مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الزواج المدني والإندماج اللاطائفي
 
كفروني، يوسف
 

 

 

 

  

ماذا يعني الاندماج اللاطائفي؟ هل ثمة ضرورة له؟ وهل توجد علاقة بينه وبين الزواج المدني؟

 

مصطلحات الانصهار الوطني –الاندماج أو الدمج اللاطائفي –تستخدم بهدف التشديد على الوحدة الوطنية والمصلحة العامة، لأن الواقع الطائفي الذي يجعل من كل طائفة أمة يشكل منفذا خطيرا للمؤامرات الأجنبية، وسببا رئيسا للصراعات الداخلية المدمّرة.

 

التشديد على الانتماء الوطني والقومي لا يعني إلغاء الجماعات المحلية ولا إلغاء خصوصياتها المذهبية أو الأثنية، وفكرة الدمج اللاطائفي تعني التركيز على القضية الوطنية الجامعة وتساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ولا تعني أبدا إلغاء الطوائف ولا دمجها ببعض، وإنما تعني إلغاء الحواجز القائمة بينها والمعطلة لفكرة الوطن والمواطن.

 

الكل يشكو من العلّة الطائفية نتيجة الكوارث التي أسهم بها النظام الطائفي في لبنان، والغالبية متمسكة به، وكأنما العلّة هي في طائفية الآخر فقط.

 

 الزواج المدني ليس هو الحل لمشكلة الاندماج الاجتماعي والوطني، ولكنه دالّ عليه وعلى مسألة أساسية هي مسألة الحقوق المدنية للمواطن.

 

 

                       ۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

 

 

تأسّس النظام السياسي في لبنان على الأساس الطائفي، والهدف المعلن لذلك هو تحقيق العدل والتوازن بين الطوائف مع الحفاظ على النظام العام. وقد نصّت المادة 95 من الدستور اللبناني1926 قبل تعديل الطائف على: "بصورة مؤقتة والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة".

 

 بعد تعديل الطائف نصّت المادة:

 

"على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية مهمّة الهيئة دراسة الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطّة المرحلية".

 

لم يتحقق الهدف المعلن من اعتماد النظام الطائفي. فلم يتحقق العدل ولم يتأمّن النظام ولا الأمن والاستقرار. وبقي تعديل المادة نصّاً معلّقاً.

 

لقد جرى تطبيق نظام المحاصصة الطائفية في إطار الوظائف والمناصب السياسية في الدولة فقط. وليتهم عمموا هذا النظام في مجال القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي، حيث كان التعيين يتم في الأغلب على أساس لون طائفي أو مذهبي واحد.  فاتسمت القطاعات الاقتصادية بألوان مذهبية محدّدة حسب كل قطاع وحسب كل شركة أو مؤسّسة.  وامتدّت العدوى الطائفية في كل النسيج الاجتماعي، من الاجتماع والاقتصاد إلى الرياضة والثقافة وصولاً إلى الحركات والأحزاب السياسية.  

 

إن اعتماد مبدأ المحاصصة الطائفية هو التأكيد على غياب العدل. لأنه في حال وجود دولة عادلة لا معنى للمحاصصة.  إن المشكلة الطائفية في لبنان وخارج لبنان، لا يمكن أن تحلّ عن طريق نظام طائفي ولا عن طريق خلق دولة طائفية. فلو كان لكل طائفة تعاني من مشاكل اجتماعية أو سياسية في مجتمعها، الحق في إقامة دولة خاصة بها لتمزّقت معظم الدول والمجتمعات في العالم.  وهذا هو المنطق الذي اعتمدته الحركة الصهيونية في تأسيسها وفي عملها لخلق الدولة اليهودية.

 

إن المشاكل الطائفية والمشاكل الأثنية هي مشاكل مرتبطة بقضايا التحرر الاجتماعي والسياسي.  وحلّ هذه المشاكل لا يكون بتمزيق المجتمعات الطبيعية وخلق دول انفصالية على أساس طائفي أو أثني.  ولا بخلق نظم عجيبة لا تخدم العدالة والمساواة. وإنما بالنضال لتحقيق التحرّر الاجتماعي والسياسي للجميع، دون تمييز ديني أو طائفي أو أثني أو جنسي.  

 

لقد اعترفت الدولة اللبنانية بالطوائف الدينية كشخصيات معنوية وأعطتها صلاحيات كبيرة وخطيرة.  

 

جاء في المادة التاسعة من الدستور:

 

"حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال بالنظام العام وهي تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية".

 

في هذه المادة تنازلت الدولة عن أهم سلطة من سلطاتها وهي سلطة التشريع والقضاء، ووضعتها بيد الطوائف، التي امتلكت بذلك أخطر سلاح يمنع قيام الدولة القويّة والعادلة.

 

فحضر مجتمع الطوائف وحضرت دولتهم وغاب مجتمع المواطنين وغابت دولتهم.  

 

 

                      ۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

 

 

الزواج المدني

 

طرح مشروع الزواج المدني أكثر من مرة، كان آخرها في عهد الرئيس الياس الهراوي. وقد جرت مواجهته من قبل المؤسسات الدينية عامة، بحملة تعبئة طائفية وتكفيرية وتشويه متعمّد لمضمونه وطارحيه.

 

وأبرز الحجج المسوقة ضد الزواج المدني:

 

- مخالفته للدستور اللبناني

 

- عارضه مع أحكام الشريعة الدينية

 

- فشله حيثما طبّق في الغرب

 

- سبب للفتنة الداخلية

 

 التناقض قائم حاليا وبشكل كبير في تشريعات الأحوال الشخصية بين الطوائف والمذاهب المعترف بها وهو تناقض أكبر بكثير من التناقض الذي يمكن أن يوجد بين قوانين الزواج المدني وبعض التشريعات الدينية.  أما الفتنة الداخلية فهي حاضرة باستمرار وقد شهدنا ويلاتها ومآسيها الكثيرة علماً أن قوانين الزواج المدني غائبة كلّيا ولا يحضر في مجال الأحوال الشخصية إلاّ القوانين والتشريعات والمحاكم التي ترعاها وتديرها الطوائف والمذاهب المعترف بها.  لذلك فلا يجوز أن يسأل عن الفتنة سوى النظام الطائفي وأركانه الذين حكموا وتحكّموا في هذا البلد منذ نشأته.

 

لن أناقش رجال الدين فيما يرونه موافقا أو غير موافق للتعاليم والتشريعات الدينية، فمن حقهم التقرير في هذا الشأن.  ولكن سأناقش أساس مفهوم الدين. هل يقوم الدين على الإكراه أم على الحرّية؟ وهل أعطي لأحد من الناس صفة الديّان؟

 

دائرة الدين هي دائرة التوحيد والانفتاح على المطلق. والدين يعطي المؤمن القوّة والأمل ويطرد منه الخوف، وهو دعوة إلى التحرّر، يقول المسيح في إنجيل يوحنّا 32:8 تعرفون الحق والحق يحرركم. في الدين نجد قيم التضحية والعطاء والمحبة وعدم اعطاء الأولوية للاهتمامات المادية.

 

تعني كلمة دين في اللغات السامية، القضاء والحكم والحساب، والدين هو الإيمان بالدين أي بالحساب في اليوم الأخير.

 

جاء في انجيل متّى 1:7 لا تدينوا لكي لا تدانوا.  والله في المسيحية هو الديّان في اليوم الأخير، وكذلك في الاسلام فالله هو مالك يوم الدين (الفاتحة)

 

لا معنى للدين خارج مفهوم الحرية. فبأي منطق يحاكم إنسان غير حرّ في قناعاته وممارساته؟

 

ما معنى محاسبة إنسان في اليوم الأخير إذا كان مكرها على تأدية سلوك ديني معيّن؟

 

سورة البقرة 256 "لا إكراه في الدين. قد تبيّن الرشد من الغيّ"

 

سورة يونس 99 "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"

 

كل انسان مسؤول عن عمله وليس عن عمل غيره مهما كان قريبا منه، فالمسؤولية هي فردية وليست جماعية.

 

سورة النساء111"ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه"

 

الجاثية15 "من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها"

 

المدثّر38 "كل نفس بما كسبت رهينة"

 

الدين يخلق في ضمير الفرد المؤمن قوة ضبط أخلاقي وقوة ردع ذاتية تمنعه من القيام بما يتعارض مع إيمانه وقناعاته. والمؤمن يستطيع ممارسة إيمانه تحت مختلف الظروف والأحوال. وإلزام الناس بممارسة سلوك معيّن باسم الدين هو أمر مناف للدين والأخلاق وضد مبدأ الحرية التي هي حق مقدّس لكل فرد.

 

المؤمن الحقيقي يتحدّى كل الصعوبات ويواجه الموت دون خشية في سبيل الدفاع عن إيمانه.

 

فكيف يكون الأمر بوجود دولة تؤكّد على حرّية الإيمان والمعتقد وتتّخذ موقفاً محايداً من جميع المذاهب والأديان.

 

في الدول التي يطبّق فيها الزواج المدني يوجد الكثير من الذين يرفضون الزواج من خارج مذاهبهم. والمؤمنون يلجأون إلى إجراء الزواج الديني بعد عقده مدنياً في الدولة.

 

ولكن الانسان يرفض أو يقبل، ويمارس ما يمارس، بناء على قناعاته وخياراته التي يمارسها بملء حرّيته، ولا أحد وصيّ عليه في أهم مسألة تعنيه، وهي الزواج وبناء أسرة.

 

القوانين المدنية لم تلغ الإيمان ولا حرّية الممارسة الدينية، وقد أصبح الفرد في الدول المدنية أكثر تحرّرا، فهو ليس بحاجة إلى اتباع المداورة والكذب في التعبير عن الإيمان أو عدمه.

 

ويبقى الدين قوّة ردع ذاتية، والتزام داخلي للقيام بسلوك معيّن أو تجنّب عمل ما. بينما الدولة هي قوّة ردع موضوعية، وإلزام خارجي يمنع الفرد من القيام بسلوك ما.

 

إن قوانين الزواج المدني في المجتمعات الغربية على تنوّعها هي أقرب إلى الشرع الإسلامي، وتناقضها الأكبر هو مع الكنيسة المسيحية التي تعتبر الزواج سرّا مقدّسا. وبالرغم من التناقض الكبير بين الكنيسة المسيحية والزواج المدني، فقد تم إقراره في جميع الدول الغربية، وهذا لم يؤدّ إلى إلغاء الكنيسة ولا إلغاء الدين، ولم يمنع المؤمنين من ممارسة إيمانهم بالطريقة التي يريدونها. لا بل إن هذه الحالة ساهمت بترقية السلوك الديني، فأصبح انتماء المواطن إلى جماعة دينية ما، انتماءً حرّاً غير خاضع للضغوط أو الإكراه تحت تأثير الموروثات أو التقاليد والأعراف وسلطات الأمر الواقع.  

 

 

                               ۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

 

 

الزواج المدني ليس عقداً وقتياً ولا عقداً طارئاً، بل يفترض صفة الديمومة ويجيز الطلاق ضمن شروط محدّدة، وينطلق من مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. إنه مؤسسة قانونية تنشأ بموجب عقد رسمي بين رجل وامرأة غير مرتبطين بزواج سابق.  وبما أن القوانين التي تحكم الزواج المدني ومفاعيله هي قوانين مدنية، فلا بد لها أن تتأثر بثقافة المجتمع الذي يتم التشريع له.  وهذه القوانين خاضعة للتعديل وفق آليات محدّدة على ضوء تطور المصالح والحاجات الاجتماعية.

 

الزواج هو في طبيعته الأصلية عقد مدني بين ذكر وأنثى، يقتضي الإيجاب والقبول والإشهار الذي يجري إعلانه غالبا بحفلة فرح عامة.  إنه بكل أشكاله ومنذ بدايته كان مدنياً، وفي القرون الأولى للمسيحية كان يعقد في محاكم الدولة، قبل أن يصبح سراً من أسرار الكنيسة، وقبل تحريم الزواج المختلط في القرن الخامس الميلادي.  والزواج في الاسلام هو عقد مدني في الأساس لا يشترط فيه موافقة القاضي الشرعي، ولا إجراؤه على يد شيخ من علماء المسلمين. والاشتراط في عقد الزواج لكل من الرجل أو المرأة جائز في الفقه الحنبلي وهذا ما يجعله قريبا جدا من عقد الزواج المدني كما هو مطبّق في بعض الدول الغربية.  وقد نصّت المادة 19 من قانون الأسرة الجزائري " للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق كل الشروط التي يريانها ضرورية، ولا سيما شرط عدم تعدّد الزوجات وعمل المرأة، ما لم تتنافى هذه الشروط مع أحكام هذا القانون "

 

الزواج المدني ليس حلاّ لمشكلة الخارجين من طوائفهم أو الملحدين كما يدّعي البعض.

 

وليس حلاً لمشكلة الاختلاط كما يدّعي البعض الآخر.  فالسلطات الدينية لدى مختلف الطوائف تتجاهل الكذب الذي يلجا إليه المواطنون لحلّ بعض المشاكل المستعصية، مثل تغيير المذهب بدافع المصلحة وبعيداً عن الإيمان لعقد زواج أو لتسهيل معاملات الطلاق، أو لمسائل الإرث، ولا تتردّد في إجراء عقود الزواج للكافرين والملحدين.

 

الزواج المدني هو طريق العبور الصحيح إلى الدولة.  فلا يجوز أن تكون سلطة التشريع والقضاء بغير يد الدولة.

 

إن وحدة التشريع والقضاء في الدولة هي مسألة لا غنى عنها للاستقرار والتقدّم، والشعور بالمساواة بين أبناء الوطن الواحد.

 

الموقف الموحّد عند كل الطوائف والمذاهب الدينية في رفض الزواج المدني، ينبع من التمسك بالمصالح الناجمة عن سلطتها في مجال الأحوال الشخصية من جهة والمحافظة على عصبية الطائفة بالتشديد على تميّزها ورفض اختلاطها بالآخرين من جهة ثانية.  

 

الزواج المدني الذي ينطلق من مبدأ المساواة بين المواطنين دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس، هو دليل ملموس على تطور الحريّة واحترام حقوق الانسان، وهو بهذا يلتقي مع جوهر الدين المسيحي والإسلامي، ويتناقض مع حالة الانغلاق اليهودي التي تلتقي معها حالات الانغلاق المذهبي كافة.

 

ورد في التوراة في سفر التثنية 2:7-3 "لا تقطع لهم عهدا ولا تشفق عليهم ولا تصاهرهم.  بنتك لا تعط لإبنه وبنته لا تأخذ لابنك".

 

وجاء في سفر عزرا 2:9-3 "لأنهم اتخذوا من بناتهم لأنفسهم ولبنيهم واختلط الزرع المقدّس بشعوب الأراضي، وكانت يد الرؤساء والولاة في هذه الخيانة أولا، فلما سمعت بهذا الأمر مزّقت ثيابي وردائي ونتفت شعر رأسي وذقني "

 

وطرد عزرا كل النساء والذين ولدوا منهن، عزرا3:10

 

حالة الانغلاق هذه تتناقض مع الروح المسيحية والاسلامية وتتناقض مع جوهر الحرية الانسانية ومع الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أقرته الجمعية العامة بالاجماع في 10 كانون الأول 1948.

 

جاء في المادّة السادسة عشرة منه:" للرجل والمرأة متى بلغا سنّ الزواج حق التزوّج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله ".

 

ولبنان هو من الدول الموقّعة على الإعلان ويلتزم بدستوره المواثيق الدولية.

 

إن عدم تشريع الزواج المدني في لبنان هو ثغرة كبيرة في مفهوم الدولة العصرية التي لها وحدها حق التشريع، وعليها الالتزام بالمواثيق الدولية التي وقّعت عليها، ومن واجباتها تأمين الحرية والمساواة لجميع المواطنين دون أي تمييز.

 

ندعو الدولة إلى استعادة حقّها التشريعي في قضايا الأحوال الشخصية كما هي الحال في الدول العربية.

 

ولا نجد مانعا من قيام قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية ينطلق من واقع المجتمع وروحيته، ويستند إلى التشريع الإسلامي كمصدر أساس من مصادر التشريع.  فقد حقّقت المذاهب الفقهية على تنوعها ارتقاء كبيرا في مجال التشريع وهذه الثقافة القانونية هي ملك لجميع الناس مسلمين وغير مسلمين.  ولكن يجب ألاّ نقع في الجمود والتحجر، "لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحيي" (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 6:3)

 

يخضع المسلمون اليوم في معظم دول العالم ومنها الدول الاسلامية إلى قوانين مدنية، فهل يجوز تصنيفهم مرتدين؟ فما المانع إذن من تعميم الحالة المدنية على قوانين الأحوال الشخصية؟ وهل المسلمون الموجودون في الدول الغربية وحيث تطبّق القوانين المدنية للأحوال الشخصية هم أقل إسلاماً وإيماناً من الخاضعين للقوانين المذهبية؟

 

هل المشكلة هي في مساواة المرأة بالرجل وفي الاختلاط بالطوائف الأخرى؟

 

أليس كل انسان هو المسؤول أولاً وأخيراً عن خياراته وهو الذي يتحمّل وزر أعماله، خيراً كانت أم شرّا؟

 

 لا أدعو لقانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، فهذا ليس حلاّ وهو بأحسن الأحوال يضيف طائفة مدنية على الطوائف الدينية القائمة.

 

يجب ان يكون التشريع والقضاء في الأحوال الشخصية بيد الدولة من خلال قانون مدني موحّد يستند إلى التشريع الاسلامي كمصدر من مصادر التشريع وإلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويعتمد قاعدة الاشتراط في عقد الزواج للمرونة وإتاحة عدّة خيارات، ويؤكّد على مبدأ المساواة بين المواطنين وبين الرجل والمرأة.

 

أمامنا خيار الاستمرار في هذا النهج الطائفي وتحمّل النتائج المترتّبة عليه، أو خيار بناء صيغة وطنية للمجتمع والدولة. ولا يوجد مدخل للصيغة الوطنية إلاّ بتعميم مبدأ المساواة والحرّية دون أي تمييز، وذلك ببناء دولة المواطن ودولة القانون الواحد للجميع، لا دولة الطوائف والمذاهب.

 

مصالح الناس هي واحدة على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، ولا يوجد في الواقع الفعلي مصالح للطوائف.  

 

مصالح الناس هي في تأمين حقّهم في الحياة الحرّة الكريمة وفي الأمن والاستقرار وفي حرّية معتقداتهم وممارسة إيمانهم دون خوف.  

 

العقل والحرّية هما شرطا الوجود الانساني.  ومسيرة التاريخ الانساني هي مسيرة تطور فعل العقل، وتطوّر الوعي بالحرّية وتجسيدات هذا الوعي.

فلا تعطّلوا العقل ولا تصادروا الحرّية.

 

 

 
التاريخ: 2021-05-30
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro