهما.

 

6-)- إن سعاده لا يدعو إلى تجزئة عالم عربي موحّد كما روّج مسيئو الفهم, بل يدعو إلى توحيد عالم عربي مجزأ وفق منهج علمي يأخذ بالواقع الاجتماعي أساساً للتحرك الوحدوي.

 

إن سعاده لا يمزّق وحدة عربية قائمة بل يسعى الى توحيد عالم عربي ممزق في وحداته الطبيعية وعلى أساس دوراتها الاجتماعية - الاقتصادية ناقضاً مفاعيل التجزئة الطبيعية ليس في سوريا فحسب، بل في المغرب ووادي النيل والجزيرة العربية مع موقف ملتزم بالرابطة العربية التي تشدّ هذه الوحدات الطبيعية معتبراً منذ 1932 أن الجبهة العربية علاقة حتمية بين المجتمعات العربية لأن ما بين هذه المجتمعات من المصالح يحتم تعاونها, كما يقول سعاده, ملزماً أمته بصدارة العمل الجبهوي العربي المتصدي "وإني أكرر هنا ما قلته سابقاً أنه متى كان الموقف متعلقاً بكرامة العالم العربي وسيفه وترسه فنحن حماة الضاد ورافعو لواءها". (جريدة الزوبعة – آذار 1943 ).

 

7-) – خلال هذه السنوات الأربعين التي انقضت على هذا القول ماذا حصل؟

 

أ- فشلت كل التجارب والمشاريع والشعارات الوحدوية وكان متربعاً في الحكم دعاة القومية العربية, لا دعاة القومية السورية.

ب- فسقطت حجة اتهام السوريين القوميين الاجتماعيين بالعداء للعروبة أو عرقلة مسيرة وحدتها.

 

وخلال السنوات الأخيرة القليلة الماضية أيّدنا مشروع الوحدة بين دمشق وبغداد المعروف بميثاق العمل القومي، لكن المؤامرة الاستعمارية حالت دون تحقيقه.

 

ج- وأيّدنا مشروع الوحدة الشامية الليبية باعتبار أنها وحدة الخندق المقاتل للعدو الصهيوني، رغم افتقارها للمقومات الطبيعية تكاملاً جغرافياً وعمرانياً واقتصادياً.

 

وأسقط الحزب بهذا الموقف كل الجدل حول موقف الحزب من الوحدة العربية. واتضح أن ليس موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي هو العائق ولا رغبة الحكمين السوري والليبي اللذين بقيا بعد انطواء مشروع الوحدة, على أطيب علاقات التحالف والتنسيق, بل إن العائق هو ظروف موضوعية راسخة في شأن الواقع الطبيعي والاجتماعي.

 

د- وحين أيّد الحزب السوري القومي الاجتماعي مشروع الوحدة بين الشام وليبيا كوحدة سياسية عسكرية لقتال العدو الصهيوني اكد ان هذه الوحدة السياسية لا يجوز ان تكون بديلاً عن وحدة ليبيا مع المغرب العربي او وحدة الشام مع محيطها السوري الطبيعي. وبانقضاء تجربة الوحدة بينهما تركز الشام على مفهوم أكدته منذ 1975 وهو مفهوم الوحدة السورية الأساس لمسيرة الاتحادية العربية, كما ان ليبيا باتت تدعو منذ أشهر لوحدة المغرب العربي منطلقاً لاي تحرك عربي توحيدي.

 

ه- ولقد قال سعاده في (الإسلام في رسالتيه ص. 214) اي قبل اربعين سنة ان وضع الأقطار العربية "الجغرافي ومعدل كثافة سكانها وامكانياتها الاقتصادية لم تؤهل هذه الاقطار لإنشاء مجتمع واحد مترابط بدورة دموية واجتماعية اقتصادية منتظمة".

 

فواضح أن سعاده يقدم الشروط الموضوعية لقيام المجتمع القومي حتى اذا ما توافرت, امكن التحدث عن وجود هذا المجتمع على اساس وحدة الحياة ذات الدورة الاجتماعية – الاقتصادية الواحدة. والبحث مفروض أن يجري على اساس هذا المحور حصراً:

 

هل تقوم دورة اجتماعية اقتصادية واحدة في العالم العربي؟

 

هل مصر وسوريا تشكلان هذا التكامل الاقتصادي الاجتماعي مثلاً؟

 

هل المغرب العربي يشكل دورة اجتماعية اقتصادية أكثر تجانساً فيما لو اعتبر أنه والجزيرة العربية تشكلان معاً هذه الدورة؟

 

إن أجوبة عن هذه الأسئلة بالتحديد هي اجوبة علمية موضوعية لا تمت بصلة الى الرغبة او النية او الاماني والآمال. إنما العكس هو الصحيح في ان لا تحل الرغبة او الآمال في توحيد العالم العربي محل الشروط الموضوعية الطبيعية الاجتماعية لقيام هذه الوحدة.

 

8-)- خلال الفترة الأخيرة تأكد أن الوحدات الطبيعية كلها هي محور التفكير العربي – الا الوحدة السورية الطبيعية – فالمغرب العربي عاكف على الإعداد لوحدته الطبيعية بدءاً من أهم محاورها – التكامل الاقتصادي – وقد اتخذ حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري قراراً بهذا الشأن, كما أكدته تونس ونادت به وتحمّست له ليبيا, وتجاوبت موريتانيا والمملكة المغربية لحل مشكلة الصحراء على أساس هذه الوحدة.

 

والجزيرة العربية تشكل مجلس التعاون الخليجي صيغة توحيدية تدريجية.

 

ومصر والسودان أقامتا التكامل السياسي والاقتصادي وبرلمان وحدة وادي النيل. ومطلب وحدة وادي النيل استمر في كل العهود الملكية والناصرية وصولاً الى المرحلة الراهنة.

 

وحدها وحدة الهلال السوري الخصيب, وحدة سوريا الطبيعية وضع عليها الحرم الصهيوني الاستعماري وعرقلت كل المساعي لقيامها ونفخت بالكيانية والطائفية لتقسيمها.

 

9-)- لذلك ينفتح هذا الموضوع على العلاقة العضوية بين الوحدة القومية في سوريا الطبيعية والاستهداف الاتحادي العربي ولا تناقض بينهما متى تأكد سلم الاولويات والتدرج.

ووحدة سوريا أساسية أكثر من اية وحدة اخرى لمسار الاتحادية العربية.

 

واذ كانت وحدات المغرب العربي والجزيرة ووادي النيل ضرورية لبيئاتها وغير متناقضة مع الاتحادية العربية فكيف لا تكون وحدة سوريا وهي القلب في العالم العربي وهي الأهم استراتيجياً في الصراع مع الصهيونية.

 

10-)- أما الاتحادية العربية فهي الصيغة المتطورة لمفهوم الجبهة العربية الذي استشرف حزبنا منذ 1944 في مذكرته الى جامعة الدول العربية رسم صورة لها: "إن كون العالم العربي بيئات اجتماعية متعددة يتحتم على المنظمة العربية المشتركة أن تضع في صلب أهدافها تسهيل تحقيق وحدة كل بيئة طبيعية اجتماعية لوحدتها وسيادتها وأن كون العالم العربي عالماً يشترك في روابط ومصالح أساسية يتحتم أن تتركز أسس التعاون العربي على توحيد شؤون الثقافة والدفاع والخارجية بين بيئاتها الطبيعية".

 

إن التطور الحاصل منذ 1944 ليحتم أن تنهض الاتحادية العربية على أرسخ الأسس لكن حتى تكون كذلك فلا بد أن تُرسى لا على أشلاء 22 دولة في الجامعة العربية التي باتت متحفاً للتجزئة العربية بل على أعمدة صلبة في الوحدات الطبيعية الأربع. من هنا التكامل بين الوحدات الطبيعية والاتحادية العربية.

 

ولو سار العالم العربي على هذا النهج في الأولويات لكان اجتاز الشوط خلال الأربعين سنة الماضية بدلاً من الدوران في دائرة التجزئة المفرغة تحت شعارات توحيد فوقية – وحدة العلم والنشيد والدستور والرئيس بدلاً من الوحدات الراسخة في التكامل الاقتصادي الاجتماعي – الواقع الاجتماعي في كل بيئة طبيعية ثم اتحادية عربية بين هذه البيئات.

 

ولعل عدم إدراك هذا التكامل كان سبب الخلل الأساس لأن العمليتين متكاملتان ولا تحل إحداهما محل الأخرى أو تلغي وجودها.

 

11-) – إن رفض سعاده للفكر الرومانسي أو الديني او اللغوي أساساً للوحدة بديل الواقع الاجتماعي هو أساس العروبة السورية القومية الاجتماعية العلمية الواقعية لا كما فسّر المضلّلون موقفه الموضوعي بأنه ضد العروبة, ضد الوحدة العربية.

 

12)- إن دعوة سعاده الى الجذور في تراثنا كان عملية بعث للثقة بالنفس بعد أن طمست الفتوحات الأجنبية سواء الرومانية او العثمانية تراث أمتنا وأغفلت دورها الحضاري المدارس الاستعمارية. إننا في المرحلة التاريخية المعاصرة ونحن نجابه الخرافة اليهودية وتطاولها على التراث السوري الحضاري وزعمها خلافاً لكل مكتشفات حضارية أن اليهود أساس التوحيد والحضارة القديمة وهم سارقو ومشوّهو تراثنا السوري القديم.

 

إن بعث حضارتنا بجذورها التي تؤكد أن الحَرف والتوحيد وعلوم الحساب والفلك والفلسفة كلها منجزات أبدعها إنساننا السوري في الهلال الخصيب قبل الخرافة اليهودية, إن هذا الوعي بتراثنا القديم يصبح محصناً حضارياً لصراعنا القومي ضد الغزوة اليهودية البربرية، كما يصبح عنوان استقلالنا الثقافي ضد محاولات التهجين الاستعمارية التي تحاول بأسلوب عنصري نافر أن تعتبر شعوبنا شعوباً لا حضارة لها.

 

13-)- إن هذا البعث للجذور يتمّ من ضمن نظريتنا القومية الاجتماعية لتواصل إنساننا في كل حقب تاريخنا ورفضها بتر الجذور أو بتر ما تلا عنها في وحدة المشاهد التاريخية لمجتمعنا في كل العصور. ان هذا البعث للجذور التاريخية لحضارتنا لا يتم على حساب إسهامنا العظيم كأمّة سورية في الثقافة العربية الإسلامية وانتمائنا الى العروبة الحضارية.

 

إن إسهام سوريا في الثقافة العربية الإسلامية في ما سُمّي بعصر تمازج الحضارات الذي تمّ في دمشق وبغداد ليس بين الحضارتين الفارسية واليونانية من جهة والثقافة العربية الإسلامية من جهة ثانية، فحسب بل إن سورية كانت هي المازجة والحاضنة لعملية التفاعل الحضاري الذي أنبت الثقافة العربية الإسلامية.

 

فالسوريون استعربوا وعلى أرضهم تمّت العملية الحضارية كما أن صلة الجزيرة العربية بهم قبل الإسلام وبعده مؤكدة ثم أن جذورهم كانت فاعلة في الحضارة اليونانية نفسها.

 

وأن سعاده لم يغفل، بل شدّد لا سيما في "نشوء الأمم" على أهمية دور سوريا العربية الأموية اولاً, والعباسية بعد ذلك في إقامة أساس الدولة في الاسلام وفي عملية تفاعل الحضارات وترقية العلوم والتمدّن بمعنى أننا نؤكد دور سوريا التاريخي في العصر العربي بل نعتبره دوراً هاماً وأساسياً وحاسماً.

 

وأن الأندلس هي نتاج سوريا ومن دمشق انطلق السوريون والعرب بالدولة الأموية الى الفتوح التي وصلت الى اوروبا ونشروا الثقافة والتمدن.

 

يقول سعاده "وهل يضرّنا أن يكون بعضنا عرباً, والعرب برهنوا بفتوحاتهم وما أدوه للمدينة من خدمات أنهم شعب له مزايا تمكنه من القيام بأعباء المدينة متى وجدوا في محيط صالح.

 

فالعرب في الأندلس – والسوريون كانوا يشكلون قسماً هاماً في الأندلس ضمن التسمية العربية كانوا من أهم عوامل ترقية المدنية في العلوم وإطلاق حرية الفكر حتى اصبحت اللغة العربية لغة العلم في الشرق والغرب, وكثيراً ما يمكن التحدث عن العرب وأكثره معروف عندكم. (مراحل المسألة الفلسطينية، الاتحاد العملي في حياة الأمم 1933، ص. 20).

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro