مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الأمة في خطر… والعلاج في فكر سعاده
 
ملحم، ادمون
 

 


لَيْسَتِ الحَيَاةُ الحُرَّةُ العَزِيزَةُ حَقًّا مَحْفُوظًا لِكُلِّ أُمَّةٍ، بَل لِلأُمَمِ الَّتِي تَمْتَلِكُ المَنَاعَةَ الضَّرُورِيَّةَ لِرَفْضِ كُلِّ مَا يُعِيقُ تَقَدُّمَهَا، مِن آفَاتٍ وَأَمْرَاضٍ وَتَقَالِيدَ بَالِيَةٍ. فَالأُمَّةُ الَّتِي تَفْقِدُ مَنَاعَتَهَا، تَتَعَرَّضُ لِلتَّفَكُّكِ وَالانْحِلَالِ، وَتُصْبِحُ فَرِيسَةً سَهْلَةً فِي فَمِ مَنْ يَتَرَبَّصُ بِهَا مِن أُمَمٍ أُخْرَى. وَكَمَا يَقْتُلُ الفَيْرُوسُ جِسْمَ الإِنسَانِ الضَّعِيفِ، كَذٰلِكَ تَنهَارُ الأُمَّةُ العَاجِزَةُ أَمَامَ مَنْ يُحَاوِلُ اسْتِعْبَادَهَا وَاسْتِغْلَالَهَا.

 

 

وَاقِعُ الأُمَّةِ وَأَزْمَتُهَا

 

وأمَّتُنا السُّوريَّةُ، الَّتِي رَضَخَتْ لِلاستِعْمَارِ الغَرْبِيِّ الَّذِي قَطَّعَ أَوْصَالَهَا بِجَرِيمَةِ سَايْكْس-بِيكُو، كَانَ جِهَازُ مَنَاعَتِهَا قَدْ تَعَرَّضَ لِلعَطَبِ، بَعْدَ قُرُونٍ مِنِ الصِّرَاعِ الحَضَارِيِّ مَعَ السَّلاجِقَةِ وَالصَّلِيبِيِّينَ وَالمَمَالِيكِ وَالمَغُولِ وَالعُثمَانِيِّينَ. فَوَجَدَتْ نَفْسَهَا، وَمَا تَزَالُ، فِي حَالَةِ وَهْنٍ وَتَفَكُّكٍ وَإِمْكَانِيَّةِ رُجُوعٍ إِلَى العُصُورِ الجَاهِلِيَّةِ وَالانْحِطَاطِ.

 

نَعَم، تَتَخَبَّطُ أُمَّتُنَا اليَوْمَ فِي ظُلُمَاتِ الجَهْلِ وَالتَّكْفِيرِ وَالتَّوَحُّشِ، وَتَغْرَقُ فِي مُسْتَنْقَعَاتِ التَّخَلُّفِ وَالتَّعَصُّبِ وَالطَّائِفِيَّةِ وَالانْقِسَامَاتِ، وَتَقَعُ فَرِيسَةً سَهْلَةً لِلأُمَمِ الظَّالِمَةِ وَالصَّهْيُونِيَّةِ المُجَرَّمَةِ الَّتِي تَغْتَصِبُ الأَرْضَ وَتَنْشُرُ فِتَنَهَا وَحِقْدَهَا وَإِرْهَابَهَا فِي جِسْمِ الأُمَّةِ.

 

 

الدَّوَاءُ الشَّافِي

 

وَلَكِن، لِلأُمَّةِ أَمَلٌ وَاحِدٌ: أَنْ تَتَجَرَّعَ الدَّوَاءَ الَّذِي يُعِيدُ إِلَيْهَا مَنَاعَتَهَا، وَيُؤَهِّلُهَا لِمُقَاوَمَةِ الآفَاتِ وَالخَلايَا السَّرَطَانِيَّةِ. وَقَدْ وَصَفَ هٰذَا الدَّوَاءَ طَبِيبٌ عَظِيمٌ، قَامَ بِتَشْخِيصِ دَقِيقٍ لِحَالَةِ الأُمَّةِ النَّفْسِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ، وَبَادَرَ، بِدَافِعٍ قَوْمِيٍّ وَإِنسَانِيٍّ، إِلَى وَضْعِ العِلَاجِ وَدَعْوَةِ الأُمَّةِ كُلَّهَا إِلَى تَنَاوُلِهِ.

 

 

مَنْ هُوَ هٰذَا الطَّبِيب؟

 

إِنَّهُ الزَّعِيمُ، شَهِيدُ الثَّامِنِ مِنْ تَمُّوز.

 

رجلٌ عبقريّ، عميقُ الفهمِ والمعرفة. غاصَ في ميادينَ وعلومٍ شتّى، وتخصّصَ في فَهمِ الجماعاتِ والمسألةِ القوميّةِ ومعنى الأمّةِ وكيفيّةِ نشوئها. حلّلَ الواقعَ الاجتماعيّ لأمّتهِ السّوريّة بكلّ علاقاتهِ وتعقيداتهِ، ودرسَ، بموضوعيّةٍ وعلميّة، تركيبةَ هذا الواقعِ ومشكلاتهِ وظواهره. كما درسَ تاريخَ الأمّةِ بكلّ حقبه، واطّلعَ على ما يتضمّنه هذا التاريخُ الغنيّ من إرثٍ صراعيٍّ بطوليّ، ومن مآثرَ ثقافيّةٍ وحضاريّة، وأساطيرَ فلسفيّةٍ تُعبّرُ عن سُموّ تفكيرِنا ونفسيّتِنا الجميلةِ الطامحةِ إلى التّفوّقِ والإبداع.

 

وضعَ مؤلّفاتٍ عديدة، وجاء بفلسفةٍ وجوديّةٍ عميقةٍ تُقدّمُ نظراتٍ جديدةً في الاجتماعِ والسّياسةِ والاقتصادِ والأدبِ والفنون، وفي كلّ ما له علاقةٌ بحياةِ المجتمعِ وتقدّمه. أرسى فلسفتَهُ الاجتماعيّة، الّتي دعاها المدرحيّة، على أساسٍ علميٍّ معتمدٍ على حقائقِ التّاريخِ والجغرافيّةِ والعلومِ الاجتماعيّةِ والأنثروبولوجيا والأركيولوجيا ومناهجِها.

 

هذا الرّجلُ – الطّبيبُ – عاشَ كلماتِه، وجسّدَ المُثُلَ والقِيَمَ السّاميةَ في حياتِه.


كان عظيمًا في حبِّه وإخلاصِه لشعبِه، وكان هاجسُهُ الدّائمُ والوحيدُ خدمةَ أُمّتِه وإحداثَ نهضةٍ حقيقيّةٍ فيها.

 

لذلك كرّس حياتَهُ من أجلِ أُمّتِه، وراحَ يُخطّطُ لها حياةً جديدةً راقيةً، مدفوعًا برؤيةٍ مثاليّةٍ واضحةٍ، تُعَبّرُ عن طُموحِه الكبيرِ وآمالِه السّامية، رؤيةٍ مُشبَعةٍ بحُبِّ الحياةِ وجمالِها، ومُمتلئةٍ بنورِ المحبّةِ الصّافية، وهي الوصولُ بأُمّتِه إلى: "حياةٍ أجودَ، في عالمٍ أجمل، وقِيَمٍ أعلى."[1]

 

وكان هذا الطّبيبُ صادقًا في مُهِمّتِهِ ورِسالتِهِ المناقبيّة. تعرّضَ في حياتِه لتجارِبَ قاسيةٍ، وصُعوباتٍ كبيرةٍ، وآلامٍ عظيمةٍ، ولكنّهُ لم ييأسْ ولم يتراجعْ، لأنّ ثِقَتَهُ بنفسِه وبشعبِه كانت كبيرةً. فواجَهَ التحدّياتِ بإرادةٍ صلبةٍ، وعملٍ مُتواصِلٍ، وعطاءٍ سخِيٍّ فكرًا ومُمارسةً وإبداعًا، إلى آخرِ لحظةٍ من حياتِه الّتي تُوّجها بقيمةِ الفداء، وهو يُردّدُ قبل لحظاتٍ من إعدامِه: أَنَا لَا يُهِمُّنِي كَيْفَ أَمُوتُ، بَلْ مِنْ أَجْلِ مَاذَا أَمُوتُ."[2]

 

وكان استشهادُه في صبيحةِ الثامنِ من تمّوزَ تأكيدًا على قولِه الشّهيرإ نّ الحياةَ كلَّها وقفةُ عزٍّ فقط."[3]

 

العِلَاجُ:

ما هو العلاجُ الّذي وصفَهُ الطَّبيبُ للأُمَّةِ لاستعادةِ مناعتِها؟

 

 

  1. وَحْدَةُ الأُمَّةِ وَعَصَبِيَّتُهَا:

 

مناعةُ الأُمَّةِ، برأيِ الطَّبيب، تأتي من داخلِ الأُمَّةِ، من قوَّتِها وفاعليَّتِها ووحدتِها الاجتماعيَّةِ والرُّوحيَّة، من فضائلِها الحضاريَّةِ ومُثُلِها العظيمة، ومن اعتصامِها بعصبيَّتِها القوميَّة، وبثقتها بنفسِها، وبما تمتازُ به من خصائصَ ومواهبَ وقدرات. فالأُمَّةُ السُّوريَّة، كما يُؤكِّدُ الطَّبيبُ الفيلسوفُ في خطابِهِ في أوَّلِ حزيران 1935، "هي أُمَّةٌ ممتازةٌ بمواهبِها، متفوِّقةٌ بمقدرتِها، وغنيَّةٌ بخصائصِها"[4]، فإذا اعتصمتْ هذه الأُمَّةُ بوحدتِها وقوميَّتِها وبقوَّةِ إرادتِها الفاعلة، فهي قادرةٌ على الدِّفاعِ عن حقِّها وتحقيقِ تحريرِ نفسِها من السِّيادةِ الأجنبيَّةِ والعواملِ الخارجيَّةِ المُخضِعة.

 

 

  1. الوُجْدَانُ القَوْمِيّ:

 

ومناعةُ الأُمَّةِ تقوى بالوجدانِ القوميِّ، الّذي يُشكِّلُ أرقى ظاهرةٍ نفسيَّةٍ اجتماعيَّةٍ في عصرِنا الحالي. فالوجدانُ القوميُّ هو عاملٌ إيجابيٌّ يُقوِّي الأُخوَّةَ القوميَّةَ والارتباطَ الاجتماعيَّ، ويُوحِّدُ أبناءَ الأُمَّةِ على اختلافِ طوائفِهم ومذاهبِهم وعناصرِهم، ويجمعُهم في بوتقةٍ قوميَّةٍ واحدة.


ويمكنُ القولُ إنَّ الوجدانَ القوميَّ هو سلاحٌ مناقبيٌّ للتَّغييرِ ولتحويلِ الوجودِ بالقوَّةِ إلى وجودٍ بالفعل. هذا السِّلاحُ يُشكِّلُ قوَّةً روحيَّةً تُولِّدُ التَّعاونَ الدَّاخليَّ، وتدفعُ أبناءَ الشَّعبِ الواحدِ للتَّضامنِ مع بعضِهم في مواجهةِ الأخطارِ والدِّفاعِ عن الحقوقِ العامَّةِ والمصالحِ المشتركة.

 

 

  1. تَقَالِيدُ قَوْمِيَّةٌ جَدِيدَةٌ:

 

ومناعةُ الأُمَّةِ تقوى بدفعِ التَّقاليدِ المتنافرةِ المُستمدَّةِ من أنظمتِنا المذهبيَّةِ، والمعطِّلةِ لوحدةِ الشَّعبِ، واستبدالِ هذه التَّقاليدِ بتقاليدَ قوميَّةٍ جديدةٍ تتربَّى عليها الأُمَّةُ وتتمسَّكُ بها.


وهذه العمليَّةُ تستدعي الخروجَ من حالةٍ فوضويَّةٍ لا نظامَ فيها ولا قوَّة، إلى حالةٍ صحيحةٍ عنوانُها النِّظامُ وشِعارُها القوَّة.

 

 

  1. الإصلاحُ الجذريّ:

 

ومناعةُ الأُمَّةِ تأتي من تنبُّهِ الشَّعبِ لتكاذُبِ السِّياسيِّينَ النَّفعيِّينَ وشعوذاتهم، الّتي طال أمرُها وسبَّبت له خسائرَ كبيرةً وفُرَصًا ثمينةً وثرواتٍ عظيمة. فالمناعةُ تتحقَّقُ عندما يُدرِكُ الشَّعبُ، أوّلًا، أنَّ النُّوّابَ الّذين قامت نيابتُهم على أساسِ العائلةِ والدِّينِ والنُّفوذِ الماليِّ والدَّهاءِ السِّياسيّ لا يمكنُ لهم أن يخدموا مصالحَ الشَّعبِ، لأنّهم جاءوا لخدمةِ منافعِهم الخصوصيَّةِ والعائليَّةِ والمذهبيَّة.


وثانيًا، أنَّ النِّيابةَ الحقيقيَّةَ تقومُ على المبادئِ والبَرامجِ المؤسَّسةِ على مصالحِ الشَّعبِ وخيرِه. فإذا أرادَ الشَّعبُ "تغييرَ الحالِ فعلًا، فعليه أن يسعى لهذا التَّغييرِ في نفسِهِ، وفي تقاليدِهِ واتِّجاهاتِهِ الفكريَّة."[5] وعليه أيضًا أن يُبادرَ إلى إجراءِ إصلاحاتٍ جذريَّةٍ في حياتِهِ، وتنقيتِها من كلِّ المثالبِ والمفاسدِ والأمراضِ النَّفسيَّةِ والمناقبيَّةِ والصَّدأ العقليّ.

 

والإصلاحُ الحقيقيُّ لا يكونُ في تغييرِ الحكوماتِ والمجالسِ وخلعِ الحُلَلِ، بل في إصلاحِ حالةِ الأُمَّةِ النَّفسيَّةِ – المناقبيَّة، وفي تغييرِ القضايا الرَّجعيَّةِ الخصوصيَّةِ نفسِها، الّتي هي سببُ انحطاطِ الأُمَّة. وهذا الإصلاحُ يأتي نتيجةَ عقيدةٍ صحيحةٍ موحّدةٍ للشّعب، "تُنشِئُ جيلًا جديدًا، ونظامًا جديدًا، وجمالًا جديدًا."[6]

 

 

  1. البُطولةُ الواعية:

 

ومناعةُ الأُمَّةِ تأتي بالتَّخلِّي عن مواقفِ التَّخاذُلِ والخنوعِ والجُبْنِ والاتّكاليَّةِ والاستسلام، واعتمادِ نهجِ الصّراعِ ومُمارسةِ البطولةِ المؤمنةِ، الّتي ميَّزت شَعبَنا في تاريخِهِ الطَّويل. فالأُمَّةُ الّتي ترفُضُ الصّراعَ ترفُضُ الحُرِّيَّةَ، ولا تنالُ إلّا العُبوديَّة. والإنقاذُ لا يكونُ إلّا بالبُطولةِ الواعية، المُنبثقةِ عن محبَّةِ الأرضِ والشَّعب، وعن التَّوقِ لحريَّةِ المجتمعِ ولانتصارِ قِيَمِهِ العُليا. يقولُ شهيدُ الثامنِ من تمّوز:

 

  • إنَّ أزمنةً مليئةً بالصِّعابِ والمِحنِ تأتي على الأُمَمِ الحيَّةِ، فلا يكونُ لها إنقاذٌ منها إلّا بالبُطولةِ المؤيَّدةِ بصحَّةِ العقيدة."[7] ويقولُ أيضًا: "كلُّ أُمَّةٍ أو دولة، إذا لم يكن لها ضمانٌ من نفسِها، من قوَّتِها هي، فلا ضمانَ لها في الحياةِ على الإطلاق."[8]

 

 

  1. العودةُ إلى التَّاريخ:

 

ومناعةُ الأُمَّةِ تقوى بمعرفةِ تاريخِها الحضاريّ، وباستخراجِ دروسٍ منه تَزيلُ عنها أوهامَ الخوفِ والعَجزِ والتَّراجعِ والخيانة، وتقضي على عقليَّةِ الخمولِ والتَّخاذلِ والاستسلامِ والتَّهَرُّبِ من المسؤوليَّةِ والواجب، وكلِّ التَّعاليمِ الفاسدةِ الّتي انتقلت إليها من عصورِ الانحطاطِ الّتي عانَت منها.

 

يقولُ شهيدُ الثامنِ من تمُّوز:

 

  • من أتعسِ حالاتِ هذه الأُمَّةِ أنَّها تجهلُ تاريخَها. ولو عرفت تاريخَها معرفةً جيّدةً صحيحة، لاكتشفتْ فيه نفسًا مُتفوّقةً قادرةً على التَّغلّبِ على كلِّ ما يعترضُ طريقَها إلى الفلاح."[9]
  •  

من هنا نقولُ إنَّهُ من واجبِ الأدباءِ والمثقَّفينَ الواعينَ، والمُبدعينَ المُخلِصينَ، أن يُساهموا في الكشفِ عن الدَّوْراتِ الصِّراعيَّةِ الطَّويلةِ الّتي خاضَها مجتمعُنا عبرَ تاريخِهِ ضدَّ الموجاتِ البربريَّةِ والحملاتِ العسكريَّةِ الاستعماريَّة، والّتي خرجَ منها دائمًا مُنتصرًا، ليس فقط بفضلِ بطولاتِ شَعبِنا وعبقريَّةِ قادتِهِ الخالدين، بل أيضًا بفضلِ مقوِّماتِهِ الحضاريَّةِ الرَّفيعةِ الفاعلةِ في الغُزاةِ من أيِّ نوعٍ كانوا.

 

 

  1. المعرفةُ الفاضلة:

 

وما يُمنحُ الأُمَّةَ قُوَّةً ومناعةً هو المعرفةُ الفاضلةُ، واكتسابُ العلومِ المتقدِّمة، ونشرُ الوعيِ القوميّ.


يقولُ سعاده: "المجتمعُ معرفةٌ، والمعرفةُ قوَّة." فبالمعرفةِ نتمكَّنُ من فَهمِ حقيقةِ وجودِنا المُجتمعيِّ، تاريخًا وواقعًا، وحقيقةِ اشتراكِنا في الحياةِ الواحدةِ والمصيرِ الواحد. ونتيجةً لهذا الفَهمِ، ستتولَّدُ عندَنا الإرادةُ الواحدةُ الفاعلة، الّتي تدفعُنا إلى تنظيمِ أنفُسِنا، وإلى العملِ باتّجاهٍ واحدٍ، لا باتّجاهاتٍ متضاربة.

 

وبالمعرفةِ نتمكَّنُ أيضًا من فَهمِ حقيقةِ عدوِّنا اللَّئيمِ وأهدافِهِ العدوانيَّة؛ عدوِّنا السَّاهرِ الّذي يعرفُ الكثيرَ عن عواملِ قوَّتِنا، ومواطنِ ضعفِنا، وعن حياتِنا بكلِّ أمورِها وتفاصيلِها، ويعرفُ كيفَ يستغلُّ ضعفَنا وانقساماتِنا.

 

لذلك علينا أن نتعمَّقَ في معرفتِهِ، وأن ندرسَ الأسبابَ الّتي أمَّنتْ، وما تزالُ تُؤمِّنُ له سُبلَ النَّجاحِ في تحقيقِ أهدافِهِ الباطلة.

 

وباعتمادِ المعرفةِ وحقائقِ العلومِ، نتمكَّنُ من القضاءِ على مظاهرِ التَّخلُّفِ والجهلِ والفوضى والفساد، وكلِّ عواملِ الضَّعفِ والتقهقرِ والطائفيَّةِ والانقسامات.

فبالمعرفةِ نُبدِّدُ الظُّلمات، ونُواجهُ الصُّعوبات، ونخرُجُ من البلبلةِ والشَّكِّ إلى الوضوحِ واليقين، إلى أنوارِ النَّهضةِ المُشِعَّةِ لنرتقي قممَ المجدِ والعِزِّ والانتصار.

 

 

عقيدةُ الحياةِ والمستقبلِ الجديد:

 

في الخُلاصة: إنَّ مصيرَ الأُمَّةِ السُّوريَّةِ وسلامةَ الوطنِ السُّوريِّ قد أصبحا في خطر، نتيجةً لفقدانِ الأُمَّةِ مناعتَها. ولا أملَ لهذه الأُمَّةِ من مصيرِ الانحلالِ والإضمحلال، إلّا بتجرُّعِ وصفةِ العلاجِ الّتي قدَّمَها شهيدُ الثامنِ من تمُّوز، والتَّسلُّحِ بالعقيدةِ المناقبيَّةِ الجديدةِ الّتي جاء بها، كاشفًا عن حقيقةِ الأُمَّةِ السُّوريَّة، ومُعبِّرًا عن مطالبِها ومقاصدِها الكبرى في الحياة.

 

ندعو أبناءَ شَعبِنا إلى اعتناقِ هذه العقيدةِ الخاليةِ من الأوهام. إنَّها عقيدةُ النُّهوضِ القوميِّ والحياةِ الجميلةِ الرَّاقية، عقيدةُ الخيرِ والإبداعِ السُّوريَّيْن، عقيدةُ التَّجدُّدِ الإنسانيِّ الحضاريِّ، والمستقبلِ الجديدِ الّذي يليقُ بالأحرارِ والأعزَّاء، والّذي من أجلِه استُشهِدَ سعاده في الثامنِ من تمّوز، وهو يُردِّد:

 

  • أنا لا يهمُّني كيفَ أموت، بل من أجلِ ماذا أموت... هذه اللّيلة سيُعدِمونني، أمّا أبناءُ عقيدتي فسينتصرون."[10]

 


[1] أنطون سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، بيروت، 1960، ص 37.

[2] سعيد تقي الدين، حدثني الكاهن الذي عرّفه.

[3] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد الثامن 1948-1949، ملحق رقم 2 خطاب الزعيم في بشامون، 3/10/1948.

[4] أنطون سعاده، المحاضرات العشر 1948، منشورات عمدة الثقافة في الحزب السوري القومي الإجتماعي، طبعة 1976، ص 30.

 

[5] أنطون سعاده، مختارات في المسألة اللبنانية 1936 1943، ص 165 .

[6] المرجع ذاته، ص 191.

[7] أنطون سعاده، المحاضرات العشر 1948، طبعة 1976، ص 25 .

[8] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 158 .

[9] المرجع ذاته، ص 160.

[10] سعيد تقي الدين، حدثني الكاهن الذي عرّفه.

 
التاريخ: 2025-07-11
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: مجلة البناء - صباح الخير، 140
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2025 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro