مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
سعاده وزينون الرواقي
 
حاج إسماعيل، حيدر
 

 

لأهمية فكر زينون الرواقي ولكون سعاده قد أشار، في أكثر من موضوع في كتاباته إلى تلك الأهمية، وطلبه من أعضاء حزبه أن يدرسوا زينون، رأينا أن نخصص هذا البحث، لشرح مفيد لفلسفة ذلك الفيلسوف الفينيقي الذي أحدث ثورة في الفكر الفلسفي بقوله ولأول مرة: "كل البشر إخوة". والملحق يتألف من عددٍ من المقالات حول زينون وفلسفته، كنا كتبناها ونشرناها في مناسبات مختلفة، فعذراً لتكرار بعض الأفكار.

 

    زينون الرواقي فيلسوف عاش بين القرن الرابع والثالث قبل الميلاد (335- 264 ق.م.)، بعد فلاسفة اليونان المعروفين: سقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس. وهو من كتيوم (citium) وأصل عائلته من فينيقيا، من صور من لبنان القديم. بعد أن استقرت عائلته في قبرص ذهب إلى أثينا ليعلّم شبانها حكمته الجديدة. وقد عرفت تلك الحكمة، في تاريخ الفلسفة، بالفلسفة الرواقية ذلك لأنه كان يعلمها لتلاميذه في رواق (stoa باللغة اليونانية القديمة). والرواق زمانئذٍ عبارة عن ممرّ مسقوف ومحاط بصفين متوازيين من الأعمدة.

 

        في أثينا، وبعد اطلاعه على مبادئ وتعاليم فلاسفة اليونان الأخلاقية وكشفه عن عيوبها ومحدوديّتها وانحصارها في نطاق المدينة (polis) وضع زينون فلسفته الأخلاقية الجديدة على أساس جديد هو مبدأ العالميّة (Cosmopolis).

 

    من الوجهة اللغويّة لفظة. (Cosmopolis) مركّبة من لفظين يونانيين قديمين ألا وهما (Cosmos) ومعناها الكون و (Polis) ومعناها المدينة فيكون حاصل جمعهما في لفظ جديد هو: المدينة الكونيّة أو العالم كله باعتباره مدينة واحدة.

 

    طبعاً، لم يكن زينون جاهلاً لحقيقة أن العالم ليس مدينة واحدة من الوجهة السياسيّة والاقتصادية وغيرهما. غير أنه قصد بالمدينة الكونيّة الناحية الأخلاقية. كأني به قائلاً: أيها البشر بالرغم من تفاوتكم واختلافاتكم السياسيّة وخلافها عاملوا بعضكم بعضاً سواء أكنتم مدناً أو جماعات أو شعوباً أو أفراداً كما لو أنكم مواطنون في مدينة كونية أخلاقية واحدة إذ لا يليق بالمواطن أن لا يحترم ويحبّ ويعامل بالحسنى أخاه المواطن.

 

    في عقيدة زينون أن نزاعات البشر منطلقها الانفعالات (passions) فإذا كان الإنسان مدفوعاً بانفعال عنصري فهو لا محالة مفرّق بين عنصره والعناصر أو السلالات الأخرى. وإذا كان محكوماً بانفعال قبلي فهو معاد ٍ للقبائل الأخرى، وإذا كان مشحوناً  بإنفعال خصوصي فهو عدوّ الآخرين مطلقاً عليهم نيران فرديّته وأنانيّته وقس على ذلك. من هنا قول زينون، إن الحكيم الحكيم هو القادر على كبح انفعالاته ومنعها بسلوكه، إنه (apathos) أي ضابط لانفعالاته وليس (pathos) أي انفعالياً. 

 

    غير أن بلوغ ذلك المستوى العالي من القدرة على التحكم بعواطفنا وانفعالاتنا الهوجاء غير الممكن بدون الارتقاء بوجودنا إلى مستوى آخر من النظر إلى الأمور ألا وهو المستوى العقلي.

 

    فالعقل في الإنسان هو الحاكم الوحيد القادر على لجم الانفعالات. العقل هو السائق الوحيد القادر على قيادة سيّارة جسدنا الذي يعجّ ويضج بوحوش الانفعالات وهدايتها وتوجيهها سواء السبيل.

 

    من شرفة العقل نرى البشر أخوة تماماً كما قال زينون الرواقي: كل البشر أخوة. (All humans are fellow=humans ) وهذا معناه: عليك أيها الإنسان، إذا كنت عاقلاً، أن تحب جارك. أربعة مائة سنة قبل ميلاد المسيح، وجد فيلسوف اسمه زينون ينطق بحكمةٍ أكّدتها المسيحية والإسلام المحمدي، بعده، ألا وهي أحبّوا بعضكم بعضاً ولا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

 

    والجار في قاموس زينون، ليس الجار الجغرافي – المحلي ولا الجار السياسي ولا الجار اللغوي ولا الجار العنصري أو الطبقي أو الطائفي إنه الجار الأخلاقي – العقلي. إنه أي إنسان وكل إنسان.

 

    لذلك، نقول، إن فكرة الحب العالمي (Universal Love) هي في صميم فلسفة زينون الأخلاقية الجديدة التي شكّلت ثورة في تاريخ الفلسفة عموماً وفلسفة الأخلاق على وجه الخصوص والتي وضعت الأخلاق على الأساس الذي بدونه لا تكون الأخلاق أخلاقاً ألا وهو مبدأ الكونية أو العالمية الذي أتينا على ذكره في مطلع بحثنا.

 

 

أشهر تلامذة زينون

 

    بعد زينون تابع تلاميذه الكثر فلسفته وكان من أشهرهم اثنان: عبدٌ وإمبراطور. أما العبد فكان اسمه إبيكتيت (Epictetus) الذي وضع كتاب: الأبحاث (Discourses) ومما جاء فيه مما يتصل باتجاه بحثنا ما يلي:

 

    "ألا تعرف (أيها الإنسان) أنه كما أن القدم لا تعود قدماً إذا ما فصلت عن الجسد، أنت كذلك لا تبقى إنساناً إذا انفصلت عن الآخرين". معنى ذلك أن الإنسان اجتماعي وعلاقته بالمجتمع الإنساني علاقة لا تنفك، إنها كالعلاقة العضوية".

 

    وأما الامبراطور الروماني ماركوس (Marcus Aurelius) فقد قال مما قال: كل البشر أخوة، كل البشر مواطنون حتى المجرم هو أخي. ومما سطره يراعه في كتابه المشهور: التأملات (Meditations) نذكر ما يلي:

 

    "لست أقدر أن أكون غاضباً" مع أخي ولا أن أكون مسيئاً إليه، لأننا خُلقنا لنتعاون مثل يديْ الإنسان ومثل قدميه أو جفنيه أو مثل فكّيْ أسنانه. إن عرقلة أحدهما للآخر هو ضد قانون الطبيعة".

 

    هذا الكلام عن "قانون الطبيعة" له أصله عند زينون الرواقي. وشرح معناه يقتضي منا العودة إلى معنى "القانون" ومعنى "الطبيعة" في قاموس الفلسفة في القرن الرابع قبل الميلاد.

 

    لنبدأ بلفظ "الطبيعة" لنقول: إن مفهومه القديم يختلف أيّما أختلاف عن مفهومنا له في هذا العصر، عصر العلوم والتكنولوجيا. فقد استعمل الأقدمون من الفلاسفة هذا اللفظ  للإفادة عن فكرة الوظيفة (function) أو الماهيّة (essence) أو الخاصة المميّزة (differentia) للشيء. وعندما كانوا يقولون، عن اعتقادٍ، بأن لكل شيء طبيعة كانوا يفهمون من ذلك بأن لكل شيءٍ وظيفة أو ماهيّة أو صفة مميّزة خاصة بذلك الشيء.

 

    على هذا الأساس يكون للنهر طبيعة هي في تدفقه وجريانه وللريح طبيعة في هبوبها وللسكين طبيعة القطع، الخ. أما الإنسان فطبيعته العقل أو التفكير (Man is a rational animal) هذا لجهة مفهوم القدماء "للطبيعة".

 

    لهجة مفهومهم "للقانون"، نذكر، انهم رأوا القانون في فكرة الثبات أو الانتظام أو عدم التغيّر.

 

    بالنسبة للإنسان، قالوا، إن الانفعالات، باعتبارها قُلَّباً حُوَّلاً وليس لها ثبات لا يمكن اعتبارها قانوناً بأي شكل. الثابت الوحيد في الإنسان هو العقل. لذلك اعتقدوا بأن العقل هو طبيعة الإنسان وقانونه أو بكلمة أخرى، العقل هو قانون الطبيعة  في الإنسان. من هنا تعليم زينون وأتباعه المفيد بأن الحكيم هو الذي يكون منسجماً مع قانون الطبيعة الإنساني الذي هو العقل.

 

    نظرية التلوّث بالآراء الخاطئة: ولكي يقدر العقل على الفعل في السلوك الأخلاقي متحرراً من تحرّشات وبلبلات الانفعالات تحدث الفلاسفة الرواقون عن نقاء الروح بالإضافة إلى نقاء الجسد.

 

    فيما يختص بنقاء الروح بخاصةٍ، انتهى تحليلهم لأسباب التلّوث الروحي إلى ما صار يعرف بنظريتهم في الحكم (judgment) وقصدوا بذلك، أن الآراء (أو الأحكام) الخاطئة التي يصدرها الإنسان حول الأشياء الخارجيّة بأنها جيّدة أو غير جيّدة هي ذاتها ما يعكّر الروح. ولا يطهّر الروح من تلك الآراء إلاّ الاحتكام إلى العقل القادر وحده على التوجيه الصحيح والإرشاد المستقيم.

 

    اجتماعية الإنسان: على مستوى الأخلاق الاجتماعية عرّف الرواقيون وجود الإنسان بأنه وجود غائيّ اجتماعي وجودك ليس لذاتك فقط بل وللآخرين. (to be is to be For) هذا ما قاله (Epictetus) بالحرف الواحد:

 

    "من أجل الكلّ (المجتمع الإنساني) عليك ان تتحمّل المرض أحياناً وتغترب وتخاطر أحياناً أخرى وتفتقر وتموت قبل الأوان إذا اقتضى الأمر".

 

    في نفس الاتجاه، اتجاه حمل المسؤولية الاجتماعية بالاهتمام بالآخرين كاهتمام الإنسان بذاته، ومعاملتهم كمعاملة الإنسان ذاته، كتب الإمبراطور ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius) ما يلي:

 

    "هل تطالب العين تعويضاً على قيامها بوظيفة رؤية الأشياء أم القدم تطالب بنفعٍ على مَشْيها؟ ذلك لا يحصل من أيْ منهما لأنهما وجدتا لتلكماً الغايتين، وجودهما أن يفعلا ذلك. كذلك الإنسان عندما يعامل الناس بالحسنى ويعمل للمصلحة العامة، يكون محققاً وجوده ذاته".

 

    تجدر الملاحظة أن الرواقيين يرون المجتمع واقعاً طبيعياً وليس كياناً صنعته إرادات أفراد وفقاً لعقدٍ اجتماعي (Social Contract) كما ظن بعض الفلاسفة فيما بعد، من أمثال Thomas Hobbes  و John Locke و Jean-Jacque Rousseau  المجتمع في عقيدة الرواقيين سابق للفرد وكل فرد يولد في مجتمع.

 

 

تاثير الفكر الأخلاقي لزينون

 

    نتقدم الآن للكلام عن تأثير الفلسفة الرواقية الأخلاقية في القانون عموماً وفي القانون الروماني على وجه الخصوص.

 

    كنا جئنا على ذكر اعتناق الإمبراطور الروماني ماركوس للعقيدة الأخلاقية الرواقية. وقد نجم عن هذا الحادث أثر تاريخي عظيم ألا وهو أن ذلك الإمبراطور الذي آمن بأن كل البشر أخوة منح المواطنيّة الرومانية لجميع رعايا الإمبراطورية الممتدّة من بلدان الشرق الأوسط واليونان إلى بلدان أوروبا الغربيّة. قبل ذلك لم يكن يتمتع بحقوق تلك المواطنية سوى أبناء رومة.

 

    إن الشهرة التي يتمتع بها التاريخ الروماني في ميدان الحضارة الإنسانسة مردّها القانون الروماني المساوي بين البشر والذي جوهره كان في فلسفة زينون كما كنا ذكرنا.

 

    والدستور الأميركاني العصري (بالإضافة إلى دساتير بلدان أوروبا الغربية) منفعل بالقانون الروماني كما أراده الإمبراطور الرواقي أورليوس. هذا لجهة القانون في بعض البلدان.

 

    أما لجهة القانون بعامةٍ والمؤسسات القانونية عموماً فنحن في هذه الأيام نتكلم عن القانون الدولي (International law) ومؤسسة "الأمم المتحدة" وقبلها مؤسسة "عصبة الأمم". مثل تلك المؤسسات العالمية، ليست في نظرنا، إلا تطبيقاً قانونياً للفلسفة الرواقيّة العالمية. ولشرح فكرتنا، نذكر، أن الأخلاق (Morality) اثنان: أخلاق تصدر من داخل الإنسان فمصدرها جوّاني (Internal) حرّ، وأخلاق تحصل عن طريق الإكراه الخارجي (Coercive). أخلاق الحرية هي أخلاق الفلسفة الرواقية وأخلاق الإنصياع للقوة الخارجية (قوة القانون ومؤسساته) هي ما نراه ونختبره في حياتنا عندما نطيع قوانين الدولة ومؤسساتها الشرعية المتعدّدة المختلفة ومن ذلك أيضاً المنظمات الدولية "وجمعية الأمم المتحدة" و "عصبة الأمم".

 

    القانون الدولي يقضي، في "جمعية الأمم المتحدة"، على سبيل المثال، أن تعامل الدول بعضها بعضاً بلغة احترام كل منها لسيادة الأخرى وبلغة السلام لا العدوان.

 

    من هنا قولنا بأن المنظمات الدولية المعاصرة التي لها قانون دولي، ليست إلا تطبيقاً قانونياً أو صورة قانونية لمبدأ الفلسفة الرواقية. هذا مع علمنا، من وجهة نظر واقعية – تاريخية (لا نظرية) بعدم وجود مساواة حقيقيّة بين الدول الأعضاء في "الأمم المتحدة".

 

    تبقى فلسفة الفيلسوف الألماني كانط (Immanuel Kant) فنقول إنها فلسفة أخلاقية رواقيّة في صياغة حديثة. ففلسفة كانط مثيل الرواقية تؤكد على العقل والعالمية والحرية والغيريّة ومعنى وأهميّة القيم الأخلاقية.

 

    والحق يقال، إن فكرة العالميّة (Universal Law) عند كانط هي فكرة زينونيّة في الصميم. وهذه الحقيقة نقع عليها في تعبير كانط عنها الذي هو مملكة الغايات (The Kingdom of ends) وعنى بالغاية كل إنسان منّا. هذا التعبير هو، من حيث مضمونه، مكافئ لتعبير (Cosmopolis) عند زينون أي العالم الواحد أو المدينة الكونيّة الواحدة حيث يكون الناس مواطنين أخلاقيين أسوياء. الفرق هو فرق شكلي متعلّق بالصياغة اللغوية والمفردات.

 

    وتأكيد كانط على مبدأ العقل الرواقي جاء في قوله، إن المبدأ العام للأخلاق يجب أن يكون مصدره العقل وليس الرغبات. واعتماد كانط على مبدأ الحريّة نقع عليها في فكرته عن الاستقلال الذاتي (autonomy) أي أن يكون الشخص هو المؤلف لقوانين الأخلاق التي يجب أن تكون عقلية وعالمية. 

 

 

الفردوس الرواقي

 

 بالرغم من هذا التشابه القويّ الذي يبلغ حدّ المطابقة بين الفيلسوف الألماني كانط وزينون الرواقي امتازت فلسفة زينون بوصفها للمدينة الكونية الأخلاقية: إنها مدينة لا يكون مواطنوها شاملين البشر فقط بل الآلهة. وقد قصد الرواقيون من هذا الوصف أن يقولوا باختصار: أيها الناس، أحبّوا بعضكم بعضاً ليقوم الفردوس على الأرض.

 

بعد كانط وفلسفته هناك آخرون اهتموا بدرس فلسفة زينون الرواقية رغم الإهمال المعيب لها لقرون في الأوساط الأكاديمية بسبب فرض الكنيسة الكاثوليكية تدريس فلسفة أرسطو وإبرازها باعتبارها صارت جزءاً لا يتجزأ من فلسفة فيلسوفها توما الأكويني الذي أدخلها في المسيحية.

 

ومن الذين لهم اعتبار أكاديمي معاصر نذكر كريستيفا (Julia Kristeva) المتخصصة في التحليل النفسي (psychanalysis). ففي كتابيها: غرباء عن أنفسنا (Strangers to Ourselves) وأمم بدون قومية (Nations without nationalism)، تستفيد الباحثة من فلسفة زينون كثيراً في شرح نظريتها في "الغرباء". وفي الثاني تشرح نظريتها الجديدة، في عصر العولمة، نعني نظرية: الأمم المتخفّفة من العصبية القومية المتطرفة المدعية الأصل الواحد المسببة للعدوان والحروب.

 

وفي هذا الكتاب (الثاني) تبدى كريستيفا أعجابها بمونتيسكيو (1755 – 1689) ( ( Montesquieu الذي ترى فيه واحداً من الرواقيين المحدثين (neostoics ) وتستشهد بما ذكره عن رؤياه لأوروبا واحدة، كما تستشهد بميله العالمي عندما يقول :" إذا عرفت أن شيئاً نافعاً لي لكنه مدمّر لآسرتي، فإني سارفضه من عقلي. وإذا عرفت أن شيئاً مفيد لأسرتي وليس مفيداً لوطني، سأسعى إلى نسيانه. وإذا عرفت أن شيئاً يفيد وطني ويضرّ بأوروبا أو أنه يفيد ويضرّ الإنسانية (البشر جميعاً) فإني أعتبره جريمة".

 

نقف عند هذا الحدّ من الكلام عن فلسفة زينون الأخلاقية الكونية ملخّصينها بالأفكار التالية ومختتمينها بسؤال مفتوح :

 

        1.        هي فلسفة العقل والحرية والعالمية والغيرية. لذلك هي فلسفة أخلاقية كاملة.

 

        2.        تأثيرها كان عظيماً في القانون الروماني والقانون الدولي والفلسفة الحديثة.

 

        3.        هي مساهمة ثمينة في الحضارة الإنسانية.

 

أما السؤال المفتوح أمام الراغبين في البحث فهو : هل يمكننا التوسع في تعداد قيمة الفلسفة الزينونية الأخلاقية الكونية بالقول ، إن الله (سبحانه وتعالي) أيّد فكرتها المركزية في الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمّدية عندما نصّت آياته على أن لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وأنه خلف البشر على صورة أمم وشعوب ليتعارفوا ( لا ليتحاقدوا ويتقاتلوا)، وإن الدين للعالمين؟

 

 

سعاده واتجاهه العالمي

 

تجدر الإشارة إلى أن أنطون سعاده، وضمن حدود معرفتي، هو وحده، بين مفكري بلادنا الذي عرف أهمية فلسفة زينون، فدعا مفكري الحزب إلى درسها لقيمتها القومية ولعالميتها.

 

في رسالته الثانية إلى غسان تويني الذي كان يدرس في كمبردج، ماستشوستس في الولايات المتحدة الأميركانية والمؤرخة في 7 نيسان، 1946، وفي سياق كلامه عما أصاب الأمين فخري معلوف من انقلاب فكري – مذهبي، يصف سعاده للرفيق تويني نبذة عن سيرة معلوف الحزينة ومن ذلك يقول، إنه كان قد وجّهه إلى الاهتمام بزينون وغيره من الفلاسفة والمفكرين السوريين وفي إظهار مآثرهم، بدلاً من  أن يظل متردداً في دروسه بين أفلاطون وأرسطو.

 

لماذا زينون ( الذي عرف في تاريخ الفلسفة باسم زينون الرواقي تمييزاً له عن زينون الإيلي)؟ الجواب جوابان، هما :

 

 أولاً، لأن زينون كان فينقياً أي كنعانياً أي من البلاد السورية. ومن المفيد، علمياً وتربوياً، تعريف أبناء سورية الحديثة وبناتها بقيمة وأهمية تاريخ أمتهم الثقافي ما يساعد في تكوين شخصيتهم القومية في هذا العصر، عصر القوميات والدول القومية.

 

ثانياً، لأن الإنتاج الفلسفي الذي قدّمه زينون كان إنتاجاً عالمياً، أي أن قيمته لم تكن محدودة بقطر من الأقطار أو مدينة من المدن. وهذا يبين أن اتجاه سعاده القومي لم يكن اتجاهاً انعزالياً عن العالم، بل هو اتجاه منسجم مع  التراث الثقافي لأمته السورية الذي كان نحو العالمين.

 

 
التاريخ: 2021-11-01
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro