مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
عبد الرحمن الكواكبي (1855-1902) - قراءة لمشروعٍ نهضوي فريد
 
عبد الرحيم، سعاده
 

 

 

عبد الرحمن الكواكبي هو مفكر ومصلح سوري يُعتبر من أبرز رواد النهضة في القرن التاسع عشر. وُلد في مدينة حلب عام 1855 وتوفي بشكل مفاجئ ومثير للشكوك في القاهرة عام 1902، وسط تكهنات قوية بأنه دُسّ له السم بأمر من السلطات العثمانية التي رأت في فكره تهديداً وجودياً. كان محور مشروعه الفكري هو مقاومة الاستبداد السياسي الذي رآه أصل كل فساد، ودعا إلى التحرر منه عبر "الشورى الدستورية" كحلٍ جذري.

 

 

الاختلاف الجوهري: مشروع قومي إصلاحي مقابل مشروع إسلامي عالمي

 

على الرغم من تصنيفه ضمن حركة الإصلاح الديني في عصره، إلا أن مشروع الكواكبي كان مغايراً جذرياً لمشروعي معاصريه البارزين، جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.

وصف أنطون سعاده لاحقاً أفكار الأفغاني وعبده بـ "النيو رجعية"، بينما اعتبر الكواكبي من "رجال سورية العظام". يعود هذا التمييز إلى الاختلاف في الأسس والأهداف، والذي يمكن تلخيصه في الآتي:

 

أولاً: الهدف المركزي المختلف

 

- الكواكبي: كان هدفه الأساسي هو إصلاح مجتمعه (في نطاق بلاد الشام والعراق) وتمكينه سياسياً واجتماعياً من الاستبداد العثماني الداخلي. كان همه تحرير "امته" ككيان قومي سياسي متميز.

 

- الأفغاني ومحمد عبده: كان هدف مشروعهما إصلاح وتمكين "الأمة الإسلامية" ككل (كيان عقائدي سياسي اجتماعي عالمي) لمواجهة التحديات الخارجية المتمثلة بالاستعمار الأوروبي.

 

 

ثانياً: طبيعة المشروع والإطار الحضاري

 

- الكواكبي: كان مشروعه إصلاحياً قومياً. رأى في السورية العروبة الهُوية الحضارية والسياسية الطبيعية لمشروعه الإصلاحي، واعتبر العرب هم "مادة الإسلام" وأحق الناس بقيادته الروحية. لذا دعا صراحةً إلى "إقامة خلافة عربية على أنقاض الخلافة التركية" وطالب العرب بالثورة على سياسة التتريك العثمانية.

 

- الأفغاني ومحمد عبده: كان مشروعهما إصلاحياً دينياً عالمياً، يهدف إلى بعث "الجامعة الإسلامية" وتجديد الفكر الديني ليكون سنداً للمقاومة والنهضة، دون تمييز قومي خاص للعرب او غيرهم.

 

 

 

نحو علمنة وظيفية: فصلٌ لخدمة الإصلاح، وليس نسخة عن الفرنسية

 

اتجه فكر الكواكبي نحو شكل من أشكال العلمانية، لكنها كانت "علمنة وظيفية" أو "جزئية" تتناسب مع واقع المجتمع وتخدم غايته الإصلاحية، وليست نسخةً عن النموذج الفرنسي المتطرف.

 

- الفصل بين السلطتين: دعا الكواكبي بوضوح إلى فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية التنفيذية. في رؤيته التي طرحها في كتابه "أم القرى"، تصبح الخلافة منصباً روحانياً رمزياً في مكة (يشبه إلى حدٍّ ما منصب البابا في الفاتيكان)، بينما تدار شؤون الدولة والحكم من قبل حكومة مدنية تقوم على الشورى.

 

- الهدف من الفصل: لم يكن هدفه إقصاء الدين، بل حمايته من الاستغلال السياسي. أراد قطع الطريق على الحكام المستبدين (والعلماء الموالين لهم) الذين يستخدمون الدين لتبرير حكمهم، ليبقى الدين مرجعية أخلاقية رقابية مستقلة عن الدولة. هذا يختلف جذرياً عن العلمانية الفرنسية (اللائكية) التي تهدف إلى حياد الدولة التام وإقصاء الدين من الفضاء العام.

 

 

تقاطع المصالح: كيف استفاد المشروع البريطاني من فكره

 

وجدت القوى الاستعمارية، وخاصة بريطانيا، في أفكار الكواكبي التحررية والعروبية أداةً فعالة لمشروعها الرامي إلى تفتيت الدولة العثمانية ("الرجل المريض") وضمان مصالحها في المنطقة.

 

لقد وظّف الدبلوماسيون والمخابرات البريطانية شرط "القرشية" الذي نادى به الكواكبي لزعزعة شرعية السلطان العثماني. وقد تجلّى هذا الاستغلال عملياً في دعمهم للشريف حسين بن علي (شريف مكة من آل البيت) لقيادة "الثورة العربية الكبرى" (1916) ضد العثمانيين، حيث قدموه كبديل عربي شرعي للخلافة، مستفيدين من النقاش الذي أطلقه الكواكبي حول أحقية العرب بالمنصب. كانت هذه خطوة تكتيكية في إطار الاستراتيجية البريطانية الأوسع، والتي تضمنت أيضاً اتفاقية سايكس-بيكو السرية لتقسيم المنطقة.

 

 

 

 

التقاطع مع سعاده: العلمانية كأداة لبناء الدولة القومية

 

يوجد تقاطع فكري مهم بين الكواكبي ومؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، أنطون سعادة. سعاده يعدّ الكواكبي من "رجال سورية العظام". ويتمثل هذا التقاطع في:

 

 

 

الهدف المشترك: بناء الدولة الحديثة

 

كلاهما سعى لنهضة الامة ولبناء دولة حديثة (على الرغم من اختلاف التسمية: "عربية" عند الكواكبي، "سورية" عند سعاده) تتسم بالقوة والاستقلال.

 

 

 

المبدأ المشترك: فصل الدين عن الدولة (وليس عن المجتمع)

 

- الكواكبي: دعا إلى فصل السلطة السياسية التنفيذية عن المنصب الديني، بهدف منع استغلال الدين.

 

- سعاده: جعل العلمانية مبدأً مؤسساً للحزب والدولة المنشودة، بمعنى فصل الدين عن مؤسسات الحكم بشكل صريح.

 

ومع هذا التقاطع، يبقى الاختلاف الأساسي في المنطلقات: انطلق الكواكبي من إطار إصلاحي إسلامي، بينما انطلق سعاده من إطار قومي علماني حديث متأثر بالعلوم والفلسفات الغربية المعاصرة.

 

ملاحظة لم تكن الحجاز ضمن الدولة التي يبغيها الكواكبي لأنها دولة الخلافة ومقرها.

 

كان أنطون سعاده يرى في سيرة الكواكبي مرآة تعكس التحديات الأساسية لسوريا ومصادر قوتها. لقد استخلص إلهامات عملية للنهضة القومية السورية في عصره، ورأى في الكواكبي نموذجًا يُحتذى لهذا المشروع.

 

إذا ما نظرنا إلى إلهامات سعاده من الكواكبي من خلال مفاهيم المشروع السوري القومي الاجتماعي، يمكننا تلخيصها في ثلاث نقاط مركزية:

 

 

أولاً: مقاومة الاستبداد والتحرر الوطني

 

- الموقف والسبب: اعتبر سعاده نضال الكواكبي ضد الحكم العثماني مثالاً ساطعًا للمقاومة ضد الاستبداد الأجنبي والقهر الداخلي.

 

- الدافع: أراد سعاده أن يلهم السوريين روح المقاومة لتحقيق تحررهم الوطني من الانتداب والهيمنة الأجنبية.

 

 

ثانياً: نموذج الدولة المدنية العلمانية

 

- الموقف والسبب: لاحظ سعاده أن فكر الكواكبي دعا إلى فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، واعتبر ذلك إرهاصًا مبكرًا لفكرة الدولة الوطنية المدنية.

 

- الدافع: وجد سعاده في هذا الطرح سندًا فكريًا تاريخيًا لمبدأ العلمانية في مشروعه القومي السوري، وطريقًا لبناء دولة قائمة على المواطنة والعدل.

 

 

ثالثاً: الاعتماد على الذات والتفكير النقدي

 

- الموقف والسبب: استلهم سعاده من إصلاح الكواكبي الديني الذي انطلق من الذات العربية والإسلامية، دون التبعية للغرب. كما أعجب بكون الكواكبي "مفكرًا نيرًا" و "تنويريًا" يحارب الجمود.

 

- الدافع: أراد سعاده أن تكون النهضة السورية حلًا داخليًا أصيلاً ينبع من إرادة المجتمع وعقله النقدي، وليس نسخًا مستوردًا عن الآخرين.

 

 

 

لماذا اعتبر سعاده الكواكبي "من رجال سورية العظام"؟

 

لم يكن تكريم سعاده للكواكبي أمرًا عابرًا، بل نبع من نقاط تقاطع جوهرية:

 

1-الشرارة الأولى للقومية السورية: رأى سعاده أن دعوة الكواكبي إلى الاستغلال عن الدولة العثمانية وبناء كيان سياسي جديد في بلاد الشام والعراق، كانت بداية عملية للوعي القومي السوري، مما جعله أحد الآباء المؤسسين لهذا التوجه.

 

2-الأصالة في مواجهة التحدي: في وقت اختلف فيه المفكرون بين تيار سلفي وتيار تغريبي، مثّل الكواكبي نموذجًا للمصلح المنفتح الذي يجد الحلول في إطار هويته الحضارية. هذا النموذج هو بالضبط ما سعى سعاده لترسيخه في مشروعه القومي.

 

باختصار، كان الكواكبي في نظر سعاده ليس مجرد مفكر تاريخي، بل رمزًا حيًا وجد فيه سعاده نموذجًا للانتماء الحضاري الأصيل والمقاومة والتوجه نحو المستقبل، وهي القيم التي أراد غرسها في الوعي السوري لبناء الدولة القومية الحديثة.

 

 

 
التاريخ: 2025-12-17
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2025 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro