مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الهوية القومية والانتماء
 
كفروني، يوسف
 

 

 

 

الانتماء هو حاجة وجودية للفرد، الذي يكتسب انسانيته من خلال انتمائه الى جماعة. والوجود الاجتماعي يشكل بعدا أساسيا في تكوين شخصية الفرد وليس بعدا مضافا.

 

الانسان يولد ضمن جماعة، وينشأ ويتفاعل في اطر اجتماعية تطبعه بطابع معيّن.

 

الكلام عن الانتماء يعني ضمنا الكلام عن الهوية. فما هو انتمائي وماهي هويتي؟ وهل لدي انتماء واحد أو هوية واحدة؟ وما هي العوامل التي تحدّد الانتماء أو الهوية؟ هل هي عوامل ثابتة أو متحركة؟ وهل يختار الانسان انتماءاته أم هي مفروضة عليه؟

 

يحدّد أمين معلوف في كتابه الهويات القاتلة، مفهوم الهوية بالتركيز على التميّز لكل فرد، فيقول:

 

" هويتي هي ما يجعلني غير متماثل مع أي شخص آخر " ص14(–ترجمة د. نبيل محسن – ورد للطباعة والنشر –دمشق سورية –طبعة أولى 1999)

 

ويحدّد تشكل الهوية على المستوى الجماعي بردّها الى مجموعة من العناصر مثل: الانتماء الى تقليد ديني وإلى جنسية وأحيانا جنسيتين، والى مجموعة اثنية أو لغوية، والى عائلة أكثر أو أقل اتساعا، والى مهنة ومؤسسة ووسط اجتماعي ما. انتماء أكثر أو أقل قوة الى ريف أو قرية أو حي أو عشيرة أو فريق رياضي أو مهني أو الى جماعة من الأصدقاء، الى نقابة أو شركة أو حزب أو رابطة أو رعية أو جماعة من الأشخاص يمتلكون الأهواء ذاتها أو الميول الجنسية ذاتها أو العاهات الجسدية ذاتها أو الذين واجهوا الأذيات ذاتها." ص14

 

هذا التحديد الواسع للهوية لا يميّز بين هوية أساسية وهوية ثانوية ولا بين هويات يختارها الفرد وهوية يولد بها ولا يختارها.

 

يمكن تحديد الانتماء ولاحقا الهوية على أساس: رابطة دموية (العائلة –العشيرة –القبيلة) - رابطة مكانية (الحي-القرية –المدينة –المنطقة- الوطن) – رابطة دينية ومذهبية – رابطة اقتصادية: مهنية، نقابية – رابطة ثقافية وفكريةوفنية (منتديات وجمعيات أدبية وثقافية وفنية) – رابطة ترفيهية (جمعيات تجمع أصحاب هوايات مشتركة) - رابطة سياسية (الدولة –الأحزاب والجمعيات السياسية).

 

حتى لانضيع في تعدد الانتماءات والجمعيات وروابطها وعصبياتها، يجب أن ننطلق من الأساس الثابت الذي يضم جميع هذه الروابط وأنشطتها. ويجب أن نميز بين الانتماء الأساسي الثابت الذي لا حرية للفرد في اختياره وبين الانتماءات الثانوية والفرعية التي يختار الفرد معظمها بحرية.

 

يقول أنطون سعادة في الفصل السابع من نشوء الأمم:

 

"لا يختار الانسان المجتمع الذي يعيش فيه أكثر مما يختار والديه، ولكنه قد يخير أمه على ابيه أو العكس. ليس المجتمع أساسه الفرد. وفي المجتمع يختار المرء من ينشئ علاقات معهم اختيارا: لا يخلو من تقيد ". نشوء الأمم ص121

 

الانسان لا يختار وطنه ولا يختار أمته. حتى الذي يكتسب جنسية أجنبية يبقى مشدودا الى وطنه الأم ولن يشعر بهوية وطنه الجديد بشكل كامل، أبناؤه المولودون في الوطن الجديد يشعرون بانتمائهم الى الوطن الجديد أكثر وقد يمر أكثر من جيل حتى تفقد الهوية الأساسية تأثيرها وذلك بفعل الانقطاع وعدم التواصل.

 

 

يعتبر سعادة أن ركيزتي المجتمع أو المتحد هما المصلحة والارادة (المصلحة هنا هي المصلحة الاجتماعية لا الفردية وهي مصلحة أساسية ثابتة والارادة هنا هي ارادة المجموع في تحقيق هذه المصلحة)

 

 المصلحة هي التي تقرر العلاقات جميعها والارادة هي التي تحققها. المصلحة هنا هي كل ما يولّد أو يسبب عملا اجتماعيا. رابطة المتحد هي رابطة المصلحة فالمصلحة وراء كل متحد. وكلما نمت الحياة، ازدادت المصالح التي تولّد الاجتماع وقلّت المصالح المفرّقة (نشوء الأمم ص125)

 

في المتحد الراقي نجد المصالح جميعها تتنوع وتتعين بتنوعها، وتؤدي الى انشاء جمعيات من كل نوع منها تجمع كل جمعية الأفراد العاملين لمصلحتها. وهذه المصالح على ثلاثة أنواع:

 

1-النوع الأساسي ويشمل المصالح الحيوية والمصالح النفسية (العقلية)

 

المصالح الحيوية: أ-الجنسية وجمعياتها العائلة على أشكالها

 

ب-اللاجنسية، وهي ما تعلق بالغذاء واللباس والمدرأ، وتؤدي الى انشاءجمعيات زراعية، صناعية، تجارية، جمعيات الصحة والطب والجراحة،

 ا لمصالح النفسية: أ-المنطقية، علمية و فلسفية ودينية وتهذيبية، وتتحدد في 

 العلمية والفلسفية والدينية والتربوية (كنيسة-مدارس- الجمعيات - معاهد تهذيبية)

  

ب- الفنية وتتناول جمعيات الرسم والدهان والموسيقى والتمثيل والأدب

 

ج-المصالح الخصوصية، مصالح السلطة والجاه، والعاملون لها ينشئونالأندية الخاصة والجمعيات العسكرية والقومية

 

2- المصالح الاقتصادية البحتة، تتناول الجمعيات المالية والتجارية الكبرى والمصارف والشركات المتحدة وغيرها والاتحادات التجارية وجمعيات المستخدمين

 

3- المصالح السياسية الكبرى وأكبر جمعياتها الدولة ويأتي بعدها الأحزاب السياسية والجمعيات السياسية والقانونية والقضائية وهناك أيضا المصالح الاجتماعية العمومية وهي تشكل جمعيات التعارف والصحبة وأندية السمر والتسلية (نشوء الأمم ص128)

 

إذا فالمجتمع الذي يشكل بيئة اجتماعية واحدة ودورة عمران وحياة واحدة هو الإطار الحاضن لكل الجمعيات وروابطها التي ينشأ عنها انتماءات وهويات معينة. والهوية الأساسية التي تشكل السقف الأعلى لكل الهويات الفرعية والثانوية هي الهوية التي تعبر عن شخصية المجتمع وقضيته وحقوقه ومصالحه، هي الهوية القومية الوطنية.

 

وهي تقوم على أساس المصالح الحقيقية لا الوهمية لجميع ابناء المجتمع الواحد.

 

أي اعلاء لشأن هوية فرعية أوثانوية على حساب الهوية الأساسية هو تدمير للمجتمع وتهديد لمصالحه ووجوده.

 

المسيحيون في العالم لا يشكلون مجتمعا واحدا. انهم ينتشرون في عدة بيئات ومجتمعات متباينة في ثقافتها ومصالحها وكذلك المسلمون أيضا.

 

الانتماء الديني لايشكل هوية جامعة لمصالح جميع المنتمين الى دين معيّن. وكذلك الانتماء المذهبي.

 

مصالح المسلم السوري ليست هي مصالح المسلم الصيني أو الباكستاني أو الأفغاني....

 

ومصالح المسيحي السوري ليست هي مصالح المسيحي الأميركي أو الفرنسي أو الروسي...

 

التعدد الديني والمذهبي هوحقيقة ثابتة وواقع قائم في كل المجتمعات.

 

إذا اعتبر كل أتباع دين أو مذهب أن هويتهم الدينية أو المذهبية هي الأساس وربطوا مصالحهم بامتداد دينهم أو مذهبهم خارج المجتمع، تكون النتيجة تفكك المجتمع وضياع شخصيته وحقوقه ومصالحه.

 

الأديان والمذاهب المغلقة هي التي تجعل هويتها مرجعا أعلى وتنحدر الى حالة الاجتماع البدائي الذي يقوم على الرابطة الدموية العشائرية والقبلية المغلقة. وهذه هي حالة الدين اليهودي في المعتقد والممارسة. وهذه هي حال بعض الجماعات المسيحية والاسلامية التي تمارس واقعا منغلقا فتصبح أقرب الى اليهودية منها الى المسيحية أو الاسلام.

 

ان اعتبار المسيحية هوية جامعة لكل المسيحيين، فيها الكثير من التعميم الذي يخفي فوارق كبيرة بين المسيحيين في العالم، لابل في البلد الواحد. وكذلك الأمر بالنسبة للمسلمين وبالنسبة لأتباع أي مذهب.

 

الطائفية والمذهبية في المسيحية والاسلام هي نقض لجوهر المسيحية وجوهر الاسلام اللذين يشكلان في الحقيقة جوهرا واحدا.

 

شكلت المسيحية نقضا لمفاهيم الانغلاق والعنصرية، فليس هناك شعب مختار ولا اله خاص بشعب معين، ومرتبط بمكان محدّد للعبادة. فالله لجميع الناس.

 

أعمال الرسل  34:1 "الله لا يقبل الوجوه 35بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البرمقبول عنده".

 

والمسيحية في جوهرها تتعارض مع التمذهب والانغلاق ورسالتها وتعاليمها وأخلاقها مفتوحة على الدائرة الانسانية كلها وليست محصورة بجماعة معينة.وهي تعطي القيمة الأساسية للانسان ولا تقبل الجمود بشرع محدّد، " السبت جعل للانسان لا الانسان للسبت" مرقس 26:2

 

وجاءت الرسالة الاسلامية في الاتجاه ذاته، فالله هو رب العالمين. وجوهر الاسلام يتناقض مع الطائفية الدينية والمذهبية، وهو ضد الانغلاق والتعصب. رسالته وتعاليمه وأخلاقه هي ذات بعد انساني وليست محصورة في جماعة معينة.

 

يستسهل بعض الناس تصنيف أنفسهم وغيرهم تحت انتماء محدّد وهوية محدّدة يعزون الأفعال الايجابية والسلبية لأصحاب هذه الهوية كما يعزون إليهم صفات محدّدة سلبية أو ايجابية.

 

لا شك أن مثل هذه التعميمات هي غير دقيقة وخاطئة وبعيدة عن الواقع وتحمل مخاطر كبيرة.

 

الهويات القاتلة هي الهويات المبنية على التعميم السطحي وعلى الجهل والأوهام. وهي التي تصنف الناس مذاهب وطوائف وأقليات.

 

ليست الخطورة في انتمائي الى عائلة اوعشيرة أو مذهب أو دين، بالعكس هذا يعطي غنى لهويتي الشخصية كما يعطي تفاعل الجماعات المكونة للوطن غنى للشخصية الوطنية والقومية.

 

الخطورة هي في الانغلاق في احدى هذه الانتماءات ورفض من هو خارجها، واتخاذ مواقف نمطية من الذين داخل هذه الانتماءات ومن الذين خارجها.

 

الهوية المنطلقة من حقائق ثابتة ومصالح أساسية. هي هوية المجتمع التي تمثل المصالح الأساسية لجميع المواطنين وهي مصالح ملموسة وليست أوهاما ولا أحلاما وتمنيات خيالية. انها الهوية القومية الوطنية، وهي السقف الذي يستظله جميع المواطنين على اختلاف ميولهم ونزعاتهم وانتماءاتهم. وهي الهدف الذي يسعى الى محوه والغائه أعداء الأمة.

 

قبل حوالي المائة عام، كان اللبناني والفلسطيني والأردني يعبر عن هويته بكونه سوري، من سورية التي كتبت بداية تاريخ البشرية والحضارة الانسانية والتي واجهت تحدي روما كما يقول توينبي بالرسالتين المسيحية والاسلامية.

 

لقد تم ضرب هذه الهوية باتفاقية سايكس – بيكو ووعد بلفور وباقتطاع أجزاء غنية من الوطن السوري واعطائها للأتراك (كيليكية والاسكندرون). والآن يحاولون ضرب النواة المتبقية، أقصد الجمهورية العربية السورية، باثارة فتن طائفية ومذهبية، في مخطط جهنمي يهدف الى كسر الارادة المقاومة لسورية من خلال تقسيمها وتفتيتها.

 

المواطنة والهوية القومية الوطنية الجامعة هي الرابطة الأساسية التي يجب أن يتمسك بها جميع أبناء الوطن.

 

وبالعقل والحوار والمنطق يرسمون حاضرهم ومستقبلهم ويواجهون الصعوبات والتحديات الداخلية والخارجية. وبالتأكيد على مبدأ التسامح الديني والمذهبي والسياسي واحترام التنوع والابتعاد عن منطق التكفير والتخوين، يصونون وحدتهم ويواجهون المؤامرات الخارجية الهادفة الى ضرب غنى تنوعهم، مدخلا لتقسيمهم وتفتيتهم والغاء استقلالهم وكسر ارادتهم.

 

لا يمكن بناء نظام سياسي يؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية في ظل ثقافة انغلاق الجماعات، وانعزالها وتقوقعها وتطلع بعضها الى الخارج للاستقواء به.

 

النظام الديمقراطي يتطلب بناء ثقافة المواطنة التي تنطلق من المساواة بين جميع أبناء الوطن دون أي تمييز، ودون وجود حواجز طائفية ومذهبية....

 

هل نربي أولادنا على الطائفية والمذهبية والتعصب، أم على المواطنة والتسامح والانفتاح؟

 

ماهو دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والاعلامية وما هو دور السلطة السياسية في بناء الاستراتيجية التربوية لترسيخ المواطنية وبناء علاقات الانفتاح والتفاعل بين كل مكونات الوطن؟

 

 

 

 

  

 

 

 

 
التاريخ: 2021-05-28
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro