مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
النزعة الفردية - الجزء الأول
 
حاج إسماعيل، حيدر
إعداد: نظارة الإذاعة - منفذية سيدني
 

كنا قد عرضنا عرضاً تحليلياً للملامح المدرحية لمفاهيم الأخلاق القومية الإجتماعية في درسين سابقين عن الأخلاق. ومن أهم ما قلناه إذاك، أن الأخلاق عند سعاده هي جهاز للخلق، أي لتحويل القيم الروحية إلى قيم واقعية وأن الأخلاق بطانة لكل نظام وخطة يُرجى لهما نجاح، وأنها، بالنسبة لسعاده، أخلاق قومية اجتماعية، أي أخلاق تنصبّ على خدمة قضية الأمة وتقدمها وارتقائها. كما ميّزت تمييز هاماً بين الأخلاق القومية الإجتماعية التعبيرية النهضوية والأخلاق الرجعية التمثيلية الانحطاطية.

 

نسأل الآن: ما هو على وجه التخصيص النقيض المباشر للأخلاق القومية الإجتماعية؟ الجواب: انها الأخلاق الفردية، أو بكلمة أوضح، أنها أخلاق النزعة الفردية. ما هي النزعة الفردية؟ وما هي أخلاقها؟

 

"جوهر النزعة الفردية اعتبار الفرد وميوله غاية كل فكر ونهاية كل عمل."[1] لذلك، هي بطبيعتها تخالف طبيعة الإجتماع "لأنها ترمي إلى جعل السيادة في الفرد نفسه وليس في المجتمع ونظامه"[2]، ولكن الأفراد موجودون في الجماعة، فيترتب على العمل بمبدأ النزعة الفردية، تفكك نظام الجماعة وانعدام كيانها، ذلك لأن " كيان الجماعة لا يقوم إلّا بخضوع أفرادها طوعاً أو كرهاً لكيانها ونظامها، لا فرق بين أن يكون هذا النظام جيدا أو رديئاً."[3] إنّ تقديم حق الجماعة على حقوق الأفراد هو في نظر سعاده المبدأ الوحيد الصحيح الضامن لبقاء أية جماعة والذي يجعل ارتقاءها ممكناً. هذا وضع النزعة الفردية من الناحية الإجتماعية.

 

اما من الناحية الفلسفية فنقول، أن الأفراد يروحون ويأتون، أما المجتمع فباقٍ في أجياله المتعاقبة في مؤسساته المستمرة الناحية. ونقول للذين يزعمون أن الفرد في ذاته هو الحقيقة الإنسانية الكبرى، أن الفرد يزول فما رأيهم بالحقيقة الزائلة؟ وأن الأفراد قد يكذبون، فما رأيهم بالحقيقة الكاذبة؟ سعاده في مقابل هؤلاء قال بفلسفة الإنسان-المجتمع حقيقة إنسانية كبرى حيث الأفراد إمكانيات إجتماعية.

 

من الناحية النفسية، أظهرت اختبارات الحزب السوري القومي الإجتماعي على أن الأفراد غير الخالصين من النزعة الفردية كانوا مثالاً للنظامية في ظروف ومثالاً للفوضى في ظروف أخرى: عندما تكون تدابير المنظمة ضد غيرهم ولا تمس أشخاصهم، كانوا يتعلقون بنظام المؤسسة مؤيدين حق الجماعة ونظامها العام على الأفراد. ولكن عندما يصطدم حق الجماعة ونظامها العام بهم شخصياً، كنت تراهم يخرجون ويتمردون ويستبيحون حرمة كل نظام بالشذوذ عن كل قاعدة اندفاعاً وراء نزعاتهم الفردية. يقول سعاده واصفاً هذه الاختبارات كلاماً هاماً هو: "ويمكن القول بتأكيد أنه لا يوجد فرد واحد مطرود من الحزب السوري القومي الإجتماعي الا كان موافقاً قبل طرده على تدابير الطرد بحق غيره لأسباب شبيهة بالأسباب التي طُرد لأجلها هو. أنه كان يقبلها يجد فيها العدل، ولكنه كان يحسب ذاته فوقها، فلما بلغ الحق العام إليه وحاولت المنظمة إقامة الحدّ عليه، تمرّد وانقلبَ وطُرِد".[4]

 

يُفهم من ذلك، أن نفسية المُصاب بالنزعة الفردية هي نفسية مريضة، Abnormal فلا يضبطها معيار Norm  وليس يهديها مقياس، فهي لا تتبع الا شريعة الهوى التي ليست شريعة وقانون الأنانية الذي ليس قانوناً.

 

من الناحية العملية، نسأل كيف يمكن لذي النزعة الفردية أن يعمل في الحياة؟ كيف يحفظ كيانه؟ كيف يمكن له أن يتقدم ما دام يعتبر نفسه محور العمل ومركز الوجود، والآخرين ليسوا إلا مجرد وسائل وأدوات بجب أن تُسَخّر لأغراضه الذاتية وميوله. إنّ مبدأ النزعة الفردية، من الوجهة العلمية، هو مبدأ الإستحالة ذاتها، أي استحالة الوجود. لأن الإنسحاب من العلاقة الإجتماعية الصحية والخروج من دائرة النظام الإجتماعي، هو تماماً الإنسحاب من الوجود والخروج من الحياة والوقوع رأساً في دائرة العدم.

 

ذلك، لأن النزعة الفردية تؤدي إلى التصادم بين الأفراد وانحلال الروابط الإجتماعية، فالموت. ذلك، لأن الأعمال العمومية تحتاج إلى مبدأ آخر، غير التصادم، هو مبدأ التآلف والتعاون والإختصاص والإشتراك، وبكلمة واحدة: هو مبدأ الإتحاد في الحياة. هذا المبدأ هو من إنشاء النهضة القومية الإجتماعية. يقول سعاده: " ففكرة أن العمل العام دوائر صغرى في دائرةٍ كبرى، وأنّ كل فرد يجب أن يعمل ضمن الدائرة التي يقع فيها اختصاصه وكفاءته، هي فكرة جديدة أوجدها التنظيم القومي الاجتماعي."[5] وبكلمة أخرى، هذه الفكرة هي نظرية المؤسسات المتسلسلة في إتجاه مركز واحد والمشتركة في الأخير بالعمل لغرض واحد هو نصر الأمة.

 

وقد امتُحِنت هذه النظرية في الحزب عبر تاريخه امتحاناً عسيراً. هناك قضية نعمة ثابت وفايز صايغ وصحبهما، وهناك قضية عبد المسيح ورهطه، ولكن النتيجة كانت، في كل حالة، هي خروج الحزب منتصراً بمؤسساته على الأفراد الجامحين ونزعاتهم الفردية. لقد أثبتت النهضة، في كل تجاربها واختباراتها عن صحة العقيدة القومية الإجتماعية وقوة نظامها العمومي على الأهواء الفردية والميعان الأخلاقي.

 

والحق يُقال، أن سعاده نبّه باكراً، وقبل أن يمرّ الحزب بتلك التجارب، أعني، منذ العام 1942، إلى أهمية إثبات عقلية النظام العام في المجتمع وإرساء مناقب المؤسسات والولاء لقضية الأمة ونبذ القضايا الشخصية. وسعاده لم يكتفِ بهذا التنبيه، بل أشار بصراحة إلى أن تلك الفكرة الجديدة التي وصفها، أعني فكرة الإتحاد في الحياة تآلفاً وتعاوناً واختصاصاً واشتراكاً "هي فكرة لا تزال غير مفهومة الفهم اللازم حتى عند أكثر القوميين الإجتماعيين أنفسهم، بدون استثناء، المتنورين منهم" ويرى سعاده أن الذين ظهرت عندهم النزعة الفردية ولم يصهرهم النظام القومي الإجتماعي هم فريقان: " فريقٌ لحداثة عهده في الحركة" وآخرون " لعدم اختبارهم في النظام والإدارة".[6]

 

 

 


[1]  أنطون سعادة، مقالة: عودٌ على النزعة الفردية في شعبنا- جريدة الزوبعة، آغسطس 1942.

[2] المرجع ذاته.

[3] المرجع ذاته.

[4] المرجع ذاته.

[5]  راجع مقالة: "النزعة الفردية في شعبنا"، الزوبعة، 1942.

[6]  أنطون سعادة، مقالة: "عودٌ على النزعة الفردية في شعبنا"، جريدة الزوبعة، آغسطس 1942.

 
التاريخ: 2021-10-30
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro