مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
تأثير فكر النهضة القومية على وضع المرأة في سورية الطبيعية
 
النزق، زكية سكاف
 

 

 المقدمة

 

أولاً - تاريخ المرأة خارج المفهوم النهضوي

 

ثانياً – انطلاق فكر النهضة

 

ثالثاً - المرأة وأهمية دورها في المجتمع

 

رابعاً – العوامل التي تؤدي إلى تردي وضع المرأة

 

  • إهمال أهمية دور المرأة
  •  
  • إنتشار الأمية
  •  
  • عدم مساوات المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات.
  •  
  • العادات والتقاليد
  •  
  • حجب المرأة عن ممارسة حريتها.
  •  

خامساً - الحلول المساعدة لتطوير وضع المرأة وأثر فكر النهضة القومية في هذه الحلول.

 

  • منح المرأة حريتها 
  •  
  • تحقيق مساوات المرأة بالرجل
  •  
  • العلم والثقافة
  •  
  • مساعدة الرجل للمرأة
  •  
  • العمل أو المشاركة في جمعيات أو مؤسسات إجتماعية.
  •  

سادساً – المرأة في الحزب السوري القومي الإجتماعي

 

 الخلاصة

 

اضغط هنا لمشاهدة فيديو المحاضرة

 

 

 

 

المقدمة

 

إن أمتنا تعيش حالة من اليأس والتخبط، ومجتمعنا يعاني من تمزّق وحدته، وتشتّت أبنائه. فمنذ بداية هذا القرن تشهد منطقتنا اضطرابات داخلية إضافية، كما هو الوضع في لبنان حيث تتناحر النخبة السياسية على السلطة، وتتساوم على تقسيم الغنائم لإثراء أنفسهم ولو على حساب إفقار الشعب وانهيار الوطن. وزاد الوضع سوءً بعد وقوع انفجار ضخم في مرفأ بيروت في 4 آب عام 2020 تسبب في خسائر بشرية ومادية جسيمة محدثاً تراجعاً أساسياً في الاقتصاد. وأيضاً شهدت الأمة حروباً خارجية جديدة كالغزو الأمريكي-البريطاني للعراق في 19 آذار عام 2003، والمؤامرة الكونية على الجمهورية العربية السورية حيث بدأت الحرب ضدها في آذار عام 2011. وإضافة إلى هذا، هناك معاناة شعبنا في فلسطين المحتلة التي ترزح تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً بعد الحرب على غزة في حدث في تموز 2014.

 

أدت هذه الحروب إلى إلحاق الدمار والخراب في المدن والقرى، ووقوع عدد كبير من قتلى وجرحى وحصول نزف سكاني في هجرات واسعة، واندلاع حروب أهلية وطائفية، ونشوء حركات دينية متطرفة مثل "داعش" و"النصرة".

 

في ظل هذه الظروف القاسية نجد أن هناك أزمات معيشية جمّة في مجتمعنا، قد تضافرت لتزيد من حالة الفقر والحرمان مهددة الحقوق الأساسية للسكان في أن تعيش بأمان ووفرة للأولويات. كما أنها أدت إلى تردي الأوضاع الإجتماعية وخصوصاً بعد تهجير عدد كبير من أبناء شعبنا ليصبحوا نازحين مواجهين صعوبات كثيرة تؤدي إلى تزايد الفقر وندرة الغذاء الصحي، وتقليص الإلتحاق بالمدارس، وتدهور الوضع الاقتصادي الذي تفاقم بعد تدني القيمة الشرائية للعملة. وأيضاً هناك اضطرابات سياسية متزايدة وإهمال للرعاية الصحية، ولقد زاد الوضع خطورةً تفشي جائحة كورونا الخطيرة في كل أنحاء العالم.

 

إن تداعيات صراعات وانهماكات المجتمع انعكست سلبياً على الأسرة، فزادت قساوة الحياة فيها محدثة تراجعاً واضحاً في أوضاع أفرادها. ونجد أن المرأة هي الأكثر تأثراً فيها وخاصة من حيث حقوقها ومساواتها مع الرجل. وقد عكس تقرير تنمية المرأة العربية 2015 وضعها القانوني والسياسي والإجتماعي والاقتصادي في المنطقة العربية، ويظهر هذا التقرير المؤشرات الدالة على تدهور وضعها. وحسب التقارير الدولية والإقليمية هي:

 

 "في أدنى مرتبة في العالم فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين. والتقدم في المنطقة العربية ما زال بطيئاً، وإن مشاركة المرأة في مسارات صنع القرار على المستوى الوطني ما تزال محدودة. وما زالت بعض الأحكام الدستورية أو القانونية تكرس أشكالاً متنوعة من التمييز ضد المرأة."[1]

 

لا بد لنا من الإضاءة على موضوع المرأة ومكانتها حيث أنها ما زالت في أكثر المجتمعات الشرقية ملقية على عتبة الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية نتيجة للتطبيق السلبي للدين والعادات والتقاليد، اضافة أسباب أخرى ساهمت بإستباحة إنسانيتها وسلب إرادتها. إن المجتمع الذي يحرم نساءه من حقوقهن وتحقيق مطامحهن الطبيعية المشروعة وتقديم خبراتهن يكون مجتمعاً متخلفاً. لا شك أن هناك تحسّناً بطيئاً في وضع المرأة، فظهور بوادر المساواة الفعلية بين الجنسين جاءت كنتيجة منطقية للتطور البشري.

 

لكن حتى تتحقق المساواة على نطاق أوسع هناك مسؤوليات وصعوبات تقع على عاتق أعضاء المجتمع تستحق التفكير بها جدياً وإيجاد الحلول لها. ولقد وجدنا هذه الحلول في مفاهيم النهضة القومية التي جاء بها المفكر أنطون سعاده الذي يسعى إلى تحسين وضع المرأة، وإلى حصولها على المساواة في الحقوق مع الرجل، ولقد لخّصت هذا عفيفة حداد، إحدى المنتميات إلى صفوف النهضة في بداياتها، بمناسبة مولد باعث النهضة إذ قالت:

 

"كان مولد البطل السوري الأول الذي أعطى المرأة السورية حقها في الحياة، وأدرك أهمية المرأة في المساهمة مع الرجل بإنشاء الأمة السورية الجديدة،"[2]

 

فيما يلي سأذكر بعض العوامل التي تؤدي إلى تردي وضع المرأة وعدم مساواتها في الحقوق مع الرجل في أمتنا، كما سأعرض الحلول التي أرى أنها قد تساعدها في الحصول على حقوق أوسع مستضئة بمبادئ النهضة القومية التي تشعّ أفكارها لتنير الواقع وتخوّل المرأة أن تحرر ذاتها وتبني عائلتها وتفعل في مجتمعها. وسنبرهن هذا عملياً من خلال مقابلات كنت قد أجريتها مع رفيقات قوميات إجتماعيات اعتنقن العقيدة فكانت النبراس الوضّاح في مسيرة حياتهن.

 

 

أولاً، تاريخ المرأة خارج المفهوم النهضوي

 

كابدت المرأة منذ القِدم من تهميش شخصيتها، إنتقاص قيمتها، وانكار مواهبها حيث وجدت نفسها منذ فجر التاريخ في حالة عبودية لرجل ما. فكان الرجال يرون أن هناك مزايا يختصون بها عن النساء، ولا يسمحون لهنّ أن يساوينهم في كل شيء. قد يكون هذا بسبب ضعف القوى البدنية للمرأة فرضخت لهذا الوضع حتى أُعتبر من العادات والقوانين والنظم السياسية، فالقوانين " ليست سوى تلخيص للأوضاع، والإعتراف بالعلاقات، التي تكون موجودة فعلاً بين الأقوياء، وهي بذلك تحيل الوقائع المادية إلى حق قانون، وتضفي عليها مشروعية بإقرارها بواسطة المجتمع!"[3]

 

بدأت هذه المعاناة من خلال التربية المنزلية التمييزية بين الذكر والأنثى التي هي:

 

" الأسلوب الجندري الذي يتبعه المربون أو القائمون على تربية الأبناء والذي يؤدي إلى تعزيز الدور الإجتماعي لهم باتجاه يرتضيه المجتمع ويكرس النمطية فيه أي التربية التقليدية القائمة على توزيع الأدوار حسب الجنس."[4]

 

لقد ظهر تأثير الهيمنة الذكورية في الفكر السياسي والفلسفي في الغرب حيث كان وضع المرأة لا يختلف عن وضع الرقيق في شيء. فهي كانت خاضعة لسلطة أبيها حيث أعطيَ الرجال الحق الأبوي عليها وفقاً للأسس نفسها التي قام عليها حق الملكية، ومن ثم خضوعها لسلطة زوجها وهو له الحرية المطلقة في التصرف بها، حتى أصبحت القيم الزوجية المقدسة معرضة للانتهاك الصارخ، وما زال "شيوخ" يُفتون حتى اليوم بتشريع هذه الجريمة:

 

"بيد أن هذه الجريمة ليست ضد نظام الأخلاق بل هي ضد حق من حقوق ملكية الزوج. وبالمقابل فقد استأثر الزوج بحق إعارة امرأته إلى أحد ضيوفه ما دام من حقه التصرف بجسدها وروحها. واستمر حق الزوج هذا فترة طويلة."[5]

 

كانت المرأة تعيش على الهامش في المجتمع اليوناني الذكوري القديم. فلم يسمح لها بممارسة أي عمل مستقل، وكانت فرص تعليمها نادرة جداً، كما حرمت من حق الإقتراع أو المشاركة في شؤون الحكم، فاقتصر دورها على الأعمال المنزلية حصراً.

 

لقد بدت الصورة السلبية للمرأة بشكل كبير في الفكر الفلسفي اليوناني- الأوروبي.

 

 "منذ سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى جان جاك روسو وكانط وغيرهم من الفلاسفة الذين أجمعوا على هذه الصورة السلبية التي تضع المرأة مع الطفل والناقص عقلا وادراكا."[6]

 

 "يرى أرسطو أن الأنثى والعبد مميزان بالطبع. إذا قوبل الذكر بالأنثى ظهر بالطبع تفوق الأول وانحطاط الثانية، وتسلّط الواحد وانقياد الأخرى."[7]

يصنف أفلاطون النساء دائما مع العبيد والأطفال والأشرار والمخبولين من الرجال، أو مع الحيوانات والقطيع."[8]  

 

لقد تأثر فلاسفة الديانتين المسيحية والمحمدية بأفكار الفلسفة اليونانية التي تعبر عن كراهية شديدة للمرأة حيث كان ينظر إليها باحتقار شديد وخصوصاً نظرية المعلم الأول أرسطو، الذي رسم صورة سلبية للمرأة بالغة الأهمية حيث يحطُّ من قدرها وقيمتها، ويجعل أخلاق الرجل مختلفة عن أخلاقها، فقد ترسخت هذه الأفكار في أعماق الثقافة الغربية التي برزت في الفكر الديني بصورة جليّة.

 

لقد أُعتبر الدين المرجعية الأساسية للشعوب في فترة تاريخية معينة امتدت في أوروبا لقرون ولا يزال تأثيرها في دول العالم الثالث والدول العربية إلى يومنا هذا. ولقد تأثرت هذه المرجعية بأفكار أرسطو بخصوص المرأة. كما تبنّت المسيحية قصة الخلق كما وردت في العهد القديم للكتاب المقدس، في سفر التكوين الإصحاحين الأول والثاني، يذكر الإصحاح الأول العدد 27 " فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى خلقهم" وفي الإصحاح الثاني العدد 7 يقول: "وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية." وبعد مدة من خلق الرجل يقول سفر التكوين في العدد 18 "ليس جيدا أن يكون آدم وحده فأصنع له معينا نظيره" فألقى عليه السبات وأخذ ضلعا منه وبنى منها امرأة. ولا يختلف النص القرآني في رواية الخلق عن النص الوارد في العهد القديم غير أنه لا يرد ذكر خلق المرأة من ضلع أعوج إلا في الأحاديث المنسوبة للنبي محمد. استنادا إلى هذه الرواية جرى اعتبار أن خلق المرأة جاء لأجل الرجل، فالسلطة هي للرجل، وبسبب الخطيئة بالأكل من الشجرة المحرمة طردا من الجنة:

 

"وقال للمرأة تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك." تكوين 12:0 و[9]17

 

بيد أن تأثير الهيمنة الذكورية بدا واضحا في الفكر العلمي أيضاً حيث تأثر علماء الإجتماع والنفس بنظريات الفلاسفة ورجال الدين عن المرأة. إن العالم الإنتربولوجي جورج مردوك يعتقد:

 

 "أن من الأفضل والأكثر نفعاً من الناحية العملية أن تركز النساء على العمل البيتي وعلى المسؤوليات العائلية، بينما يتولى الرجال العمل خارج المنزل. وخلص مردوك بعد دراسة مقارنة لنحو مائتي مجتمع إلى أن تقسيم العمل بين الجنسين موجود في جميع الثقافات. وهو لا يعتبر ذلك نتيجة للبرمجة البيولوجية بقدر ما يراه نتيجة منطقية لتنظيم المجتمع."[10]

 

بعض العلماء اعتبروا المرأة مخلوقاً ناقصاً أو غير كامل. منهم من اعتمدوا على طبيعتها البيولوجية فحصروا دورها في الإنجاب والإهتمام بالأولاد والزوج والقيام بالأعمال المنزلية، ومنهم من اعتبروا أن لديها عقدة نقص لأن جسدها أدنى مستوى من الجسد الذكوري وأن دماغ المرأة من أدنى مستويات التطور البشري. في فرنسا، عام 1179، قام غوستاف لوبون، بقياس ما مجموعه 11 جمجمة كي يبرر لنفسه حق استنتاج أن المرأة:

 

"تمثل أدنى أشكال التطور البشري، وهي أقرب إلى الطفل والكائن المتوحش منها إلى الرجل اليافع المتحضّر. واعتبر أن الرغبة في منح المرأة ذات التعليم، ومن ثم اقتراح نفس الأهداف لها، ليست سوى وهم خطير".[11]

 

عانت المرأة من تفسيرات العلماء السلبية المتباينة، ولقد زاد من تحقيرها إجماع العلماء والفلاسفة ورجال الدين على أنها خطيئة مطلقة.

 

ولكن في ظل هذه الهيمنة الذكورية التي انتشرت في حضارات متنوعة وعلى مستويات مختلفة ولحقب زمنية متفاوتة بدأت تظهر في الأفق حركات نسوية.

 

"النسوية هي في الأساس مفهوم غربي. لوحظ وجود المرأة من وجهة نظر الذكور نتيجة لذلك تعتبر المرأة دائما ثانوية. تنطوي النسوية على جانبين مهمين من الالتزام الفكري والحركة السياسية التي تؤدي إلى تحقيق العدالة للنساء وتلغي التمييز على أساس الجنس بكل أشكاله."[12]

 

يقوم بهذه الحركات أشخاص يريدون أن تعطى النساء الحقوق الإجتماعية والثقافية التي تشمل التعليم والتحرر من الممارسات القاتلة مثل الختان، الإغتصاب، الرجم بسبب الزنى، العنف الزوجي، وغيرها من العادات التقليدية التي تحمي النظام البطريركي الذي هو "سلطة الرجال في العائلة وكل المجتمع"[13]، وبالتالي تحمي سلطة الرجل.

 

كان شارل فورييه "أول من نظر إلى تقدم النساء نحو الحرية على أنه سبب أساسي للتقدم الإجتماعي العام، ويؤكد أنه ليس ثمة سبب يؤدي إلى التقدم أو الانهيار الإجتماعي بسرعة قدر ما يؤدي تغيّر وضع النساء."[14] وأيضاً نرى الفيلسوف جون ستيورت مل، وهو من أعظم فلاسفة القرن التاسع عشر، كان نصير المرأة ومساعدها على الحصول على حقوقها المشروعة التي حرمت منها في عصره رافضاً الأوضاع السيئة الحالية للنساء آنذاك. وقد تعرف مل على امرأة إسمها هاريت تايلور، وكانت مستنيرة العقل متفتحة المشاعر متقدة الذكاء، وفي أول لقاء بينهما "دار الحديث حول وضع المرأة ودورها في المجتمع الإنكليزي، والعلاقات الإجتماعية القائمة بين الجنسين...."[15] وقد تباحثا واتفقا على وجهة نظر واحدة هي أن وضع المرأة الحالي بالغ السوء، عندها ذهبا يبشران بتحرير المرأة ومساواتها في الحقوق مع الرجل. ويرى مل "أن مبدأ التبعية واسترقاق النساء يعوق تقدم المجتمع ويمنعه من التطور..."[16]

 

في البلاد التي ارتقت إلى درجة من التمدن نجد أن النساء أخذن يرتفعن شيئا فشيئا من الانحطاط السابق، حيث أثرت الحركات النسوية في أوروبا وأمريكا في تحسين وضع المرأة. ما إن انتشرت هذه الحركات حتى تداعى صداها في العالم العربي الذي كان وضع المرأة فيه أشد ظلماً من الغرب، وأثّرت في أفكار رواد تحرر المرأة الذين كانوا قد بدأوا في المطالبة بحقوق المرأة، فساهموا في كسر الحواجز وتغيير المفاهيم التي تصنف النساء طبقة إجتماعية والرجال طبقة أخرى.

 

 بدأت اليقظة الفكرية العربية على يد جمال الدين الأفغاني وأحمد فارس الشدياق الذي أصدر كتابه "الساق على الساق" سنة 1855، ومن ثم رفاعة الطهطاوي الذي أصدر كتابه "المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين" سنة 1872 منادياً فيه لتعليم المرأة وتحريرها من الظلم، ومن هؤلاء الرواد أيضاً بطرس البستاني، فرح أنطون، الكواكبي، الشيخ محمد عبده، وقاسم أمين الذي أصدر كتاب "تحرير المرأة" سنة 1900 وقد لاقى رواجاً إنما بين مؤيد ومعارض، ثم أصدر كتابه الثاني "المرأة الجديدة" سنة 1911.

 

لم يقتصر موضوع تحرير المرأة على الرجال فحسب، فلقد شاركت المرأة السورية والمصرية بقلمها في هذه المعركة أمثال: هند نوفل، التي أصدرت أول مجلة نسائية عربية في مصر سنة 1892 وهي مجلة "الفتاة"؛ عائشة التيمورية، ملك حفني ناصف، هدى شعراوي وغيرهن كثر. ومن الكاتبات السوريات الرائدات: مي زيادة صاحبة كتاب "المساواة" التي أنشأت صالونها الأدبي في القاهرة سنة 1915، نظيرة عز الدين التي أصدرت كتاب "السفور والحجاب"، وروز غريب الكاتبة الناشطة في مجال حقوق المرأة.

 

لم تحصل المرأة على المساواة في الحقوق مع الرجل في كل دول الهلال الخصيب. إلا أن وضعها يختلف من دولة إلى أخرى نسبة لما يسود في هذه الدول من نظم سياسية وعقائد دينية، وأفكار أدبية، وعادات وتقاليد وأحكام قانونية تحدد حقوق المرأة، وتؤثر على حياتها الخاصة وعلاقاتها العامة في المجتمع.

 

نجد في الدولة الواحدة أن المرأة تحصل على حقوق مختلفة ليس فقط عن الرجل، إنما عن امرأة أخرى تختلف عنها في الدين. إذا أخذنا على سبيل المثال لبنان، نجد التمييز واضحاً في حق الإرث للمرأة في القانون المدني 1959. فالمرأة غير المحمدية ترث مثلها مثل الرجل، بينما المرأة المحمدية ترث نصف ما يرث الرجل بناء على أحكام الشريعة. وأيضاً يختلف حقها عن حق المرأة المحمدية في موضوع تعدد الزوجات حيث لا يسمح القانون للرجل غير المحمدي بتعدد الزوجات بينما نجد هذا متاحاً في الديانة المحمدية.

 

أما من الناحية السياسية، نلاحظ غياب المرأة عن ممارسة دورها في هذا المجال مع وجود حركات خفيفة في لبنان والجمهورية العربية السورية حيث نجد أن مشاركتها محدودة في الحياة السياسية.

 

مع انتشار التربية في بدايات القرن الماضي وإتاحة المجال للمرأة للتحصيل العلمي، بدأ وضع المرأة يتحسّن بصورة بطيئة. وكان لظهور الأحزاب والحركات السياسية ومشاركة المرأة فيها دور إيجابي في تنمية وعيها وحثّها على المطالبة بحقوقها. إلا أن الأثر الأكبر على وضع المرأة الإجتماعي كان نتيجة انتشار الأفكار الجديدة التي جاء بها المفكر أنطون سعاده داعياً إلى بناء مجتمع جديد يتساوى فيه أبناؤه في الحقوق والواجبات، فانخرطت بعض النساء في صفوف الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي أسسه سعاده عام 1932 ليفتتح عهد نقل الأمة إلى حالة المجتمع الجديد.

 

 

ثانياً، انطلاق فكر النهضة

 

في بدايات القرن العشرين، كانت أمتنا قد عانت من احتلالات وانتدابات أجنبية كثيرة قسّمتها وفكّكت مجتمعها، مما أدى إلى تفسخه وتردي أوضاعه الإجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية. حينها بدأ المفكرون والباحثون يدرسون هذه المشاكل كي يستنتجوا الحلول الملائمة لها، ولقد أكدوا على أهمية دور المرأة في المجتمع ومشاركتها في عملية التنمية فيه، لأن أي اصلاح إجتماعي يتطلب تصحيح وضع المرأة حتى تكون في المكان المناسب لتشارك في حضارة هذا المجتمع وتقدّمه.

 

هناك فئة من المثقفين الملتزمين فكراً معنوياً دون الممارسة الفعلية والمشاركة الميدانية في المجتمع كالأدباء والكتّاب والمفكرين العاملين إجتماعياً بالكلمة. ويعتمد دور هذه الفئة في عملية التغيير الإجتماعي على تأثيرها في الرأي العام وقدرتها على تغيير الوعي الإجتماعي ودفعه نحو آفاق جديدة. فبعض الأدباء على سبيل المثال لا الحصر، قاسم أمين، جبران خليل جبران، مي زيادة، ونظيرة عز الدين، وغيرهم.

 

وهناك فئة من المثقفين الملتزمين الذين يتطابق عندهم الفكر والممارسة بحيث لا يمكن التفريق بين حياتهم الخاصة وحياتهم العامة. هؤلاء يقدمون حياتهم إلى قضية أو إلى هدف إجتماعي، فيصبح مصيرهم ومصير قضيتهم واحداً، ويعملون على تحقيق تغيير إجتماعي معتمدين على إرادة ذاتية قادرة على استيعاب اللحظة التاريخية والعمل بمقتضاها. إن هذا أعلى أنواع الالتزام، فالوعي هنا ممارسة كاملة والممارسة هنا وعي كامل. قال هشام شرابي عن المثقفين الملتزمين:

 

"... وتشكل هذه الفئة من المثقفين في مجتمعنا، وفي كل مجتمع، الأقلية الضئيلة بين المثقفين، إلا أنها الطليعة المسؤولة عن التغييرات الأساسية التي تحدث في المجتمع وتشكل أداة انتقاله من مستوى إلى مستوى أعلى."[17]

 

من هذه الأقليات نجد أن المفكر أنطون سعاده هو خير مثال على هذا النوع من المثقفين الملتزمين. لقد كان فيلسوفاً ومعلماً وقائداً استطاع أن يخطط تاريخاً جديداً لأمته فشرّعَ أبواب العقل للمؤمنين بقدرته مكتشفاً الوسائل المجدية لإنقاذها من التبلبل والانحطاط، وواضعاً المبادئ الفعّالة لسيرها التصاعدي نحو النصر الأكيد. فقد رسّخ قواعد عصر جديد تدعم القيم الإنسانية والوجدان القومي في فكر كل فرد، سواء أكان رجلاً أو امرأة، فتتمخض نفسية متينة توّاقة إلى الإنعتاق والإنطلاق في أعماقه، وتتحرك كرامة دفينة للتعبير عن نفسها وفرض وجودها في أخلاقه. هكذا يحفّز سعاده أبناء شعبه على السعي الحثيث نحو الحرية زارعاً ثقتهم بأنفسهم وبجدارتهم ببقائهم وتفوقهم ليتلمسوا طريق الخلاص متطلعين إلى العالم الحضاري، فيسعوا لينعموا بحياة أجمل وأرقى. كان سعاده رجل قضية وفيلسوفاً بحق وقد انطبق عليه ما قاله بذاته عن الفنان والفيلسوف: "الفنان الـمبدع والفيلسوف هما اللذان لهما القدرة على الإنفلات من الزمان والـمكان وتخطيط حياة جديدة ورسم مثل عليا بديعة لأمة بأسرها."[18]

 

أسس سعاده حزبه على مبادئ ريادية تتناول عصره وأمته معلناً بزوغ شمس نهضة قومية. إن هذه النهضة انبثقت في وقت كانت الأمة تعاني الفساد والتجزئة والتبعيات لزعامات مستمدة من نفوذ عائلي قديم بعيدة كل البعد عن الوحدة القومية، وكانت الأمة بأشد الحاجة إليها لأن مبادئها تبث الوعي القومي عند الشعب، تنقّي عقول أبنائه من الأوهام، وترفع نفوسهم من التعصب الطائفي الأعمى إلى مناصرة حقهم في الوجود كأمة حرة خلّاقة لها مكانتها تعتزّ بتراثها، ولا تسمح بأن تذوب قوميتها وشخصيتها، فتتلاشى.

 

كما أن هذه المبادئ هي ضرورية للتمدن لأنها قبس الخلاص وواحة الرجاء التي تنفض تراكم الغبار عن وجه الأمة الهادية وحضارتها، وقد عبّرَ سعاده عن هذا: "الحزب السوري القومي نشأ ليكون سلَّماً يرقى عليها الشعب السوري إلى ذروة الحياة الجيدة."[19] وهي مبادئ علمانية هادفة لإحداث تغيير أساسي في المجتمع ينقله إلى حياة جديدة. وقد وصف سعاده غاية الحزب قائلاً: "إنّ غاية الحزب هي بعث نهضة سورية قومية إجتماعية، تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، ...هي قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها ومن جميع وجوهها ..."[20]  لقد سمح لكل فرد يودّ أن يحيا حياة عزّ وكرامة بالإنضمام إلى هذا الحزب مهما كانت خلفياته الثقافية ومعتقداته الدينية وشرائحه الإجتماعية، فعبّر قائلاً: "نحن نعمل شيئاً جوهرياً هو وحدة قومية اجتماعية صحيحة." [21]

 

أراد سعاده أن يجمع أبناء شعبه بعقيدة واحدة تساوي بينهم جامعة مصالحهم ومحققة طموحاتهم، وتحررهم من المركبات العقلية التحكمية والإقطاعية التي تكبّلهم وتسلب إرادتهم. فيتحدون معاً لترقية المجتمع في ظل نظام جديد يوفر الإستقرار والإرتقاء، ويزيد الإنتاج مما يؤدي إلى الإنتعاش الإقتصادي، كما ينظّم الحقوق المدنيّة للشعب موفراً لهم العدل الإجتماعي دون تمييز بين أبناء المجتمع الواحد.

كان سعاده مؤمناً أن المرأة هي عضو فعّال ذو دور نهضوي مثل الرجل، وما قاله في الحفلة الليلية التي أقامتها مديرية السيدات عام 1938 على شرفه يؤكد هذا:

 

"ليس العمل القومي وقفاً على الرجال. لن يكون العمل قومياً حتى تشترك فيه المرأة وتكون عضواً عاملاً فيه.... وكما يجب على الرجل أن يعمل في سبيل أمتنا، كذلك نريد من الـمرأة أن تكون عضواً عاملاً في مجتمعنا. نحن في حاجة شديدة إلى المرأة."[22] 

 

ومنذ تأسيس الحزب القومي، انتسب إلى صفوفه نساء كثر، اعتنقن المبادئ وفهمن القضية مما زاد وعيهن وثقافتهن فشاركن في العمل الحزبي والثقافي، وكن في ساحات النضال مدافعين عن أرضهن بكل ما يملكن فروين التراب بدمائهن حينما أقدمن على عمليات استشهادية نوعية كانت السبب الرئيسي لتحرير الجنوب 1982، ونذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر، الشهيدة الخالدة سناء محيدلي. فأثبتن أنهن أهلٌ للثقة والحرية والفعل كالرجال تماماً.

 

 

ثالثاً، المرأة وأهمية دورها في المجتمع

 

يقول الكاتب قاسم أمين عن المرأة:

 

"المرأة وما أدراك ما المرأة! إنسان مثل الرجل، لا تختلف عنه في الأعضاء ووظائفها، ولا في الإحساس، ولا في الفكر، ولا في كل ما تقتضيه حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان، اللهم إلّا بقدر ما يستدعيه اختلافهما في الصنف."[23]

 

إن المرأة هي مخلوق مرهف تجمع بين رقة المشاعر ورجاحة العقل، وسحر الجمال واتقاد الذكاء، وتدلّل الأنوثة وقوة الشخصية. إنها منبع الحب ومحفزّ العزيمة، فهي جوهرة ثمينة تزين حياة الرجل حين تتفهمه. قال سعاده وهو يسأل جوليات المير أن تكون رفيقة حياته:

 

 "...وأنا قد أحببتك كثيراً وأحببت أكثر شيء فيك نفسك العظيمة، إن نفسك يا ضياء جميلة جداً فحافظي على جمال نفسك أبداً وأنت تفهمينني وتفهمين نفسيتي فلا أحد غيرك قادر أن يرافقني ويخفّف عني عبء المسؤوليات الكثيرة."[24]

 

هي الإبنة الحنونة مع كل أفراد عائلتها منذ طفولتها. بينما هي تكبر في كنف والديّها تتبلور شخصيتها حيث تنقل عائلتها إليها قيم المجتمع وأنماط السلوك فيه. كلما كبرت الفتاة يزداد إدراكها فتغني نفسها بحسن رعايتها بكنوز مواهبها، وتصقل عقلها ليتدفق بالفطنة بتحصينه من صدأ الإهمال وغبار الإتكال، فتظهر ذوقها الرفيع وإيمان قلبها النابض بالحياة حينما تصبح صديقة مع رفاقها في مدرستها واختلاطاتها في المجتمع. يقول الدكتور عبدالله سعاده في رسالته من سجنه إلى ابنته ليلى:

 

 "الفتاة الخلوقة الذكية الجميلة أجمل الوجود. تزرع الوجود جمالاً وفناً وبهجة. ما أطيبها ابنةً، وأحلاهاً أختاً، وأغناها صديقةً وأسحرها حبيبةً، وأفضلها زوجةً، وأكملها اسماً! ما أحسنها عاملة في المجتمع، تفيض محبة وغيرة وحناناً وصدقاً! ما أروعها مناضلة تشحذ الهمم وتستنفر العزائم وتبلسم الجراح وتبعث الأمل!"[25]

 

عندما تغدو في مرحلة المراهقة سيتفتح قلبها خفاقاً بالحب، وتنضج أفكارها مبالية بمعاني الحياة، حينها تستطيع أن تتفهم مكنونات نفس حبيبها ناظرةً إلى جوهر أخلاقه وسعة عقله، وأن تؤثر في روحه لتكون الضياء لقلبه لأنه "متى وجد الحب الحقيقي فلا سبيل إلى التبديل"[26]  وأيضاً " الحب فهو الدافع نحو المثال الأعلى."[27] فيكمن حبهما بعقليهما الناضجين، وينعش نفسيّهما الواعيتين لحقيقتهما باعثاً فيهما الآمال والرغبات في الحياة معاً في عقد زواج قائم على الحب الأسمى، والتعاون الصميم لتحقيق المثل العليا متحملين مشقة النهوض ومجابهة مطالب الحياة العريقة. فيقرب الحب نفسيهما "وكل واحدة تقول للأخرى: إني معك في النصر والاستشهاد من أجل ما تأبى نفسانا إلّاه ولا تستعظمان أمراً ولا تضحية يكون بهما بلوغه والاحتفاظ به."[28] وتبدو أهمية التفاعل الروحي والانسجام العاطفي عندما يرتبط الرجل والمرأة بالزواج ليبنيا عائلة مثالية. يصف سعادة العائلة أنها: "أمر مقدس ...يقوي معنى الإشتراك الروحي والعمل في الحياة."[29]  

 

الزوجة هي شريكة حياة الزوج ورفيقة دربه تعبر العمر معه مبتهجة بجمال اللحظات ومتحملة أعباء المسؤوليات. فتسبر أعماق أفكاره لتتفهمه دون إفصاحه مستشفّة أحلام يقظته مشدّدة عزيمته على تحقيقها. فتكون أنيسته ومحادثته عن أصغر الأمور وأهم القضايا. يقول سعاده:

 

"إذا كان الرجال يشتغلون ويفكرون بعقولهم، فالنساء يفكرن بقلوبهن. وهذا التفكير الإحساسي أو هذا الإحساس التفكيري وهذا الإحساس الـمجرّد من كل تفكير، هو شيء جوهري في كل نهضة، وبغيره لا نستطيع الوصول إلى غايتنا."[30]

 

على الرغم من الإختلاف الطبيعي لواجبات المرأة عن واجبات الرجل في المنزل، فالزوجة تكون متفهمة لطبيعة دورها في العائلة، وتعلم أنّ هناك مهمات وأدواراً يجب عليها أن تؤديها، سواء داخل المنزل أو خارجه، للمشاركة في كل ما يحتاج إليه صرحهما العائلي. قال سعاده: " إنّ الرجل والـمرأة ملكان متساويان، يتولى أحدهما الشؤون الـخارجية والآخر الأمور الداخلية في مـملكة العائلة"[31]

 

وما أن يرزقا بطفل حتى تزداد مسؤوليتهما وأهمية دورهما. الأم تشارك الأب في تنشئة جديدة واعية مدركة لحقيقتها وحقيقة مجتمعها. وهي تؤثر تأثيراً هاماً في تكوين شخصية الطفل خصوصاً في مراحله الأولى لأنها تلازمه في كل الأوقات. فسلوك الطفل الإجتماعي يتأثر بالتربية العائلية والتثقيف الإجتماعي فيظهر نفسية المرء وحقيقة معرفته الذاتية. فمن هنا أن شخصية الطفل تتكون تدريجياً كنتيجة للتفاعل بينه وبين الأشخاص الآخرين، فهذا سلوك متعلم يتكون قبل بلوغ الفرد وعيه الذاتي مما يتطلب من الأم أن تكون عقلانية واسعة المدارك تعرف كيف تضع حجر الأساس التعليمي في تربيته ليدرك قيمة الحياة التي هي:

 

"أن تتعدى الوجود الذاتي إلى الجماعة الكبرى، إلى القيم الباقية والمعاني الخالدة. والقيم والمثل والمعاني الخالدة لا تكون إلا في المجتمع الخالد."[32]

 

الأم إلى جانب تغذية جسد طفلها ليكبر ويصلب عوده، عليها بث الوعي في معرفته الذي يحصن شخصيته من المثالب، ويرقّي نفسيته الإنسانية بالمناقب وقوة الطباع لتصبح حاضنةً لمفهوم الوجدان القومي الذي يمنحه شعوره بشخصية جماعته، وإحساسه بحاجات مجتمعه، فيتفهم نفسية متحده الإجتماعي ويعمل بما فيه خيرٌ لمصالح قومه. هذا الوجدان القومي هو ما عرَّفَه سعاده في مقدمة كتابه "نشوء الأمم"، قائلاً:

 

"إنّ الوجدان القومي هو أعظم ظاهرة اجتماعية في عصرنا، ... أما ظهور شخصية الجماعة فأعظم حوادث التطور البشري شأناً وأبعدها نتيجة، وأكثرها دقة ولطافة وأشدها تعقداً،...".[33]

 

إن الأم هي منارة المجتمع التي تضيئه من خلال تربيتها لأبنائها ليصبحوا رجالاً ونساء من أبناء الحياة الناجحين والشاعرين بمسؤوليتهم اتجاه وطنهم، فيكونوا الزنود التي يركن عليها مجتمعهم محققين مثله العليا ورافعين مكانته إلى القمم.

 

إن دور المرأة في المجتمع لا يقل أهمية عن دورها في العائلة. فالرجل والمرأة هما أساس المجتمع، إنهما يشكلان جناحيه اللذين يمكِّناه من التحليق في فضاء التقدم وعالم الرقي. فإن طغى دور أحدهما على دور الآخر سيفقد المجتمع توازنه، وسيعجز عن النهوض واللحاق بأسراب الحضارة والإزدهار. ولأن الرجل والمرأة متساويان، لم يميّز سعاده بينهما، بل توجه إليهما معاً، كما فعل في تقديم كتابه "نشوء الأمم" قائلاً: " إلى رجال النهضة القومية الجبارة ونسائها العاملين لحياة سورية ومجدها. أهدي هذا الكتاب. المؤلف."[34]

 

فالمرأة هي جزء لا يتجزأ من الكيان المجتمعي ولها طاقات وقدرات مثل الرجل، وبالتالي ممارستها دورها يؤدي إلى الإستفادة من هذه القدرات بدلاً من هدرها، وتحقيق الفائدة من فرص التنمية المجتمعية الكاملة بدلاً من تبديدها. يقول سعاده: "كل عضو في الدولة يجب أن يكون منتجاً بطريقة من الطرق."[35] قد تكون مشاركتها من خلال استخدامها مواهبها ومثلها العليا في مجال تعلّمها أو قيامها بواجبات المرأة في المنزل أو العمل خارجه في مجالات عديدة، أو من خلال مساهمتها في العمل الاجتماعي-الإنساني-التنويري الهادف إلى ترسيخ القيم الإنسانية في المجتمع.

 

للمرأة دور وحقوق وواجبات تساوي تلك عند الرجل. إن تفاعلهما معاً يشكل وحدة الحياة التي تقود إلى التقدم والرقيّ في الموكب الحضاري. قال الدكتور عبد الله سعاده: "المجتمع هو تكامل الرجل بالمرأة ليكون. وتكامل المرأة بالرجل لتكون. هما وجها قطعة النقد الواحدة. لا ينفصمان وتبقى. هما وجود واحد كامل."[36]

 

إن ترقية شأن المرأة يرفع مستوى العائلة ويُصلح الهيئة الإجتماعية. إن في نجاح العائلة يكمن كل الخير للأسرة والإزدهار للوطن. لهذا اعتبرت منظمة الأمم المتحدة يوم الثامن من شهر آذار من كل عام، اليوم العالمي للمرأة، "يقام للدلالة على الإحترام العام، وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها الاقتصادية، والسياسية والإجتماعية."[37]

 

 

رابعاً، العوامل التي تؤدي إلى تردي وضع المرأة

 

 

أ- إهمال أهمية دور المرأة

 

إن قضية المرأة أصبحت من المواضيع الحيوية وليست مجرد بحث فكري أو نظري، لما لها من أهمية في شتى المجالات الحياتية حيث تؤثر في حركة الحياة في مجتمعها، وفي دفعه إلى مزيد من التقدم والرقيّ.

 

إذا تجاهل المجتمع دور المرأة يكون قد منعها من إظهار مواهبها، واستخراج كنوزها الفكرية ومواهبها العقلية، فهو في الوقت نفسه يبعدها عن المساواة في الحقوق مع الرجل، ويكون قد حرم نفسه من قدراتها وطاقاتها مهمشاً فرص فاعليتها في عملية التنمية.

 

إن هضم حقوقها وتحجيم دورها يؤديان إلى حجز حريتها وانكماش قدراتها الفكرية اللتين تخولانها الاندماج في مشاريع رامية إلى تحسين نوعية الحياة، وتهيئة بيئة أفضل لنموّ الجنس البشري، حينها يتعذر الاستفادة من جميع الموارد البشرية في كل القطاعات لتحقيق الأهداف المطلوبة.

 

إن نظرة المجتمع (ولو بشكل نسبي) للمرأة باعتبارها تابعة وليست صاحبة قرار، وبكونها كائن لا يصلح سوى لإنتاج الخام البشري، ووظيفتها الرئيسية ومكانها الطبيعي هو البيت تعود إلى مفاهيم تاريخية وإجتماعية مترسّخة في عقلية المجتمع حيث أن الرجل هو المسؤول الأول والأخير عن النشاط الإقتصادي، وإن المرأة مهمتها الرئيسية رعاية أطفالها والإهتمام بشؤون المنزل. هذا يؤدي إلى تقليص دورها وتحويل إهتماماتها، ما يؤدي إلى تحديد مجال عقلها وترسيم مدار إبداعها حينها ترضخ للواقع وتجبر على الإعتماد على الآخرين. "الجبرية في جوهرها، نوع من عدم التبصر وعجز عن التهيئة للمستقبل."[38]  كما يُفرض عليها أحياناً "واجب" المحافظة على الولاء العائلي لحل مشاكلها، فتتقيّد بأساليب التلقين والترداد والحفظ الذين يكبّلون عقلها، ويحدّون من نموّ ذهنها الطبيعي، بدلاً من إعتمادها طريقة التحليل والمعرفة والنقد الذين يطلقون العنان لأفكارها لتواجه مشاكلها دون تنصل أو خوف. يقول سعاده: "إنّ الحقيقة والمعرفة الصحيحة تظهران بالبحث الحر لا باضطهاد حرية الفكر."[39]

 

إنّ ضعف إدراك المرأة لأهمية دورها يؤدي إلى ركود فكرها، ويحدّ من حركتها وتفاعلها الإجتماعي الذي يسمح لها أن ترتبط مع أفراد الجماعة عقلياً وتحفيزياً في تأمين الحاجات وتحقيق الرغبات والغايات. إن التعريف الإجرائي للتفاعل الإجتماعي هو:

 

"العملية التي تربط بين أفراد الجماعات في الحاجات والرغبات والوسائل والغايات والمعارف، إنه ما يحدث عندما يتواصل فردان أو أكثر ويكون أداء متوقع يمكن التنبؤ به لتقوية المكانة والدور للفرد داخل المجتمع."[40]

 

إن هذا التفاعل يتيح للمرأة إدراك الدور الإجتماعي وسلوك الفرد في ضوء المعايير الإجتماعية التي تحدد دوره وأدوار الآخرين. كما يمكّنها من معرفة كيفية تقوية دورها وتعزيز مكانتها اللذين تستمدهما المرأة من التشريعات والقوانين في وطنها، كما يسهّل حصولها على المعلومات والخبرات والمهارات التي تخوّلها من إزالة الصعوبات التي تعيق مسيرتها المهنية الإجتماعية والثقافية والإقتصادية.

 

 إن إهمال وحصر دور المرأة يؤديان إلى شلّ العائلة وبالتالي تقهقر المجتمع وتردي أوضاعه من سيء إلى أسوأ. يتحدث قاسم أمين عن "تلازم بين انحطاط المرأة وانحطاط الأمّة وتوحشها، وبين ارتقاء المرأة وتقدّم الأمّة ومدنيتها،"[41]

 

 

ب- إنتشار الأمية

 

لا يزال مجتمعنا يعاني من وجود الأمية خاصة في المناطق الريفية والمناطق النائية والفقيرة سواء من الإناث اللواتي لم يتعلمن تبعاً لظروف معينة إجتماعية، دينية، عادات وتقاليد، وغيرها، أو من الأطفال الفقراء والكبار من الرجال والنساء، نرى أنه

 

"على الرغم من أن جهود مكافحة الأمية في العالم العربي قد بدأت منذ عدة عقود، إلّا أن نسبة الأمية في العالم العربي من أعلى النسب في العالم، حيث أن هناك أكثر من 70 مليون أمي في العالم العربي. وبالمقابل نجحت الكثير من دول العالم في محو أمية الكبار خلال عقود قليلة."[42]

 

إن انتشار الأمية في عالمنا العربي هو أمر مخيف وعارض من عوارض التخلف السائد. إن ظاهرة الأمية بمعناها البسيط، تُعرّف "بأنها عدم القدرة على القراءة والكتابة بأي لغة."[43] فهي تسبب الجهل الذي يبعث التخلف، ويهبط العزائم، ويخمد روح الحماس في النفوس حيث تسيطر عليها العادات الرثّة والمفاهيم التقليدية التي لا تسمح للعلم أن يقوم بدوره في بزغ الشعاع في الإبتكار والإبداع والإختراع ثقافياً وفنياً وإقتصادياً وغيرها. فالجهل كما يراه عبد الرحمن الكواكبي: " من أسوأ أنواع الإستبداد، استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على العقل."[44] إن القراءة تُغيّر في فكر الإنسان وحياته مصقلةً شخصيته وعقله.

 

هي السبيل للإطلاع على الثقافة التنويرية المفيدة والمعارف العقلانية العلمية، وتخلق عند المرء الفضول المعرفي ورقي الحوار الفكري.

 

 كما أنها تؤثر في نفوس الأفراد، فترفع معنوياتهم الروحية ومستويات مهاراتهم العقلية وطاقاتهم الفكرية، مما يزيد من قدراتهم الإبداعية والإنتاجية متعالين على سذاجة الأمور التي تؤدي إلى الخمول وتضييق الأفق، وعلى تفاهة الإهتمامات التي تقود إلى العجز عن التحرر والتطور وإلى عدم الطموح لبناء مستقبل أرقى.

 

القراءة تربط الشخص بالعالم الخارجي مبعدةً نفسه عن العزلة، وعقله عن الجمود، وملكاته عن التحجر، فيرتقي عقله وينتقي طبعه ويصفى ذوقه. كما يعبر سعاده: "إن القراءة والكتابة هما واسطة للوصول إلى الخير والعز والحياة الجيدة الحسنة."[45] 

 

إن أكثر ما يحزّ في نفوسنا أن أمتنا التي تنتشر فيها الأمية هي التي، كما يشير د. إدمون ملحم، "اخترعت الكتابة والأبجدية السورية الأولى وأنشأت المدارس الأولى في وادي الرافدين... والأبجدية اكتشفها الفينيقيون في أوغاريت، وطوّروها في بيبلوس جبيل."[46] وكان لهذه الأبجدية الأثر الكبير في التمدن الحديث وإنتشار العلم والثقافة العقلية. وبهذا الخصوص يقول سعاده:

 

"قادت الأبجدية العالم في طريق المعرفة والعلم وتفوّق القوى العقليّة على صعوبات الطّبيعة إلى الآلة الاقتصادية.. إلى عصر الآلة الصناعية الذي هو عصر التمدن الحديث."[47]

 

إن إنخفاض مستوى الأمية في دول العالم حدث بسبب تنبه هذه الدول لأهمية التربية والقراءة ومنافعهما للتعلم والتقدم واستكشاف مجالات الحياة ومعرفة حضارات الأمم، لذا عملت على التوسع في تعليم الأطفال من ذكور وإناث، حيث أن أكثر هذه الدول جعلت التعليم الإبتدائي إلزامياً لما يوفر من القدرة على معرفة الحياة الراقية الجميلة والإطلاع على المعارف والعلوم.

 

 إن المرأة الأمية تفقد حق من الحقوق الأساسية للأفراد بكل فئاتهم العمرية، وتفتقد إلى المعرفة والوعي الصحيح الذي هو أساس للنقد البناء والسلوك العقلاني. فهذا الوعي يقود إلى تحقيق المعرفة الذاتية كي تتمكن من تغيير فعليّ في صميم الذات، وبالتالي يؤدي إلى تحرر صحيح في المجتمع. يعتبر محو الأمية من أهم المتطلبات لتنمية المجتمع وتطوره. قال هشام شرابي:

 

"إذا كانت المعرفة تقصد العمل لا الفكر المجرد فحسب، فيجب أن تكون معرفة ذاتية قائمة على معرفة النفس ومستمدة من اختبار داخلي صميم."[48]

 

إن إلمام المرأة بالقراءة والكتابة يمكّنها من الاحتكاك الفكري بفلسفات مجتمعها ومعرفة حضارات الأمم الأخرى، مما يبث الوعي في معرفتها، ويوسع مدارك أفكارها محصناً قوة شخصيتها. علاوة على ذلك، إنه يطوّر مهاراتها من المستويات الأساسية حتى المستويات المتقدمة خلال جميع مراحل حياتها، ويوسع كفاءاتها التي تقتضيها مجالات التفكير النقدي والشعور بالمسؤولية، كما يمكّنها من إدارة أمورها الحياتية واتخاذ القرارات الرشيدة فتشارك في التنمية الإجتماعية والنمو الاقتصادي.

 

إن العمل لمحو أمية الكبار يؤدي إلى فوائد كبيرة تعود على الأفراد والمجتمعات. حيث أنه يؤدي إلى صحة العقول ونظافة الأدمغة من أدران الغشاوات ومركبات النقص التي تحجّم طاقتهم الفكرية وقوتهم التصورية. كما يزيد الثقة بالنفس والحصول على فرص عمل أفضل، ويحسّن نشاطات الأفراد الأساسية وقدراتهم على حل مشاكلهم، ويرتب علاقاتهم الأسرية مما يزيد رغبة الأبناء في التعليم. ومن ناحية أخرى يصبح الكبار متفهمين لأهمية دور المرأة في العائلة والمجتمع مما يساعدها في السعي إلى المساواة في الحقوق مع الرجل. ووجد باداك ورازنسكي في دراسته عام 1997 "أن لبرامج محو الأمية تأثير إيجابي على عدد من المشكلات الإجتماعية مثل مشكلات الصحة والتغذية ومعدلات التسرب من المدرسة والتحصيل الدراسي المنخفض...."  [49]

 

بناء على أهمية محو الأمية في العالم لقد "أعلنت اليونسكو في مؤتمرها العام في 26 تشرين أول 1966، يوم 8 أيلول من كل عام يوماً دولياً لمحو الأمية."[50]

 

إن محو الأمية يشكل نواة التعليم الأساسي للمرأة، وأداة لتعزيز القدرات الفكرية والشخصية لها التي تتغلب فيها على الخوف والقلق من المستقبل مستبدلتهما بالفهم والإدراك الذين يقودانها إلى معرفة حقوقها وواجباتها بصورة متحضّرة. حينها تساهم في تحقيق المساواة في الحقوق بين الجنسين، وفي التنمية البشرية والتعليمية للمجتمع.

 

 

ت- عدم مساوات المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات.

 

إن حقوق المرأة كما حددته (المادة 3) من إعلان الأمم المتحدة الخاص بالتخلص من جميع أشكال العنف ضد المرأة هي:

 

  1. الحق بالحياة
  2. الحق بالمساواة
  3. الحق بالحرية والسلامة الشخصية
  4. الحق بالحماية المتساوية في ظل القانون
  5. الحق بالتخلص من جميع أنواع التمييز "[51]

 

 

تتأثر هذه الحقوق الخاصة بالمرأة ومدى مشاركتها السياسية والإقتصادية والتعليمية والصحية بالعوامل الإجتماعية التي تسود المجتمع الذي تعيش فيه.

 

من أهم مشاكل المرأة في مجتمعنا هو إهدار حقوقها وعدم مساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات وتحمّل المسؤوليات، لأنه كان معروفاً أن الرجل يتميز عن المرأة برجاحة عقله وحسن اطلاعه، بل كانت تعتبر المرأة دائما ضلعاً قاصرة وذات عقل ناقص.

 

منذ القديم تغلّب الرجل على المرأة بقوة جسمه، فاستعبدها وحرمها استعمال قواها المتعددة، فانسدّت طرق عقلها، فأدّى ذلك إلى تفاوتٍ بينه وبينها في إظهار آثار العقل، فظنها أنها ناقصة العقل بمقتضى الفطرة. الفطرة هي، كما عرفتها نظيرة عز الدين:

 

"ما تتصف به روح كل حيّ في أول خلقه، والروح في الإنسان، من حيث الخاصّة، كما يفهم من قول العلماء والمفسرين، روحان: روح جسمانية مشتركة بين الإنسان والحيوان، وروح ناطقة يمتاز بها الإنسان على الحيوان. أما الروح الناطقة فهي تتغير بالاكتساب، فترقى أو تتدنى. وأما الروح الجسمانية المشتركة، فهي لا تتغير. فلا ترقى ولا تتدنّى."[52]

 

كان الرجل مُستعبِداً للمرأة منذ زمن بعيد، ولكن ما أن نالت المرأة حريتها وأعطيت فرصة لتتعلم وتتحرّر وتشارك في المجتمع حتى أبرزت رجاحة عقلها مثبتةً أن العقل ينمو في التفاعل ضمن المجتمع، ويتطور مع اكتساب المعارف والعلوم فتزداد مقدرته مع الزمن. فهو قوة هائلة منتجة للأفكار القادرة على الخلق والإبداع المعتمدة على استخدام المدارك الحسية والعقلية في انجاز المشاريع الحيوية، لقد أثبتت مكانتها في ميدان الحياة مع الرجل.

 

إن المرأة لا تستطيع أن تقوم بدورها على ما يرام إذا كانت قابعة في ظلام الجهل، بينما نجدها تساير الرجل وتنافسه في الرقي العقلي عندما تقوم بدورها الطبيعي في الدول الراقية. فتخصيب العقول يبدع الأفكار البناءة، وتحريرها يوسع آفاق المدارك. العقل هو أساس الوعي الذي يشحذ الآراء، فأي رأي يتعذر برهانه بالعقل والمناقشة يتقلّص إلى وهم، فهو يصبح عقلانياً بعد صقله بانتقادات صاحبه وصهره بانتقادات معارضيه، وكلما فسحنا المجال لهذا العقل في العمل والتوسع سيبدع في الإختراع والتطور. من هنا إن العقل عند المرأة في الدول المتحضرة لا يختلف عنه عند المرأة في أمتنا، إن عقلنا، كما يؤكد سعاده:

 

"ليس أقلّ مقدرة وذكاء من أي دماغ في العالم. وهذا الدماغ السوري هو نفسه يعرف ويقدر أن يخطط للمجتمع السوري الخطط والقواعد التي يكون بها صلاحه وعزه."[53]

 

إن إفساح المجال للمرأة في المشاركة في أكثر نواحي الحياة، وإعطائها الفرصة لممارسة دورها الفعّال في المجتمع يخوّلها أن تشارك بل تنافس الرجل في مجالات عملها، مما يساعدها على استنباط كل قدراتها الفكرية، والدفع بكل إمكانياتها الجسدية لتحقيق هدفها، وإثبات وجودها.

 

 

ث- العادات والتقاليد

 

إن العادات هي ممارسة أنماط ثابتة من السلوك تكون مقبولة ومعتادة ومحددة تمارس بموضوعية في إطار بيئة إجتماعية معينة منذ القدم، مما يعني أنها تملي الإتجاهات وأنماط السلوك للناس حيث تؤثر على حقوقهم وخاصة المرأة في المجتمع.

 

إن لكل مجتمع في كل حقبة من الزمن عادات إجتماعية وتقاليد دينية وآداب خاصة به تحكمه وتؤثر على حياة أبنائه. العادات: "هي عبارة عن طريق سلوك الإنسان في نفسه ومع عائلته، ومواطنيه، وأبناء جنسه."[54]

 

إن هناك تصرفات خطيرة تمارس ضد المرأة تحكمها العادات والتقاليد، وتشكل السيف المسلّط على أعناق النساء في المجتمع الذكوري. وقد تتمادى هذه الأفعال لتصل إلى حد الجريمة كجريمة الشرف التي يرتكبها أحد أعضاء الأسرة الذكور عن سابق إصرار وتصميم بحق أنثى أو مجموعة إناث في الأسرة ذاتها. وهناك العنف ضد المرأة وهو أي فعل عنيف يقوم به الأب أو الزوج أو العشير أو الشقيق ويترتب عليه، أو يحتمل أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية. وعادة ختان الإناث[55] التي ينظر إليها على إنها إحدى أبرز أشكال التمييز الجنسي، ومحاولة للتحكم بالحياة الجنسية للمرأة. فهو يمكن أن يسبب ضرراً بالغاً بصحة الفتيات على المدى الطويل، وتعتبر أحد الطقوس الثقافية أو الدينية في أفريقيا وآسيا ومناطق الشرق الأوسط. وهناك أيضاً الإعتداء الجنسي الذي تتعرض له المرأة وقد ينتج عنه اضطرابات نفسية قد تتطور لتصل إلى اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية[56]، وإصابات جسدية خطيرة بالإضافة إلى خطر الحمل والأمراض المنقولة جنسياً.

 

كما أن موضوع الطلاق وتأثيراته السلبية على نفسية المرأة، وعلى وضعها الإجتماعي ونظرة الناس لها. فالطلاق لا يعتبر رحلة ممتعة للمرأة لما يحتويه من صعوبات كبيرة عليها أن تواجهها بغض النظر عن ضعف أو قوة شخصيتها، ولما يسبّبه من حاجة المرأة إلى دعم نفسي ومادي من قبل أفراد عائلتها. وهناك موضوع الحجاب الذي كتب عنه بعض الأدباء بين مؤيد ومعارض.

 

تختلف العادات بين مجتمع متأخر وجاهل وآخر متمدِّن فتوافق حالته العقلية، لأن سلوك كل فرد منها إنما يكون على ما يناسب مداركه ودرجة تربيته،

 

"ولسوء الحظ، فإن وضع المرأة بالرغم من التحسن الملحوظ في العالم الغربي، لازال بائس في الدول النامية في أفريقيا والعالم العربي. وهذا يعود للعادات والتقاليد السائدة والنسيج الأسري والهياكل الاجتماعية والسياسية السائدة في أفريقيا والعالم العربي."[57]

 

إن الإرتباط قوي وملتصق بين عادات كل أمة ومنزلتها من المعارف والمدنيّة وبالتالي وضع المرأة فيها، تقول مارينا اوتواي:

 

"لا يوجد مكان في العالم العربي تتمتع المرأة فيه بكامل حقوقها، ما بالك بإيجاد الفرص المتساوية مع الرجال. وموقف كهذا مبرر إذا ما نظرنا إلى ممارسة العادات والتقاليد في العالم العربي ومجتمعاته التي يسيطر عليها الذكور."[58]

 

لا سبيل لأمة من فك هذا الإرتباط إلّا إذا تحوّلت نفوس أبنائها وارتفعت عن درجتها في العقل، لأن كل حركة من حركات العقل نحو التقدّم يتبعها حتماً أثر في العادات والآداب. فعبّر سعاده عن هذا قائلاً:

 

"ولا بد لي هنا من التصريح بأن الحزب السوري القومي قد أوجد طريقة التغلب على هذه الصعوبات بنظامه الذي يصهر التقاليد المنافية لوحدة الأمة والنفسيات الشخصية المنافية لنفسية الأمة، والنجاح الأخير يتوقف فعلاً على إدراكنا قيمة هذه الحقيقة وعلى تطبيقنا رموز الحزب الأربعة التي تربطنا ربطاً لا يحل التي هي: الحرية والواجب والنظام والقوة."[59]

 

 

ج- حجب المرأة عن ممارسة حريتها

 

إن حجب المرأة عن ممارسة حريتها يؤدي إلى تقليص حرية فكرها وإرادتها، وبالتالي إبطاء نمو فضائلها العقلية والمناقبية التي لا تنمو إلّا بالممارسة والاستعمال، كقوتها العضلية والجسدية. فحرية الفكر تخوّلها أن تتبع موحيات عقلها لما هو خير لها وللناس بدون وجل لا يعوقها عن ذلك وجود الصعوبات وتدخل العادات أو كراهية الناس. وحرية الإرادة تمكن المرأة من تحديد أفعالها على مقتضى ما تحمله نفسيتها من تصور لغايات الآداب المثلى. فحرية الفكر وحرية الإرادة هما أساس كل نهضة ومولدتان للحقائق بالبحث والتنقيب، ويجعلان المرأة حرّة خلّاقة مبتكرة ومنتجة. يؤكد سعاده: "إنّ حرّية النفس أساس كل الحريات."[60]

.

ولا تتجلى هذه الحرية في الإنسان إلا على قدر عقله. فالعقل ذو سلطة عظيمة تخوّله أن يصول ويكتشف الحقائق التي تبعث النور مبدِّدة ظلمات الواقع، ويسرح في الخيال لينجز الإختراعات التي تذلل صعوبات الحياة. قال سعاده: "لم يوجد العقل الإنساني عبثاً. لم يوجد ليتقيد وينشل. بل وُجد ليعرف، ليدرك، ليتبصر، ليميز، ليعين الأهداف وليفعل في الوجود."[61]  فالعقل ميزة المرء وقيمته العليا وخاصته الإنسانية، وبفضله تقهقرت الخرافات وتحققت الإنجازات وقامت الحضارات وتمت الإختراعات، فالعقل قوة هائلة قادرة على العطاء والخلق في الأفكار البناءة التي تعتبر ثروة الأمم وقوتها الحقيقية. قال دكتور إدمون ملحم: "العقل يتبلور في التفكير كفعل عقلي واعٍ، كنشاط إرادي مصاحب للفرد لا حدود له ولا قيود."[62]

 

إن تفاعل المرأة ضمن مجتمعها يخلق في عقلها الحيوية الفكرية الراغبة في تحصيل المعرفة وطلب العلم، ويزيد مقدرتها على اكتساب المهارات التي تمَكّنها من تفعيل طاقاتها الجسدية وقدراتها الذهنية. قال الفيلسوف زينون الرواقي: "...فبالعقل نحيا على وئام مع أنفسنا، كما نحيا على وئام مع العالم أجمع..."[63]

 

 

خامساً، الحلول المساعدة لتطوير وضع المرأة وأثر فكر النهضة القومية في هذه الحلول:

 

أ- منح المرأة حريتها

 

إن الحرية تمكّن المرء من فعل أي شيء يرغب في القيام به، ومن التصرّف في شؤونه الخاصة بإرادته الذاتية بعيداً عن سيطرة الآخرين شرط عدم الإعتداء على حقوقهم. إن حرية المرأة هي:

 

"قدرة المرأة على التصرف في كلّ ما يخصّها على المستوى الجسدي أو الروحي وجميع ما يتعلّق بها من شؤون، كقدرتها على اختيار قراراتها المصيريّة، ونمط حياتها، وأهدافها في الحياة، بحيث تكون هي المسؤول الأول والأخير عن ذاتها، مع أهمية مراعاة القيم والأخلاق عند ممارسة حرّيتها الإنسانية."[64]  

 

لحرية المرأة جوانب عديدة:

 

  1. إن الحرية الإجتماعية تخوّل المرأة من كسر القيود الفكرية المكبّلة، ومن السير في اتجاه فكري مستقل مستمد من قوتها الداخلية عندها تخطو على طريق التحرير الذاتي. إن التحرر الذهني من الثقافة المهيمنة يتطلب إعادة النظر في جميع العادات الثابتة التي تمس حقوق الإنسان في الفكر الموروث، ونقدها باستمرار وإعادة تكييفها أو تغييرها أو حتى نبذها وخاصة العنف ضد المرأة. حينئذ يتسنى لها تلقّف الأفكار التحررية، والتمتع بفوائد التقدم العلمي وتطبيقاته. مما يخوّلها من تحقيق الإستقلال الذاتي الذي يمنحها حق تقرير النماذج والمقاييس التي تتناسب مع طبيعتها ونظرتها الخاصة، مثل الوصول إلى التعليم العالي، والمساهمة في الأبحاث العلمية، والمشاركة في العديد من المجالات، كالعمل في نظام الشرطة، أو النظام السياسي، أو النظام القضائي، أو حتّى في الجيش. وفي هذا السياق من المفيد أن نذكر أن أنطون سعاده فسح مجالاً للمرأة كي تشارك في المجال العسكري أيضا، فالمبدأ الإصلاحي الخامس ينص: "إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن." فهو لم يحصر الجيش بالرجال فقط بل للمرأة دور في ساحة القتال وفي المساعدة الطبية والغذائية في الحرب. ونستشهد دليلاً على ذلك من مذكرات الدكتور عبدالله سعادة وكان رئيساً للحزب:

 

"بالفعل فإن ابني سليم كان يقاتل في بيروت، وشارك في معارك الفنادق. وأما ابنتي ليلى فكانت تشارك في معارك الكورة في الخدمات في المواقع."[65] 

 

 

2- أما الحرية الاقتصادية فتمكّن المرأة من التغلب على التحديات التي تواجهها موفرةً لها إستقلالاً مادياً يؤمن لها تعليماً أفضل وصحة أسلم. وهي أيضاً تعتبر مفتاح التقدّم الإقتصادي في الدولة حيث تساهم في زيادة مستوى الدخل، والحد من الفقر، وازدهار الاقتصاد وتحسين التعليم والرعاية الصحية. يقول سعاده في المبدأ الإصلاحي الرابع: "إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة."[66] ففي هذا المبدأ يؤكد سعاده على حق الشعب في الإستفادة من ثروة الأمة عن طريق تنظيم الإقتصاد القومي على أساس الإنتاج فيقول: "كل عضو في الدولة يجب أن يكون منتجاً بطريقة من الطرق."[67]  إن اعضو الدولة هو، قَطعاً، رجل أو امرأة.

 

3- كما أن الحرية السياسية تسمح للمرأة بالمشاركة في عملية صنع القرار والقيادة في المجتمع الذي تعيش فيه من خلال إنضمامها إلى الأحزاب السياسية، وممارسة حقها في الإنتخاب والترشح للمناصب السياسية والحكومية، وإبداء رأيها في المسائل المهمة التي تهدف إلى إصلاح المجتمع. لقد منح أنطون سعاده المرأة الحق بالمشاركة بالنقاشات من خلال إبداء رأيها في الإجتماعات وغيرها، فالمادة الثامنة تقول: " لكل عضو في الحزب السوري القومي حقّ إبداء الرأي في الاجتماعات النظامية العامة والخاصة،..."[68]

 

ب- تحقيق مساوات المرأة مع الرجل

 

إن المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل هي حاجة ملحّة لتحقيق السلام والعدل في المجتمعات، ولإطلاق إمكانيات المجتمع والإستفادة منها، وبالتالي يؤدي إلى النهوض بالمرأة من خلال تمكينها الذي يحفز الإنتاجية والنمو الاقتصادي. وقد أكد هذا ميثاق الأمم المتحدة في مادته رقم واحد:

 

"لتحقيق التعاون الدولي... على تعزيز إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء."[69]

 

كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على الإعلان التاريخي الذي اعتمدته الجمعية العامة في 10 كانون الأول 1948 من جديد على أنه "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق،"[70]

 

 لقد نشأت حركات نسوية دولية وازدادت زخماً في السبعينات مما دفعَ الجمعية العامة إلى تنظيم أول مؤتمر عالمي يهتم بالمرأة في عام 1975، وقد عقد في المكسيك. وتلته مؤتمرات أخرى حيث أوصت جميعها في القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وعلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

ولكن رغم كل هذه المؤتمرات والتوصيات لضمان حقوق المرأة لم تحصل النساء على هذه المساواة لأنها تحتاج إلى تغييرات قانونية وتشريعية عميقة، ولا تزال الفوارق كبيرة بين الجنسين في عدد من الدول أكثر وفي غير مجال، وإن اختلفت نسبتها من دولة متحضرة إلى دولة نامية.

 

"وفيما تحقق بعض التقدم على مدى العقود، إلا أن المرأة لا تزال تكسب أقل من الرجال في سوق العمل على مستوى العالم بنسبة 24 في المائة. واعتباراً من أغسطس عام 2015، لم يكن هناك سوى 22 في المائة من جميع البرلمانيين الوطنيين هم من الإناث، وهو ارتفاع بطيء من 11.3 في المائة في عام 1995."[71]

 

إن تحقيق المساواة بين الجنسين تعذّر حصوله في أكثر القوانين وخصوصاً في أمتنا، ولكننا نجدها قد تحققت في مبادئ ودستور الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي أسسه أنطون سعاده. فالمساواة تبدو واضحة في المبدأ الأساسي الأول الذي لا يميز بين السوريين: "سورية للسوريين والسوريون أمة تامّة."[72] كما أن المادة التاسعة من دستور الحزب تنص: "كل سوري ذكراً كان أم أنثى، يحق له دخول الحزب السوري القومي الاجتماعي ..."[73] وكما الرجل، كذلك المرأة. كما ساوى في الحقوق بينهما من خلال توحيد التشريع لتحقيق المساواة أمام القانون الذي يتحتم أن يكون واحداً والقضاء واحداً يسري على جميع المواطنين دون أي تمييز بسبب الإنتماء الطائفي. نجد هذا في المبدأ الإصلاحي الثالث القائل: "إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب."[74]

 

إن هذه المساواة تؤدي إلى تغيير وضع المرأة داخل النظام الإجتماعي وتضخّ الأفكار الخصبة التي تشحن عقلها بالوعي والمعرفة لتستخرج كنوزها الفكرية العقلانية التي تخفف من العصبيات المتنافرة وتستبدلها بالعصبيات القومية التي تضمن وحدة المجتمع وتتكفل بإزدهار الأمة التي تشكل هيئة إجتماعية واحدة، فالمبدأ الأساسي الرابع " الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي."[75] الشعب بكل أصوله وبكل فئاته رجالاً ونساء، أطفالاً وشيوخاً. والمبدأ السادس "الأمة السورية هيئة اجتماعية واحدة."[76]  كما يمكنها أن تعبر عمّا في أعماق نفسها من مواهب. قال سعاده: " إننا نستمد مثلنا العليا من نفسيتنا ونعلن أنّ في النفس السورية كل علم وكل فلسفة وكل فن في العالم..."[77] ففي النهضة القومية الاجتماعية، إذاً، تستطيع المرأة أن تقوم بكل الواجبات الذي يقوم بها الرجل وتتساوى في الحقوق معه. يقول الأمين لبيب ناصيف:

 

"فإن دستور الحزب – كما كافة القوانين الصادرة- لا يتوجه في أي مادة من مواده إلى الرجل دون المرأة، كما لا يخصص أي مسؤولية بالرجل دون المرأة، حتى في عمدة الدفاع التي – عادة – تستجلب الرجل عليها أكثر من المرأة. لذلك فإن، كل المسؤوليات الحزبية، وكل المهمات، يمكن أن تناط بالرفيقة إذا توفرت لديها الكفاءة، تماماً كما تناط بالرفيق إن كان يملك القدرة على ذلك."[78]

 

 

ت- العلم والثقافة

 

إن العلم هو السبيل الأنسب إلى تغذية فكر المرء وتقوية عزيمته حتى يتمكن من رفع نفسه من منازل الجهل والضياع إلى مراقي المعرفة والوضوح. وهو حق لكل فرد يرغب في تنمية ملكاته الغريزية ومعارفه، وفي بناء شخصيته حرة قوية. وتعرّف يمنى طريف الخولي العلم بالقول أنه: "أروع تجليات العقلانية في الحضارة الإنسانية، وأشدها إثباتاً لحضور الإنسان."[79]

 

إن تعلم الفتاة حاجة ضرورية لها كي تنير ظلمة الجهل بضياء الحقيقة، وتفتح عقلها على طرق التفكير العقلاني - العلمي، وتنمّي فكرها على أساليب البراهين المنطقية المقنعة للعقل. مما يخوّلها من معرفة القوانين السائدة والغوص في حيثياتها لإكتشاف ما هو أعمق من مظاهرها بمنهجية علمية منظّمة قادرة على الإستنباط العقلي للوصول إلى اليقين العلمي الموضوعي. فالعلم ليس لمجرد تعلم القراءة والكتابة كما قال سعاده مخاطباً طلاب "مدرسة الفريكة الوطنية":

 

 "أنتم تتعلمون القراءة والكتابة توصلاً لشيء وراء ذلك – إلى معرفة الحياة الجميلة من الحياة القبيحة، ...نحن نتعلم القراءة والكتابة لنعرف أين طريق الخير وطريق العز لا أن نكون كميات مهملة لا معنى لها في الحياة."[80]

 

العلم يسلط الأضواء على أهمية دور المرأة في العائلة وفي المجتمع فتسعى جاهدة لتقوم به، ويوسع مداركها لنبذ الأحكام العشوائية السطحية ومعرفة حقوقها العائلية والدينية والإجتماعية والقانونية وغيرها، فيكون هو السبيل للنفاذ إلى الحصول عليها مواجهة كل الصعوبات بعقلانية واعية. وكذلك تدرك الواجبات الملقاة على عاتقها فتقدم عليها بعزم وإدراك دون العزوف عنها، وعدم الإفراط في الاتكال على الغير موظّفة كل طاقاتها الفكرية والجسدية لإنجازها. عندها تحقق الغاية من العلم، "فالعلم بلا غاية شبيه بالجهل"[81]، حينها تثبت قدرتها على النهوض بعز وكرامة، كما تظهر قوتها التي تنتصر على ضعفها مؤكدة قول سعاده: "نحن لسنا ضعفاء إلّا إذا أردنا أن نكون ضعفاء."[82]

 

العلم يخوّل المرأة من معرفة ذاتها التي هي أساس التغيير الذاتي، وهذه معرفة نقدية تمكّنها من إختراق الفكر السائد والدخول إلى قلب القاعدة الحضارية التي ينطلق منها السلوك الإجتماعي، وينبع منها فكرنا وقيمنا وأهدافنا، وليست مجرد معرفة نظرية. قال هشام شرابي: "الوعي الصحيح هو الوعي النقدي القادر على كشف الواقع وتعريته وإظهار قاعدته الحضارية."[83]

 

تحتل الثقافة مكانة هامة في كل المجتمعات وفي كل المجالات، الثقافة، كما يقول د. ربيع الدبس، هي "مشروع حياة حضارية."[84] فالثقافة تتخلل جميع الأنشطة الإنسانية، وتتغلغل في كافة المؤسسات بما في ذلك النظم القانونية في جميع أنحاء العالم. وقد أكدت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة على تأثير الثقافة في حصر دور المرأة حيث صرحت: 

 

" أدت التقاليد الثقافية والمعتقدات الدينية في جميع البلدان دوراً في حصر المرأة في مجالات النشاط الخاصة واستبعادها من المشاركة الفعالة في الحياة العامة."[85]

 

فالثقافة تتغير وفقاً لتغير الأعراف والتقاليد "والثقافة تُخلق وتُنقض وتُخلق من جديد في سياق الأعراف الإجتماعية المتبعة في مختلف الجماعات المتفاعلة في الميادين الاقتصادية والإجتماعية والسياسية. وهي تتجسّد في أساليب التعبير والتفاهم والممارسات الفردية والجماعية."[86]

 

يحق للمرأة الإستفادة من الحياة الثقافية بجميع جوانبها والمشاركة والإسهام فيها، مما يخوّلها من المشاركة الفعلية في تعريف التراث وتفسيره، وفي إختيار التقاليد أو القيم أو الثقافات التي تصون قيمتها وتضمن حقوقها، وترفض ما يؤدي إلى تعنيفها وتحقيرها. إن الممارسات الثقافية تحفّز النقاش الذي ييسر التطور نحو اعتناق حقوق الإنسان بطريقة تجسد إلى حد كبير ثقافة الجماعة التي تؤدي إلى نهضة الوطن وتقدمه.

 

الثقافة تزرع في نفوس المثقفين الوعي الإجتماعي، وهو العامل الذاتي الذي يتيح لهم رؤية المجتمع وتفهم قضاياه من كل النواحي، ويمكّنهم من دراسة هذه القضايا وتحليلها على مستوى نظري متماسك. مما يسوّغ إن النهضة القومية الاجتماعية انبثقت في وقت كانت الأمة تعاني الفساد والتجزئة والتبعيات لزعامات مستمدة من نفوذ عائلي قديم بعيدة كل البعد عن الوحدة القومية، وكانت الأمة بأشد الحاجة إليها لأن مبادئها تبث الوعي القومي عند الشعب وتهدف إلى تحقيق سيادته على نفسه وعلى وطنه.

 

إن الثقافة تخّول الأفراد من ممارسة دورهم الإجتماعي بغض النظر عن القدرات الخاصة التي يضيفها إليهم اختصاصهم المهني أو كفاياتهم الفكرية.

 

إن العلم والثقافة يمكّنان المرأة من معرفة المعايير الدولية لحقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة، ومن مراجعة الروايات التاريخية التي تبرز مساهمات النساء وتوثيق التنوع الفعلي للممارسات التي قمن بها في المبادرات التحولية التحررية. كما أنهما يعزّزان الثقة في نفس المرأة ويغذّيان مواهبها وإمكانياتها وقدراتها على الخلق والإبداع، حينها ستبدأ من مكانها في أي مجتمع كان من تغيير نفسها ومن حولها وستنجح مؤكدة قول سعاده: "...أننا لو شئنا أن نفر من النجاح لما وجدنا لنا مفراً منه."[87]

 

ويظهر أثر هذا التغيير عندما تعترض على السيطرة الذكورية، وتعتبر نفسها عضواً أساسياً في المجتمع مثلها مثل الرجل، وتنفض كل غبار القمع الذي فرضه الزمن عليها ووضعها في منزلة دونية من الرجل. وبالتالي عندما تتجاوز أزمات نفسها واضطرابات فكرها رافضةً التمييز في التربية بينها وبين أخيها في عائلتها، وتترجم وعيها مع أبنائها معتمدة وزوجها مبدأ المساواة في تربية الذكور والإناث على حد سواء لما لهذه المساواة من آثار إيجابية في بناء شخصية الأولاد وخاصة الأنثى. لقد كان سعاده متفهماً لأهمية التربية على أساس المساواة بين البنين والبنات، فلقد جاء على لسان كريمته الدكتورة صفيّة:

 

 "رؤية والدي المتقدِمة والواسعة الأفق تركت في نفسي أثراً لا يمحوه الزمن. فهو لم يلمّح أو يظهر لي أنني أقل شأناً من صبي، وحين رغبت بركوب دراجة أو تسلق جبل، أو الجلوس على غصن شجرة وافرة، لم يقل أبداٌ “هذا لا يناسب فتاة”، بل على العكس تماماً شجعني على المثابرة في محاولاتي حتى أبلغ مرامي. وبالتالي لم أرَ نفسي البتة دون مستوى الرجل فقط لأنني وُلدت امرأة."[88]

 

 حينها ستنطلق المرأة إلى حياة أبهى حاملة قلمها ليعبّر عمّا يجول في خاطرها، ويترجم أفكارها فتسير شامخة واثقة الخطوة وقوية العزيمة مردّدة قول سعاده: "إننا نشق في الحياة طريقاً جديداً نختاره نحن لأنفسنا ونعتمد عليه في تفكيرنا الخاص،"[89]

 

فإن اتساع قاعدة المثقفات والمتعلمات يضفي عليهن قوة ذاتية واعية تمكنهن من تحديد أهدافهن، وعندما تملكنّ قدراتهنّ العقلية والتقنية والعلمية سيمثلنّ طاقة إنسانية وقوة إنتاجية في المجتمع.

 

 

ث- مساعدة الرجل للمرأة

 

إن مجتمعنا هو مجتمع ذكوري. فيتوجب علينا أن نعترف بهذه المشكلة وأبعادها ونتائجها كي نسعى لوضع الحلول الملائمة لها. لهذا فمن المهم جداً أن نتوجّه إلى الرجل كي نحادثه ونقنعه بأهمية دور المرأة على المستوى الإجتماعي والإقتصادي والثقافي، فإن قيامها بدورها يرتكز على نسبة تحررها ومشاركتها مع الرجل في معظم النواحي المعيشية وخصوصاً العمل خارج المنزل. وبالتالي نوضّح له أهمية تثقيف المرأة وتأثير ذلك في تبلور شخصيتها كي تنهض بنفسها ومن ثم بعائلتها إلى مستوى الرقي الذي نطمح إليه جميعاً. إن تحسّن وضع المرأة المادي نتيجة تعليمها ومشاركتها بالعمل يسير بها إلى زيادة تمكينها على المستوى الإجتماعي والإقتصادي مما يسبب تراجعاً في مستوى التمييز الجندري، وبالتالي تراجعاً في الخضوع للهيمنة الذكورية وتقدماً في إستقلالية المرأة. قال هشام شرابي: "إن تحرير المرأة لا يتم في النهاية إلا بتغيير علاقتها بالرجل، وهذا يعني تغيير دورها ومكانتها في العائلة وفي المجتمع."[90]

 

إن هذا التغيير يمكّن المرأة أن تستخدم قدراتها الجسدية وطاقاتها الفكرية، وأن تخطو في طريق الحصول على المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل، فتغدو لنيل حريتها. كما أن عملية تحرير المرأة تحتاج إلى تبدّل العلاقات الإجتماعية من جذورها، لهذا فهي جزء لا يتجزأ من عملية تحرير الرجل وتحرير المجتمع بكامله، حيث لا يكون هناك أي تحرير ما لم تنعتق نفوس الناس من الأفكار القديمة التي تنتهك كرامة المرأة وتضرّ بصحتها. إن الواقع الإجتماعي يقرر تركيب المجتمع ونفسيات أفراده ويحدد علاقات الأفراد فيما بينهم.

 

ترى خالدة سعيد:

 

 "ما لم يتحرر الناس (رجالاً ونساءً) من الأفكار المسبقة عن المرأة – وهي أفكار تكوّنت على مر العصور، من خرافات وتصورات غير علمية، ومركبات نقص أو إستعلاء – وما لم تصبح البنى الإجتماعية مهيئة لإنطلاق شخصية المرأة وتفتحها في مناخ من الحرية ومن إحترام الشخص الإنساني، بعيداً عن كل تمييز واضطهاد وبسبب الجنس أو العرق، كما جاء في بيان حقوق الإنسان، ما لم يتحقق هذا كله، ستبقى هذه القضية مفتوحة."[91]

 

إن مساعدة الرجل للمرأة يمكّنها من الحصول على فرصة تعليمها وتثقيفها مما يمنحها فرصة لتعزيز سائر حقوقها. ومن أهمها إعادة صياغة مفاهيم العلاقة بينها وبين الرجل ليتجاوزا مفهوم الدونية والتبعية للمرأة، حيث تبدأ بتحسين الظروف التي تمكّنها من التمتّع بصورة كاملة ومتساوية بحقوق الإنسان عموماً.

 

إن تفهم الرجل لأهمية دور المرأة في العائلة والمجتمع يحفّزها على آداء عملها لتشارك مثله في الحياة. كما يساعدها على القضاء على المفاهيم السائدة المؤدية للتمييز ضد المرأة، وتخطي القيود المفروضة عليها التي تمنعها من التعبير عن ذاتها، أو ممارسة أي شكل من أشكال الفنون الثقافية أو حتى تحدّ من مقدرتها على التعامل بحرية مع الآخرين في مجال عملها أو إختلاطاتها وتبادل الأفكار والأحاديث خارج إطار عائلتها أو الجماعة التي تنتمي إليها. وما من رجل كان متفهماً لأهمية دور المرأة أكثر من أنطون سعاده حين قال:

 

"إن القسم وضع للحزب، لكل طالب إنتماء كانت امرأة أو رجلاً، المساواة بين الجنسين مطلقة، لا فرق عندنا في الحقوق والواجبات بين الذكر والأنثى."[92]

 

إن مشاركة المرأة في الحياة العائلية والعامة والسياسية، ستؤدي إلى مشاركتها في مناقشة القرارات أو القوانين التي تخص النساء خاصة والمجتمع عامة، مما يخلق المناخ الإجتماعي لها لممارسة حقوقها بكل ثقة.

 

 

ج- العمل أو المشاركة في جمعيات أو مؤسسات إجتماعية

 

إن عمل المرأة يزرع الثقة في ذاتها فتعتمد أكثر وأكثر على نفسها، مما يساعدها على تنمية شخصيتها وتحرير فكرها واستخدام قدراتها في جميع مناحي التنمية المجتمعية. وفي الوقت عينه، إنها تساهم في حل المشكلات المادية في الأسرة، وتبتعد عن التبعية الاقتصادية للرجل. مما يساعدها على تحقيق المساواة بينها وبين الرجل.

 

مشاركتها في المجتمع يجعلها أكثر واقعية في حكمها على الأمور ومواجهة مشاكل الحياة، وأكثر قدرة على إدارة الوقت والرغبة في إنجاز الأعمال.

 

فالعمل يصقل مواهب النساء ويجعلهنّ أكثر اطّلاعا وقدرة على قيادة الأسرة واتخاذ القرارات الصائبة في حينها، وإدارة الوقت بالشكل الصحيح.

 

كما أن المشاركة في جمعيات وإتحادات نسوية كإتحاد نساء النهضة الذي فسح المجال للمرأة أن تقوم في دورها في المجتمع، أو مؤسسات إجتماعية وثقافية، كمؤسسة سعاده للثقافة، يساعد المرأة على التحرر ذاتياً واكتساب الثقة بنفسها، ويخلق لديها الشعور بالعطاء والمساعدة لبناء مجتمع مزدهر ومتحضّر. عندها تتجاوز المرأة النشاط النسائي لتنخرط بالنشاط الإجتماعي فيكون لها دورٌ هام. وهذا ما نراه عند النساء اللواتي تعرفن على الحزب السوري القومي الإجتماعي فمارسن أدواراً فعّالة حتى قبل أن ينتمين إليه، فيذكر الأمين لبيب ناصيف في أبحاثه: "إن تاريخ الحزب حافل بآلاف المواطنات اللواتي قدمن خدمات جلّى للحزب، معنوية أو مادية،..."[93] هذا إضافة إلى وجود عدد كبير من الرفيقات اللواتي انتمين إلى الحزب منذ تأسيسه وكان لهن دور فعّال فيه.

 

إن وجود الأفكار التحررية وممارستها عملياً يسيران معاً في التغيير الإجتماعي في الحركات الشعبية النضالية. عندها تصبح نفس المرأة نفساً واعية فاحصة قادرة على معرفة الحق والخير، وعلى تصوّر أرقى صور الجمال، وملمّة بكل مؤهلات الإدراك الضرورية لتحديد الأهداف السامية والمثل العليا في الحياة. مما يخوّلها من الإعتماد على الوضوح في الرؤية والتفكير الذي يمكنها من معرفة المواضيع والمشاكل التي تدور حولها معرفة صحيحة دقيقة بعيدة عن الفوضوية مما يخولها من تعيين أهدافها للخروج من واقعها إلى واقع أبهى. التعيين كما عرفه سعاده: "التعيين هو شرط الوضوح، والوضوح هو الـحالة الطبيعية للذات الـمدركة الواعية الفاهمة."[94]

 

 

سادساً، المرأة في الحزب السوري القومي الاجتماعي

 

لقد انتسب إلى الحزب عدد كبير من النساء منذ بزوغ فجره، هؤلاء اللواتي تعرفنّ على هذه المبادئ من خلال أخواتهن أو أزواجهن أو آبائهن، مع أنها كانت ظاهرة جديدة في واقع المرأة اللبنانية في أوائل الثلاثينات حيث كان الإنتداب الفرنسي جاثماً على الصدور. إنما هنّ إقتنعن بهذه المبادئ ووجدن أنفسهن على قدم المساواة مع الرجل ويعملن معاً لتحقيق الأهداف النهضوية. لقد إكتشفن شخصيتهن وقدرتهن على العطاء والمناقشة والإنتخاب وغيرهم. إن الإنخراط في الصف الحزبي فتح آفاقاً جديدة للمرأة لتبدع فكرياً وتساهم جسدياً في عملية بناء الوطن وتحقيق عزّته وصون كرامته.

 

ومن المعروف أن عفيفة جرجس حداد كانت أول امرأة تعرّفت على الحزب. فهي أولى السيدات اللواتي تعرّفنَ على وجود الحزب وكانت مرافقة للخطوات الأولى التي بدأ سعاده يقوم بها. قبل أن تؤدي قسم الإنتماء كان يعهد إليها سعاده حراسة مكان الاجتماع في منزل والدها حتى إذا انتمت، راح يكلفها بتسجيل بعض وقائع الإجتماعات." [95] وتلتها عفيفة شماس وأديبة شامية وميليا أبو جودة ثم تبعهنّ عدد كبير من النساء حيث كان لدورهن أهمية كبيرة خصوصاً في مواجهة الصعوبات التي تعرَّض لها الحزب في فترة نشوئه. يقول الأمين لبيب ناصيف:

 

"فالمرأة في الحزب أخذت دورها الناشط مع بدء تأسيس الحزب، وكانت على جانب الرجل في كل مراحل النضال القومي الإجتماعي، ومثله عرفت التشرد والسجون والمعتقلات، كما تحملت المسؤوليات المحلية والمركزية، ..."[96]

 

وتقديراً لنضالهن وتضحياتهن في الحزب، حازت بعض المناضلات القوميات الإجتماعيات على رتبة الأمانة، ويقول الأمين ناصيف:

 

"إن كانت الرفيقة جولييت المير سعادة قد اكتسبت تسمية الأمينة الأولى، إلا إن الأمينة الأولى في الحزب زمنياً فهي الرفيقة نجلا معتوق حداد، أما الثانية فهي الأمينة جمال ناصيف...أما الرفيقات اللواتي نلن رتبة الأمانة حتى تاريخه فهن: هيام نصرالله محسن، وكوكب معلوف سمعان، نضال الأشقر نعيم، أليسار سعادة أبو ناصيف،...."

 

لقد أثبتت المرأة في هذه النهضة أنها تقوم بواجبها تجاه قضيتها مثلها مثل الرجل سواء شاركت في الميدان النضالي أو كانت وراء الكواليس تساند زوجها أو تسهر وترعى إبنها أو تدعم والدها، فكنّ الجنديات المجهولات اللواتي شاركنا في نضال الحزب ومعاركه.

 

حتى يصبح الموضوع أكثر وضوحاً وواقعياً، فلقد قمت بإجراء عدة مقابلات مع رفيقات انتمين إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي منذ زمن بعيد، كي نرى تأثير هذا الفكر على أفكارهن وانعكاساته على حياتهن.

 

لقد تمت هذه المقابلات عبر الهاتف، ومن ثم أُرسلت كل مقابلة بعد طباعتها إلى صاحبتها فأكدت المعلومات التي ذكرتها جملة وتفصيلاً. وأنا بدوريأهنئُ الرفيقات اللواتي شاركننياغناء هذا البحث  بسيَرهن الحزبية النضالية التي هي فخر لهن ولنا جميعاً.

 

اخترت رفيقات يقطنّ في الوطن السوري، من لبنان والشام، وأخريات يعشن في المغتربات، في أستراليا وأميركانية وفرنسا. وهذه الرفيقات قد تسلمن مسؤوليات حزبية من مفوض، ناموس مديرية الطلبة، محصل، مذيع، ممثلة الحزب في لجان تمثل أحزاب الحركة الوطنية، مدير مديرية، منفذ عام، ناموس عمدة شؤون عبر الحدود، رئيسة تجمع النهضة النسائية، عضو مجلس قومي، ناموس عمدة الإذاعة، وعميد إذاعة، وإن إحدى الرفيقات حاصلة على رتبة الأمانة.

 

من خلال هذا العرض للمسؤوليات التي تحملتها تلك الرفيقات أود أن أشير إلى أن المرأة في هذا الحزب متاح لها المشاركة على كافة المستويات شرط أن تكون لديها الكفاءة والمؤهلات، وهذا ما أكدته جميع الرفيقات. كما أكدن جميعهن على عدم التمييز في المعاملة بين الرفيقات والرفقاء مع ذكر أنه لا يخلو الواقع من وجود نسبة ضئيلة بين الرجال الذين ينزعجون عندما يتلقون تعليمات من امرأة مسؤولة عنهم، فهذا السبب يعود إلى مدى وعيهم الذاتي ودرجة قناعتهم بفكرة المساواة بين الرجل والمرأة.

 

تأكيداً للمساواة في الحزب أستشهد بما ذكرته الدكتورة ضياء حسان رئيسة مؤسسة سعاده للثقافة والتي أجريت معها مقابلة:

 

"من وقت أن انتسبت إلى الحزب لم أشعر يوماً إلّا بالمساواة، والبرهان على ذلك تلك المسؤوليات التي تحملتها كان ممكن أن تكون لأي رفيق، فلم ألمس التفريق بيني وبين رفيق في مجتمعنا الذكوري. الحزب يعطي مجالاً للرفيقة أن ترأس على رفقائها الذكور، وفي الوقت نفسه يدل على الوعي الذي زرعته النهضة في عقول الرفقاء ليتقبلوا أن تترأسهم امرأة."[97]

 

أما الرفيقة ليلى لازقاني المقيمة في ملبورن فتؤكد فكرة المساواة بين الرفيق والرفيقة في قولها:

 

"لقد حصلت على وسام الواجب في نفس الوقت مع الرفيق جوزيف السكاف، وكنا نستحقه بناء على نفس النضال الحزبي."[98]

 

وكما نوعت في الاختيار بين الطوائف المذهبية ومستوى التحصيل العلمي كي نثبت أن الحزب هو لكافة الشعب بمختلف معتقداتهم الدينية ودرجاتهم العلمية.

 

هنا أود أن أذكر ما قالته الرفيقة ماري فرنسيس التي لم يتسنَ لها أن تنهي تحصيلها العلمي كما كانت ترغب فأخبرتني:

 

"هذا الفكر رفع من معنوياتي، زاد من قوة شخصيتي، ووسع مدارك فكري فكان المدرسة الفكرية التي تعلمت منها أكثر ممّا تعلمت من المدرسة العادية."[99]

 

أثَّرَ فكر النهضة في نفوس الرفقاء والرفيقات في تخطي المشاكل الإجتماعية التي تعوق إرتباطهم بالزواج من أحبائهم بسبب إختلاف الدين، فنجد هذا عند الرفيقة ربى الحسن سيدو:

 

"كان والدي قومياً إجتماعياً ومن الديانة المحمدية فأراد أن يرتبط بوالدتي وهي من الديانة المسيحية، فوقفت أهل الضيعة المتعصبة دينياً بوجهه، ولكنه لم يرتد عن رأيه وواجه بقناعته الفكرية وارتبط بوالدتي. وعندما أتى دوري، ولو بعد مرور زمن، تكررت نفس المعاناة، ولكني كنت مثل أبي قوية بمبادئي، فوقف أهلي بجانبي وساعدوني على إختيار شريك حياتي من طائفة أخرى. وأنا متأكدة لو لم نكن قوميين إجتماعيين لما كنا بهذه القوة الفكرية التي خوّلتنا من مواجهة مشاكل إجتماعية متمكنة من نفوس ضعيفة هناك."[100]

 

لقد بدا تأثير العقيدة جلياً عند بعض القوميات، وسنرى هذا من خلال ما ذكرته الرفيقة جنى دياب: "كانت والدتي أمية، ولكنها فهمت العقيدة وتعلقت بها وكانت تشجع الجميع على الإنتماء إلى هذه المدرسة النهضوية، ...إن تأثيرها بالعقيدة ظهر بوضوح في معاملتنا نحن البنات الخمسة مثل ما عاملت أخويَّ الإثنين بدون تمييز."[101]

 

كما نلمس تأثير هذه النهضة في شخصية الرفيقة أروى بو عز الدين من خلال تعابيرها التالية: "لا شك أن تأثير النهضة وثورة أنطون سعاده على الإقطاع والرأسمالية والعائلية والمذهبية، غيّرا في الكثير من شخصيتي وحياتي. فتركت الريف إلى المدينة معتمدة على نفسي متسلحة بالوعي والفكر، فاشتغلت وتعلمت وساعدت أهلي من أجل تحسين ظروف حياتهم."[102]

 

عندما يُصقل الفكر القومي الإجتماعي أفكارنا يمكّننا من القيام بدورنا في عائلتنا كما نرغب نحن سواء كنا داخل الوطن أو قد مغتربين عنه إلى أي مكان آخر، وبالتالي نود أن نزرعه إلى أبنائنا، هذا ما أكدته الرفيقة أمال سارة:

 

"كان منزلنا في الشام مفتوحاً لكل القوميين، وكان إبني صغيراً عمره عدة سنوات، فترعرع على الجو القومي... وعندما غادرنا الوطن بقينا على نفس الأفكار... وحرصنا على مشاركة أطفالي مع الأشبال واختلاطاتهم في المناسبات الحزبية، أي حافظنا على بث المفاهيم القومية في أفكارهم مما شجع إبني البكر على الإنتماء للحزب هنا في أستراليا."[103]

 

حينما سمحت مبادئ النهضة للمرأة أن تشارك في تحمل المسؤوليات مثلها مثل الرجل فعندها تكون، عملياً،  قد وفّرت لها المناخ المناسب للخلق والإبداع والعطاء الجسدي والفكري، ونستشف هذا من كلمات الرفيقة جوزفين نصر المقيمة في باريس: "إن هذا الفكر وسّع معلوماتي التاريخية، وعرفني على هويتي السورية. فإنسجم هذا مع طريقة تفكيري، كما أن تحَمُّل المسؤولية كشف لدي مواهب إدارية كنت أجهلها."[104]

 

إن الإنتماء إلى الحزب بعد الإطلاع على مبادئه أمر جيد، ولكن أن تطلع على أفكار أحزاب أخرى ويقع أختيارك على هذا الحزب فهو أمر جيد جداً. تحدثنا عن هذا الرفيقة الدكتورة داليدا المولى:

 

"رغم معرفتي بالحزب وتربيتي في كنف عائلة قومية إجتماعية بامتياز لم أنتمِ إلى الحزب إلّا بعد أن دخلت الجامعة، وكنت قد اطلعت على أفكار أحزاب أخرى إلا أني لم أجد فكراً يناسب أفكاري وتطلعاتي المستقبلية أكثر من فكر أنطون سعاده، وخصوصاً بعد أن قرأت كتب المحاضرات العشر ونشوء الأمم والإسلام في رسالتيه..."[105]

 

عندما ينثر الفكر القومي الوعي في المنزل فجميل أن يتنشق الجميع من عبق النهضة الراقيّة. ولكن الأجمل حينما يُحرم هذا الفكر في مسكنٍ ليبقى سكانه قاطنين في جهل عنه، فترى فتاة متقّدة الذكاء من داخله تنفض غبار هذا الجهل لتهرول نحو عقيدة تتسامى بالمعرفة. هذا ما حدثتنا به الرفيقة سعاد غانم:

 

"كانت أمي تحذرني من قراءة كتب الزعيم، بل أكثر من هذا عندما كنت أقرأ الكتب كنت أخبئها منها، ولكنها بمساعدة أخي كانت تفتش عليها بعد ذهابي إلى المدرسة وتحرقها. وكان خالي محامياً لا يريدني أن أنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولكني لم أستمع إليه ولا لأمي بل زدّت قناعة بأفكار النهضة أكثر وأكثر."[106]

 

أما الأمينة راغدة رستم التي تعتز بما هي عليه لأنه نتيجة للأفكار النهضوية التي زرعتها النهضة في عقلها ومداركها، فتحدثتنا عمّا يتوجب على المرأة أن تفعله لتثبت أنها أهل لتحمل المسؤوليات مثل الرجل فتقول:

 

"في السابق لم يكن هناك عدد كبير من النساء يصلن إلى مراكز عالية في الحزب، ربما لأن النساء لم يظهرن قدراتهن، وبالتالي لم يكن المسؤولون  متأكدين من هذه المؤهلات لدى المرأة. إنما عندما بدأت المرأة تثبت شخصيتها وتبذل جهوداً لتبرز قدراتها حصلت على مراكز عالية، وعلى جميع المستويات المركزية...أنا أرى أن عدم التمييز بين الرجل والمرأة موجود في الحزب من عضو رفيق إلى رتبة الأمين."[107]

 

 

الخلاصة

 

إننا في زمن تكثر فيه الحركات الدينية المتطرفة التي وسعت الفجوة في المساواة بين المرأة والرجل، بل وأعادت بعض النساء إلى العصور القديمة، والأحزاب السياسية الطائفية التي تهتم بأبناء طائفة معينة على حساب أخرى. فلا خلاص لنا الّا بالتمسك بمبادئ نهضوية يقدمها الحزب السوري القومي الإجتماعي- حزب الأمة الذي يتوجه إلى كل المواطنين دون أي تمييز بينهم على أساس الدين أو الجنس.

 

لقد أثبتت السنون أن هذه المبادئ تهدف إلى معالجة الأمراض المتفشية في نفوس الأفراد كالطائفية والتبعية الأجنبية والعبودية وغيرها، وإلى إصلاح شؤونهم وتعزيز نفسياتهم بالمناقب، عندها يثمر العلم في عقولهم ثماراً صالحة تخوّلهم القيام بواجباتهم نحو قضيتهم. كما أن هذه المبادئ هي البوصَلة التي توجّه إهتمامتنا نحو حياة أرقى، وهي الثروة الفكرية التي تبعث النهضة في الأمة بأسرها، بها يستمر الماضي في حاضرنا ويفعل في تقرير مستقبلنا، فنبني عليها شخصياتنا كي نصمد بصلابة في مواجهة الفتن منقذين أنفسنا ورافعين مجد أمتنا، قال سعاده:

 

"إن بناء النفوس في النهضة السورية القومية الاجتماعية ينقذ سورية من الفوضى والتفسخ الداخلي وينهض بسورية وبالعالم العربي!"[108]

 

 أما واضع هذه المبادئ، الزعيم الخالد، فيقول عنه الدكتور عبدالله سعاده:

 

"كنت معجباً بصدقه مع نفسه ورفقائه والمواطنين. كان رقيقاً إلى حد الشفافية، وقاسياً كالفولاذ في كل ما يتعلق بمصلحة قضيته وأمته. كان يخضع نفسه ويحملها أكثر بكثير مما يفرض على غيره. كان واثقاً كل الثقة بصوابية قضيته ونهجه وبأصالة شعبه."[109]

 

إنه رجل الموقف والوحدة والحرية، وهو القدوة في غيابه كما في حضوره. هو المؤمن بشعبه وأمته المثالية عبّر عن هذا حين قال:

 

"آمنتم بي معلماً وهادياً للأمة والناس ومخططاً وبانياً للمجتمع الـجديد وقائداً للقوات الـجديدة الناهضة الزاحفة بالتعاليم والـمثل العليا الـجديدة إلى النصر. وآمنت بكم أمة مثالية معلمة وهادية للأمـم، بنّاءة للمجتمع الإنساني الـجديد، قائدة لقوات التجدد الإنساني بروح التعاليم الـجديدة التي تـحملون حرارتها الـمحيية وضياءها الـمنير إلى الأمـم جميعها."[110] 

 

إن النهضة القومية الإجتماعية التي انبثقت من قلب لبنان هي الخلاص للمجتمع السوري برجاله ونسائه، وهي النور الذي سيمتد إلى كامل المحيط الطبيعي وكما عبَّرَ سعاده عن هذا: "إذا كان في لبنان نورٌ، فحق لهذا النور أن يمتد في سوريا الطبيعية كلها."[111]

 

 

 

 


[1] عبير الحضيري، بحث "المرأة الليبية"، العام الجامعي 2015-2016، ص 116 ) UNDP، 2015،  تقرير تنمية المرأة العربية 2015). تونس: مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث- كوثر، ص 12-13)

 [2]  أنطون سعاده، كلمة الزعيم في حفلة مديرية السيدات، النهضة، بيروت، العدد 107، 4-3-1938  

[3]  كتاب استعباد النساء تأليف جون ستيوارت مل، ترجمة وتعليق وتقديم، أ.د. إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى 1998، القاهرة، ص 12

[4]  عبير الحضيري، بحث "المرأة الليبية"، ص 82

[5] عبير الحضيري، بحث "المرأة الليبية"، ص 82

[6]  نفس المصدر، ص 83

[7]  نفس المصدر، ص83.

[8]  نفس المصدر، ص 83.

[9] عبير الحضيري، بحث "المرأة الليبية"، ص 88

[10] نفس المصدر، ص 93

[11] عبير الحضيري، بحث "المرأة الليبية"، ص 94

[12]  نفس المصدر، ص 101.

[13]  نفس المصدر، ص 105.

[14] نفس المصدر، ص 97.

[15]  كتاب "استعباد النساء"، ص 9.

[16] كتاب "استعباد النساء"، ص 11.

[17] هشام شرابي، كتاب "مقدمات لدراسة المجتمع العربي"، الطبعة الثالثة 1984، صادر عن الدار المتحدة للنشر، لبنان، صفحة 130

[18] أنطون سعاده، العدد 52، 1942 الزوبعة، بوينُس آيرس، العام الثالث 

[19] أنطون سعاده، العروبة كقوة إذاعية للمطامع السياسية الفردية، الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 41، 1-4-1942، مختارات من الأعمال الكاملة في العروبة القومية الإجتماعية ص 101،

[20] أنطون سعاده، النظام الجديد، بيروت، المجلد1، العدد1، 1-3-1948

[21]  أنطون سعاده، خطاب الزعيم في البقاع الأوسط (23)، النظام الجديد، المجلد 1، العدد 3، 1-5-1948

[22] أنطون سعاده، كلمة الزعيم في حفلة مديرية السيدات، النهضة، بيروت، العدد 107، 4-3-1938

[23] قاسم أمين، كتاب تحرير المرأة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، ص17

[24] جوليات المير سعاده، مذكرات الأمينة الأولى جوليات المير سعاد، الطبعة الأولى 2004، بيروت، ص 58.

[25] د. عبدالله سعاده، كتاب أوراق قومية، الطبعة الأولى، بيروت، 1987، ص 217

[26] أنطون سعاده، كتاب عيد سيدة صيدنايا وفاجعة حب، طبعة تاسعة بيروت 2013، ص 55.

[27]  أنطون سعاده، الصراع الفكري في الأدب السوري، ص 92

[28]  أنطون سعاده، الصراع الفكري في الأدب السوري، ص 87

[29] أنطون سعاده، في مغتربه القسري 1941 - الآثار الكاملة 8، ص 292  

[30] أنطون سعاده، كلمة الزعيم في حفلة مديرية السيدات، النهضة، بيروت، العدد 107، 4-3-1938

[31] أنطون سعاده، نظرات في "المساواة" جريدة سان باولو، العدد95، 7-12-1922_العدد 101، 14-12-1922.

[32] د. عبدالله سعاده، أوراق قومية، الطبعة الأولى، بيرت 1987، ص 217

[33] أنطون سعاده، "نشوء الأمم" الكتاب الأول، طبعة بيروت 2014، ص 11.   

[34] المصدر ذاته، ص 7

[35]  أنطون سعادة، المحاضرات العشر 1948، 140.

[36] د. عبدالله سعاده، مقالة "الأمينة" https://www.saadeh.co/view-details/articles/313/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86%D8%A9

[37]  مقالة، اليوم العالمي للمرأة، موقع ويكيبيديا،https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9#cite_note-:0-1 

[38] د. هشام شرابي، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، صفحة 69

[39] أنطون سعادة، "مشكلة الحرية تحل بالحرية"، الجيل الجديد، بيروت، العدد، 04، 14-7-1949

[40]  عبير الحضيري، بحث "المرأة الليبية"، ص 77

[41] قاسم أمين، تحرير المرأة، ص 11

[42] د. ريما سعد الجرف، دراسة تجارب ناجحة من دول العالم في محو الأمية، ص 1

[43] مقالة أسباب الأمية وطرق علاجها، موقع سطور، نوفمبر، 2020

[44] د. عاطف العراقي، العقل والتنوير في الفكر العربي المعاصر، ص 166

[45] أنطون سعاده، النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيروت، المجلد 1، العدد 6، 15-2- 1948

[46] د. إدمون ملحم، بحث "ثقافة العقل والعلم"، ص 32

[47] أنطون سعادة، نشوء الأمم، ص 85

[48] د. هشام شرابي، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، الصفحة 31

[49] د. ريما سعد الجرف، دراسة تجارب ناجحة من دول العالم في محو الامية ص 2

[50] اليوم الدولي لمحو الأمية

https://ar.unesco.org/commemorations/literacyday

[51] دراسة حقوق المرأة التقليدية كما تحددها العادات ونمط الأسرة والنظم الاقتصادية والإجتماعية ومشاركة المرأة، حالة دراسية للمنطقة العربية والأفريقية

[52] كتاب "السفور والحجاب" نظيرة عز الدين ص 72.

[53] ملحق رقم 4، خطاب الزعيم في دده – الكورة 17 / 10 / 1948.

[54]  قاسم أمين، كتاب "تحرير المرأة" ص 11.

[55] عرفت منظمة الصحة العالمية ختان الإناث إنه: "أي عملية تتضمن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الأنثوية دون وجود سبب طبي لذلك." مقالة ختان الإناث، موقع ويكيبيديا تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، منظمة الصحة العالمية،تاريخ النشر فبراير، 2012،تاريخ الوصول أكتوبر 2013، "نسخة مؤرشفة"، اطلع عليه بتاريخ 22 يونيو2009

[56]  " هو نوع من أنواع المرض النفسي حسب النظام العالمي للتصنيف الطبي للأمراض والمشاكل المتعلقة بها". مقالة "إضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية." موقع ويكيبيديا، https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8%B6%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%84%D9%8A_%D9%84%D9%84%D8%B5%D8%AF%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9 

[57] كي أم وزيري، كلية الحقوق، جامعة ابوجا، بي ام بي 117، أبوجا، حالة دراسية للمنطقة العربية والأفريقية، ص 7

[58] نفس المصدر، ص 10

[59] أنطون سعاده، الخطاب المنهاجي الأول (1)، النهضة، بيروت، العدد 89، 30-1-1938

[60] أنطون سعاده، كتاب "قصتان عيد سيدة صيدنايا وفاجعة حب"، ص 48

[61] أنطون سعادة، المحاضرات العشر، ص 127

[62] د. إدمون ملحم، دراسة: "ثقافة العقل والعلم" ص 2-3

[63] عثمان أمين، الفلسفة الرواقية، مكتبة الخانجي بمصر، القاهرة،1945، ص 159.

[64] ياسمين يحي (1-4-2009)، "حرية المرأة في المفهوم العربي"، الحوار المتمدّن، العدد 2603، ص 1.

[65] د.عبدالله سعاده، كتاب "أوراق قومية"  ص 265

[66] أنطون سعادة، مبادئ الحزب السوري القومي وغايته، "مشروحة بقلم الزعيم"

[67] نفس المصدر

[68]  نفس المصدر

[69] مقالة "المساواة بين الجنسين" موقع الأمم المتحدة https://www.un.org/ar/sections/issues-depth/gender-equality/index.html

[70] مقالة "المساواة بين الجنسين"

[71] مقالة "المساواة بين الجنسين"، موقع الأمم المتحدة

[72] أنطون سعادة، مبادئ الحزب السوري القومي وغايته، "مشروحة بقلم الزعيم"

[73]  نفس المصدر

[74]  نفس المصدر

[75]  نفس المصدر

[76]  نفس المصدر

[77]  نفس المصدر

[78] لبيب ناصيف، مقالة المرأة في الحزب السوري القومي الإجتماعي، موقع "سوريون قوميون إجتماعيون إلى الأبد".

[79] يمنى طريف الخولي، مفهوم المنهج العلمي، هنداوي، المملكة المتحدة، 2020، المقدمة

[80] أنطون سعاده، النشرة الرسمية للحركة القومية الإجتماعية، بيروت، المجلد 1، العدد 6، 15-2-1948

[81] نفس المصدر

[82] أنطون سعادة، المحاضرات العشر، ص 168.

[83] نفس المصدر ص 85.

[84] د. ربيع الدبس، "الإستراتيجية الثقافية الوطنية: إمكان أم استحالة؟"، أفق، مؤسسة الفكر العربي، العدد 55، 1 نيسان 2016،

[85] لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، التوصية العامة رقم 23(1997) بشأن المرأة في الحياة السياسية والعامة، الفقرة 10.

 [86] تقرير المقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية، موقع الأمم المتحدة، الجمعية العامة https://undocs.org/pdf?symbol=ar/A/67/287 

[87] أنطون سعاده، خطاب الزعيم في الكورة، صيف 1937، النهضة، بيروت، العدد 195، 1-3-1938

[88]  د. صفيّة سعاده، كتاب "طفولتي مع والدي"، دار سعادة، بيروت، العام 2013، الطبعة الأولى ص 6-7

[89]  أنطون سعاده، الزعيم في سانتياغو، سورية الجديدة، سان باولو، العدد 67، 25-5-1940

[90] كتاب مقدمات لدراسة المجتمع العربي صفحة 115

[91]  خالدة سعيد، مواقف تشرين الثاني-كانون الأول 1970، ص 93، من كتاب هشام شرابي، النقد الحضاري، ص 74

 [92] الأمين عبدالله قبرصي، كتاب عبدالله قبرصي يتذكر، الجزء الأول، ص 180  

[93] الأمين لبيب ناصيف، مقالة "المرأة في الحزب السوري القومي الاجتماعي".

[94]  أنطون سعاده، المحاضرات العشر، دمشق، 1952، ص 86-97

[95] نفس المصدر

[96] الأمين لبيب ناصيف، مقالة المرأة في الحزب السوري القومي الاجتماعي"

[97]  د. ضياء حسان، بشامون – محافظة جبل لبنان – لبنان.

[98]  الرفيقة ليلى لازقاني، البترون – شمال لبنان، مقيمة في أستراليا.

[99] الرفيقة ماري فرنسيس، حدث بيروت – قضاء بعبدا – لبنان، مقيمة في أستراليا.

[100] الرفيقة ربى سيدو، تكريت – عكار – لبنان، مقيمة في أستراليا.

[101]  الرفيقة جنى دياب، الحاكور- شمال لبنان،

[102]  الرفيقة أروى بو عز الدين، الشوف - محافظة جبل لبنان - لبنان.

[103]  الرفيقة أمال سارة، باب توما – دمشق – الجمهورية العربية السورية، مقيمة في أستراليا.

[104]  الرفيقة جوزفين نصر، قلحات – الكورة – لبنان، مقيمة في فرنسا.

[105]  د. الرفيقة داليدا المولى، بعلبك - لبنان

[106] الرفيقة سعاد غانم، صافيتا - الجمهورية العربية السورية، مقيمة في أميركا.

[107]  الأمينة راغدة رستم، مقعبرة - حمص - الجمهورية العربية السورية.

[108] أنطون سعاده، جريدة كل شيء، بيروت، العدد 100، 25-2-1949 الأعمال الكاملة، المجلد 8، 1948-1949

[109] الدكتور عبدالله سعادة، أوراق قومية، مذكرات الدكتور عبدالله سعادة، ص 41

[110] أنطون سعاده، رسالة من الزعيم للقوميين (10)، نشرة عمدة الإذاعة، بيروت، المجلد 3، العدد 1، 30-6-1947 

[111] الدكتور عبدالله سعادة، "أوراق قومية مذكرات الدكتور عبدالله سعادة، ص 35

 

 

 

 
التاريخ: 2021-10-30
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro