مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
خسئت الأيدي الممتدة الى جرح سعاده !
 
الدبس، ربيع
 

 

 

بدافع ظاهره «الحب والحرص، ليس الا»، ينبري بعض المتطفلين على الثقافة والادب الى «تناول الفكر النهضوي الفذ الذي اتت به الحركة السورية القومية الاجتماعية بعبقرية مؤسسها وعطاءات مناضليها ومفكريها وادبائها ومثقفيها، بخفة النظر الجزئي الى الامور، وبموقع المنحاز الذي اعماه التعصب عن رؤية الامور على حقيقتها وفي حجمها وحيثياتها.

 

من ذلك مقالة نشرتها مجلة «الشراع» مؤخرا في باب «قضايا» وتحت عنوان «صراع ملتهب بين القروي وسعاده» للشاعر لامع الحر. وقد صدمنا فعلا ان يكون صاحب المقالة قد اهمل المفاصل الاساسية لما دعاه «الصراع الملتهب» بين واضع اسس الوحدة الاجتماعية لامة جزأها الاستعمار وقصم ظهرها داء المذهبيات، وبين شاعر عزف على الوتر الطائفي واسّس لفتنة قذرة في المغترب البرازيلي بين ابناء الوطن الواحد الوافدين من وطنهم الام اليه. وزاد في صدمتنا ان «الحر» لم يكتف بالمقارنة بين رجلين ليس من المنطق الموضوعي المقارنة بينهما، بل وضع القروي في هالة «الكبرياء والصولجان والاعتداد والموهبة الفذة والشعر الجميل الهادئ المنساب الرقيق». في حين الصق بسعاده تهم «التناقض، والمواقف الشخصية الموتورة، والسعي الحثيث لالغاء الآخر بشكل اعتباطي حينا، وبشكل مدروس حينا آخر، والوقوع في مطب انكار شاعرية القروي، والتركيز على النقاط السخيفة في نسبة تأثر الشاعر القروي بالدكتور خليل سعاده، والتحرش بشعراء آخرين كأبي ماضي، والتناقض البيّن في اقواله بسبب نزعة التجني والتشفي المهيمنة عليه...». الخ.

 

هكذا، وبكل صفاقة، يتنطح واحد من الغرباء عن القضية - قضية المجتمع الانساني في سورية الطبيعية، قضية التربية والتثقيف والتوعية لمعنى الحياة ومعنى الوجود، لمعنى العزّ وفحوى الكرامة، لمعيار السمو النفسي في مقابل الانحدار الخلقي والمناقبي. ولقد صدق سعاده في امثال هذا الغريب عن القضية حين قال: يا لذل قوم لا يعرفون ما هو الشرف وما هو العار.

 

لقد اظهر «الحر» جهله المطبق بتعاليم النهضة وجهله المطبق بمراميها ومفاهيمها ومطالبها العليا فرصف كلمات الكيد والحقد المعششين في نفسه، العمياء عن كل شيء الا عن الدفاع الشيطاني عن رشيد سليم الخوري. فعندما ذكر توصيف سعاده له تعمد اهمال الحيثية التي ادت الى ذلك الوصف. وعندما اعلن سعاده موقفا من طروحات شكيب ارسلان كان لذلك الموقف اسبابه الواضحة ايضا. لكن ذلك كله مطموس عند لامع الحر. حتى اشادة سعاده بسعة الافق الفكري لدى الشاعر شفيق معلوف، لم تجد عند كاتب المقالة استحقاق لذكرها. وقد بلغ بكاتب المقالة «الحرص» انه جعل العصبة الاندلسية ذات رؤية تجديدية جعلت اعضاءها «يتفاعلون مع قضايا امتهم تفاعلا يجعلهم جزءا من كيانه وحركته وسعيه الى التحرر» في حين رأى الرابطة القلمية «تهتم اكثر بالقضايا الانسانية العامة وقضايا الدين والتراث الصوفي ولا تخفي تأثيراتها بالغرب.» 

 

فاذا كان جبران خليل جبران - الذي يعتبر القائد الفعلي للرابطة القلمية - لم يتميز بالدعوة الى التحرر ولم يتفاعل مع قضايا امته تفاعلا يجعله جزءا من كيانها وحركتها وسعيها الى التحرر... اذا كان جبران لم يضطلع بالدور التجديدي بل الانقلابي في الرابطة القلمية، واذا كان كل ما كتبه عن المؤسسات الدينية المغلقة والاقطاع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتضييق على المرأة - اذا كان كل ذلك لا يجعله في مصاف «العصبة الاندلسية»، فلم كل هذا التأثير لكتب «الارواح المتمردة» و«عرائس المروج» «والنبي» و«حديقة النبي» و«رمل وزبد؟»

 

ومن المؤسف ان يلجأ كاتب المقالة الى الفصل المطلق بين الادب والسياسة. اليس الاديب الحق منارة الجماعة وقدوة العصر؟ اليس المثقف خفير القيم؟ وما موقع الاديب المنخرط في عملية التجزئة باسم الدين الذي يتزيا به ساعة يشاء وفقا لمصالحه واهوائه؟. 

 

يقول عبدالكريم غلاب في كتاب له قيّم، ان تخلف التفكير في العالم العربي ربما «كان راسبة من رواسب التخلف الفكري، او نتيجة لغياب الفكر العلمي مدة طويلة من الزمان لحساب الفكر الادبي. (1) »

 

وبالفعل لقد خبط «الاديب» لامع الحر في مقالته خبط عشواء وتطرق الى امور لا نسمح لانفسنا ان ننجر للرد عليها لانها من التفاهة بحيث تدل على نفسها دونما دليل. ولكن خسئت الاصوات التي تحاول النيل من قامة سعاده.

 

اما الديمقراطية التي يتحدث عنها فلا يمكن ان تكون ديمقراطية الفتنة الطائفية والتفرقة بين الاديان لان واجب القروي والحر كما هو واجب الجميع: التركيز على الجوامع في الاديان لا على الفوارق. ان ديمقراطية الوطن وديمقراطية السماح الديني ترفض فوضى العنعنات الطائفية المزعومة ديمقراطية. واذا كان سعاده قد وصف احدى قصائد القروي الاباحية لدرجة الانحطاط بالقصيدة المجرمة التي بدت فيها «الحيوانية المادية مجردة حتى من روعة الوحشية، او قل هي وحشية منحطة»، فذلك لان في المقطوعة «الخورية» كمّا من الاسفاف الغرائزي يستحيل هضمه. وربما لم يسمع لامع الحر بقول همرشولد مخاطبا الانسان: «لا تستطيع ان تداعب الحيوان الذي فيك الا وتصبح بالكلية حيوانا. (2)»

 

لقد فصل العقل «الالمعي» بين السياسة والادب ولم يفصل بين السياسة والدين فحلل الفصل الاول وحرّم الفصل الثاني. وهنا الاغلوطة الكبرى. يقول سعاده عن الدكتور فخري معلوف في احدى رسائله الموجهة الى غسان تويني: «... شرحت له عدم تدخل نهضتنا في اية مسألة من مسائل الايمان الديني وعقائده المتعددة والمتنوعة(3).»

 

واني لاذكر خلال متابعة دراستي في مرحلة الماجستير ان اثنين من اترابنا في الجامعة تنافسا على كتابة الرسالة الجامعية عن القروي وكل منهما يزايد على الآخر في حبه للقروي بداع وحيد هو ان الاخير قد غير دينه من المسيحية الى الاسلام معتبرا ان سيف «محمد اجدى من محبة عيسى». وكلا الرأيين متهافت حتى السفسطة لان الاسلام لا يمكن اختصاره بسيف كما لا يمكن اختزال المسيحية بالمحبة المثالية، هذا في جوهر الدعوة، فكيف بهما بعد الملحقات الاجتهادية والعرفية والحقوقية، اضافة الى ما ليس له علاقة بجوهر الدين والعقيدة.

 

يقول سعاده: «في نظري ان المسيحية دين وعقيدة، وان المحمدية كذلك، وان الكثلكة والافروتسطنتية والارثوذكسية وغيرها، وان السنية والشيعة والاسماعيلية وغيرها، فروع دخل فيها كثير من المسائل الفرعية او المصاحبات السياسية». ويتابع سعاده ان الخوض في قضايا لاهوتية هي من شؤون الوجدان الفردي الخاص «يجب ان لا تثير وان لا نسمح بأن تثير قضية اجتماعية -سياسية». ويخلص الى الاستنتاج: «لا يمكننا ونحن نبغي الصحيح ان ننظر الى الدين بمنظار سياسي ولا الى السياسة بمنظار ديني. يحسن ان يكون الانسان مؤمنا في الدين ولا يحسن ان يكون مؤمنا في السياسة». ويتابع سعاده: «ان الايمان الديني يمتحن به الانسان في دينه لا في قوميته...» وما دام الحساب بيد الله فلنخفف قليلا من غلوائنا فلعل الله يريد امرا على غير ما يراه عباده. (4).»

 

ان الشغل الشاغل لسعاده يا من ضل طريق «البحث عن الحقيقة» لم يكن مهاجمة الشاعر القروي، «فهدفنا العملي الاول في مغتربينا هو: توليد الوجدان القومي في اوساطهم...» (5) اما الرد على القروي فجاء في سياق التصدي لمحاولات الاخير ان يوسع الشرخ الطائفي بين ابناء الجالية السورية في البرازيل، فتصدى له سعاده في سلسلة مقالات بعنوان «جنون الخلود» توسع الحديث فيها عن معنى الادب ومعايير النقد، وعن مفهوم الدين وظروف البيئة التي تنشأ فيها الديانات، مركزا على المسيحية والمحمدية ومجريا مقارنة تاريخية وفكرية رائعة بينهما شهد له فيها امراء الكنيسة وائمة المساجد المتنورون، وبعدما استكملت المقالات في النصف الاول من الاربعينات، عاد الحزب فطبعها في كتاب بعنوان: «الاسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية». وقد توجه سعاده بالنداء التالي منبها» من خطر الحزبية الدينية التي اضعفت الامل بالمستقبل القومي واحيت احقادا كادت تتلاشى: «ايها السوريون المقيمون والمهاجرون ارحموا انفسكم وعيالكم وذريتكم يرحمكم الله. انبذوا الذين يريدون بكم شقاقا، والتفوا حول الذين يريدون بكم وفاقا، واتركوا قضايا الاخرى للاخرى، وتعالوا الى كلمة سواء تجمع شملنا وتعيد الينا وطننا واهلنا وعزنا وكرامتنا وحقوقنا ومصالحنا، الى القومية السورية الاجتماعية، التي هي رابطة كل سوري وسورية بكل سوري وسورية، ورابطة الاجيال السورية الماضية والحاضرة والمقبلة». (6).

 

كما رأى سعادة ان على كل فريق من المواطنين ان يعترف بصحة دين الفريق الآخر وعدم اللجوء الى تسفيهه. لكن الضابط - كما يقول سعاده - يكون من العلم ولا يمكن مطلقا ان يكون من الجهل. لذلك ادعى «الحارض» القروي انه يحاضر، وفضل رسولا على رسول، دون ان يفقه ظروف البيئة والعوامل التي ساهمت بأن يكون في تعاليم احدهما ما ليس في تعاليم الآخر والعكس بالعكس: «فالمقابلة ليست بين المسيح ومحمد، بل بين سورية والعربة من حيث هما وضعان اجتماعيان متباينان اقتضى كل منهما منحى خاصا في الدين. اما الرسالتان الدينيتان فغرضهما وجوهرهما واحد (7).»

 

اما اختلاف الانجيل عن التوراة والقرآن فهو في انه ليس شريعة بل تعاليم فلسفية مناقبية... الا ان الفرق بين المسيح ومحمد نبع من ظروف النشأة في مجتمعين مختلفين(8).

 

لكن الديانتين او الرسالتين وجدتا لتحسين الخليقة، والدين وجد للانسان لا الانسان للدين كما يقول العلامة خليل سعاده الذي استدل لامع الحر على «تقدم القروي عليه اهمية» بسؤاله: من يسمع اليوم بخليل سعاده? ونحن نقول له وللسذج امثاله :هل الشهرة دائما دليل جودة? اليس قاطع الطريق احيانا اشهر من العبقري المغمور? اليس الجيل المعاصر ملما بعادل امام اكثر من المامه بطه حسين? واذا كان جيل لامع الحر لم يسمع برواد النهضة او لم يتأثر بهم فهذه مشكلته وقصوره الفكري لا مشكلة الرواد من امثال الكواكبي والشميل وفرح انطون وخليل سعاده وبطرس البستاني واليازجيين وجبران والريحاني وغيرهم. لكن «الانا» لا تتقاطع مع «النحن» ولن تتقاطع.

 

اما دعوة «الحر» القوميين الى اعادة النظر في القروي «من الناحية الفنية لا السياسية، لينصفوا الرجل بعد هذه الحملة الشعواء عليه»، وذلك بعد قوله: «المهم ان الرجلين كان يجب ان يتفقا وليس ان يختلفا».....

 

فدعوة اقل ما يقال فيها انها خبيثة وباهتة في آن. فهو يعرف ان القوميين الاجتماعيين لا يساومون على المبدئيات ولا يجاملون في الثوابت. لكنه يجهل اغوار القضية التي عبّر عن احدى ميزاتها قول سعاده: «اذا لم يكن لنا توافق مع غيرنا وقامت حركتنا تريد ايجاد توافق اصطناعي، كانت المحاولة فاشلة لا محالة . (9)»

 

هذا اذا اغفلنا الرد على مسألة الامور الشخصية التي دعا الحزب بقلم مؤسسه الى نبذها هي والنزعة الفردية التي اعتبرها شديدة الخطورة على سلامة الشعور بالمسؤولية العامة.

 

وبعد

 

ايها المسمى لامعا!.

 

انقل اليك وجهة نظر رفيقنا البحاثة جان داية الذي كتب مرة انه كان يعتبر سعاده قد قسا على القروي احيانا في ردوده، الى ان قرأ جيدا ما كتبه القروي، فعجب كيف ان سعاده لم يكن اقسى.

 

ايها المدعي الموضوعية والتجرد،

 

تذكر، انه لا بأس ان نكون طغاة على المفاسد، واننا نرفض وضع يد امثالك في جرح سعاده العظيم.

 

تذكر، ان العبد الذليل لا يمكنه ان يمثل امة حرة، فهو يذلها». (10).

 

تذكر، ولو رغما عنك «ان مأساة الحرية الكبرى ليست المعارك ولا السجون. انها اقلام العبودية في معارك الحرية».

 

مراجع

1- غلاب، عبدالكريم، ازمة المفاهيم وانحراف التفكير، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1998 ص9.

2- داغ همرشولد، مثقف سويدي، امين عام سابق للامم المتحدة سقطت طائرته في ظروف غامضة.

3- سعاده، انطون، شروح في العقيدة، بيروت، 1958، ص 27

4- المرجع نفسه، ص 36،38،48،50

5- المرجع نفسه، ص 84

6- سعاده، الاسلام في رسالتيه، ص 275. وانظر ايضا الجزء الثاني عشر من الآثار الكاملة، ص 69

7- سعاده، الاسلام في رسالتيه، ص 46

8- المرجع نفسه، ص 49- 55

9- سعاده، المحاضرات العشر، ص 176

10- سعاده، طبعة جنون الخلود، ص 28.

لقد فصل العقل «الالمعي» بين السياسة والادب ولم يفصل بين السياسة والدين فحلل الفصل الاول وحرّم الفصل الثاني وهنا الاغلوطة الكبرى

يقول سعاده: «في نظري ان المسيحية دين وعقيدة، وان المحمدية كذلك وان الكثلكة والافروتسطنتية والارثوذكسية وغيرها، وان السنية والشيعة والاسماعيلية وغيرها،

فروع دخل فيها كثير من المسائل الفرعية او المصاحبات السياسية»

 

 
التاريخ: 2021-05-21
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro