مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الجذور التاريخية للازمات اللبنانية
 
ضاهر، مسعود
 

 

                       

 

 

تقدم دراسة المسألة اللبنانية في القرن التاسع عشر فرصة ثمينة لمعالجة الإشكاليات الأساسية التي رافقت ولادة وتطور النظام السياسي في المقاطعات اللبنانية حتى ولادة دولة لبنان الكبير، وأبرزها: الصراع على لبنانية المقاطعات الجغرافية وكيفية تحديدها وفق المراحل التاريخية، ومفهوم الهوية اللبنانية والشعب اللبناني، والسمات الاساسية للزعامة العائلية والطائفية وأثرها في المسألة اللبنانية، ودور النظام الطائفي في تاسيس الصيغة السياسية اللبنانية، وانعكاس النزاعات الإقليمية والدلية على أمن اللبناني، وغيرها من الإشكاليات الخلافية التي ساهمت في تعزيز النزاعات الدموية او الحروب الطائفية. وأبرز الاستنتاجات:

 

  1. بني النظام اللبناني في عهد الامارة على الارتباط السياسي لا الديني وقد تميز بحماية الحريات الدينية، واحترام التراتبية الاجتماعية، والتقارب بين الاعيان والاهالي او العامة.

 

2. دخلت الطائفية النظام السياسي رسميا في عهد  المتصرفية الا انها لم تسع الى تدمير الركائز التقليدية غير الطائفية. وحرص زعماء الطوائف على تعزيز الترابط بين السلطة والشعب من خلال تحاف الاعيان القدامى والجدد. والسبب في ذلك ان سقوط النظام المقاطعجي ومحو تقاليده الموروثة منذ مئات السنين لم تكن عملية بسيطة.

 

3. لم يكن بمقدور الانتفاضات الفلاحية استكمال عملية التحرر الاجتماعي في ظروف داخلية واقليمية ودولية معقدة. فالتضامن بين الاعيان والفلاحين الدروز بقي صلبا للغاية. كما ان الكنيسة المارونية التي تحررت حديثا من سيطرة الاعيان القدامى كانت تخشى من استمرار الصراع  بين الاعيان والفلاحين الموارنة. وقد نصح بعض السفراء الجانب جميع الاعيان اللبنانيين بالتفاهم بين العامة والاعيان لمواجهة عودة الحكم العثماني المباشر. نتيجة لذلك برزت صيغة " لا غالب ولا مغلوب" والتي ما زالت تتكرر عند نهاية النزاعات اللبنانية المستمرة منذ أكثر من قرن ونصف القرن.

 

4. انهار النظام المقاطعجي دون ان تزول زكائزه الموروثة. مما سمح له بالتجدد والحفاظ على شرعيته داخل النظام الطائفي الجديد. فحافظ أعيان الموارنة على شرعية نظامهم القديم مع الاعتراف بالشرعية الشعبية للنظام الطائفي الجديد. وفي حين مانت شرعية النظام القديم تقوم على الوراثة بين ذوي القربى من أعيان الطبقة الحاكمة، فان شرعية النظام الجديد قد بنيت على اساس الانتماء الى جماعة طائفية ذات سمات خاصة بها، ويتضامن أفرادها لحماية وحدة الجماعة الطائفية باعتبارها هوية قائمة بذاتها، في مواجهة هويات طائفية اخرى لتشكل مجتمعة الهوية ا للبنانية.

 

5. لكن المفارقة السياسية في هذا المجال ان الاعيان في جميع الطوائف حافظوا على هويتهم السياسية كطبقة مسيطرة في النظام الطائفي الجديد في حين بقي العامة في كل طائفة جماعة تفتقر الى الخصوصية السياسية لانهم رعايا ملحقين بزعمائهم المدنيين والطائفيين. مؤخراً، تراجع النظام الطائفي الذي نشأ على أعقاب النظام المقاطعجي القديم الى دائرة المذهبية الطائفية التي فككت الجماعة الشعبية وحولتها الى جماعات متناحرة داخل الدين الواحد.

 

6. نجح الاعيان في استعادة الشرعية القديمة ليستمروا كقوة فاعلة ومحددة لمسار النظام الطائفي يحفظ لهم مصالحهم الشخصية وكل مظاهر النفوذ والسيطرة على رعاياهم.  في حين بقي كل فرد عضوا في رعية الجماعة الطائفية التي توكل اليه مهمة الدفاع حتى الموت عن مصالح زعماء الطوائف دون ان ينال الحد الادنى من الحماية لحقوقه الفردية والعائلية . كانت القيم الجديدة التي عبرت عنها الإيديولوحيا الطائفية تدعو الى المساواة بين أبناء الجماعة الواحدة دون التقيد بعلاقات النسب والمرتبة كما كان الوضع في النظام القديم. ودعت الى الانسجام بين قيم الطائفة ومؤسساتها وجعل القيادة السياسية حقا لكل فرد ينتمي الى الجماعة، يعبر عن قيمها ويدافع عن مصالحها. فلم تعد القيادات الفاعلة في النظام الطائفي حكرا على الاعيان، وبرزت شخصيات دينامية اكتسبت شرعيتها بنشاطها الفردي وكفاءتها الشخصية. وظل الاعيان في جبل لبنان يلعبون دورا سياسيا بارزا بعد انهيار النظام القديم وبمشاركة فاعلة من قيادات جديدة تعود جذورها الى العامة من أبناء الطائفة.

 

7. تميزت الفترة الزمينة بين بدايات التغير في النظام المقاطعجي القديم وتحوله الى نظام طائفي جديد بالصراع العنيف داخل الطائفة، ومع الطوائف الاخرى في آن واحد. مرد ذلك الى ان مشكلات التطور الاجتماعي لم تكن متجانسة. وفي حين قاد الصراع داخل النظام القديم الى انقسام أفقي احتشدت فيه العامة من الموارنة في وجه الاعيان من الطائفتين الدرزية والمارونية، لم يحدث في الطائفة الدرزية ما يوحد العامة ضد أعيانها، وكان الطابع الطائفي لحركات العامة الموارنة يحول دون أي حوار بينها وبين العامة من الدروز. فكان على هؤلاء ان يحاربوا وحدهم ضد الدروز مجتمعين، وضد الاعيان الموارنة في مناطق انتفاضاتهم. لكن التحالف بين الكنيسة والاعيان أعاد التضامن الداخلي او حدة الطائفة المارونية. فارسى تقاليد جديدة في تاريخ لبنان على اساس وحدة كل طائفية اولا ثم جرى تطعيمها بنوع من الديمقراطية التوافقية على قاعدة وحدة الطوائف المتعايشة على ارض لبنان المعاصر.

 

8. ومن النتائج المهمة التي تمخضت عنها النزات الدموية التي شهدتها مقاطعات جبل لبنان حتى اواسط القرن التاسع عشر تكمن في بروز طبقة العامة من المسيحيين الموارنة الذين انتفضوا ضد سلطة المقاطعجيين والنظام السياسي في جبل لبنان، بقيادتية الدرزية والمارونية معا. لكن توحيد الطائفة المارونية في مواجهة وحدة الطوائف الاخرى، أفشل المد التحرري الشعبي في حبل لبنان، وضمن للاعيان القدامى من جميع الطوائف السلطة والنفوذ من جهة، الى جانب بروز قيادات سياسية جديدة تنتسب الى عامة الموارنة من جهة أخرى.

 

9. لم يعد الزعيم المحلي القوي داخل طائفته مجرد تابع للسلطة المركزية الضعيفة والشكلية الى أبعد الحدود، بل لديه القدرة على عقد صفقات مع قوى إقليمية ودولية لحماية مصالحه الشخصية. ومن خلال الحفاظ على موقع ثابت في النظام السياسي الطائفي اللبناني، عرف الزعيم اللبناني الطائفي كيف يدافع عن مصالحه الشخصية مستخدما كل ما بحوزته من الروابط العائلية، والطائفية، والزبائنية، وتحالفات المصالح المتبادلة. فالغاية لديه تبرر الوسيلة. وكانت النزاعات الدموية احدى الوسائل القذرة التي ما زال الزعيم الطائفي يلجأ اليها. وما زالت جماهير الطوائف تعامل كرعايا بعد ان عجز أفرادها عن تأكيد هويتهم كمواطنين احرار في دول ديمقراطية عصرية.

 

 

 
التاريخ: 2010-05-20
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro