مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
دراسة نقديّة لقصّة أنطون سعادة "عيد سيّدة صيدنايا"
 
كرم، سرجون فايز
 

 

 

يعدّ مؤسّس الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ أنطون سعاده (1904-1949) أحد أبرز شخصيّات النصف الأوّل من القرن العشرين السياسيّة والفكريّة، التي قلّما وجدت دراسات مناصريه ومنتقديه نقطة مشتركة يتمّ الالتقاء عليها. فالبنسبة لأنصاره، يُعتبر أنطون سعاده زعيم الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ وزعيمًا للأمّة السوريّة، ذو سلطة غير محدودة - بقيت موجودة حتّى بعد إعدامه - لضمان "سلامة الحزب الذي يمثّل الأمّة السوريّة"[1]، في حين رأى فيه منتقدوه "تجسيداً للفاشيّة في سوريا الطبيعيّة"[2] و"أوّل زعيم كاريزماتيّ لتنظيم قوميّ في المشرق".[3]

 

إلاّ أنّ هناك وجهًا آخر لسعاده – وإنْ كان ينطوي على خلفيّته السياسيّة والفكريّة، وهو الوجه الأدبيّ الذي - وإنْ كان إنتاجًا متواضعًا بالقياس إلى ما وضعه هذا الرجل على المستوى الفكريّ العقائديّ - يستحقّ دراسة جديّة لأهمِّية كون سعاده سليل عصر النهضة العربيّة التي نشأت أواخر القرن التاسع عشر، وكان أهمّ روّادها أدباء ومفكّرين مسيحيّين لبنانيّين وسوريّين، ومن ضمنهم والده خليل سعاده.

 

في دراستنا هذه سيقتصر بحثنا فقط على هذه الناحية الأدبيّة من شخصيّة أنطون سعاده – وبالتحديد على مساهمته في المجال القصصيّ. فالمعروف أنّ سعاده وضع في حياته، وقبل تأسيسه الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ قصّتين هما "عيد سيّدة صيدنايا" و"فاجعة حبّ". حتّى الآن لم نجد أيّة دراسة قامت بمعالجة علميّة معمّقة لهذين العملين. فمعظم الدراسات التي تناولت شخصيّة سعاده من الناحية الأدبيّة اختصرت الإشارة إليهما بصفحة أو صفحتين، أو اكتفت بتلخيص أحداثهما بتكرار فكرتيهما الرئيستين المتلخّصتين بتصوير صراع الخير مع الشرّ لإنقاذ المجتمع السوريّ، و"تصوير حياتنا الشعبيّة واستخراج دروس قوميّة واجتماعيّة منها"[4]، أو تبيان المثالب الاجتماعيّة التي تعصف في هذا المجتمع. وقد أجمعت هذه الدراسات على فكرة مفادها أنّ سعاده لم يكن كاتباً قصصيًّا[5] أو أنّ الحياة السياسيّة التي عاشها حالت دون تطوّر هذا الفنّ لديه.[6]

 

والحقّ أنّنا لا نخالف الرأي بأنّ سعاده لم يكن كاتبًا قصصيًّا، إلاّ أنّنا ننحو منحى آخر في النظر إلى هذين العملين من خلال وضعها في إطارهما الزمنيّ لتوضيح أنّ مساهمة أنطون سعاده الأدبيّة، بغض النظر عن نجاحه أو فشله في هذا الفنّ. ففنّ "القصّة" أو "الرواية" هو فنّ جديد في العالم العربيّ، تعود بذور نشأته الأولى إلى عصر النهضة الأدبيّة في القرن التاسع عشر، أي إلى العصر الذي وُلد بعيد نهايته أنطون سعاده، وكانت تيّارات هذا العصر الفكريّة المنهل الذي نهل منه، والقالب الذي كوّن شخصيّته. فكلّ قراءة علميّة لأنطون سعاده، فكريًا وسياسيًّا وأدبيَّا، منفصلة عن ينابيع هذا العصر، تبقى ناقصة ومجحفة بحقّ هذا الشخص. فأنطون سعاده لم يأتِ من العدم، ولم يستوحِ العقيدة التي وضعها من الإلهام، ولم يتطرّق إلى عالم القصّة فقط لمجرّد تصوير الحياة الشعبيّة السوريّة أو المثالب الاجتماعيّة التي تعاني منها أمّته السوريّة.

 

 

1. "عيد سيّدة صيدنايا" و"فاجعة حبّ": قراءة من منظار الإطار الزمنيّ لنشوء القصّة العربيّة

 

 

لتحديد تاريخ كتابة هاتين القصّتين نجد في "الصراع الفكريّ في الأدب السوريّ" إشارة من المؤلّف نفسه إلى أنّه وضع "فاجعة حبّ" عام 1931.[7] أمّا في ما يتعلّق بـ "عيد سيّدة صيدنايا"، فيشير أنطون سعاده في مقدّمتها إلى أنّه بنى أحداثها على "مشاهداتي الشخصيّة في عيد سيّدة صيدنايا المشهور الذي حضرته للمرّة الأولى سنة 1930".[8] وقد تمّ إصدار هاتين القصّتين معاً في بيروت عام 1932.[9]

 

إنّ التشديد على تحديد الإطار الزمنيّ لكتابة وإصدار هاتين القصّتين له أهمّيّة كبرى كون فنّ القصّة في زمن أنطون سعاده كان لا يزال في حداثة عهده وطور نضوجه. صحيح أنّ الأدب العربيّ عرف فنّ السرد في "ألف ليلة وليلة"، ومقامات الحريري، وبديع الزمان الهمذانيّ، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي، وحيّ بن يقظان لابن طفيل، ولكنّ المتعارف عليه أنّ الشعر كان دائمًا – كما يقول أبو فراس الحمداني – ديوان العرب. أمّا القصّة كفنّ أدبيّ، فليست من تراث الأدبيّ العربيّ، بلْ هي مستوردة من الأدب الغربيّ.[10]

 

وقبل القيام بتسليط الضوء على الإطار الزمنيّ لنشوء القصّة العربيّة، ليتمّ بعدها وضع القصّتين ضمن هذا الإطار، لا بدّ من توضيح نقطتين. فالنقطة الأولى هي الدافع الذي حدا بأنطون سعاده إلى الكتابة، والثانية تتعلّق بمصطلح "القصّة"، ومفهومه بالقياس إلى مصطلحي "القصّة القصيرة" و"الرواية".

 

ففي ما يتعلّق بالنقطة الأولى، يذكر أنطون سعاده في مقدّمة القصّتين: "إنّ الغرض والقصد الذي رميت إليه حين شعرت بدافع داخلي يدفعني إلى تأليف القصص كانا: تصوير حياتنا الشعبيّة واستخراج دروس قوميّة واجتماعيّة منها. بل أنّي شعرت بدافع يدفعني إلى هذا الغرض وهذا القصد كالدافع الفنّي الذي حدا بي إلى إنشاء قصّتي عيد سيّدة صيدنايا وفاجعة حبّ، أي أنّ الغرض والقصد المذكورين لم يكونا هما الدافع الذي حملني على مكابدة الأدب القصصيّ؛ ولو كان الأمر كذلك، لما وجدت مبرّراً للإقدام على هذ العمل الشاقّ واتّخاذ هذه الخطوة الخطرة".[11] وبالفعل، إنّ الدارس لفكر أنطون سعاده، وللحزب الذي أسّسه، يجد أنّه كان بغنى عن كتابة قصّتين لو كان الأمر متوقّفًا فقط على تصوير الحياة الشعبيّة "السوريّة" واستخراج الدروس القوميّة والاجتماعيّة. فأنطون سعاده يشدّد على دافع فنّيّ لديه دفعه إلى هذه الخطوة الخطرة، أي مكابدة الأدب القصصيّ الشّاق. فهذا الدافع هو المعيار الحاسم في قراءة أنطون سعاده ضمن إطاره الزمنيّ، وفي جعلنا نفهم أنّ كتابة القصّتين – بغض النظر عن المستوى والقيمة الفنّيّة – كانتا محاولتين لمساهمة أنطون سعاده في عالم الأدب ضمن معايير عصره الأدبيّة، وترجمة لدافعه الفنّيّ في قالب أدبيّ معاصر وهو القصّة.

 

أمّا بالنسبة إلى المصطلح، فإنّ السؤال المطروح هو لماذا أطلق أنطون سعاده على عمليه مصطلح "القصّة"؟ فماذا كانت تعني هذه اللفظة في ثلاثينيّات القرن العشرين وأيّ نوع من السرد الأدبيّ كان يفهم منها؟

 

في دراسته The Arabic Novel   التي صدرت طبعتها الأولى عام 1982 وترجمت إلى العربيّة عام 1986 يقدّم روجر آلن Roger Allen  أستاذ الأدب العربي والأدب المقارن في جامعة بنسلفانيا في ولاية فيلادلفيا الأمريكيّة مقاربة علميّة لمحاولات النقد الأدبيّ العربيّ لتعريف مصطلح "القصّة". ففي اللغة الفرنسيّة والألمانيّة ظهرت تسميات لثلاثة أنواع من السرد الأدبيّ وهي Roman, Nouvelle , Conte. أمّا اللغة الانكليزيّة فقد أطلقت مصطلح  Novel  على النوع الطويل للسرد، في حين أطلقت مصطلح Novella على النوع القصير منه أو ما يعرف بالقصّة القصيرة. أمّا اللغة العربيّة فقد حاولت من جهتها تحديد أنواع السرد الأدبيّ وإطلاق تسمية عليها. وهكذا نشأ، انطلاقاً من تبنّي مفهوم المصطلح في اللغة الانكليزيّة، مصطلح "القصّة القصيرة" كترجمة لـ Short Story ومصطلح "الرواية" كترجمة لـ Novel. إلا أنّ آلن يتابع قوله بالإشارة إلى أنّ بعض الكتّاب العرب الأوائل فضّلوا مصطلح "القصّة" على "الرواية" في مفهومهم للـ Novel.[12] فمصطلح "الرواية" كان معروفاً في زمن سعاده ولكنّه لم يكن يحمل الدلالات التي يحملها في عصرنا الحالي، لذلك فإنّ إطلاق مصطلح "رواية" أو "قصّة" على كلّ عمل أدبيّ يخرج عن شكل "القصّة القصيرة" لم يكن يشكّل فارقًا كبيرًا لدى الكثير من قصّاص أو رواة ذلك العصر.

 

 

1.1 بواكير القصّة العربيّة

 

لقد عرف الأدب العربيّ – كما ذكرنا سابقاً – فنّ النثر مع "ألف ليلة وليلة" وكذلك مع مقامات بديع الزمان الهمذاني (969-1008)، إلا أنّ هذا الفنّ لا يمكن مقارنته بفنّ القصّة الذي نشأ في القرن التاسع عشر، كون هذا الأخير وليد عصر النهضة العربيّة:

 

  „The beginnings of a fictional tradition in modern Arabic literature are part of the wider process of revival and cultural assimilation known in Arabic as al- Nahdah. This process involved a creative fusion of two separate forces. One is the rediscovery of the treasures of the Arabic literary heritage and the emergence, therefore of a “neo-classical” movement. The other is the translation of works of European fiction into Arabic, their adaptation and imitation, and the eventual appearance of an indigenous tradition of modern Arabic fiction”.[13]

 

لقد طبعت مقولة "الشّعر ديوان العرب" جميع الحقب التاريخيّة في الأدب العربيّ، إلا أنّ الحال تغيّر في القرن التاسع عشر، إذ ظهرت "القصّة" فنًّا أدبيًّا جديدًا لا جذور حقيقيّة له في التراث العربيّ.

 

في كتابه "روّاد النهضة الحديثة" يتطرّق مارون عبّود عام 1952 إلى ظاهرة نشوء القصّة جنسًا أدبيًّا جديدًا في العالم العربيّ فيقول: "كان أكبر همّ الأديب فيما مضى أن يكون شاعرًا، أمّا أقصى ما يروم اليوم فهو أن يُحصى في عداد القصصيّين"[14]

 

لقد ظهرت بواكير هذا الفنّ الجديد على أيدي المسيحيّين اللبنانيّين والسوريّين. ويعدّ فرنسيس المرّاش (1836-1873) وسليم البستاني (ت.1884) من أوائل روّاد القصّة العربيّة. فالأوّل نشر عام 1862 قصتّه "غابة الحقّ" في حلب وعام 1872 "درّ الصَدف في غرائب الصُدف" في بيروت. أمّا البستاني فقد نشر في مجلّة "الجنان"، التي أنشأها مع أبيه بطرس البستاني عام 1870، تسع قصص كانت أولاها "الهيام في جنان الشام" (1870)، تلتها "زنوبيا" (1871) و"بدور" (1872).

 

أمّا في مصر، فقد أسّس مسيحيّون لبنانيّون وسوريّون غادروا بلادهم، هربًا من الاحتلال العثمانيّ صحفهم ومجلاتهم، وقد أدّت هذه الصحف دورًا مهمّا في نشر إنتاجاتهم الأدبيّة. ويأتي على رأس القائمة جرجي زيدان (1861-1914) الذي نشر في مجلّته "الهلال"[15] ما عُرف بالقصّة التاريخيّة أوّلها "المملوك الشارد" (1891). وبلغ عدد القصص التاريخيّة التي نشرها زيدان اثنتي عشرة قصّة تاريخيّة منها سبع عشرة قصّة تعالج فترات تمتدّ بين الفتح الإسلاميّ إلى دولة المماليك، مثل: أرمانوسة المصريّة، غادة كربلاء، فتح الأندلس، العباسة أخت الرشيد، الأمين والمأمون، شجرة الدرّ، استبداد المماليك.

 

إلى جانب زيدان يجب ذكر اسمين آخرين. الأوّل هو يعقوب صرّوف (1852-1927) الذي نشر في مجلّته "المقتطف" (تأسّست 1876) "فتاة مصر" (1905)، "أمير لبنان" (1907) و"فتاة الفيّوم" (1908).  أمّا الثاني فهو فرح أنطون (1874-1922) مؤسّس مجلّة "الجامعة" (1899) الذي نشر "حبّ حتّى الموت" (1899)، "الوحش، الوحش، الوحش" (1903) و"أورشليم الجديدة أو فتح العرب بيت المقدس" (1904).

 

لقد عكست هذه البواكير إقبال أدباء عصر النهضة على هذا الجنس الأدبيّ الجديد الناشئ نتيجة التأثيرات الأدبيّة الأوروبيّة. إلا أنّ أيّاً من هذه البواكير القصصيّة اعتبره النقّاد أوّل عمل قصصيّ "حقيقيّ" و"جادّ". فالإطار الزمنيّ للعمل القصصيّ الحقيقيّ والجادّ يتأرجح بين الفترة الممتدّة من عام 1908 وحتّى عام 1937. فبالنسبة لبعض النقّاد تنطبق هذه الصفة على"الأجنحة المتكّسّرة" (صدرت 1908) لجبران خليل جبران (1883-1931)، في حين يعتبر آخرون –خصوصًا أغلب النقّاد الغربيّين- أنّ "زينب" لمحمد حسين هيكل (1888-1956) التي نشرها عام 1913 تحت اسم مستعار "مصري فلاّح" هي أوّل عمل يمتلك مقوّمات القصّة أو الرواية.[16] في حين ذهب بعضهم إلى أنّ  "نهم" (1937) للأديب السوريّ شكيب الجابري (1912-) هي أوّل عمل سرديّ يحمل مقوّمات ما يسمّى بالرواية العربيّة.[17]

 

لقد اختلف النقّاد أيضًا في نظرتهم إلى التقسيم الجغرافيّ للقصّة العربيّة. فقد انطلق بعضهم من اعتبار العالم العربيّ وحدة متكاملة قاسوا نشوء وتطوّر القصّة العربيّة داخلها.[18] في حين ذهب البعض الآخر إلى ضرورة التمييز بين مختلف متّحدات العالم العربيّ وذلك لاختلاف نسبة تأثير الثقافة الغربيّة، بالإضافة للتعدديّات الإثنيّة والدينيّة والتطوّرات السياسيّة المختلفة بين بلد عربيّ وآخر.[19] وسواء كنّا من مؤيّدي الرأي الأوّل، والذي يميل إجمالاً إلى أنّ أوّل رواية عربيّة نشأت في مصر عام 1913، أم من مؤيّدي الرأي الثاني الذي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيّة كل متّحد عربيّ، ويميل إلى أنّ أوّل قصّة عربيّة في لبنان وسوريا (قياساً إلى سوريا الجغرافية التي يؤمن بها أنطون سعاده) ينحصر بين جبران خليل جبران 1908 وشكيب الجابري 1937، فإنّ عملي أنطون سعاده كتبا ضمن هذه الفترة التي كانت فيها القصّة العربيّة تنضج وتكتمل. من هنا تكمن لدينا أهميّة قصّتي أنطون سعاده – بغض النظر عن تقويم نجاحه أم فشله في هذا الفنّ- كمساهمة عمليّة في معالجة هذا الجنس الأدبيّ الذي انحصرت موضوعاته منذ نشوئه بالبحث عن خطّ تاريخيّ يدعّم الشعور القوميّ الجديد بتسليط الضوء على المشاكل الاجتماعيّة، وخاصّة وضع المرأة.[20]. ولم يخرج سعاده في قصّتيه عن معالجة هاتين الإشكاليّتين.  

 

 

2. ملخّص قصّة "عيد سيّدة صيدنايا"

 

ابراهيم شاب لبنانيّ معروف بقوّته وشجاعته وغرابة أطواره، يتوجّه عام 1930 إلى صيدنايا لحضور عيدها الشهير. ولم يكن دافع زيارته هذه دينيًّا بقدر ما كان رغبة في الاشتراك في العيد والاستمتاع بتقاليده الشعبيّة.

 

بعيد وصوله يقوم ابراهيم بالتجوّل في باحات الدير وأروقته ويتّخذ مكاناً له على أحد سطوحه يطلّ منه على الباحة الكبيرة مسرح حلقات الرقص والدبكة، فتلفت انتباهه وإعجابه فتاة جميلة (نجلا)  ترقص مع رفيقاتها.

 

بعد انتهاء الرقصة يلاحظ ابراهيم أنّ فريقًا من الجمهور قد ضرب طوقًا غير بريء حول نجلا ورفيقاتها ويشاهد شابًا (جرجس) تظهر عليه علامات الخبث، يشقّ طريقه في المجموع ليصل إلى نجلا لمعاكستها والتودّد إليها. يتضايق ابراهيم من هذا الأمر فينزل من مكانه ويشقّ بقوّة عضلاته طريقاً في المجموع لنجلا التي شكرته على نخوته. يثير هذا التصرّف حفيظة جرجس الذي بدأ بتوعّد ابراهيم وتهديده بتلقينه درسًا في المساء، إلا أنّ نجلا تعتذر إلى ابراهيم عن هذا التصرّف وتطلب الصفح لجرجس وتسحبه من يده وتغادر الباحة.

 

يبقى ابراهيم وحيدًا محتارًا من كون نجلا قد سيطرت على تفكيره ومشاعره ومسكونًا بتساؤلاته عن طبيعة العلاقة بين نجلا وجرجس وعن تهديدات هذا الأخير بالانتقام.

 

بعد ذلك ينفر ابراهيم في الهضاب الواقعة إلى جانب الدير، فيلفت انتباهه تجمّع أناس أمام أحد الكهوف، فيعرف بعد الاستعلام أنّه أمام مغارة القديسة أمّ بزاز. يدخل ابراهيم المغارة، فلا يلاحظ فيها شيئًا غير عاديّ يميّزها عن الكهوف الأخرى التي يعرفها سوى انتظار بعض النساء لفتاة تجلس تحت نقطة في السقف يرشح الماء منها لتلقّي بركة القديسة أمّ بزاز بسقوط قطرة ماء على جبينها. يغادر ابراهيم المغارة بعد رفضه تلقّي البركة بناء على نصيحة إحدى النسوة، ويعود إلى الدير ليتفاجأ أثناء تجواله في أروقته بنجلا وجرجس يتجادلان في إحدى الغرف الصغيرة حول ما جرى أصيل ذلك النهار. نجلا تؤنّبه وجرجس يتوعّد بالانتقام بسيفه من ابراهيم.

 

يعود ابراهيم إلى تجواله في الدير فيلتقي بشاب بيروتي من أحد معارفه يُدعى رشيد الذي يبلغه أنّ سبب حضوره إلى صيدنايا هو للمبارزة بالسيف والترس مع خصم له دون أن بذكر له السبب. يكتشف ابراهيم لاحقًا أنّ هذا الخصم ليس سوى جرجس نفسه.

 

عندما يحين موعد المبارزة يلتقي ابراهيم ورشيد بجرجس الذي يتعجّب من وجود ابراهيم إلى جانب خصمه ويتوجّه الثلاثة للتفتيش عن مكان موافق للمبارزة. يقوم جرجس بتقديم أحد معارفه ويقترحه حكمًا للمبارزة على أن يقوم ابراهيم بدور المراقب، فيوافق رشيد.

 

يلتحم الخصمان رشيد وجرجس، وقد تجمهر الناس حولهما وعلى السطوح، فيصاب رشيد بجرح في صدره ثمّ في كتفه، كون جرجس يستعمل ضروبًا غير نزيهة في المبارزة. يلاحظ ابراهيم هذا الأمر كما يلاحظ أنّ الحكم لا يتدخّل، فيقفز إلى وسط حلبة المبارزة ويفصل بين الخصمين ويؤنّب جرجس على عدم نزاهته في المبارزة، فيستفزّه هذا الأخير إلى المبارزة.

 

يلتحم الاثنان فيوجّه ابراهيم ضربة سيف إلى كتف جرجس فيجرحه جرحًا غير بليغ. في هذه الأثناء يلاحظ ابراهيم أنّ نجلا موجودة بين الجمهور تراقب ما يجري. يعود الخصمان إلى الالتحام إلا أنّ ابراهيم لم يشأ أن يوجّه ضربة قاضية إلى جرجس عندما سنحت له الفرصة، الأمر الذي يغتنمه هذا الأخير ويسدّد ضربة بسيفه إلى كتف ابراهيم ويصيبه إصابة بالغة. تتدخّل نجلا وتفصل بين المتبارزين وتقوم إحدى الراهبات باقتياد الجريحين ابراهيم ورشيدًا إلى إحدى غرف الدير لتضميد جراحهما، في حين كانت النساء يتداولن الاعتقاد أنّ أمّ بزاز قد عاقبت ابراهيم على رفضه التبرّك منها.

 

بعد انتهاء العيد وانفضاض المعيّدين، يعود ابراهيم إلى لبنان ليلتقي بعد مرور فصل الشتاء برشيد من جديد الذي يخبره القصّة الكاملة لنجلا وسبب المبارزة.

 

فنجلا فتاة يتيمة تكفّلتها أمّ جرجس بالرعاية والتربية، وكانت الأمّ تأمل أن يتمّ الزواج بين جرجس ونجلا، إلا أنّ الأخيرة لم تكنّ لجرجس مشاعر الحبّ نتيجة صفاته السيّئة. وكانت نجلا صديقة حميمة لنسيبة رشيد وتأتي كلّ سنة إلى مدرسة البنات القوميّة في بيروت، وفي إحدى المرّات حضر جرجس إلى المدرسة وحاول اختطافها، فتدخّل رشيد وحال دون ذلك وتطوّر الأمر إلى إجراء المبارزة. ولمّا كانت نجلا تريد ذلك العام التوجّه إلى صيدنايا، لإيفاء نذر قطعته والدتها المتوفّاة على نفسها بزيارة دير سيّدة صيدنايا مرّتين متتاليتين، يقترح رشيد على جرجس أن تكون صيدنايا مكاناً للمبارزة وعيد سيّدتها موعدها.

 

تستحوذ نجلا وقصّتها على مشاعر ابراهيم وتفكيره حتّى حلول موعد عيد سيّدة صيدنايا في السنة التالية، فيتوجّه إلى هناك مع صديق له يمتلك سيّارة يُدعى أنيس. بعد الوصول إلى دير صيدنايا يجيل ابراهيم نظره في جموع المحتفلين إلى أنّه لم ير نجلا، فيمشي عند مشارف المغيب من باحة الدير الكبرى إلى إحدى ممرّات الدير ويدخل غرفة صغيرة مظلمة تملأ جدرانها صور القديسين وتتوسّطها أيقونة السيّدة المشهورة وأمامها نجلا. يعترف الاثنان لبعضهما البعض بمشاعرهما وتسرّ له نجلا أنّه الرجل الوحيد الذي تتمنّى أن يبقى إلى جانبها لأنّ الرجال الآخرين يخيفونها. يقوم ابراهيم بتقبيل نجلا أمام الأيقونة ويعدها أنّه سيبقى دائماً إلى جانبها، ثمّ يطوّقها بذراعه اليمنى ويخرجان من الغرفة المظهر الذي أثار انتباه وفضول الناس. عند بلوغهما ساحة الدير يتفاجآن بجرجس حاملاً سيفاً وترساً ويدعو ابراهيم إلى التقاط سيف وترس ملقيين أمامه على الأرض لإنهاء المبارزة التي بدأت في السنة الماضية. 

 

يأبى ابراهيم التقاط السيف والترس ويلتحم مع خصمه بعصا أخذها من صديقه أنيس ويوجّه بها ضربة قاضية إلى جرجس فيخرّ صريعاً.

 

يتزوّج ابراهيم ونجلا ويعيشان حياة سعيدة. وكان الاثنان إذا جاء الناس لزيارتهما وتهنئتهما ينفران من الباب الخلفي إلى الغابات.

 

 

 

3. "عيد سيّدة صيديانا": قصّة أدبيّة شاهدة على دير تاريخيّ

 

تشكّل قصّة أنطون سعاده "عيد سيّدة صيدنايا" شاهداً حيّاً على دير تاريخيّ يضاف إلى الشهادات المكتوبة عنه منذ القرن الثاني عشر، وهذا أمر قلّما تمّ الانتباه إليه أثناء التطرّق للقصّة. فالقارىء العاديّ أو المنتمي إلى فكر سعاده – سواء أكان مسيحيّاً أم مسلماً – لا يتوقّف أمام واقع ما كانت تعنيه صيدنايا وعيدها تاريخيًّا، وربّما اكتفى من صور الدير والعيد واجتماع المسيحيّين والمسلمين فيه بما أراده سعاده أي الإشارة إلى "الفائدة الاجتماعيّة الجليلة التي يجنيها الشعب السوريّ كلّه من جعل الأعياد الدينيّة المحمّديّة والمسيحيّة الكبرى أعيادًا شعبيّة يوحّد فيها السرور والابتهاج عواطف جميع السوريّين، ويجعلهم يشعرون بوحدتهم القوميّة والاجتماعيّة".[21]

 

والواقع أنّ سعاده كان في قصّته شاهداً على حدث تاريخيّ استمرّ لعقود طويلة منذ الحملات الصليبيّة. من المعروف في الشرق أنّ هناك احتفالات دينيّة تأخذ طابع الاحتفالات الشعبيّة في تكريم شفعاء القرى والمدن أو في أعياد بعض القديسين لدى الطوائف المسيحيّة. والمعروف أنّ في هذه الأعياد يتشارك فيها المسيحيّون والمسلمون سهرات السمر والرقص والأفراح. إلا أنّ صيدنايا تميّزت بعيدها عن جميع المناطق المسيحيّة الأخرى لما اكتسبته من صيت فاق نظيره منذ القرن الثاني عشر.

 

تقع صيدنايا على بعد حوالي عشرين كيلومترًا في الشمال الشرقيّ من دمشق في مستشرف جبل القلمون، المعروف قبلاً بجبل سنير[22]، يبلغ ارتفاعه حوالي 1400 متراً عن سطح البحر. أمّا أغلب سكّانها فهم على مذهب الروم الأورثوذكس، وفيها دير قديم يؤمّه المسيحيّون والمسلمون للتبرّك في الشاغورة حيث توجد أيقونة "السيّدة". والمتتبّع لتاريخ صيدنايا وعيدها في المخطوطات التاريخيّة ومذكّرات الرحّالة يجد نفسه أمام مخزون تاريخيّ فريد، سنحاول أن نقدّم تلخيصًا له مركّزين فيه فقط على النقاط التي أوردها سعاده في قصّته.

 

فمنذ القرن الثاني عشر رزقت صيدنايا بشهرة واسعة ليس في الشرق وحده بل في الغرب أيضًا، لما تناقلته الأخبار من أخبار المعجزات في كنيستها، الأمر الذي جعلها المحجّة الثانية بعد القدس. ويذكر شهاب الدين العمري (1300م.-1348) في كتابه "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" أنّ الإفرنج إذا أرادوا القدوم لزيارة بيت المقدس كان لا بدّ من أن تكون صيدنايا محطّتهم التالية، وكانوا يستأذنون سلطان المماليك في زيارتها، لأنّ زيارتها كانت تقتضي مرسومًا سلطانيًّا شأنها شأن القيامة: "وطوائف النصارى من الفرنج تقصد هذا الدير وتأتيه للزيارة. وكنت أراهم يسألون السلطان أن يمكّنهم من زيارته إذا كتب لهم زيارة القمامة [كنيسة القيامة] ولم يكتب معها صيدنايا. ويعاودون السؤال في كتابتها لهم. ولهم فيها معتقد...".[23] وكان اسم البلدة، إلى القرن التاسع عشر، مرتبطًا لدى الحجّاج الغربيّين قبل الشرقيّين بتداعيات أسطوريّة. فقد تبنّى السيّاح والحجّاج الغربيّون في القرنين الخامس عشر والسادس عشر معتقد أهل صيدنايا بأنّ نوحًا بعد الطوفان، هو أوّل من غرس فيها كرم العنب.[24] ويعود هذا الاعتقاد لجودة خمرها. وذهب بعضهم إلى أنّ نوحًا بنى فلكه في واديها، وإلى أنّ ابراهيم أراد أن يذبح ابنه اسحق فيها.[25]

 

إلاّ أنّ المكانة العظمى التي اكتسبتها صيدنايا كانت من خلال ديرها المعروف بـ"دير الشاغورة"، وقد انفرد شهاب الدين العمري بذكره في حديثه عن أديرة الشام: "هو في القرية من بناء الروم بالحجر الأبيض، ويعرف بدير السيّدة وله بستان وبه ماء جار في بركة عُملت به، وعليه أوقاف كثيرة وله مغلات واسعة، وتأتيه نذور وافرة".[26] أمّا عن واقعة رشح الماء في المغارة فيقول: "والنصارى تزعم أنّ بها صدعًا يقطر الماء منه يأخذونه للتبرّك... وسمعت نصرانيّة كانت معروفة عندهم بالعلم تقول: إنّ ذلك الماء إذا أُخذ على شخص وعُلّق في بيته ثمّ ازداد مقداره عنده عمّا أخذه، دلّ على زيادة ماله وجاهه، وإذا نقص دلّ على نقص ماله وجاهه وقرب أوان موته".[27]

 

وقد أوردت أخبار الحجّاج الغربيّين منذ القرن الثاني عشر عن قدوم المسلمين إلى هذا الدير للدعاء والتبرّك. فكنيسة الدير كانت معظّمة لديهم وكانوا يتوضؤون قبل الدخول إليها.[28] وما تجدر الإشارة إليه أيضاً أنّ الزوّار الأجانب كانوا ملزمين بخلع لباسهم الإفرنجيّ والتزيّي بالزيّ الدمشقيّ البلديّ. وقد دام هذا الأمر حتّى أيّام الدولة المصريّة عام 1833.[29]

 

أمّا عن وصف عيد سيّدة صيدنايا الواقع في الثامن من أيلول من كلّ عام، فقد امتلأت صفحات الرحّالة والحجّاج في وصفه وانتقاده أيضًا. فقد قدّر أحد الحجّاج الألمان مجموع المحتفلين بخمسين ألفًا يتعاطون كلّ قبيح من قصف ولعب وغناء ورقص.[30] وعند حبيب الزيّات، نقرأ وصفًا كتبه أحد علماء المشرقيّات الفرنسيّين Clement Huart  لعيد سيّدة صيدنايا وحضور القوافل إليه في السابع من أيلول عام 1878، وهو وصف مختلف تمامًا عن نظرة سعاده إلى هذا العيد: "...أقبلوا مدجّجين بانواع الأسلحة، وقد اختلط راكبهم بالراجل، وغلب جاهلهم على العاقل، فسمع من ضوضائهم وقد ملأوا جوانب الفضاء، بدويّ البارود وصدى الغناء. وشاهد من عربدة السكارى منهم وهم يحتسون الكؤوس وقد جحظت عيونهم من الرؤوس، ما تخيّل معه أنه أمام قوم من الغزاة أقبلوا للسلب والغارة، لا أمام حجّاج قدموا للصلاة والزيارة ... ومن رآهم ظنّهم عصائب من البرابرة النهّابة في أطمار من الثياب. ولا سيّما طلقات البندقيّات التي كانوا يصدعون بها آذاننا وهيئاتهم الوحشيّة كانت لا تنفي عنهم هذا الشبه".[31]

 

وبالمقارنة مع وصف أنطون سعاده لصيدنايا، ديرها وعيدها فإنّ قصّته تطرّقت تمامًا لما تطرّق إليه الرحّالة والحجّاج، إلا أنّ الفارق يكمن في كونه أشار إلى التكنولوجيا العصريّة للوصول إلى البلدة وديرها. وبالإضافة إلى ذلك، لم ينظر سعاده إلى توافد الحجّاج المسيحيّين والمسلمين بنظرة المؤمن أو المتديّن التي تمقت هذه العادات الاحتفاليّة وتعتبرها وثنيّة، نظرة عالم الاجتماع ذو الخلفيّة القوميّة الاجتماعيّة التي تسعى إلى الاستفادة من هكذا مناسبات شعبيّة واستغلالها للتأليف بين أفراد المجتمع "السوريّ".

 

والقارئ "للبرولوج" الافتتاحيّ للقصّة يشعر بأنّ سعاده لم يكن حينها مضطلعًا على أهمّيّة الدير التاريخيّة وإلاّ لكان قد أشار إليها. فقد اكتفى بالإشارة إلى سبب احتلال الأديرة أجمل المواقع كونها "في بلادنا تقوم مقام قصور الأمراء والأمراء والأشراف في البلدان الغربيّة".[32]  ويظهر سعاده في هذا التقديم شخصًا يحاول التحلّي "بالموضوعيّة" في وصفه لما يرى، والبقاء قدر الإمكان على مسافة واحدة من المكان والأحداث.

 

بدأ سعاده القصّة بوصف صيدنايا وموقع الدير ومحيطه على طريقة الفنّ الواقعيّ، إذ اهتمّ بوصف بعض التفاصيل المتعلّقة في شكل بناء الدير والفرق بينه وبين أكواخ البلدة. ثمّ انتقل إلى وصف طبيعة صيدنايا في ما يتعلّق بشجرها وبساتينها ومائها. بعد ذلك انتقل إلى حكاية "أمّ بزاز" الشعبيّة وسرد اعتقاد السكّان بها وتقاليدهم في تكريمها والتبرّك منها عبر نقطة الماء الرشحة من السقف. إلاّ أنّه لم يتوانَ عن التدخّل مباشرة بمظهر العقلانيّ العلميّ للإشارة إلى أنّ رشح الماء يمكن تعليله "لوجود الماء على الهضبة".[33]

 

وبالأسلوب الواقعي الوصفي نفسه، يسرد سعاده توافد الجموع إلى العيد: "يبتدئ القوم يتقاطرون إلى صيدنايا قبل العيد بأيّام ثمّ تفد جموعهم في اليوم السابق للعيد ويوم العيد الأوّل: "مدة عيد سيدة صيدنايا ثلاثة أيام، وثم يستخدمون وسائل النقل العصريّة كالسيّارات والدرّاجات الناريّة بدلاً من العربات والخيل والحمير وغيرها التي كانت تستعمل حتّى وقت قريب. وطريق صيدنايا سهلة غير أنّه لا يزال قسم منها غير معبّد فكلّما مرّت سيّارة أثارت غبارًا، ولكنّ القادمين قلّما يبالون بالغبار فلا ينتصف نهار العيد الأوّل إلا وغرف الدير وكنيسته وسطوحه قد غصّت بالجموع ولم يعد فيها متّسع للجموع الأخرى التي لا تنقطع وفودها كل ذلك النهار، فيحدث هرج ومرج عظيمان تضطرب لهما البلدة الصغيرة"[34]. ثمّ ينتقل إلى وصف عادات سكّان القرية في العيد من إعداد للبيوت والمآكل وتأليف حلقات الرقص والدبكة.

 

وبإجراء مقارنة بين ما كتبه Clement Huart  عن توافد الجموع إلى العيد وبين ما كتبه سعاده، نقف على بيّنة أنّ الجانب الدينيّ للعيد لم يكن يعني أنطون سعاده بتاتًا بقدر ما كان يعنيه توظيف هذا الحدث في إطار قوميّ اجتماعيّ. مهما يكن من أمر فإنّ التفاصيل المذكورة في القصّة حول صيدنايا وعيدها تضاف كوثيقة عصريّة إلى جملة ما كتبه الرحّالة والحجّاج عن هذه المدينة منذ القرن الثاني عشر.

 

 

4. عيد سيّدة صيدنايا: قراءة تحليليّة

 

إنّ الانطباع الأوّل الذي يمكن تكوينه بعد قراءة "عيد سيّدة صيدنايا" يتمحور حول نقاط رئيسيّة أهمّها أنّ هذه القصّة تنتمي إلى نوع من الأدب الفروسيّ الرومنطيقيّ المؤدلج يشكّل الحبّ والصراع بين الخير والشرّ مادّته المكوّنة. كما أنّ سعاده يوظّف هذه القصّة على قاعدة "سوريّة" أسطوريّة تشكّل خلفيّته العقائديّة وآرائه الاجتماعيّة الإصلاحيّة، والتي بلورها وأطّرها بعد كتابة قصّتيه بتأسيسه لحزبه.

 

4. 1 ابراهيم – نجلا – جرجس: معادلة دينيّة - أسطوريّة "سوريّة"

 

لعلّ الصورة الأولى التي تتراءى للقارئ أمام مشهد الصراع بين ابراهيم وجرجس على مرأى من نجلا هي نفسها صورة الخضر أو القديس جاورجيوس في صراعه مع التنّين من أجل إنقاذ ابنة الملك أو إنقاذ الكنيسة، وفق الاعتقاد الشعبيّ أو الدينيّ المسيحيّ والإسلاميّ. فهذه الشخصيّة الأسطوريّة الشعبيّة والدينيّة متأصّلة في الاعتقاد المشرقيّ وتعود جذورها إلى المذهب القديم لبعل – هدد.[35] وإلى اليوم تبرز المغالاة لدى عامّة المسلمين والمسيحيّين في تصوير مناقب الخضر القتاليّة.

 

لقد كانت شخصيّة الخضر/جاورجيوس من أهمّ الشخصيّات التي أُعجب بها سعاده، وبالتالي طبعته بروح الكفاح والصراع المستميت ضدّ قوى الشرّ، لدرجة أنّ سعاده تماهى بهذه الشخصيّة إلى حدّ كبير. هذه الفرضيّة يدعمها خطابه الذي ألقاه في دير الغزال – البقاع الأوسط في 23 نيسان/أبريل 1948 المصادف لعيد القدّيس جاورجيوس، فيقول فيه شارحًا مفهومه لهذه الشخصيّة:

 

"... ولكن ما هو مار جرجس وما هو الخضر؟ إنّه أسطورة فلسفيّة تاريخيّة عميقة جدًا ومتأصّلة في حياة هذه الأمّة وفي مثلها العليا، هو فكرة جميلة جدًا، هو فكرة انتصار القوّة والشباب وجمال الحياة على الهرم والشيخوخة والأباطيل المظلمة. إنّه فكرة جليلة جدًا. قبل أن يسمّى بطل هذا العيد مار جرجس وقبل أن يسمّى الخضر كان يسمّى في هذه البلاد البعل، إله الشباب والجمال والقوّة والانتصار على الأباطيل، إنّ البعل الذي اكتشفت في رأس شمرا، قرب "المينا البيضاء" في اللاذقيّة أسطورة منازلته التنّين الشرّير، إنّه، من بين الآلهة جميعها، البطل الذي أخذ على عاتقه مهمّة عظمى هي النزول إلى التنّين الذي يخيف الانسانيّة ليقتله ويسحق رأسه. وقد أتمّ البعل مهمّته وقتل التنّين وجاء مار جرجس، الخضر، في عهد المسيحيّة والمحمّديّة يعيدان الصورة والمغزى عينهما. هو على صهوة جواده يطعن التنّين تحت قوائم فرسه الطعنة القاتلة ويمحو أثره من الإنسانيّة. ما أجمل الرمز لهذا اليوم، إنّ هذا اليوم يذكرنا بالمهمّة العظمى لهذا الدور الرابع في تاريخ هذه الأمّة: من البعل الأوّل، إلى مار جرجس إلى الخضر، إلى النهضة القوميّة الاجتماعيّة. هذه النهضة التي جعلت مهمّتها الأولى قتل التنّين وإخراج هذه الأمّة إلى المجد والعزّ".[36]

 

وإذا كان هذا الخطاب يعود إلى سنة 1948 فإنّ حدثاً تاريخيّاً يتعلّق بأسطورة الصراع بين البطل والتنّين جرى قبل وأثناء كتابة سعاده لقصّته ربّما كان الحافز لتوظيف هذه الأسطورة في قصّتيه. هذا الحدث يذكره سعاده في "الصراع الفكريّ في الأدب السوريّ" وهو الاكتشافات الأرخيولوجيّة في رأس شمرا بين عام 1929 وعام [37]1932 لنصوص سوريّة أسطوريّة تدور حول الصراع بين الخير والشرّ مثل قتال معط (رمز الطبيعة المثمرة) وعلين (الذي يملك على الغيث)[38]، أو إلى قتال بعل (رمز الشباب) مع الأفعى "لتن" ذات الرؤوس السبعة.[39] وإنْ صحّ ما ذكرنا فإنّ سعاده كان يحاول في قصّته توظيف الأحداث العلميّة في عصره.

 

فانطلاقًا من هذه الأساطير ومن تماهي سعاده مع البطل القاتل للتنّين، يمكن فهم المغزى الذي أراده سعاده. فابراهيم هو رمز البطل "الزراعيّ" القوميّ الاجتماعيّ الذي يقتل التنّين جرجس وينتصر عليه وينقذ نجلا التي ترمز بصفائها وطهارتها إلى "الأمّة السوريّة".

 

 

5. 2 البطل القوميّ الكامل

 

ولمّا كان الصراع مع التنّين يتطلّب قوّة جسديّة كبيرة، نجد أنّ سعاده في قصّته ركّز على هذا الجانب في إبراز شخصيّات أبطاله، في حين ركّز على الجانب النفسيّ لأبطاله في "فاجعة حبّ" كون موضوعها يتطرّق إلى مثالب اجتماعيّة أخلاقيّة. إلا أنّ الملاحظ في كلتي القصّتين أنّ أبطالهما كانا يتميّزان بغرابة الأطوار.[40] ولم تكن ميزة غرابة الأطوار إلا تمييزًا لهما عن أبناء جيلهما الذي سيطرت عليه المفاسد الاجتماعيّة، في حين حافظ البطلان على صفائهما.

 

فابراهيم، رمزٌ للبطل القوميّ، لم يقدّم في صورة عالم الخوارق بل في صورة "الكمال" و"التفوّق" التي ترنو إليها كلّ عقيدة قوميّة أينما وُجدت. فتوخّي سعاده جعل مهمّته كمصلح اجتماعيّ قوميّ مرادفة لمهمّة قتل التنّين أمرًا ليس بالأسطوريّ أو المستحيل، وإنّما بالمضني والشاقّ ويتطلّب شخصيّة خاصّة وإرادة صلبة. وهذا ما ظهر أيضًا في مقولته في خطاب دير الغزال أيضًا "لم آتكم بالخوارق، بل بحقيقة هي أنتم".[41] وهكذا يصف سعاده ابراهيم في مقدّمة القصّة:

 

"ويرى القارئ أنّي انتخبت لبطولة هذه القصّة شخصًا نادرًا جهّزته الطبيعة بمزاج قويّ وتركّب فيه خلق خاصّ فهو رجل وحده، مستقلّ بذاته استقلالاً نفسيًّا يفرده عنّا حتّى انّنا كثيرًا ما نسيء اختبار فهمه، ولكنّي لم أجتهد ان أجعله رجلاً خارقًا خارجًا عن حدود الرجال الطبيعيّة أو شخصًا خياليًّا يستحيل أن يوجد في عالمنا هذا أو في محيطنا القوميّ، بل أنّي اجتهدت كثيرًا في انتقائه من بيئتنا فهو شخص منّا وحيّ من أحيائنا..."[42]

 

فقد كان ابراهيم بين شباب قريته مثالاً فخمًا "لقوّة الجسد والروح، حتّى إذا وجد بينهم وخطر لهم ان يدخلوا على الأسود في عرائنها، أو أن يتصدّوا لمحاربة جيش مسلّح ولا سلاح لهم إلا العصيّ، أقدموا موقنين بالفوز".[43]

 

وينمّ كمال بناء ابراهيم الفسيولوجيّ عن قوّة روحه. فسعاده يستفيض في الوصف الدقيق لتفاصيل ابراهيم الجسديّة فهو "شاب من لبنان ربعة الطول، مرير القوى، مسمور الجسم، في قامته استقامة الرمح، ذو صدر يشبه بارتفاعه برجًا حصينًا، وهو مستوي الوقفة معتدل الخطوة ولعينيه بريق تظهر فيه قوّة روحه...".[44]

 

ولمّا ضرب الجمع طوقًا حول نجلا ورفيقاتها تقدّم ابراهيم وبدأ يجذب الناس ويدفعهم "بقوّته الملكارتيّة"[45] حتّى فتح لهنّ طريقًا للمرور.

 

وإلى جانب القوّة الجسديّة تبرز صفات ابراهيم النفسيّة. فهو ذو "تربية عائليّة اجتماعيّة صحيحة"[46]، متواضع يأنف المفاخرة وعرض قوّته البدنيّة العظيمة على الناس.[47] أمّا بالنسبة إلى الجانب الروحيّ، فلم يكن ابراهيم سوى تجسيد لشخصيّة سعاده. فهو لم يتوجّه إلى صيدنايا للقيام لفروض كنسيّة، ولكنّه لم يكن ملحدًا أيضًا. فعلاقته مع الله علاقة لا تقوم على الرهبة والطقوس والسجود وتقديم القرابين بل على علاقة انسجام ومحبّة بينه وبين الله والطبيعة.[48] والدليل على عدم رهبته كان في دخوله إلى مغارة "أمّ بزاز" فهو لم يجد فيها شيئًا غير عاديّ عن الكهوف الأخرى. ويبرز الفرق جليًّا بين إيمان ابراهيم وإيمان العامّة، فابراهيم رفض التبرّك من نقطة الماء الراشحة من سقف المغارة، الأمر الذي عزته النسوة بعد إصابته بسيف جرجس بأنّه عقاب له من السيّدة لأنّه رفض بركتها[49]، في حين يعود السبب الأساسيّ لإصابته – كما تذكر القصّة – إلى رفضه استعمال طرق الخداع في التحامه مع جرجس بالسيف.

 

أمّا القطب الآخر الخيّر و"الكامل" في القصّة، فهو العنصر الأنثويّ نجلا. فالاسم لغةً يدلّ على صفة جماليّة لدى المرأة وهو سعة العين وحسنها، وفي "لسان العرب": عين نجلاء أي عين واسعة.[50] أمّا عن أوصافها فقد بالغ سعاده الوصف محاولاً تقديم صورة للمرأة الكاملة فهي "معتدلة القدّ هيفاء القوام تلعاء الجيد أسيلة الخدّ ذلفاء الأنف، حوراء العينين، وطفاء الأهداب، وكانت لابسة حلّة أرجوانيّة، شادّة وسطها بنطاق مذهّب، معلّقة في أذنيها قرطين كبيرين تتدلّى منهما قطع نقود ذهبيّة صغيرة".[51] والمتأمّل لهذا الوصف يلاحظ أنّ سعاده يحاول أن يبرز قدرته اللغويّة، فهو يشحذ جميع الألفاظ التي أغدقها العرب في وصف المرأة المحبوبة الكاملة الجمال.

 

والمتأمّل لألوان ملابس نجلا (كانت لابسة حلّة أرجوانيّة شادّة وسطها بنطاق مذهّب)[52] يلاحظ أنّ هذه الألوان لا تختلف عن ألوان ملابس القدّيسين في الأيقونات البيزنطيّة. فلون الرداء الأرجوانيّ في الأيقونات يرمز إلى القداسة، أمّا اللون الذهبيّ في الأيقونات فيتميّز بأنّه اللون الوحيد الذي لا تحمل دلالته إلا تفسيرًا واحدًا قياسًا إلى باقي الألوان:

 

"اللون الذهبيّ آية الآيات وسيّد الألوان فهو محورها [الأيقونة] السرّيّ والرمزيّ، فيه تجد أسًّا يدعمها ويظهر ما فيها من رونق وبهاء. وهو رمز الألولهة الساطعة الضياء. لذا نرى ثياب السيّد له المجد تشرق لمعانًا وجمالاً في الأيقونات القديمة رمزًا إلى ألوهته القدوسة...وهناك أمر يوحي إلينا سموّ التصوير البيزنطيّ: فإنّه حينما يشاء المصوّر إظهار ناسوت المسيح يكفّ عن استخدام الذهب وكلّ ما هو وهّاج وبرّاق. وبالعكس إنّه ينثر الذهب حتّى الإسراف إذا رام أن يوضّح للمؤمنين الألوهة بعظمتها وبهائها..."[53]

 

هذا التصوير للصفات الجسديّة لا نجده لدى جرجس الشرّير. فسعاده تطرّق فقط إلى صفاته النفسيّة، إذ فهو شابّ عليه دلائل الجذل الممزوج بالخبث[54]، ومن خلال القصّة تبرز أوصافه المتمثّلة في الخداع والمكر والشرّ.

 

 

5. 3 عيد سيّدة صيدنايا: ضرب من الأدب الفروسيّ الرومانسيّ "الويسترني"

 

وبغضّ النظر عن التوظيف الأسطوريّ الذي وظّفه سعاده، فإنّ أحداث القصّة تنتمي في الإجمال إلى نوع من الأدب الفروسيّ الشعبيّ البسيط، فهي ضرب من الحدث اليوميّ، ففكرة أن يقوم شخص شرّير خبيث بملاحقة امرأة جميلة وإزعاجها، وأن يتقدّم شابّ تملؤه المروءة والنخوة للدفاع عنها، أمر طبيعيّ في الحياة الشرقيّة اليوميّة.

 

ويمكن القول أيضًا أنّ القصّة تنتمي إلى ما يمكن تسميته بـ  Trivial Literature وهو نوع من الفنّ الأدبيّ نشأ في عشرينيّات القرن العشرين الماضي ويمكن ترجمته بـ"الأدب العاديّ"، ومن ميّزاته أنّه يقوم على تقديم مواضيع مثل الحبّ والموت والمغامرة والجريمة والحرب بطريقة مبسّطة. فلغة هذا الأدب ومستوى الفهم المطلوب له والعواطف التي يصوّرها يجب أن تكون مطابقة لأفق توقّعات القرّاء بحيث يصوّر لهم عالمًا جميلاً، على الصعيد الاجتماعيّ، بمقدورهم أن يميّزوا فيه بين الخير والشرّ.

 

وفي عصر سعاده جسّدت أفلام الويسترن هذا النوع من الـ Trivial، والتي يؤدّي فيها الممثّل الرئيسيّ دور البطل القوميّ "الميثولوجيّ". فهذا البطل هو شخص وحدانيّ دون امرأة أو عائلة ويقف على الحدود بين "الحضارة" و"البرّيّة" وذو عقليّة تقليديّة في مفهومه للعدالة. هذا البطل هو دائمًا شخص مجهول في البداية، ثمّ يظهر لاحقًا أنّه يتمتّع بقوى وطاقات غير اعتياديّة.[55]

 

أمّا المرأة في هذه الأفلام فكان لها وجهان: فهي إمّا "القدّيسة"، الصبيّة البيضاء البريئة المعدّة للزواج (Schoolmarm)  أو هي "العاهرة" (ليس من الضروريّ أن تكون مومسًا) المستقلّة اقتصاديًّا ذات الخبرة الجنسيّة (Saloongirl)[56]. وغالبًا ما تنتهي الأفلام بموت العاهرة وبزواج الفتاة البريئة من البطل.

 

وقد ظهر فيلم الويسترن الأوّل The Great Train Robbery عام 1903. وابتداء من العشرينيّات حدثت الفورة مع أفلام جون فورد:

The Iron Horse 1924

Bad Men 1926

Hangman’s House 1928

Four Sons 1928

Men without Women 1930

Up the River 1930

 

والقارئ لعيد سيّدة صيدنايا لا يجد أيّ اختلاف مع طبيعة هذا الأدب العاديّ – الويسترنيّ. فابراهيم كان شخصًا غريب الأطوار ذا قوّة جسديّة شديدة، يتجّنب الناس وخاصّة النساء، ونجلا كانت فتاة بريئة مؤهّلة للزواج، وحين اعترضها الخبث والشرّ المتمثّل في شخصيّة جرجس، قام ابراهيم ذو العقليّة التقليديّة الأصيلة القائمة على الرجولة والمروءة بالدفاع ودرء الشرّ عنها، وانتهى الأمر بزواجه منها.

 

ليس لدينا أدنى مدلول حسيّ بأنّ أنطون سعاده قد تأثّر بأفلام الويسترن أو شاهدها في الفترة التي كتب بها "عيد سيّدة صيدنايا". حتّى فرضيّة أنّ مثقّفًا مثله أمضى سنوات عديدة في المهجر، ومارس مهنة الصحافة فيه، مع كلّ ما تضمّنه هذه المهنة من اطّلاع على كافّة النواحي الثقافيّة في عصره، قد عرف - ربّما - هذا الفنّ الجديد الذي سيطر آنذاك على عالم الشاشة وكان إنتاج عصره دون منازع، تبقى غير علميّة كونها غير مدعّمة بإثباتات حسيّة مقنعة. جلّ ما وجدناه عن علاقة سعاده بالسينما ينحصر في المرحلة اللاحقة لكتابة القصة، حتّى أنّ نظرته إلى أفلام الويسترن لم تكن تتعدّى ربطها بإطار السطحيّات والتسلية والتفريج عن الضغط الفكريّ.[57]

 

وبناء عليه فإنّ هدفنا ليس إثبات أو نفي إذا ما كان أنطون سعاده قد تأثّر بأفلام الويسترن الأمريكيّة أم لا، بل الإشارة إلى أنّ حبكة "عيد سيّدة صيدنايا" تحمل في طيّاتها عناصر سينمائيّة مشابهة لأفلام الويسترن الناسج لفكرة البطل القوميّ في إطار سينمائيّ. فتشابه الصورة نابع من كون الأدب الفروسيّ البطوليّ البسيط هو محاولة لخلق أسطورة قوميّة تتشابه موضوعاتها في المطلق وتختلف في تفاصيلها الخاضعة لعاملي الزمان والمكان. فأفلام الويسترن لم تكن سوى محاولة الأمريكيّين من خلال البطل تأسيس أسطورتهم القوميّة[58]، كذلك الحال بالنسبة إلى سعاده فهو يحاول تأطير صورة البطل في شخصيّة فروسيّة تحمل طابعاً قوميّاً.

 

 

5. 4 مفهوم المرأة والحبّ في "عيد سيّدة صيدنايا"

 

كما تمّت الإشارة سابقًا، لم يتمايز أنطون سعاده في قصّته "عيد سيّدة صيدنايا" وكذلك في "فاجعة حبّ" عن موضوعات القصّة العربيّة في طور نشوئها وتكوّنها، وخصوصًا في معالجة المشاكل الاجتماعيّة، وخصوصًا وضع المرأة. والواضح أنّ سعاده كان له مفهوم خاصّ للمرأة والحبّ. فهو من أوائل مؤسّسي الأحزاب العلمانيّة في المشرق في القرن العشرين ومن دعاة المساواة بين المرأة والرجل، فهما "متّحدان متساويان في الحقوق والواجبات"[59]، وإذا اتفق أن استبدّ الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل فما ذلك إلا نتيجة انحطاط أخلاقي استبدادي[60]. وفي مقدّمة كتابه "نشوء الأمم" يحرص سعاده على إبراز هذه المساواة بإهدائه كتابه إلى "رجال النهضة القوميّة الجبّارة ونسائها العاملين لحياة سورية ومجدها".[61] ويشير سعاده في إحدى كتاباته عن العبوديّة التي تتعرّض لها المرأة في بعض المجتمعات إذ تباع "بيع السلع وتشترى شراء النعاج ولكن في تلك البلدان حيث لا نور ولا عاطفة، يتزوّج الرجل لأجل أنثويّة المرأة وجمالها ضارباً عواطفها وواجباتها وحقوقها لأجل الأنثويّة ورأس المال وليس لأجل الحبّ والاحتفاظ بالزوجة المحبوبة".[62] فوضع المرأة كان له نصيب كبير من اهتمام سعاده حاول أن يعالجه أيضًا في قصّتيه. فجرجس يريد الزواج من نجلا فقط للحصول على أنوثتها، وكذلك ميخائيل يريد الأمر نفسه من دعد في "فاجعة حبّ"، دون الارتكاز إلى عواطف صادقة نبيلة. لذلك كان لا بدّ من الحاجة، حسب سعاده، إلى مفهوم جديد للمرأة والحبّ يحمله الإنسان السوريّ الجديد، الذي "تجسّد" في ابراهيم-الخضر-النهضة القوميّة الاجتماعيّة لإنقاذ المرأة وتغيير النظرة الاجتماعيّة لها. ويكفي أن نقرأ شكر نجلا لابراهيم حين فتح لها ولرفيقاتها الطريق للخروج من حلبة الرقص بعد أن طوّقها الذين ينتهزون الفرصة "للتلذّذ بأتفه الملذّات وأحقرها كملامسة أجساد الفتيات والنظر إلى وجوههنّ، عن كثب بوقاحة وصلابة جبين تظهر فيهما الغريزة الحيوانيّة"[63] لندرك أنّ سعاده كان يتحدّث عن عمليّة إنقاذ لا عن مساعدة. فنجلا بادرت ابراهيم بقولها: "إنّي أشكرك من كلّ قلبي فإنّك أنقذتنا وحدك".[64]

 

فالحبّ لدى سعاده هو طاقة خيميائيّة قادرة على تهذيب الإنسان ودفعه أحيانًا إلى تغيير الكثير من قناعاته وتصوّراته. فحين سئل ابراهيم، قبل أن يقوده القدر إلى صيدنايا ومشاهدة نجلا، عن أوصاف المرأة لو أراد أن يتزوّج، أجاب "أنّه يرى انتخاب امرأة صحيحة الجسم، قويّة البنية، مليئة، مكتنزة، موردة الخدين، وافرة العقل، حسنة المدارك، تعرف كيف تدير شؤون بيتها ويكون من صحّتها صحّة أولادها".[65] إلا أنّ كلّ من شاهد نجلا بعد أن تزوّجها ابراهيم وأحضرها معه إلى القرية أصيب بالتعجّب والبهتان والشكّ في ما رأوا.[66]

 

من ناحية أخرى أدّت مشاعر الحبّ التي تفجّرت في نفس ابراهيم إلى تهذيب "وحشيّته" وكأنّنا أمام المشهد الأسطوريّ نفسه الذي تجلّى في إرسال جلجامش لخادمة في قصره تُدعى "شامات" إلى أنكيدو لتغويه وتوقعه في شراك حبّها. وقد نجحت "شامات" في مهمّتها ففقد إنكيدو وبدأت بتلقين إنكيدو دروس التمدّن سعياً لإخراجه من طوره الوحشيّ وجعله يدرك إنسانيّته.[67]

 

وما لقاء ابراهيم ونجلا في الغرفة المظلمة في الدير وتقبيله إيّاها أمام صورة العذراء "التي تخشى راهبات الدير أن يخرجنها من ذلك المكان المظلم ويعرّضن قداستها للنور وخطر الضياع"[68] إلا تأكيدًا على قداسة مشاعر الحبّ وترفّعها عن الحيوانيّة.

 

ولعلّ هذه الصورة كانت نواة مفهوم سعاده للحبّ الذي عالجه وعرضه في كتابه "الصراع الفكريّ في الأدب السوري" الذي دعا فيه الشعراء إلى التخلي عن النزعة البيولوجيّة في فهم الحبّ. فالحبّ هو "غاية نفسيّة مثاليّة" و"اتّحاد نفوس" يكون فيه اتّحاد الأجساد واسطة "لتعانق النفوس المصمّمة على الوقوف معًا والسقوط معًا من أجل تحثيث المطلب الأعلى، في جهاد ضدّ الفساد والرذائل، ولنصرة الحقّ الكليّ والعدل الكلّيّ والجمال الكلّيّ والحبّ الكلّيّ، ولرفض اللذّات الجسديّة في ذاتها، التي هي أعظم مصدر للأذى والبغض والعداوات الصغيرة اللئيمة، الحقيرة، التي لا ترى في الكون غير صغرها ولؤمها وحقارتها".[69]

 

ولعلّ التركيز على هذا المفهوم الجديد الساميّ للحبّ كان العمود الفقري للقصّة، وهذا ما يبرّر افتتاح سعاده لقصّته بأبيات للشاعر الألمانيّ فريدريش فون شيللر (1759 – 1805) من قصيدة [70]Phantasie an Laura  (فانتازيا إلى لاورا) كتبها إلى فتاة تدعى لاورا هام مدّة بحبّها هيامًا  أفلاطونيًا:

 

قولي لي يا حبيبتي لاورا ما هذا الإعصار

الذي يشدّ بقوّة جسدًا إلى جسد

قولي لي يا حبيبتي لاورا ما هذا السحر

الذي يُخضع بقوّة الروحَ للروح

 

Meine Laura! Nenne mir den Wirbel,

Der an Koerper Koerper maechtig reißt!

Nenne, meine Laura, mir den Zauber,

Der zum Geist gewaltig[71] zwingt den Geist

 

 

 

هذه الأبيات صاغها سعاده من جديد في "الصراع الفكريّ للأدب السوريّ" في تعريفه للحبّ بأنّه "إذا قرّب فمًا إلى فمٍ سكب نفسًا في نفس ".[72]

 

ورغم هذه المحاولة للرفع من شأن المرأة وتغيير النظرة إليها وطريقة التعامل معها تبقى المرأة في قصّتي سعاده قطبًا سلبيًا متقبّلاً وغير متحرّك. فهي عنصر غير متغيّر خاضع للعنصر الذكوريّ المتحرّك دائمًا الذي عليه أن يجتاز دائمًا الاختبارات والمصاعب التي تعترض طريقه. هذه المرأة لا تأسر الرجل بذكائها بقدر ما تأسره بجمالها وكونها قطبًا معشوقًا معبودًا. فنجلا في "عيد سيّدة صيدنايا" ودعد في "فاجعة حبّ" لم تنطقا مرّة كلامًا يحاول من خلاله إظهار شخصيّة ذكيّة عاقلة. فدورهما كان محصورًا بأنّهما محبوبتان ومهدّدتان من شرّ خارجيّ متمثّل في شخص أو في مجتمع وما على البطل إلا تحريرهما.

 

والواضح أنّ الأدب القائم على تأسيس الأسطورة القوميّة حصر هذه المهمّة بالعامل الذكوريّ. فعلى الرغم من شعارات المساواة الاجتماعيّة بين الرجل والمرأة، يبقى دور المرأة محصورًا في التأثير عاطفيًّا على الرجل وانتظاره على الشرفة، وتولّي "الأمور الداخليّة".[73]

 

 

 

6. هل قتل النبيّ ابراهيم العلمانيّ القديس جرجس الطائفي؟

 

يبقى التساؤل الأخير حول اختيار الأسماء في هذه القصّة، هل كان هذا الاختيار من دون مغزى أو أنّ سعاده رمى من خلال إطلاق اسم ابراهيم على القطب الخيّر وجرجس على القطب الشرير إلى مقصد. لقد بدا واضحًا –كما بُيّن سابقًا- أنّ سعاده بنى هذه القصّة على فكرة القدّيس جاورجيوس أو الخضر في صراعه مع التنّين، فلماذا إذا، لم يطلق اسم جرجس على الشخصيّة الخيّرة وابراهيم على الشخصيّة الشريرة؟ وإذا كان الأمر أيضًا كذلك، لماذا لم يختر سعاده للشرّ اسمًا آخر غير جرجس؟

 

بغضّ النظر عن القصّة الدينيّة لجاورجيوس أو الخضر، فإنّ سعاده –في رأينا- من خلال اختياره للأسماء أراد أن يصوّر صراعًا آخر بين الانسان الجديد العلمانيّ والانسان الدينيّ التقليديّ، أو أن يخلق أسطورة خاصّة به. بكلمة أخرى، ابراهيم هو الفكرة المؤسطرة الشخصيّة القوميّة الاجتماعيّة، وجرجس هو الفكرة المؤسطرة للتقاليد الاجتماعيّة الطائفيّة البالية كما يرى سعاده.

 

هذا الصراع هو صلب المبادئ الإصلاحيّة الاجتماعيّة التي وضعها سعاده لحزبه. فإذا عدنا إلى كتاب "الإسلام في رسالتيه" نجد أنّ سعاده تبنى صورة أخرى لشخصيّة ابراهيم الدينيّة. هذه الصورة حاول تعليلها انطلاقًا من النصّ القرآنيّ حين أشار إلى أنّ "نصوص الإسلام المحمّديّ كدين تقول إنّ الدين لم يبتدئ بمحمّد، بل بإبراهيم".[74] فإبراهيم في القرآن هو أوّل المسلمين، وقد أورد سعاده آيات قرآنيّة في معرض تفنيد الفكرة، فذكر من سورة الأنعام عن ابراهيم (قل هداني ربي إلى صراط مستقيم. دينًا قيّمًا ملّة ابراهيم حنيفًا وما كان من المشركين) وتتابع الآية (قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له بذا أمرت وأنا أوّل المسلمين)[75] ومن سورة النمل أورد سعاده الآية (إنّما أمرت أن أعبد ربّ هذه البلدة الذي حرمها وله كلّ شيء وأمرت أن أكون من المسلمين).[76] ولا ريب أنّ فكرة كون ابراهيم هو أوّل المسلمين، الأمر الذي يعني إلغاء صفة اليهوديّة عنه، قد لاقت تقبّلاً من سعاده فتبنّى المقولة القائلة إنّ الإسلام هو التسليم لله من خلال الديانات التوحيديّة المختلفة والتي حدّدها بقوله: "ليس من سوريّ إلا وهو مسلم لربّ العالمين...فقد جمعنا الإسلام: منّا من أسلم لله بالإنجيل ومنّا من أسلم لله بالقرآن ومنّا من أسلم لله بالحكمة. فقد جمعنا الإسلام وأيّد كوننا أمّة واحدة فليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا وحقّنا ووطننا إلاّ اليهود"[77]، وإذا كان سعاده لم يذكر اليهوديّة ضمن المسلمين، فلأنّه في سياق هذه العبارة كان ينطلق من صراع قوميّ إيديولوجيّ مع اليهود في تحديد أبناء الأمّة السوريّة وتحديد عدوّهم وليس من منطلق دينيّ.

 

فابراهيم بالنسبة لسعاده كان المؤسّس الأوّل لفكرة الإسلام والتي أخذت بعد ذلك وجوهها في المسيحيّة والمحمّديّة. وابراهيم في "عيد سيّدة صيدنايا" هو الفكرة القوميّة الاجتماعيّة التي أسّسها سعاده. وكما أنّ ابراهيم حارب الأصنام وهو براء ممّا نسب إليه من انتماء إلى اليهوديّة، كذلك ابراهيم سعاده هو محارب أصنام الشرّ المتمثّل في التقاليد الدينيّة والاجتماعيّة والتي جسّدها جرجس "الديني"، وهو العلمانيّ العقلانيّ الذي يرفض المعتقدات الشعبيّة القائمة على الماورئيّات ويؤسّس لعالم يصنعه بيديه.

 

 

خاتمة

 

لقد هدفت هذه الدراسة أوّلاً إلى قراءة أنطون سعاده في محاولته القصصيّة على ضوء الإطار الزمنيّ لنشوء القصّة العربيّة. فالقصّة – فنًّا أدبيًّا – إنتاج بدأت بذوره ولادته بالظهور في عصر النهضة على يد أدباء لبنانيّين وسوريّين مسيحيّين نتيجة الاحتكاك بالثقافة الأوروبيّة بعد حملة نابوليون على مصر، إلا أنّ بذور نضوج هذا الفنّ كانت في القسم الأوّل من القرن العشرين.

 

لقد تضاربت آراء النقّاد في تحديد القصّة (الرواية) العربيّة الأولى التي تحمل في طيّاتها بذور هذا النضوج. فذهب بعضهم إلى أنّ رواية "زينب" المنشورة عام 1913 لصاحبها الأديب المصريّ محمّد حسين هيكل هي أوّل عمل أدبيّ يمتلك مقوّمات القصّة أو الرواية، وحصرها آخرون بـ"الأجنحة المتكسّرة" (1908) لجبران خليل جبران، ومال نقّاد آخرون إلى رواية "نهم" (1937) للأديب السوريّ شكيب الجابري.

 

علميًّا لا يمكن إطلاق صفة "القاصّ" على أنطون سعاده رغم القصّتين اللتين كتبهما ولكن يمكن القول إنّ سعاده في قصتيه اللتين وضعهما بين عامي 1930-1931 كان منغمسًا في روح عصره ومساهمًا في وضع إنتاج قصصيّ – مدفوعًا بغرض فنّي "إبداعيّ" - في فترة زمنيّة تقع بين جبران والجابري.

 

وقد ركّزت هذه الدراسة على قصّة "عيد سيّدة صيدنايا" دون "فاجعة حبّ" كون الأولى تعالج موضوعاً أبسط في إشكاليّته من القصّة الثانية. ورغم بساطة هذا الموضوع وحبكته عملنا على البحث عن روافد هذه القصّة التي تبرز الخلفيّة الفكريّة لسعاده الكامنة خلف هذا العمل. فالقصّة رغم بساطة فكرتها انطوت على توظيفات ثقافيّة معاصرة لسعاده تمثّلت في نشوء فيلم الويسترن الأمريكيّ ورسم شخصيّة البطل القوميّ، وتوظيفات أسطوريّة سوريّة تمثّلت في أسطورة القديس جاورجيوس أو الخضر وفكرة الصراع بين الخير والشرّ مبنيّة على أساس علميّ بعد اكتشافات رأس شمرا عام 1929 أي سنة واحدة بعد زيارة سعاده لصيدنايا وكتابة قصّته.

 

بناء على ما تقدّم فإنّنا لم نتعامل مع النصّ على ضوء أصول القصّة وأركانها بل انطلاقًا من كونها نصًّا وُضع في مرحلة بداية نضوج هذا الفنّ الأدبيّ في العالم العربيّ.

 

وتجدر الإشارة إلى أنّ من مميّزات قصّة "عيد سيّدة صيدنايا" والتي دفعتنا إلى اختيارها للبحث دون قصّة "فاجعة حبّ" أنّها القصّة الوحيدة -على حدّ علمنا- التي تجري أحداثها في دير تاريخيّ كانت زيارة الحجّاج له –شرقيّين وغربيّين-  منذ القرن الثاني عشر أمرًا حتميًّا بعد زيارة مدينة القدس.

 

 

المرجع: مجلة "حوليات" - كليه الاداب والعلوم الانسانيه في جامعه البلمند – 2015/16، ص.127-152

 

 

 

لائحة المصادر والمراجع

 

 

المراجع العربيّة

 

أبي فاضل، ربيعة: أنطون سعاده الناقد والأديب المهجريّ. الطبعة الأولى. بيروت: مكتب الدراسات العلميّة، 1992.

أبي فاضل، ربيعة: أثر أنطون سعاده في أدباء عصره. الطبعة الأولى. بيروت: دار الركن، 2002.

ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب. المجلّد الرابع عشر. الطبعة الثالثة. بيروت: دار صادر، 2004.

جريج، جبران: مع أنطون سعاده. من 8 فبراير 1932 إلى 8 تموز 1949، ج. 2: بيروت: مطبعة دار الفن، 1973.

جريديني، إدفيك: رسائل حبّ من أنطون سعاده إلى إدفيك جريديني 1937-1938. بيروت: موشن للدعاية والتسويق، 1997.

حدّاد، حسني: أساطير الخصب القديمة والمعتقدات الشعبيّة في سورية. ترجمة أحمد الهندي. دمشق: دار الكنديّ، 1989.

حوراني، رامز: النقد الأدبيّ ومنطلقاته الفكريّة في فلسفة أنطون سعاده. الطبعة الأولى. بيروت: بيسان للنشر والتوزيع، 1998.

الزيّات، حبيب: خبايا الزوايا من تاريخ صيدنايا. وثائق تاريخيّة للكرسيّ الملكيّ الأنطاكيّ. (لا ط. لا ت.). 

سعاده، أنطون: الآثار الكاملة. أنطون سعاده في مغتربه القسريّ 1941. ج.8، لا ط.، لا ت.

سعاده، أنطون: سعاده والحزب القوميّ 1933-1950. مجموعة مقالات لأنطون سعاده جمهعا عبد الغني العطري. مطابع مجلّة الدنيا بدمشق، 1950.

سعاده، أنطون: الإسلام في رسالتيه المسيحيّة والمحمّديّة. الطبعة الثالثة. بيروت، 1958

سعاده، أنطون: نشوء الأمم. بيروت، 1959.

سعاده، أنطون: الآثار الكاملة، أدب. ج1. بيروت، 1960

سعاده أنطون: الآثار الكاملة. أنطون سعاده في الوطن بعد العودة-1948. الجزء 15، ط.1، 1989.

سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة. قصّتان: عيد سيّدة صيدنايا-فاجعة حبّ-الصراع الفكريّ في الأدب السوريّ. الجزء الأوّل. بيروت: الركن للطباعة والنشر، 1996.

السوّاح، فراس: كنوز الأعماق - قراءة في ملحمة جلجامش. دمشق: سومر للدراسات والنشر والتوزيع، 1987.

عبّود، مارون: روّاد النهضة الحديثة. بيروت: دار العلم للملايين، 1952.

العمري، شهاب الدين أحمد بن فضل الله: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار. الجزء الأوّل. تحقيق: عبدالله بن يحيى السريحي. أبو ظبي-الإمارات العربيّة المتّحدة: المجمّع الثقافي، 2003.

القرآن الكريم.

هبّي، الأرشمندريت أنطون: الصور المقدّسة أو الأيقونات. سلسلة الأيقونات (1). الطبعة الثالثة. منشورات المكتبة البوليسية، 1989.

 

 

المراجع الأجنبيّة

 

Allen, Roger: The mature Arabic novel outside Egypt. In: M.M. Badawi: Modern Arabic Literature. Cambridge: University of Cambridge,1992.

Allen, Roger: The beginnings of the the Arabic Novel. In: M.M. Badawi 1992, Modern Arabic Literature. Cambridge: University of Cambridge, 1992.

Allen, Roger: The Arabic Novel, an historical and critical introduction. 2.ed. Syracuse NY: Syracuse Univ. Pr, 1995.

Badawi, M.M.. Modern Arabic Literature and the West. (Oxford oriental institute monographs; 6). London: Ithaca Press, 1985.

Brugman, Jan: An introduction of the history of modern Arabic literature in Egypt. Leiden, 1984.

Hafez, Sabry: The modern Arabic short story. In: M.M. Badawi, Modern Arabic Literature. Cambridge: University of Cambridge, 1992.

Kilpatrick, Hilary: The Arabic Novel. A single tradition?, in JAL 5, 1974.

Schumann, Christoph: Symbolische Aneignungen. Antun Sa’adas Radikalismus in der Epoche des Fachismus. In: Blind für die Geschichte? Arabische Begegnungen mit dem Nationalsozialismus. (hrg.) Gerhard Höpp, Peter Wien und René Wildangel. Zentrum Moderner Orient. Geistwissenschaftliche Zentren Berlin. Studien 19. Berlin: Klaus Schwarz Verlag (o.j).

 

Von Schiller, Friedrich: Anthologie auf das Jahr 1782. Erste Auflage. J. B. Metzlersche Verlagsbuchhandlung: Stuttgart, 1932.

Weidinger, Martin: Nationale Mythen-männliche Helden. Politik und Geschlecht im amerikanischen Western. Frankfurt am Main: Campus, 2006.

 

 

مراجع الويب

 

بيك، هالة: مفهوم الزواج بين مي زيادة وأنطون سعاده. مجلّة تحوّلات الالكترونيّة، العدد الثاني عشر – حزيران 2006.

http://www.tahawolat.com/cms/article.php3?id_article=798

(تاريخ الدخول 13/03/2009 الساعة 11:00 صباحاً)

 

وزارة الثقافة السورية: شكري الجابري مؤسّس الرواية السوريّةhttp://www.moc.gov.sy/index.php?d=51&id=39

(تاريخ الدخول: 16.06.2008 الساعة 09:20 صباحاً)

 

 

 

الهوامش:

 


[1]  انظر سعاده، أنطون: الآثار الكاملة، أنطون سعاده في مغتربه القسريّ. ج 8، ص. 39-42

[2] Schumann, Christoph: Antun Sa’adas Radikalismus in der Epoche des Faschismus., S.157

[3] Ibid S.178

[4]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة. قصّتان عيد سيّدة صيدنايا، فاجعة حبّ، الصراع الفكريّ في الأدب السوريّ، ص.7

[5]  حوراني، رامز: النقد الأدبيّ ومنطلقاته الفكريّة في فلسفة أنطون سعاده، ص.82

[6]  أبي فاضل، ربيعة: أنطون سعاده الناقد والأديب المهجري، ص.50

[7]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص. 163.

[8]  المرجع السابق، ص. 7

[9]  المرجع السابق، ص.163. من خلال المراجع التي اطّلعنا عليها وجدنا أنّ هناك التباساً زمنيّاً بفارق عام واحد تتخبّط فيه هذه المراجع الصادرة عن عمدة الثقافة في الحزب السوري القوميّ الاجتماعيّ في ما يتعلّق بتاريخ نشر الروايتين. فطبعة "الآثار الكاملة- أدب" الصادرة عام 1960 تذكر على لسان سعاده أنّه طبعها للمرّة الأولى في بيروت عام 1933، ص. 217-218.

[10] Badawi, M.M.: Modern Arabic Literature and the West, S.128. Allen, Roger: The Mature Arabic Novel outside Egypt, in: Badawi, Modern Arabic Literature, S.195

[11]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص.7

[12] Allen, Roger: The Arabic Novel, an historical and critical introduction, S.5

[13] Allen, Roger. The Beginnings of the Arabic Novel, in: Badawi: Modern Arabic Literature, S.180.

[14]  عبّود، مارون: روّاد النهضة الحديثة، ص. 142

[15]  صدر عددها الأوّل عام 1892.

[16] [16] Allen, Roger: The beginnings of the Arabic Novel, S.190

[17]  انظر: شكيب الجابري مؤسّس الرواية العربيّة. الصفحة الالكترونيّة لوزارة الثقافة السوريّة (تاريخ الدخول: 16.06.2008 الساعة 09:20 صباحاً):

http://www.moc.gov.sy/index.php?d=51&id=39

 

[18] Allen, Roger: The Arabic Novel, an historical and critical introduction, S.26

[19] Kilpatrick, Hilary: The arabic Novel. A single tradition?, in: JAL 5 (1974), P. 93-107. And

Brugman, Jan: An introduction of the history of modern Arabic literature in Egypt. P. [x]

[20] Allen, Roger: The Arabic Novel, S.8

[21]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص.116

[22]  الزيات، حبيب: خبايا الزوايا من تاريخ صيدنايا. وثائق تاريخيّة للكرسيّ الملكيّ الأنطاكيّ، ص. 5

[23]  العمري، شهاب الدين أحمد بن فضل الله: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ص. 447

[24]  انظر الزيات، حبيب: خبايا الزوايا من تاريخ صيدنايا، ص. 6، 32-33.

[25]  المرجع السابق، ص.6

[26]  العمري، شهاب الدين أحمد بن فضل الله: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ص. 446-447

[27]  المرجع السابق، ص.447

[28]  انظر الزيّات، حبيب: خبايا الزوايا من تاريخ صيدنايا، ص. 76

[29]  انظر المرجع السابق ص. 71

[30]  المرجع السابق، ص. 74

[31]  المرجع السابق، ص. 74

[32]  سعاده ، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص. ص. 13

[33]  المرجع السابق، ص. 14

[34]  المرجع السابق، ص. 15-16

[35]  حدّاد، حسني: أساطير الخصب القديمة والمعتقدات الشعبيّة في سورية، ص. 56

[36]  سعاده، أنطون: الآثار الكاملة. أنطون سعاده في الوطن بعد العودة-1948، ج15، ص.177-178

[37]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص. 194، 210-212

[38]  المرجع السابق، ص. 213

[39]  المرجع السابق، ص. 214

[40]  المرجع السابق، ص. 18: "وفيما سوى ذلك كان هذا الشاب [ابراهيم] مشهوراً بغرابة الأطوار"، وص. 85: "...بلغني أنّ الناس يتقوّلون  كثيراً عنّي [سليم] وعن غرابة أطواري".

[41]  سعاده، أنطون: الآثار الكاملة. أنطون سعاده في الوطن بعد العودة-1948، ج15، ص.180

[42]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص.8

[43]  المرجع السابق، ص.18

[44]  المرجع السابق، ص. 16

[45]  المرجع السابق، ص. 22

[46]  المرجع السابق، ص.17

[47]  المرجع السابق، ص.18

[48]  المرجع السابق، ص.17-18

[49]  المرجع السابق، ص. 24-25 و33

[50]  ابن منظور: لسان العرب، انظر: نجل

[51]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص. 19-20

[52]  المرجع السابق، ص. 20

[53]  هبّي، أنطون: الصور المقدّسة أو الأيقونات، ص. 123

[54]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص. 22

[55] Weidinger: Nationale Mythen-männliche Helden. Politik und Geschlecht im amerikanischen Western. S.92

[56] Ibid, S.  107

[57]  يذكر جبران جريج في كتابه في مذكّراته أنّ سعاده سأله في أحد الأيّام عن الأفلام المعروضة في دور السينما وطلب منه بعد أن قام جريج بعدّها له، وقال له:

 "عندما يكون الفيلم من نوع الكوبوي Cow-Boy أو ما يشبهه أي عندما يكون فلمًا لا معنى له فبلّغني لنحضره معاً لأنّي في حاجة إلى أفلام تنقلني من جوّي الشديد الجدّيّة والتفكير إلى جوّ أرخي فيه لأعصابي العنان في السخافات والسطحيّات".

جريج، جبران: مع أنطون سعاده. من 8 فبراير 1932 إلى 8 تموز 1949، ج 2، ص.64

هناك شواهد أخرى وردت في رسائل أنطون سعاده إلى إدفيك شيبوب جريديني تشير إلى اهتمامه بالأفلام السينمائيّة وحتّى الرومانسيّة منها. ففي الرسالة الثالثة عشر يذكر أنّه ذهب إلى السينما بصحبة فخري المعلوف ويقول ما حرفيّته: "فرّجت عن أعصابي بمشاهدة الأخبار وفصل هزليّ ورواية المفاجأة الأخيرة أو خليج المقدّر [Wings of the morning, 1937] من تمثيل أنابلا  [Annabella, 1907-1996]

جريديني، إدفيك: رسائل حب من أنطون سعاده إلى إدفيك جريديني 1937-1938،  ص.109

وفي رسالة أخرى مؤرّخة بالخامس من فبراير 1938 يكتب:

"كنت منذ أيام في السينما حيث شاهدت رواية ملاك  [The blue Angel,1930]من تمثيل الكوكب الشهيرة مرلين ديترخ [Marlene Dietrich، 1901-1992]".

المرجع السابق، ص. 132

[58] Weidinger: Nationale Mythen-männliche Helden, S.59-71

[59]  نقلاص عن: بيك، هالة: مفهوم الزواج بين مي زيادة وأنطون سعاده. مجلّة تحوّلات الالكترونيّة (تاريخ الدخول 13/03/2009 الساعة 11:00)

http://www.tahawolat.com/cms/article.php3?id_article=798

[60]  المرجع السابق.

[61]  سعاده، أنطون: نشوء الأمم. انظر إهداء المؤلّف.

[62]  نقلاً عن: بيك، هالة: مفهوم الزواج بين مي زيادة وأنطون سعاده.

 

[63]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص.21

[64]  المرجع السابق، ص. 22

[65]  المرجع السابق، ص. 19

[66]  المرجع السابق، ص. 49

[67]  السوّاح، فراس: قراءة في ملحمة جلجامش، ص. 99

[68]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص. 45

[69]  المرجع السابق، ص. 202

[70] Von Schiller, Friedrich: Anthologie auf das Jahr 1782. S.7

[71]  إنّ كلمة Gewaltig هي إضافة من أنطون سعاده وليست من النصّ الأصليّ. ففي النصّ الأصليّ للقصيدة ترد كلمة Monarchisch، وحتّى الآن لم نجد نصّاً لقصيدة الشاعر الألمانيّ يستعمل فيه اللفظة التي أوردها سعاده. ويبدو أنّ سعاده قد اعتمد على الذاكرة في إثباته للقصيدة فبدّل الكلمة الأصليّة عفويّاً وبدون قصد بكلمة لها المعنى نفسه والوزن الشعري نفسه.

[72]  سعاده، أنطون: الأعمال الأدبيّة، ص. 217

[73]  نقلاص عن: بيك، هالة: مفهوم الزواج بين مي زيادة وأنطون سعاده.

 

[74]  سعاده، أنطون: الإسلام في رسالتيه المسيحيّة والمحمّديّة، ص.120

[75]  قرآن كريم، 6: 161-163

[76]  قرآن كريم، 24: 91

[77]  سعاده، أنطون: سعاده والحزب القومي 1933-1950. مجموعة مقالات أصدرتها مجلّة الدنيا في دمشق. ص.118

 
التاريخ: 2021-11-29
 
إضغط هنا لتحميل هذه الدراسة
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: مجلة "حوليات" - جامعة البلمند، كلية الآداب والعلوم الإنسانية 2015/16 - ص 127 - 152
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro