مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
فيروز .. والاختراق الرحباني
 
الدبس، ربيع
 

 

 

 

اذا شاع الكفر ازداد العطش الى الإيمان، وإنْ عمّ الجهل ألحّتِ الحاجة الى المعرفة، وكلما تلوث ‏الفضاء الفني بفساد الذائقة، تكثف لدى النخبة هاجسُ التوق الى الجمال.‏

 

نقول ذلك بعدما بتنا خجِلين من الهبوط القياسي للفن الغنائي في لبنان، عنينا انحدار ‏القيمة الفنية للأغنية فكرياً وأدبياً وجمالياً وأخلاقياً. الامر الذي يستدعي وقفة مبدئية ‏واجرائية تكون لها صفة الجدية والاستمرارية. هكذا نقرأ دعوة الطوْد الفني محمد عبد الوهاب ‏الى معاقبة المسيء الى الموسيقى كما يعاقَب المجرمون. والسؤال اليوم: أين نحن من الماضي ‏المشرق فنياً ؟ أين تُرّهات اليوم المزعومة شعراً من القصائد العصماء التي أنشدتها حناجر ‏مذهبة في طليعتها الحنجرة الفيروزية التي غذتها نفحات عاصي ومنصور الرحباني الموسيقية ‏والشعرية، النشوى بقطوفها الريّا من خلجات جبران خليل جبران، ومساكب سعيد عقل، وحدائق ‏الاخطل الصغير، وخوابي جوزف حرب وأنسي الحاج وطلال حيدر وميشال طراد. كل ذلك في بنية ‏إنتاجية رائية، بل في مؤسسة إبداعية قائدها عاصي الرحباني وقوامها، الى عاصي، منصور ‏وفيروز والفريق الفني، العاملُ مع المؤسسة الرحبانية المتكاملة، المتنفس بأوكسجينها، ‏الممتزج بكيميائها، والمعمّد بمياهها والروح؟

 

 

 

ثمة أمر يستدعي الانتباه فعلاً ويطرح السؤال الاستغرابي التالي: لماذا تَعْمد وسائل الإعلام ‏اللبنانية، بغالبيتها، الى تجاهل البوارق الفنية من انتاجنا والتعتيم عليها، وفي ‏المقابل تُبرز المبتذلات وتسوّقها توسلاً لغرض مادي رخيص أو إسهاماً في الإجهاز على ما بقي من ‏الذوق الفني لدى الناشئة، حتى لا نبالغ في الأمل بمعيار فني او قيم فنية. وهذا بدوره يقود ‏الى سؤال إستهجاني آخر: لماذا لا تستهل وسائل الاعلام اللبنانية برامجها باللمعات ‏الفيروزية كما تفعل على الدوام وسائل الاعلام السورية التي تستوعب الأصالة الرحبانية ‏النظيفة فتُقدِّمها على ما عداها، في حين يستطيب لبنانيو «الحرية» المطلقة طقاطيق الزبد ‏الفني مهما أثقلته القاذورات؟

 

 

ألأن الياس الرحباني كان محقاً عندما قال في حفل عام إن فيروز انطلقتْ فعلياً من إذاعة ‏دمشق؟ أم لأن بيروت ترفض استكمال ذلك الإنطلاق نكاية بدمشق؟‏

 

 

لعل شعبنا في لبنان، المغلوب على أمره سياسياً واقتصادياً، بات أيضاً مغلوباً على ارادته ‏ثقافياً وفنياً. لذلك فإن وسط الشباب الأوسع لا يتذوق الجمالات ولا يستمع اليها، بل ربما لم ‏يسمع قط بالروائع الرحبانية التي منها، على سبيل المثال لا الحصر، المرتفعات التاليات:‏

 

 

ردّني الى بلادي ـ لا تسألوني ـ أعطني الناي ـ قد أتاك يعتذر ـ سكن الليل ـ يا عاقد ‏الحاجبين ـ غنيت مكة ـ زهرة المدائن ـ وطني ـ سنرجع ـ يا مال الشام ـ سائليني يا شام ـ ‏نسَمَتْ من صوب سوريا الجنوبُ ـ شام يا ذا السيف ـ أحب دمشق هوائي الأرق ـ بالغار كُلّلتِ أم ‏بالنار يا شام ـ شآم ما المجد ـ شآم اهلوك احبابي ـ أنا صوتي منك يا بردى ـ يا شام ‏عاد الصيف ـ يا جبل الشيخ ـ راجعون ـ جسر العودة ـ يا جسراً خشبياً ـ المحبة ـ القطاف ـ ‏يا امارات ـ أمي يا أميّ الحبيبة ـ ليلية بترجع يا ليل ـ تحت العريشة سوا ـ عمّان في ‏القلب ـ شط اسكندرية ـ في ِلنا يا حبّ ـ في ربوع بلادي ـ دبكة لبنان ـ بحبك يا لبنان ـ يا ‏زهرة الجنوب ـ قمرة يا قمرة ـ ضوّي يا هالقنديل ـ فايق عليّي ـ يا بياع الخواتم ـ زوروني ‏ـ يارا ـ على جسر اللوزية ـ طير الوروار ـ أنا خوفي من عتم الليل ـ نحنا والقمر جيران ـ ‏جادك الغيث ـ يا ليل الصبّ متى غده ـ أؤمن ـ سيد الهوى قمري ـ البنت الشلبية ـ سألوني ‏الناس ـ بعلبك ـ بتمرجح بقلبك ـ أنا عندي حنين ـ يا طير ـ بعدك على بالي ـ أسامينا ـ ‏غالي الدهب ـ قالوا العدى قالوا ـ قديش كان في ناس ـ شايف البحر ـ بقطفلك بس هالمرة ـ ‏بكتب اسمك ـ أنا وشادي ـ يا قمر أنا ويّاك.‏

 

 

من القصائد الكلاسيكية المطبوعة بالإيقاع الرحباني والأداء الفيروزي فالموشحات الاندلسية ‏الى المقطوعات المحكية والمواويل الفولكلورية، فأناشيد الوطن والأمة، الى التراتيل الدينية ‏العلوية، تنغزل نهاد حداد على اليدين الرحبانيتين أغنياتٍ لاهبة وأهازيج، وترتسم ‏المسرحيات الغنائية النوعية علامة ثقافية فارقة في الانتاج الفني الرحباني. وفي هذه ‏المسرحيات بالذات يسلك الرحبانية مسارات وعرة، حافلة بأعباء التاريخ وأمجاده ‏وأمثولاته، دون ان تُغفل التعبير عن الحاضر النازف، ولا عن الاتجاه الهادف النازع أبداً الى ‏المستقبل.‏

 

 

هكذا ينداح الألق الرحباني على مدى الوطن الذي التزموه: هماً ومسؤولية ورسالة خلاقة. من ‏هنا ارتباط الفن لديهم بالقيم التي يحمل. وغير صحيح على الاطلاق زعْمُ انجذاب الرحبانيين ـ ‏بِمَنْ فيهم السيدة فيروز ـ الى شخصية اللامنتمي، حيث لا يصح فيهم ما نسبه بعض النقاد في ‏أوروبا الشرقية الى الاديب الروسي الكبير دوستويفسكي من ميل الى إضفاء اللا إنتماء على ‏أبطال رواياته، إذْ لا يمكن الجمع بين صوت رساليّ يحمل قيماً وبين صفة اللا إنتماء.. فالرحابنة ‏يمثلون اختراقاً حقيقياً ونوعياً لفجيعة الكمّ المروَّج في سوق النخاسة. وإن الضوْع الرحباني ‏الذي انتقل، بفيروز، الى عالم الخلود، هو ضوْع الطِّيْب المنذور لصوت قدسي، عامر بالحب الكبير ‏للفضائل الكبرى.. صوتِ المؤسسة الفنية المشعة بالقضية، صوتِ الانتماء المتكىء على أرض ووطن ‏وهوية، صوتِ المقاومة الداوي في وجه الاجتياح الاستلابي للفن والثقافة والقيم.. صوتِ الفرح ‏المرصود لنصر ما بعد الهزيمة، صوتِ العدالة الانسانية الراجحة على الظلم، والحق المستنفَر ‏على الباطل، والسلاح الحضاري في معركة الكرامة الواجبة ضد الاحتلال والاضطهاد والانتهاكات ‏وازدواجية المعايير: «يا صوتي ضلّك طاير، زوبِع بِهالضماير،  خبّرهُم علِّي صاير.. بلكي ‏بيوعا الضمير».

                                                 

 

 
التاريخ: 2006-05-31
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: النهار، 31/5/2006
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro