مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
آفاق الخطاب العربي بعد سقوط بغداد
 
حامد، أمين
 

المداخلة التي قدمها عميد الثقافة في مؤتمر الجمعية الفلسفية الأردنية

في جامعة الملكة علياء – الأردن عمان – بتاريخ أول أيار 2004

 

بعد عقد من السنين تقريبا، ستشهدون معنا ذكرى مئة عام على بداية رحلة الآلام في الأمة السورية، إذ تكون مئة عام قد انصرمت على اتفاقية سايكس – بيكو اللاحقوقية. كانت تلك المعاهدة السرية بداية لعهد "فرض الحقائق" على أرض الواقع، بعد أن شعر المستعمرون أن السوريين أبدوا استعدادا جادا للاستقلال في دولة تمتد من طوروس الى السويس، ومن البحر الى شرقي دجلة ( التعبير الذي نطلقه نحن على هذه البقعة هو الهلال السوري الخصيب، أو سورية الطبيعية).

 

وسياسة فرض الحقائق على أرض الواقع تعرفونها جيدا، و"فرض الحقائق" هو التعبير الملطف لإلغاء الإرادة القومية. ففرضت التقسيمات الجغرافية داخل الأمة السورية الواحدة كـ"حقائق نهائية"، بات البعض من أفراد هذه الأمة يصدقها ويدافع عنها بأسنانه، تماما كجحا الذي صدق كذبته أن على الجبل حفل عرس.

 

وقالوا لنا يومها أننا لم نكن مؤهلين لإدارة وحكم الكيانات، فانتدبوا أنفسهم لتعليمنا فن الإدارة، مانحين أنفسهم الإمتيازات المالية والاقتصادية التي أفقدتنا السيادة على مواردنا الطبيعية. وتوزعنا نحن، (على جهلنا ) بين مؤيد ومعارض، لكن في إطار سايكس – بيكو، الكيانات "النهائية" أو الواقع الجديد المفروض.

 

ما كان الانتداب إلا ستارا يخفي وراءه مؤامرة أكبر ( وألفت نظركم الى أننا، وفي هذا المجال نؤمن أكثر من غيرنا بنظرية المؤامرة التي تحدث وما زال يتحدث بها الصحفي دانيال بايبس في كتابه "اليد الخفية" وهذا ليس عيبا، لأنهم يريدوننا أن نقبل بالسكين التي تمر على رقابنا دونما اعتراض، وأن نكون "منفتحين"، مصدقين أنهم يريدون لنا الخير.

 

هذه المؤامرة الأكبر، هي زرع الكيان الاغتصابي اليهودي في فلسطين، والذي نرى فيه نحن القوميين، المحور الذي تدور حوله كل الأحداث التي جرت قبله وبعده في القرن العشرين. فكانت هذه التقسيمات الكيانية خير معين لليهود في مشروعهم، لأن هذه الكيانات شلت الإرادة والقدرات القومية على دفع هذه الهجرة الاستيطانية السرطانية.

 

وكان ما كان بعد ذلك من كوارث جرتها تلك الإتفاقية المشؤومة أو تلك المؤامرة من حرب عام 1936، الى حرب عام 1948، الى حرب عام 1967، الى حرب عام 1973، الى حرب لبنان الداخلية، الى حرب العراق، التي تضافرت كلها لتجعل من القرن العشرين قرن "فرض الحقائق" على الأرض، وخلق واقع جديد لا إرادة لنا فيه ولا خيارا. سلسلة متواصلة من الحلقات جعلت مصيرنا ومصير أحفادنا متعلقا بها.

 

ومع أن ارتعاشات الحياة في أمتنا أدت الى انعقاد المؤتمر السوري عام 1920 الذي حدد خياره ( وحدة سورية بحدودها الطبيعية واستقلال الأمة) ، فإنه ضاع في متاهات الوصاية على سورية بين حكامها ومستعمريها، ولم تكن الإنتفاضة الحقيقية في شرايين الأمة لتأخذ مجراها إلا بتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي على يد الزعيم أنطون سعادة الذي أعلن مبدأ الإرادة القومية في مبدأ "سورية للسوريين والسوريون أمة تامة" مؤسسا القضية القومية والحياة الجديدة على مبدأ "وحدة الحياة" على وحدة الأرض الطبيعية، ومبدأ أن هذه الأمة السورية نشأت من الإثنيات البشريةالنازلة على أرضها والمستعدة للتفاعل داخلها في بقعة الوطن. ( طبعا، اليهود هم خارج هذا التفاعل لمبدأ في معتقدهم يمنعهم من الاختلاط والتفاعل)، وتفاعلت لتكون مزيجاً سلالياً ثقافياً مميزاً، مبدأ أن هذا الشعب السوري يختزن في نفسيته خلاصة التجارب التاريخية الممتدة رجوعاً الى عصور ما قبل التاريخ الجلي. فاستطاع هذا الحزب أن يجمع في صفوفه السني والماروني والشيعي والأرثوذكسي والإنجيلي والدرزي والشركسي والكردي والآشوري والكلداني والشامي والأردني والعراقي واللبناني والفلسطيني في وحدة نفسية أدهشت كل المشتغلين بالسياسة والاجتماع عندنا.

 

استطراد : وهنا أريد أن أتوجة الى من قال أن من لا يعلن نفسه "عربيا" فلا مكان له هنا، لأقول أن هذا الخطاب الذي أدرجت بعضه حول عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو ما أراه الأصلح والأنسب لكل زمان وكل كيان من كيانات الأمة السورية، وأن هذه المفاهيم غير السليمة للعروبة هي التي أوجدت مسألة كردية وستخلف مسألة آشورية أو شركسية أو تركمانية في العراق. فالانتماء الى المجتمع السوري الذي نقول به نحن، سيجعل من هذه الفئات الإثنية شريكا لنا كلنا، وسنداً للأمة الواحدة في صراعها الوجودي مع اليهود.

 

استطراد آخر : لقد صدر في العام الماضي (2003) كتاب نشرته سلسلة عالم المعرفة، (كتاب : الجينوم البشري)  وفيه يدرس أحد الباحثين خصائص الجينات البشرية عندنا، آخذا عينات من أفراد لبنانيين وشاميين وعراقيين وأردنيين وفلسطينيين، وتوصل الى إيجاد تشابه جيني بين هؤلاء الأفراد على اختلاف مذاهبهم الدينية وأعراقهم، ويستنتج أن خصائصهم الجينية واحدة، وهذا ما يدعونا الى طرح خطاب علمي جديد على أساس مبدأ سعادة في "نشوء الأمم" القائل أن الإشتراك في الحياة الواحدة يولد اشتراكاً في العقلية والصفات ( الجسدية والنفسية).

 

أتابع النص:

 

صحيح أننا ابتعدنا زمنيا عن عام 1920 ( المؤتمر السوري) وعن عام 1932 ( عام تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي) ولكن التغير في الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية كان – للأسف- نحو الأسوأ. فإذا كانت الوحدة النفسية – الاجتماعية – الإقتصادية مطلباً أكبر قبل النكبات التي حلت بالأمة، فكيف بنا اليوم بعد سقوط بيروت وبغداد بيد اليهود، وبعد التهديد بسقوط غير بغداد وبيروت؟لقد تغير الزمن ( والمقياس ليس زمنياً هنا بل مصلحياً) ولكن منطق الأمور بقي هو نفسه. وكان – وللأسف- صوت "الحقائق المفروضة " أعلى بكثير من صوت النهضة ( ولم تكن زيارة شارون الأخيرة الى واشنطن لإستصدار قرار تلتزم بموجبه الولايات المتحدة بعدم عودة "اللاجئين" (أهلنا الجنوبيين)، لم تكن آخر فصول زمن "فرض الحقائق"، لأن فرض الحقائق لن يتوقف إلا بعد ابتدائنا بفرض حقائق نريدها نحن).

 

فأي منطق نريد؟ أمنطق القومية السورية أم منطق من يرون في الإنحناء أمام العاصفة "حكمة" و"مرونة" و"انفتاحاً".

 

  • : ( الحكمة والمرونة والإنفتاح والإعتدال تعابير يطلقها الأميركيون ومن خلفهم اليهود على الحكام في الكيانات السورية، الذين يبدون تجاوباً مع خططهم التدميرية، فكان سعد حداد بنظرهم مثلا "معتدلاً" حسب المنطق الأميركي خلال الحرب اللبنانية، وبعده أنطوان لحد، وكان لقب "العرب المعتدلين "يطلق أيضا على صدام حسين وأمثاله ممن كانوا يقفون بوجه عدو أميركا ( كانت يومها إيران) أو ممن يساعدونهم في منطق الحفاظ على التجزئة الكيانية داخل الأمة.

 

نعود للنص:

 

المطلوب منا اليوم أن نفتح آذاننا وعقولنا للإملاءات من هنا وهناك وإلا: فنحن "غير واقعيين" ، ولا "نتعاطى بالحقائق الموجودة على الأرض". وإن قلت أن لي حق قومي، قالوا أن "زمن القوميات انتهى"، وأتى زمن العولمة، وإن امتشقت السلاح للدفاع عن حقك، فأنت "إرهابي" وضد "السلام". ولا ينجيك سوى أن تتبع النموذج الليبي فتسلم سلاحك الثقيل لهم، أو أن تتجاوب مع طرح الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي أعلن في مؤتمر القمة في بيروت قائلا" فلنبادر الى حلق رؤوسنا قبل أن يحلقها لنا الآخرون".

 

مطلوب منا في زمن السلم أن نكون "معتدلين" بالتعريف اليهودي – الأميركي، أي أن نقبل بواقع أن لليهود حق تاريخي، ومطلوب منا لنكون شركاء في هذا "السلم". أن نكيف مناهج التعليم في أقصى مدرسة ابتدائية على حدودنا، فنلغي كل ثقافتنا وحضارتنا، وتاريخنا، ونلقن أطفالنا كيف مد يشوع بن نون سيفه فأوقف الشمس وسط السماء به، ريثما ينتهي من ذبح شعبنا، ومطلوب منا أن ننسى سرجون وحمورابي وهانيبعل وأليسار ويوسف العظمة، لنعلم أولادنا نبوءات أرميا وأشعيا ورؤى دانيال ونظريات مكيافلي وبرغسون وفرويد وسارتر وتاريخ هرتزل وإلا: فأنت "عدو السامية".

 

مطلوب منا أن نقبل كنعان مكيـّة وأحمد الشلبي وفؤاد عجمي أبطالا منقذين، كما هو مطلوب منا نحن المتشبثين بأسناننا بكياناتنا السياسية الهزيلة أن نعترف أن مصالحنا النهائية ليست إلا في هذه الكيانات، وأن مياهنا ليست لنا إلا بمقدار حاجتنا التي (لا نحددها نحن)، وأن البترول ملك لمن يحسن استغلاله وعدم تحويله الى سلاح. مصلحتنا يرونها في شراكة شرق أوسطية تكون "إسرائيل" فيها ممسكة بالعصب المالي الإقتصادي، وبشرايين المواصلات والإتصالات والإعلام، وبإقتصاد المعرفة المستقبلي (صاحب هذا المشروع هو شمعون بيريز صاحب البرنامج النووي الإسرائيلي) وأن تكون قوانيننا في المستقبل متساهلة في مسألة تملك اليهود ما يشاء حيث يشاء، وعندها تتحول المليارات التسع التي تمنحها الولايات المتحدة للكيان اليهودي ومخصصات التسلح (الذي هو حق لهم وليس حقا لنا) والمستخرجة من عروق المستهلك الأميركي وضرائبه العامة، وتتحول الملايين الخمسمئة المفروضة سنوياً على ألمانيا كديّة لليهود (الذين قرروا هم أنهم أحرقوا على أيدي النازيين)، تضاف إليها ضريبة العشر السنوية اليهودية الدينية والتي يدفعها كل يهودي في العالم كافة، للخزانة الإسرائيلية، وتتحول المليارات المفروضة على الشركات الألمانية (التي قرروا هم أنها شغلت يهودا بالسخرة خلال الحرب العالمية الثانية)، وتتحول المليارات الثلاثون التي أجبرت سويسرا على دفعها (لأنها وكما قرروا هم أنها ودائع ليهود فروا من ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية)، وتضاف إليها المليارات التي سأدفعها أنا وأنت وأولادنا من بعدنا كتعويض عن حروبنا ضد الدولة اليهودية وطردنا لليهود من عواصمنا، والتي سنقتطعها من جلود أطفالنا الذين سيكونون في المستقبل القريب قد فقدوا نفطهم ومواردهم ثمنا لـ"الإرهاب"، ستتحول كل هذه الأموال الى رأسمال يهودي يشتري منا الأرض التي تحيط بمنازلنا، ثم تسييج منازلنا وقرانا بحجة "الأمن" للمستوطنين اليهود (إذا رفضنا بيعها )، الأمور التي ترونها الآن تتحقق أمام عيوننا في فلسطين.

 

والآن، ما هو خطابنا بعد سقوط بغداد عسكريا؟

 

مطلوب منا خطابان، خطاب نتوجه به الى شعبنا بفئاته المتعددة الإثنيات، خاصة من أكراد وشركس وتركمان وآشوريين وكلدان وغيرهم ، لنقول لهم أن منطق القومية السلالية انتهى مع بدء رسالة سعادة. لم نعد عرباً وأكراداً وشركساً وتركماناً وآشوريين وكلداناً، بل إن كشف سعادة عن حقيقة الأمة جعل منا كلنا سوريين، عناصر تفاعلت وتوارثت ثقافة وحضارة تمتد رجوعا الى ما قبل التارخ الجلي. وكل منا (بإستثناء الهجرة اليهوديه التي لم تدخل في النسيج الاجتماعي السوري) كل منا يحمل خصائص هذه الأمة ومزاياها، ونشترك جميعا في تكوين سلالة ثقافية واجتماعية واحدة ( وليس سلالة بالمعنى الأنتروبولوجي).

 

ما نحن بحاجة إليه اليوم هو دستور يساوي بين إثنيات المجتمع الواحد دونما تمييز بين ثقافة وأخرى، وأنه لا يوجد نقاء سلالي بالمعنى النازي أو الفاشي، بل كلنا ، وكما أثبت علم الجينوم البشري، من عمل خصائص هذه البيئة الممتازة ، وهي لا تميز الواحد منا على الآخر، فتعالوا الى قوميتكم السورية ناصرين لها، ولن يجدينا نفعا أن ننعزل في كيانات تتحول مع مرور الزمن الى سجون عنصرية، وتتحول معها الأمة الواحدة الى فتات تتناهشه الأمم القوية. وليس لنا إلا عدو واحد هو اليهودي الذي لا يميز بين آشوري وسني وشيعي وكردي، وبين لبناني وفلسطيني وأردني، بل يعمل بوحي من توراته على كنسنا من هذه الأرض، لأن يهوه أوصاه أننا رجس عليها.

 

والى حكامنا نقول: إن سر بقائكم وبقائنا يتوقف على فهمنا جميعا للحياة وعلى تطويرها،فالحريات والديمقراطية وحرية الرأي حاجة لكم قبل أن تكون حاجة لشعوبكم.

 

نقول للمتقاتلين على السماء وللمتسابقين على الاستئثار بالجنة، أن الجنة تحت أقدامكم، تقفون عليها الآن، فتعالوا الى كلمة سواء أن نعبد الله ونتقيه، وأن أفضلنا عنده أنفعنا لعياله، فنكون يداً واحدة في العمل لتجويد الحياة، وتكون لنا جنتان، جنة على الأرض، وجنة في السماء، بدلا من الجنة الواحدة.

 

هذا هو الخطاب الذي نتوجه به الى العراقيين لتخليصهم من التمزق الكياني، والى أبناء أمتنا من الإثنيات غير العربية نقول لهم أن هذه الأرض جمعتنا في دورة حياتية واحدة، نحن وأنتم بتنا ندرك أهمية الحفاظ على وحدتها وصونها من الدعوات الانفصالية. العلم يقول أننا لحم ودم واحد، وإن اختلفنا في الانتماء العرقي أو المذهبي أو الديني أو الإقليمي. فنحن كلنا سوريون، خلاصنا بالتمسك بوحدتنا ووحدة مصالحنا، وأن تعدد اللغات ثروة، حتى ولو كنا بحاجة الى التكلم بلغة مشتركة لتوثيق وحدتنا الاجتماعية . فلننبذ من بيننا دعاة الإنفصال والإنعزال، ولنأت الى مجتمعنا القومي الاجتماعي الواحد.

 

والى الأعداء الطامعين نتوجه بالخطاب التالي فنقول لهم:

 

إذا كان هناك من عبرة تريدوننا الأخذ بها عن طريق سقوط بغداد، فاعتبروا أنتم أن ممالك وجيوشاً فاتحة مشت على هذه الأرض قبلكم، وزالت كما ستزولون أنتم، لأننا عقدنا العزم على وضع حد للفتوحات، وخيارنا هو المقاومة ، ثم الهجوم لتحقيق النصرالأخير.

 

خيار "السلم" هذا الذي تطرحونه أمامنا هو خيار الموت البطيء ( وقد يكون أسرع بكثير مما يعتقد البعض منا). خطابنا بعد "درس" بغداد ( ولا نقر بسقوطها لأنها لا تسقط إلا إذا أردناها أن تسقط) أن درساً جديداً برسمكم، هو تعبير عن انتفاضة الحياة فينا، هو درس أطفال الحجارة، درس غزة، درس بيروت وجنوب لبنان، درس الفلوجة فاتعظوا أنتم. ومن شاء أن يحلق رأسه فليحلقه، فهو ليس منا ولسنا منه.

 

عمان في أول أيار 2004ولتحي سورية وليحي سعادة

 

 ملاحظة: بعد الإنتهاء من المداخلة، فان العادة تجري بأن يعلق الحضور على ما سمعوا، فكانت التعليقات التالية ورد حضرة عميد الثقافة عليها:

 

  • السيد هشام ف (الشام). يتوجب إنتاج خطاب سياسي وليس خطاب تعبوي دعائي. هناك مصطلحات تحتاج الى توضيح في مداخلة عميد الثقافة.
  •  

العميد: إذا كنتم تريدون أن تسمعوا فقط ما تحبون أن تسمعوه، وأن تقرأوا ما تريدون أن تؤمنوا به فقط، فالجمعية الفلسفية ليست المكان الصالح لذلك. إنها المكان لتفاعل الفكر المتعدد الاتجاهات. أما تحديد المصطلحات الذي تطلبه فيمكنك الرجوع الى أدبيات الحزب، أو أعطني وقتا أطول وخذ ما شئت من تحديدات.

 

  • د.  هشام (العراق): لماذا لم تتحول المقاومة الى حركة تحرر قومي على غرار ما حصل في الصين؟ ولماذا لم تحدث ثورة في الشرق العربي؟

العميد: عندما قلنا كلمة "المقاومة" كخيار، قصدنا بها مبدأ المقاومة في كافة الأمور. فهناك أدب مقاوم وفن مقاوم وفكر مقاوم واقتصاد مقاوم، ولا تعني المقاومة فقط العمل المسلح. أما لماذا لم تحدث ثورة في الشرق العربي، فأقول لك أن حزبنا هو الثورة التي قامت في المشرق. قوة المؤامرة عليه من الداخل والخارج حدت لغاية الآن من انتصاره. ويجب أن لا ننسى أن سعادة اغتيل بمؤامرة حسني الزعيم ومحسن البرازي مع الوزير اليهودي موشيه شاريت كما أورد ذلك أحد مضطهدي السوريين القوميين الاجتماعيين في دمشق عام 1955 بعد اتهام الحزب باغتيال المرحوم العقيد عدنان المالكي . هذا المخابراتي المسؤول هو سامي جمعة (في كتابه: أوراق من دفتر الوطن). تصفية الحزب تمت بعد تلاقي مصلحة حسني الزعيم ومحمود رياض ( سفير مصر آنذاك )، والسفير الأميركي مع عبد الحميد السراج. فلا تسألني عن عدم استمرار الثورة بل اسألهم هم لماذا لم تقم ثورة في الشرق العربي.

 

د. مي (الشام): لماذا يقدم الفكر الحزبي كمسلمات لا تقبل الحوار؟

 

العميد: نحن نثق بأنفسنا قبل كل شيء. ونثق ثقة تامة بما نطرحه من أفكار.  فأنا لا أقدم لك ما يحتمل أن يكون حقاً أو خيراً أو جمالاً. نحن نؤمن بالحوار، لكن واجب الإتفاق على مسلمات مصلحتنا وتحديد غايتنا هو شرط  لنهوضنا.

 

د. ماجدة (الشام). استفزني مصطلح "الأمة السورية" . فلماذا تستعملون هذا المصطلح، علما أن هناك أمة عربية وإسلامية.

 

العميد: أستغرب أن يكون المصطلح استفزك، لأنك تحملين الدكتوراه في الأدب العربي، ولا بد أن تكوني قد قرأت هذا المصطلح في أدب جبران وبطرس البستاني والإمام الكواكبي وأمين الريحاني، وحتى في أدب خصوم النهضة مثل رشيد سليم الخوري. لم يبتكر سعادة مفهوم "الأمة السورية" فقد كان مستعملا قبل ولادته، لكن الفضل يعود له فقط في إثبات صحة التسمية علمياً الى سورية الأمة – المجتمع الواحد في كتابه "نشوء الأمم"، فأرجو العودة إليه لمزيد من الإيضاح.

 

د. فيصل م. ( العراق) لماذا تغليب الإيديولوجيات على المعرفة، ولماذا نقبل منطق المقاومة إذا كان المقاومون مجرمين يسلبون الناس أموالهم وسياراتهم؟

 

العميد: أولا، نحن لا نقدم أيديولوجيا، بل نؤمن بالحقائق الراهنة التي هي أنتم. والفكر السوري القومي مستخلص من واقع الأمة وليس مستورداً من الخارج. أما بالنسبة الى المقاومين المجرمين، فليس هناك مقاوم مجرم، إما أن يكون المسلح مقاوماً له غاية قومية واضحة، أو يكون مجرماً يدعي أنه مقاوم ليسلب وينفخ جيوبه على حساب الوضع الراهن  في العراق.

 

طالب في الجامعة الأردنية : ما هو المجتمع الذي ترمي المقاومة الى إقامته، ولماذا تمزجون بين السياسة والعقائد؟

 

العميد: المقاومة هي مبدأ أن تكون إرادتك أنت هي القرار الفصل، واترك بعدها تدبير شؤون المجتمع للدولة التي يجب عدم الخلط بينها وبين المقاومة. وقد قال سعادة رداً على المثل الشائع القائل " إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون" قائلا: إذا لم يكن ما تريد فلا ترد ما يكون حتي يكون ما تريد. أما بشأن السياسة، فهي في تعريفنا " فن بلوغ الهدف القومي" والسياسة خارج الهدف القومي ليست عملاً قومياً. وقد حذرنا سعادة من اختلاط العقيدة بالسياسة بالمعنى السائد، والتماس بين العقيدة والسياسة في عرفنا هو فقط في نقطة خدمة الغرض القومي.

 

دكتور في الجامعة الأردنية سأل: أوردتم أن هناك تشابهاً جينياً بين أفراد الأمة السورية. أليس هذا مفهوما عنصرياً؟

 

العميد: نتيجة البحث العلمي هي التي قررت هذا التشابه الجيني. لم أكتبه أنا ولا كان كاتبه سوريا قومياً اجتماعياً. وهذه ليست مسألة عنصرية بل علمية. التوسع في هذا العلم يقود العلماء اليوم الى تتبع مصدر الأنسان الأول عبر تتبع التشابه الجيني بين الأفارقة وشعوب الشرق الأوسط والأدنى وبين أوروبا. دعوتي واستشهادي بهذا البحث العلمي المنشور في سلسلة عالم المعرفة هو دعوة لإعادة النظر ودراسة مبدأ سعاده القائل أن "الإشتراك في الحياة (بين العناصر الإثنية المختلفة) يؤدي الى التشابه في العقلية والصفات". لقد أضاف علم الجينوم البشري مسألة تشابه السوريين الجيني، وهذا بدوره يدعونا لتأكيد استنتاجات سعادة ولتقرير ما هو موروث وما هو مكتسب من الطبيعة. مبدأ العنصرية عند سعادة حسم عندما قال بتسلسل الأمة من الإثنيات المختلفة. لقد كان ذلك نقضا للنازية القائلة بالصفاء العرقي السلالي، وقول سعادة بـ"السلالة الاجتماعية" ( وليس بالسلالة البيولوجية) هو كاف لإبعاده مسافة كافية عن العرقية والعنصرية.

 

 

 


 

 
التاريخ: 2021-05-30
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro