مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
واذكروا دائماً كيليكيا والإسكندرون
 
الحاج، بدر
 

واذكروا دائماً كيليكيا والإسكندرون

 

بهذه العبارة كانت تتوج طلبات الإنتماء الى الحزب السوري القومي الاجتماعي وبها كانت تختتم المراسلات الحزبية، فما هي قصة كيليكيا والإسكندرون الحزبية.

 

  • قصة كيليكيا

تبدأ قصة كيليكيا المأساوية سنة 1920 عندما نشبت مخالب الأطماع التركية في الحدود وانبرى لصدها ابراهيم هنانو.

 

كانت معركة بين قوى غير متكافئة، بين قوى سورية سلاحها الايمان بحقها أكثر من سلاحها بالعتاد والعدد، قوى وطنية مخلصة تريد المحافظة على كل شبر من تراب الوطن، وقوى تركية مسلحة تريد التوسع تدعمها نظرة سياسية واقعية الى الأمور اجبرت فرنسة، الدولة المنتدبة للمساهمة معها في اغتصابها فانكفأت قوى الحق الوطني وخسرت المعركة. خسر هنانو المعركة لكنه بقي مجاهداً ضد الإنتداب بالوسائل الشعبية الأخرى إلى أن توفي سنة 1935.

لم يبق من يذكر كيليكيا إلا الحزب السوري القومي الاجتماعي. وقد أضاف سعاده اسمها الى اسم الإسكندرون يوم قرر تحديد موعد 14 كانون الأول ذكرى الحدود الشمالية.

 

  • قصة الإسكندرون

أما قصة الإسكندرون فإنها تبدأ حزبياً في 14 كانون الأول 1936، إن هذا لا يعني أن سعاده لم يكن متنبهاً للمطامع التركية. ففي خطابه في افتتاح النادي الفلسطيني في الجامعة الأميركانية سنة 1933 يقول: "إن الخطر التركي أيضاً يقوى ويستفحل. فإن المطامع التركية تتجه الى سورية أولاً لأن سورية مجزأة ومفككة الأوصال ويسهل التلاعب بقارب فئاتها اللاقومية العاجزة.... فإني اخشى أن تكون سوريانا آخذة في الإنزلاق من أيدينا المتفرقة. ففي الجنوب تتراجع الحدود السورية أمام الحدود اليهودية. وفي الشمال تتقلص الحدود السورية أمام الحدود التركية".

 

 

مذكرة الحزب الى الجمعية الأممية والدول المتمدنة والصديقة

في أواخر سنة 1936 تم الإتفاق الأولي بين فرنسة وتركيا على منطقة الإسكندرون، وكان ذلك الإتفاق يمنح المنطقة المذكورة، إستقلالاً إدارياً واسعاً ويجعل أمر حمايتها شأناً مشتركاً فرنسياً تركياً. فأعتبر سعاده هذا الإتفاق خطوة أولى لإنتزاع السيادة السورية وسلخ المنطقة عن جسم الوطن السوري لضمها الى تركية.

 

فرفع في 14 كانون الأول 1936 مذكرة الى الجمعية الأممية والأمم الصديقة والمتمدنة بواسطة قناصلها في بيروت.

 

وكان رد الجمعية الأممية على هذه المذكرة في خريف 1937 انها تعتبرها شكوى على الدولة المنتدبة وأن اللجنة لا يمكنها أن تنظر فيها.

 

وفي 29/11/1939 اعلنت تركية ضم لواء الإسكندرونة لها واقتحمت القوات التركية اللواء واجبرت معظم أهله على النزوح الى مدن سورية مختلفة.

 

وبعدها يعلن سعاده: "خسرنا الإسكندرونة، ولكن هل تظنون أن الدولة التركية الفتية، ككل دولة حيوية أخرى في العالم ستكتفي باللواء فقط، كلا، إن الحيوية التركية ككل حيوية اخرى في العالم، تحاول دائماً الإمتداد والتوسع. وطالما نحن في تفسخنا، فالحيوية النامية على حدودنا ستظل تمتد. فالخطر في الجبهة التركية لا يزال مائلاً اليوم. وسيتحول قريباً الى خطر مخيف.

 

 

 

14 كانون الاول ذكرى الحدود الشمالية

سعاده والإسكندرون

 

 

(ليس الخطر الشمالي بأقل خطراً من الجنوبي القائم في فلسطين. واذا ظننا انه لا توجد لنا قضية عملية سياسية اقتصادية الا قضية فلسطين فقد برهنا على اننا لا نعي حقيقة قضايانا فنحن نعرض أنفسنا لخطر ساحق داهم في الوقت الذي نعالج فيه خطرا واحدا مداهما.

   

قضية الأمة قضية واحدة، فاذا لم نع الا جزءا واحدا منها فلسنا قائمين على اساس صحيح وليست خططنا صحيحة يمكن ان تنقذ المصير القومي)

 

أنطون سعاده

 

  •  

 

كانت سورية بعد الحرب العالمية الاولى مركز التصادم السياسي والاقتصادي بين فرنسة وبريطانية. وكان نتيجة هذا التصادم بين المصالح الإستعمارية. مزيدا من التمزق والتشرذم في شعبنا قادنا الى كوارث قومية كانت أولها المؤامرة الإستعمارية في مسألة سلخ لواء الإسكندرون. وبعد الحرب العالمية الثانية كانت النتيجة اغتصاب فلسطين. وتتشابه الأدوار في كلتا المسألتين. فشعبنا الذي كان فاقدا اي تنظيم باستثناء الحزب السوري القومي الاجتماعي، شعبنا هذا واجه مؤامرات الإستعمار المتعاون مع الطبقة الرجعية الخائنة وكانت الكوارث القومية.

 

 

المطامع التركية في سورية

 

ظهرت المطامع التركية اثر معاهدة لوزان بعد الحرب العالمية الثانية. وذلك حين ابدت تركية رغبتها في السيطرة على منطقة الموصل في شمال العراق. وهي المنطقة الإستراتيجية الغنية بحقول النفط. ولكن رغبة الحكومة البريطانية في ذلك الوقت بالمحافظة على المنطقة لمواصلة احتكاراتها النفطية وسيطرتها على العراق. افشلت مساعي تركية خصوصا بعد وقوف عصبة الأمم بجانب العراق بناء للتعليمات البريطانية. (1)

 

بعد عشر سنوات ظهرت المطامع التركية في الإسكندرون بالرغم من ان مسألة الموصل بقيت عالقة بسبب تصلب الموقف البريطاني واستمرار مطالبة الأتراك بها. لكن الصورة في الإسكندرون اختلفت فقد عرضت فرنسة عرضا سخيا للأتراك في معاهدة انقرة (1921) وأعطتهم امتيازات خاصة في السنجق. واقامت لهم نظاما خاصا. واصبحت إتفاقية انقرة من الأسباب الرئيسية التي تذرعت بها تركيا في مطالبتها بلواء الإسكندرون في الثلاثينات. اما الأسباب التي حدت بفرنسة لتوقيع إتفاقية انقرة في 20 تشرين الأول 1921. فهي رغبة فرنسة في تلك الفترة ان يكون لها تأثير مباشر في بحر ايجة واسيا الوسطى في وجه محاولات بريطانية التي كانت تدعم اليونان في خلافاتها مع تركيا. لذلك توثقت العلاقات بين فرنسا وتركيا وبدأت الزيارات والمحادثات بين مصطفى كمال وفرنكلين بويون التي اثمرت في معاهدة انقرة حيث تمتع السكان الأتراك بحرية انماء ثقافتهم، واعتبرت اللغة التركية لغة رسمية. وهكذا اقتطعت فرنسة من الأراضي السورية 180 كيلومتر مربع كهدية الى تركيا. وتشير الإحصاءات الرسمية الفرنسية في تلك الفترة ان عدد سكان سنجق الإسكندرون كان حوالي 220.000 نسمة، نسبة الأتراك فيهم 87000 الف نسمة فقط اما الباقي فكانوا من السوريين. (2)

 

 

مطامع جديدة

 

اغتنمت تركية الوقت المناسب للتحرك والمطالبة بمناطق جديدة. فبعد تصفية المقاومة الكردية في شمال سورية وانشغال الفرنسيين في ثورة جبل الدروز سنة 1925. وضع الأتراك مطالب جديدة بأراضي جديدة. وبعد سلسلة من المفاوضات بين فرنسة وتركيا تم الإتفاق في 22 ايار 1929 على تقسيم المنطقة بين تركية وسورية على ان تنال تركية 1/5 من الأراضي ويترك القسم الباقي الى سورية (3). ولكن هذا الإتفاق كان بدون شك إتفاقا مرحليا ما لبث ان نقضته تركيا وطالبت بمناطق جديدة اخرى.

 

بين سنوات 1929 و 1936 اهتمت تركية بسكان السنجق وبنمو الثقافة التركية فكان الطلاب الأتراك في السنجق يذهبون الى تركية للدراسة على نفقة الحكومة التركية. وكانت الزيارات للسنجق متواصلة من قبل المسؤولين الأتراك وانتظرت تركية الوقت المناسب للتحرك من جديد لضم اللواء اليها. وكان ذلك بعد توقيع المعاهدة السورية الفرنسية في 9 ايلول 1936 التي وعدت سورية بموجبها بانتهاء الإنتداب تمهيدا لإعطاءها الإستقلال.

 

 

كانت إتفاقية سايكس- بيكو سنة 1916 الطعنة الأولى في جسم سورية. اقتسمت فرنسة وبريطانية بلادنا وكان العراق وشرق الاردن وفلسطين منطقة إنتداب بريطانية. والشام ولبنان منطقة إنتداب فرنسية. في ذلك الوقت كان شعبنا غارقا في تمزقه القومي وتناقضاته الطائفية والفئوية، مسيطرا عليه جماعة إقطاعية تمثل الإقطاع الطائفي العشائري القبلي مفرزة من بقايا الحكم العثماني، ومرسخة وجودها بدعم من الإستعمار الجديد الذي دخل بلادنا تحت اسم الإنتداب. هذه الطبقة الطائفية الإقطاعية القبلية لعبت دورا هاما في تسليم أرضنا للأتراك في الشمال، ولليهود في الجنوب. وتمزيق شعبنا الى طولئف ومذاهب.

 

 

اعلن عصمت اينونو رئيس الوزراء التركي لنوري السعيد اثناء مروره في اسطمبول في طريقه الى جنيف عن رغبة الحكومة التركية في حل "مشكلة الإسكندرون" مباشرة مع سورية. وبأنه يرغب في مرور الوفد السوري اثناء عودته من باريس في تركيا لبدء المفاوضات. ونفذ الوفد السوري "الأوامر" وبدأت المفاوضات بصدد الإسكندرون مع وزير الخارجية التركية.

 

 

وما لبث ان اعلن هاشم الأتاسي احد أعضاء الوفد " ان الأتراك في الإسكندرون سيتمتعون بنفس الحقوق والواجبات التي للسكان العرب" . بعد ترك الوفد السوري تركيا شددت تركية الضغط فدعا كمال اتاتورك في خطابه الى الشعب اخذ مسألة الإسكندرون بجدية لانها أراضي تركية "وطالب وزير الخارجية التركية رشدي اراس عصبة الأمم "بمحادثات مباشرة مع الحكومة الفرنسية بشأن الإسكندرون" قبلت الحكومة الفرنسية العرض التركي وبدأت المفاوضات في ظل إتفاقية انقرة حسب طلب تركية وموافقة الحكومة الفرنسية . ثم ما لبث ان رفع الموضوع الى الجمعية الأممية حيث دافع رشدي اراس وزير خارجية تركيا عن وجهة نظر حكومته معتبراً ان الإنتداب لا يشمل سنجق الإسكندرون حسب بنود إتفاقية لوزان، اثر ذلك عين السيد سندلر السويدي كمعتمد للجمعية الأممية في اللواء لكي يرفع تقريره عن الوضع، واتفقت فرنسة وتركية على تأجيل البحث في الموضوع الى دورة الجمعية القادمة حتى يتسنى لبعثة سندلر ان ترفع تقريرها عن الوضع في مدة أقصاها شهر شباط 1937 (4).

 

 

الوضع الدولي والضغط التركي

 

ومن الملاحظ ان الوضع العالمي في تلك الفترة لم يكن يناسب فرنسة فخطر بدء حرب في أوروبة بدأ يظهر وكانت بريطانية وفرنسة بحاجة الى تركية وصداقتها في المتوسط للوقوف في وجه تهديد موسليني في منطقة شرق المتوسط. استغل الأتراك الوضع الدولي هذا وقاموا بحملة ضغط جديدة إعلامية دبلوماسية، فبدأت الإجتماعات بين رئيس الجمهورية التركية اتاتورك ورئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع. وزار اتاتورك جنوب تركية ومقر القوات المسلحة فيها واجتمع السفير التركي بالسيد فينوا مؤكدا صلابة الموقف التركي.

 

 

نجحت الحملة التركية وبدأ الموقف الفرنسي بالتساهل وذلك في رسالة أرسلها رئيس الوزراء الفرنسي الى السفير التركي في باريس يعلن " ان فرنسة ترى وجوب الوصول الى إتفاق حول الإسكندرونوان جمعية الأمم لها الحق وحدها في تقرير مثل هذا الامر".

 

 

قدم سندلر تقريره الذي ينص على ان السنجق يؤلف منطقة مستقلة منفصلة تكون سورية مسؤولة عن السياسة الخارجية وان يكون لها إستقلالا داخليا كاملا، وان لا يكون للسنجق جيش بل حرس محلي للأمن الداخلي. ونصالبند الرابع على ان تكون اللغة التركية اللغة الرسمية. وافقت الجمعية الأممية على تقرير سندلر بحضور وفد سوري برئاسة رئيس الوزراء جميل مردم بك الذي صرح الى الصحف التركية اثناء مروره في اسطمبول في طريقه الى باريس " ليس بين الأمتين السورية والتركية اي عداء كما زعم البعض، الا ان هناك أمورا اوجبت سوء التفاهم رأينا ازالتها بواسطة المحادثات الدبلوماسية . ان الأمة السورية وحكومتها تؤمنان بحسن نيات الأمة التركية وحكومتها وتعلقان على هذه النيات الحسنة كل أمل في ان تسفر المحادثات القادمة عن نتيجة موافقة ومرضية " (5). وسوف نعرض بالتفصيل لمواقف مردم بك وجماعته من شركة " الكتلة الوطنية" بعد قليل .

 

 

الصداقة الفرنسية التركية

 

وضعت مقترحات سندلر بعد موافقة الجمعية الأممية عليها موضع التنفيذ في 29 تشرين الثاني 1937 وفي اليوم نفسه وقعت فرنسة وتركية إتفاقا لحماية النظام الجديد في اللواء من الهجمات الخارجية ونصت الإتفاقية الفرنسية التركية الموقعة في أواخر ايار 1937 في مركز جمعية الأمم على خمسة بنود. وجاء في البند الثالث " بيان فرنسي تركي يؤكد إتفاق وجهات النظر بين الحكومتين لتأييد نظام الحدود في معاهدة لوزان وتدعيم السلام بالتعاون في قلب جامعة الأمم وتقوية السلامة في البحر المتوسط الشرقي" (6).

 

 

وهكذا نالت فرنسة مطالبها " بتقوية السلامة في البحر المتوسط الشرقي" في وجه مد وسيطرة موسليني لقاء تنازلاتها لتركية.

 

ازاء قرارات جنيف احتج النواب في برلمان دمشق لان " الأمة السورية علقت على الضمير الدولي اسمى آمالها، فهي لا تعترف باي حل يخرق وحدتها ويعرقل نهضتها" (7).

 

وانطلقت المظاهرات احتجاجا على قرارات جنيف في دمشق والمدن الشامية الأخرى بينما انطلقت المظاهرات في اسطنبول من قبل الأتراك واعضاء جمعية هاتاي ابتهاجا بفوز تركية. في ذلك الوقت ايد الأمير عبدالله الأتراك وقام بعد ذلك بزيارة لتركية كذلك كان موقف الفئة الحاكمة في العراق التي ايدت موقف تركيا بناء للتعليمات البريطانية وقام نوري السعيد بزيارات الى أنقرة.

 

ورغبة من الزعماء التقليديين في ايقاف المظاهرات اصدر عبد الرحمن الشهبندر بيانا اعلن فيه " ليل امس رؤي ان المصلحة الوطنية في الظرف الحاضر تقضي بتأجيل المظاهرات" (8) وادلى وزير الخارجية التركية بتصريخ اعرب فيه عن " محبته للسوريين" فقال " سنطبق إتفاقية جنيف بوفاء واخلاص فقد تبنينا احسن اسلوب بعهدنا الى جامعة الأمم بتسوية المسألة لخدمة السلام وتصفية الخلاف السوري نهائيا.

 

وفي هذه القضية تعاونت فرنسة السلطة المنتدبة وتركية الصديقة والجارة لتسهل السبل الى نمو الأمة السورية الفتية وتعجيل قبولها في جامعة الأمم ولخدمة أراضيها وصيانتها. اما الحوادث التي حصلت في اللواء بين العرب والأتراك نعتبرها سوء تفاهم يجب ان يتبدد ويزول والا يسيء الى مصالح الطرفين. اننا نحب السوريين ونتمنى لهم السعاده والرفاهية من صميم افئدتنا وستساهم تركية في تكبير مرفأ الإسكندرون الذي يرجى له مستقبل باهر، وهي مستعدة لشراء جميع منتجات هذه الأرض فلتثق سورية بنا تربح" (9).

 

بموجب إتفاقية جنيف عينت لجنة للإشراف على الإنتخابات في اللواء، فمارست تركية الضغط على اللجنة واخرجت عددا من المسؤولين السوريين وعينت مكانهم مسؤولين أتراك. واعتقل عدد من الزعماء السوريين واخرج عدد من المساجين الأتراك ويقول تقرير نبيه العظمة المرفوع الى الحكومة الشامية والمؤرخ في 19 شباط 1938 " وهكذا بدأت القوة التركية بالإزدياد يوما بعد يوم بسبب الخطط التركية الهادفة المستمرة، وضغط وتهديد الجيش التركي المستمر وكانت الإشاعات مستمرة تصل الى سكان اللواء عن امكانية دخول الجيش التركي الذي حشد قواه على حدود تركية الجنوبية في اية لحظة" (10).

 

في ذلك الجو بدأت المفاوضات بين عادل ارسلانالمندوب الشامي في انقرة والحكومة التركية للوصول الى إتفاق بتقسيم اللواء بين الشام وتركيا.

 

تمت الإنتخابات في 15 تموز 1938، ففاز الأتراك ب 22 مقعدا والسوريين ب 18 مقعداً. والإنتخابات هذه طريفة جدا. فقد قسم سكان اللواء حسب الأجناس والمذاهب فكان الأتراك من جهة والعلويين والعرب ، والأرمن والروم الأرثوذكس والأكراد والأقليات الأخرى في جهات مختلفة وهكذا تمزق شعبنا امام سياسة التجزئة التي اعتمدت في الإنتخابات وكانت النتيجة ان فاز الأتراك بالإنتخابات كأكثرية بين هذه الأقليات المبعثرة وشجع على ذلك اعتماد الكتلة الوطنية في دمشق على تنفير العناصر "غير العربية" . وهكذا اصبح للأتراك الأكثرية الرسمية في اللواء وانتخب عبد الغني تركمان رئيسا للبرلمان واعلن في أول خطاب له "ان اللواء قد حرر من الطغيان: وانتخب رئيسا للولاية صديق أتاتورك الحميم تيفور بك سوكما وفي أول اجتماع للبرلمان تغير اسم اللواء الى اسم "هاتاي" التركي وما لبث ان عرف بجمهورية هاتاي وبدأ المسؤولين الأتراك بزيارة اللواء وتنظيم الإدارة فيه وتغيرت العاصمة من الإسكندرون الى انطاكية، وبدأت الجمهورية تنفيذ القوانين المدنية التركية. وانضمت "هاتاي" الى تركيا بقرار من البرلمان الذي اجتمع في 29 ايار 1939 واصبح لواء الإسكندرون الولاية ال 63 من الجمهورية التركية.

 

هكذا سلمت فرنسة اللواء الى تركيا بإتفاقية صداقة مخالفة لقرار الإنتداب الذي نص على تحضير الشام ولبنان للإستقلال. بقيت جمعية الأمم صامتة لهذه الجريمة التي ساعد فيها بشكل رئيسي بالإضافة الى الظروف الدولية، تفكك العصبية القومية في شعبنا، وتآمر "الكتلة الوطنية" على الشعب ومصيره بالموافقة ضمنا على تصرفات فرنسة وتركية. وهذا ما سنظهره في القسم الثاني من هذا البحث بعد عرض موقف الطبقة الرجعية الممثلة "بالكتلة الوطنية "وموقف سورية الجديدة الممثلة بطلائعها الثورية الحزب السوري القومي الاجتماعي.

 

عرضنا في القسم الأول مسألة الإسكندرون عرضا تاريخيا سريعا مشيرين الىالمراحل الرئيسة التي مرت بها المسألة الإسكندرونية. يقول سعاده " ليس فقد لواء الإسكندرون عائدا الى السياسة الإنترنسيونية فحسب، بل الى السياسة الحزبية والعنصرية التي سارت عليها " الكتلة الوطنية" مضافة الى عوامل السياسة الإنترنسيونية" (12).

 

تتلخص مسائل السياسة الإنترنسيونية في ان مصالح فرنسة التقت مع المصالح التركية، في فترة كانت فرنسة بحاجة الى " قواعد آمنة" ومناطق صديقة في شرق المتوسط، فاقتطعت من منطقة الشام التي انتدبتها لواء الإسكندرون كهدية الى تركية لربح صداقتها وهذا يبدو بوضوح في مصادقة مجلس الوزراء الفرنسي على ضم الإسكندرون نهائيا الى تركية مقابل فتحها ( اي تركية) المضائق للأساطيل البريطانية والفرنسية لتمر فيها الى البحر الاسود كما اعطي لها حق تحصين الخليج ليكون قاعدة بحرية تلتجىء اليها الأساطيل التركية والفرنسية والبريطانية في حال وقوع حرب.

 

كذلك يبدو التواطؤ الفرنسي التركي واضحا في بنود المعاهدة التركية الفرنسية في 23 حزيران 1939 التي تضمنت فيما تضمنت:

  • تسليم جمهورية هاتاي ما عدا انطاكية لسيادة تركية.
  • ضمان مصالح الفرنسيين في هاتاي.(13)

 

ولم تستطع فرنسة الوصول الى غايتها هذه بسهولة بل شجعت النعرات الطائفية والعشائرية والعرقية التي ساعدت في تمزيق شعبنا. كانت التجزئة الكيانية والعرقية والمذهبية واللغوية الطعنة الثانية التي سددتها فرنسة بعد إتفاقية سايكس بيكو فاصبحت بذلك أمتنا غير قادرة "على الوقوف كتلة واحدة لتمارس خصائصها وعصبيتها لأنها تخضع لأنظمة الحياة القديمة بكامل خطوطها واشكالها، فهي تنقسم الى عشائر والى اقاليم والى إقطاعات ومشيخات، فضلا عن انقسامها لى طوائف متعددة داخل مذهب الواحد، والى مذاهب متعددة داخل الدين الواحد" (14).

 

بدأت فرنسة بتنفيذ سياسة التجزئة اثر دخولها الشام ولبنان، فقد استعلمت القوات الفرنسية الفرقة الشركسية المشهورة ببلائها لضرب ثورة 1925 الكبرى، كذلك شجعت السلطات الفرنسية المنتدبة الأشوريين والأكراد في لواء الجزيرة للإنتفاض على مركزية دمشق. ودغدغت عواطف المسيحيين (الموارنة بشكل خاص) لإنشاء وطن قومي لهم في لبنان. وشجعت العلويين والدروز للإنتفاض على مركزية دمشق.

 

ومضت فرنسة في سياستها هذه فشجعت قيام شركات سياسية بصفة "أحزاب" للوقوف في وجه المد الشعبي العارم الذي أحدثه ظهور الحزب السوري القومي الاجتماعي في سنة 1935 فنشأت في لبنان مثلا الشركات التالية: "الغساسنة" و"الطلائع" و"الكتائب" وغيرها هذا باختصار دور فرنسة في المسألة: تأمر مع الأتراك وتمزيق لشعبنا بإنشاء وتشجيع المحاور العرقية المذهبية الطائفية، وتعاون وثيق مع الطبقة الرجعية الخائنة الممثلة "بالكتلة الوطنية" في دمشق والمحاور الطائفية الأخرى في لبنان.

 

لقد كان موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي حازما ومشرفا منذ البداية في هذه المسألة وسوف نعرض فيما يلي باختصار وقفة الحزب الرائعة في وجه المؤامرة الرجعية – الإستعمارية – التركية.

 

 

موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي

 

ادرك سعاده منذ مطلع العشرينات الخطط الفرنسية الرامية الى تمزيقنا ومن يراجع مقالاته في جريدة "الجريدة" الصادرة في سان باولو البرازيل ومجلة "المجلة" الصادرة في البرازيل ايضا يرى بوضوح تركيز سعاده على كشف المؤامرات الفرنسية وسوف نقتطف هذه الفقرة للدلالة على هجوم سعاده المستمر على السياسة الإستعمارية الفرنسية في سورية من مقال بعدوان "الإمبراطورية الفرنسية الشرقية" كتبه وهو بعد في السابعة عشرة من عمره يقول: "لقد ظن غورو انه بانتهاء معركة ميسلون انتهت القضية السورية واصبحت سورية تحت سيطرة فرنسة والحقيقة هي انه ما كادت معركة ميسلون تنتهي حتى ابتدأت المسألة السورية في دخول طور خطير... في سورية ستتقوض الأساسات التي شاد عليها الفرنسيس صروح الإمبراطورية الشرقية ومتى سقطت عليهم تلك الصروح احدثت دويا عظيما تردد صداه جميع اقطار الشرق أجل: ان العصر الذهبي الذي يعلل الفرنسيس انفسهم بقرب مجيئه سيتحول الى عصر دم" (15). واستمرت مواقف سعاده البطولية من قضية تمزيقنا بعد وصوله الى الوطن في صيف 1930 وسوف يلاحظ القارئ من مواقف سعاده انه كان يتتبع قضية سلخ لواء الإسكندرونة خطوة خطوة.

 

ففي أول خطاب القاه بعد عودته من المهجر في حفلة افتتاح نادي الطلبة الفلسطيني في الجامعة الأميركية حذر سعاده من الخطر اليهودي والتركي فقال "ان الخطر التركي ايضا يقوى ويستفحل. فان المطامع التركية تتجه الى سورية أولا لأن سورية مجزأة ومفككة الأوصال ويسهل التلاعب بمآرب فئاتها اللاقومية العاجزة..... فاني اخشى ان تكون سوريانا اخذة في الإنزلاق من ايدينا المتفرقة. ففي الجنوب تتراجع الحدود السورية امام الحدود اليهودية وفي الشمال تتقلص الحدود السورية امام الحدود التركية" (16).

 

اثر ورود خبر الإتفاق الأولي بين فرنسة وتركية على منطقة الإسكندرونة في اواخر 1936 الذي اعتبر أول خطوة نحو الغاء السيادة السورية على اللواء كتب سعاده في جريدة الشرق: "ان تأمين السلام على الحدود السورية التركية لا يمكن ان يتم بالإجحاف بحقوق سورية وإفقادها سيطرتها على بقعة هأمة من الوطن السوري تضاف الى البقاع التي فقدتها بموجب إتفاقات سابقة ان الإحتفاظ بحق الدفاع عن لواء الإسكندرون للقوات التركية والفرنسية يعتبر تمهيدا عمليا لتهديد إستقلال سورية وخسارة كبيرة لمصالح الأمة السورية" (17) . وتابع في المقال نفسه استشرافه الرائد للمسألة الإسكندرونية معتبرا ان خسارة اللواء خسارة قومية "ان في فقد السيطرة على لواء الإسكندرون خسارة لا تنحصر في دولة الشام بل تشمل لبنان وفلسطين وشرق الاردن والعراق لأنها فقد بقعة خصبة وموقع هام للتجارة والأعمال الحربية وتهديدا لا يقتصر على كيان دولة الشام بل يتناول سورية الجغرافية كلها لان اجتياز الحدود من الشمال الغربي يعني ان البلاد كلها اصبحت في خطر" (18).

 

وحذر حكومة "الكتلة الوطنية" في دمشق من مواقفها المتخاذلة قائلا "واذا كان على رأس الحكومة السورية رجال مسؤولون يحبون السلام اكثر من الإحتفاظ بالحياة ويقفون تجاه الأخطار المحدقة والمناورات الموجهة ضد سلامة الوطن ومصالح الأمة مكتوفي الأيدي لا يبدون ولا يعيدون فليس موقفهم معبرا عن رغبات الأمة وإرادتها. ان الأمة لا تريد ن تختنق بين الضغط التركي والضغط الصهيوني انها قد سئمت العقم الفكري والشلل السياسي اللذين يغمران موقف السياسيين الكلاسيكيين القابضين على زمام الأمور ولا يعرفون من طبائع الأمور السياسية سوى ما يدعون ويجادلون، وما يختلقون من اعذار لشلل المصابين به انهم يظنون الأمة مشلولة وليس الشلل إلا في نفوسهم.(19)

 

ويتابع سعاده في المقال هجومه على السياسيين التقليديين معتبرا كما اسلفنا ان خسارة الإسكندرون خسارة قومية. كان ذلك في بدء ظهور المؤامرة التركية – الفرنسية. واستمر الحزب بملاحقة المسألة، فارسل سعاده مذكرة الى الجمعية الأممية والأمم الصديقة والمتمدنة وذلك بتاريخ 14 كانون الاول 1936 يقول فيها "ان الحزب السوري القومي الاجتماعي بعد كل عمل يقصد منه بتر لواء الإسكندرونة عن جسم سورية او وضع حدود لسيادة الأمة السورية على هذا اللواء خرقا لحرمة سيادة الأمة السورية وللمادة الثانية والعشرين من عهد الجمعية الأممية ولكمال الأرض الوطنية السورية...

 

ان الحزب السوري القومي الاجتماعي يطلب من الجمعية الأممية وخصوصا الأمم المتمدنة والصديقة ان تؤيد الإثباتات السورية وان لا تعطي حلا شاذا لمسألة الإسكندرونة يشجع على ايجاد حال محرجة في الشرق الأدنى تتحول عاجلا او اجلا الى مصدر نزاع" (20). واجابت لجنة الإنتدابات في خريف 1937 على مذكرة الحزب قائلة "ان هذه المذكرة تعتبر شكوى على الدولة المنتدبة وان اللجنة لا يمكنها ان تنظر في الشكوى" (21).

 

واتبع الزعيم المذكرة هذه بخطاب القاه في حشد الحزب السوري القومي الاجتماعي في صافيتا مشددا على ضرورة الإحتفاظ بكل شبر من أرضنا المقدسة "ان أول مصلحة من مصالحنا هي صيانة كل شبر من هذه الأرض المقدسة التي عليها نحيا ومنها نستمد موارد الحياة. اني اعلن ان الإسكندرونة أرض سورية ضرورية لحياتنا وتقدم مصالحنا واننا مستعدون للإحتفاظ بها مهما كلف الامر.

 

واني اعلن ان كل قضية من قضايا الشرق تكون لنا مصلحة فيها وتسوى بإهمال مصالحنا وإرادتنا تكون تسويتها فاسدة" (22).

 

والجدير بالذكر ان سعاده كان قد هاجم موقف الكتلة الوطنية وتواطئها في سنة 1936 في البلاغ الذي اصدره الى الرأي العام الذي عرف "بالبلاغ الأزرق" والذي صادرته الحكومة الفرنسية المنتدبة وعاونتها في ذلك حكومة "الكتلة الوطنية" في دمشق وللتعريف بجماعة "الكتلة الوطنية" هذه سوف نعطي هذا التحديد لهم الذي اعلنه الزعيم "الكتلة الوطنية شركة سياسية محدودة عمل فيها اشخاص رموا الى المجد الشخصي وبعضها عمل فيها افراد نفعيون مستغلون. واكثر العاملين على الإطلاق هم من بقايا الطبقة الإقطاعية القديمة المقتدرة على اساليب السياسة المحلية الضيقة العاجزة كل العجز في السياسة القومية والسياسة الكبرى" (23).

 

واستمرت مواقف الحزب المشرفة خاصة بعد اشتداد المناورات التركية – الفرنسية وابتدأت تصل اشاعات عن حشد قوات تركية على الحدود فقدم الزعيم في 8 كانون الثاني سنة 1937 مذكرة الى المفوضية الفرنسية واضعا المتطوعين القوميين الاجتماعيين للدفاع عن اللواء"... لنا الشرف ان نضع تحت تصرف جيش الدفاع العدد اللازم من المتطوعين من أعضاء حزبنا للمساعدة على الإحتفاظ بالسنجق السوري... وعلى امل ان تفهم فرنسة الموقف الذي تمليه علينا كرامتنا القومية. تفضلوا يا فخأمة المفوض بقبول فائق احترامنا" (24).

 

عند وصول لجنة سندلر الى الإسكندرونة التي رفعت تقريرها بفصل اللواء عن الشام وبجعل اللغة التركية اللغة الرسمية الأولى ادرك سعاده ان العمل بمضمون التقرير يعني فقد السيادة السورية على الإسكندرون، فوضع مذكرته الثالثة المشهورة ووجهها الى الحكومة الشامية يعنفها على موقفها من المناورات التركية – الفرنسية قائلا: ".. والحزب السوري القومي الاجتماعي يعلن اسفه للموقف الذي وقفته الحكومة السورية من المناورة التركية التي انتهت بتكتيل جهودها بالإتفاق الفرنسي التركي على نزع السيادة السورية بالفصل والإحتفاظ بستار اسمى يبقى لواء اسكندرونة ضمن الحدود السورية......

 

والحزب السوري القومي الاجتماعي يعلن للحكومة السورية استعداده لتأييدها في اي موقف جرئ لحفظ حقوق الأمة وسلامة الوطن ويطلب منها ان تقف في جانب قضية الأمة وتحملها مسؤولية خسارة قوية تقع بالوطن وسلامة حدوده (25).

 

وهكذا دعا سعاده لإنشاء "جبهة وطنية" للوقوف في وجه المؤامرات التركية الفرنسية ومحذرا الحكومة الشامية من مواقفها واجتمع سعاده برئيس الوزارة الشامية جميل مردم بك في صوفر واتفق على عقد اجتماع اخر يخصص لدرس موضوع الإسكندرونة. زار الزعيم منفذية دمشق لتفقد احوالها وبهذه المناسبة تمكن من الإجتماع برئيس الوزارة مرة ثانية واجتهد باقناعه للوقوف موقفا حازما ويصف سعاده هذا اللقاء في معرض تشريحه للمواقف الرجعية المتخاذلة "للكتلة الوطنية" قائلا: "المعجزة الوحيدة التي امكن اولئك الرجال اتيانها قبل الحرب وفي ظروف سياسية موافقة جدا لإغتنام الفرص وتعزيز موقف الأمة السورية في الخارج هي الموافقة المستورة على تسليم فرنسة منطقة الإسكندرون لتركية غير عابئين بغليان الأمة ولاملتفتين الى رجاء زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي لهم (مذكرته الى الحكومة الشامية) ان يغيروا موقفهم، ولو بصورة مستورة ايضا، ليتمكن الحزب من تنظيم الأمة للدفاع عن حقها في بقعة من اغنى بقاع وطنها واصلحها للتقدم الزراعي والتجاري.

 

لا تزال عبارة جميل مردم الذي كان انئذ رئيس الوزارة، للزعيم ترن في اذن التاريخ وستظل ترن الى ان يعود الحق الى نصابه ويأخذ الحق مجراه.

 

انها لعبارة مضحكة مبكية: "ان الخسارة في سلخ الإسكندرون وضمها الى تركية واقعة على تركية وليس على سورية لأن في الإسكندرون عناصر غير تركية تتبعها".

 

هذا كان نغم الكتلويين وصحافتهم الذي ارادوا به تخدير الشعب وصرف فكره من خطورة الجريمة المدبرة بإشتراكهم ومواقفهم ضد الوطن وحقوق الأمة.

 

وهم الذين اجتمعوا في أربعين "هنانو" وحلفوا "اما ولله لم تمنعنا فرنسة سوى عقال لحاربناها عليه" فكان موقفهم موقفا دونكيخوتيا...

 

ولكن سرعان ما زالت رغوتهم عن الصريح وانكشف تصنعهم فلما ظهرت مسألة مطالبة تركية بالإسكندرون واجابة فرنسة الى ذلك لم يجدوا الإسكندرون تستحق ان يحاربوا فرنسة عليها! انها كانت في اعينهم اقل من عقال بدوي...."(26)

 

وهكذا قطع سعاده الأمل من هذه الشركة السياسية الخائنة لمصلحة الأمة واستمرت جريدة "النهضة" في بيروت في حملاتها المتواصلة اليومية على الحكومة الشامية كاشفة مسؤوليتها عن تقوية الدعاوة التركية في اللواء وتنفير العناصر "غير العربية" كالأكراد والأرمن، والشركس بسبب سياستها العنصرية العقيمة.

 

وقبل ابراز موقف الحزب النهائي من الطبقة الرجعية في لبنان بسبب مواقف التأييد للسياسة الفرنسية سوف نعرض آراء ونظريات الإقطاعيين من جماعة الكتلة الوطنية في مسألة الإسكندرون.

 

 

نظريات الرجعيين

 

يقول زكي الأرسوزي العصبوي في جريدة الشباب الحلبية الصادرة في 14 تموز 1938 "ولما ظهرت القضية السورية بعد انتهاء الإضرابات العأمة سنة 1936 اشترطت الحكومة الفرنسية على الوفد المفاوض (اشارة الى الوفد السوري المفاوض) الإجابة على جميع مطالب الأتراك، وذلك قبل ان تتضح نوايا الأتراك الحقيقية".(27)

 

ويقول جميل مردم "اود ان اؤكد ان سورية ستبقى الى جانب فرنسة في كل خلاف يحدث بين الدول لأن في خدمة فرنسة خدمة للقضية الإنسانية كلها" (28) اجل ان خدمة فرنسة بالنسبة لعملاء فرنسة خدمة للقضية الإنسانية كلها هذا هو منطق الخونة، الذي يستمر اليوم بأشكال مختلفة من قبل احفاد "الكتلة الوطنية" الموزعين في كياناتها ويجيء دور رئيس الوفد السوري مظهرا عواطفه تجاه تركية "اننا ذاهبون لتوطيد العلاقات مع تركية لا لنعلن الحرب والقتال".(29)

 

ويقول لطفي الحفار احد أركان الكتلة الوطنية "ان صديقي وزميلي في النضال، جميل مردم بك، صرح بأن خدمة فرنسة هي خدمة الإنسانية فانا لا استطيع الإمتناع عن التصريح بدوري بأنه لا يجب علينا ان نخدم فرنسة فحسب، بل ينبغي ان نمجدها ونكرمها ايضا".(30)

 

ليس العجب ان يمجد لطفي الحفار ويكرم فرنسة انما العجب ان يستمر منطق التمجيد والتعظيم للذئاب الإستعمارية التي مزقتنا وتهدد وجودنا في الوقت الحاضر من قبل امثال لطفي الحفار المنصبين حكاما ومشايخ علينا.

 

ويعرف جميل مردم بك عن صداقته لتركية بعد اجتماعه بالأتراك والفرنسيين في 28 حزيران 1937 "ليس اتاتورك للترك فحسب، بل هو ابو الشرق ايضا".(31)

 

وتتوالى التصريحات الرجعية فاذا "بالمناضل" الدكتور الشهبندر يقول: "انه يهم سورية كثيرا، وهي تركب مركب الحلفاء، ان تكون تركية قد ركبت المركب نفسه ان اعداء تركية الجديدة يشيعون إشاعات مختلفة عن أطماع الأتراك في بلاد العرب. فالسوريون الذين عاشوا بالإتفاق مع الأتراك (!! والمشانق والإسكندرون!) منذ القرن السادس عشر يعلقون اهمية كبيرة على ان تصبح اهدافهم متفقة والأهداف التركية".(32)

 

ولا بد من الإشارة هنا ان الأمير عبدالله امير شرق الأردن ابدى سروره وتأييده للأتراك في مواقفهم مع الإشارة ايضا الى سرور وتأييد "المناضل" الآخر نوري السعيد في العراق.

 

وانبرى "مدعي الجهاد" من أراخنة السياسة التقليديين بالتبخير والتعظيم لفرنسة خاصة رجال الدين الذين دغدغت عواطفهم المفوضية الفرنسية في لبنان.

وتشكلت "الجوقة " الرجعية من مجموعة الإقطاعات الإحتكارية العشائرية الطائفية التي تأمرت على الحزب السوري القومي الاجتماعي متهمة أياه بالنازية والفاشية بسبب مواقفه الثورية ضد الإستعمار الفرنسي. يقول سعاده "نحن حاربنا ونحارب الإستعباد الداخلي الذي يتخذ من الإقطاعية والرأسمالية والتكالب على المصالح والمنافع واسطة وشكلا، الإستعباد الداخلي الذي كان حليفا للإستعباد الخارجي والذي لولاه لما فقدنا كيليكيا والإسكندرون وفلسطين.(33)

 

وهكذا تستمر المؤامرات على القوى الثورية الرافضة الوجود الإستعماري الصهيوني والوجود الامبريالي بمختلف أشكاله على أرضنا، هذه المؤامرات التي تنفذها عصابات الرجعيين لحماية مناصبهم واحتكاراتهم وإرضاء اسيادهم الإمبرياليين هؤلاء الرجعيين          " يحصل تعاون وتزاوج ثنائي بينهم وبين سلطة الاستعمار فيتحولون الى طبقة حاكمة خائنة عميلة".(34)

 

الارهاب الفرنسي : إيقاف "النهضة"

 

لقد بقي الحزب السوري القومي الاجتماعي ، الحزب الوحيد في سورية كلها واقفا معلنا إرادة شعبنا لذلك اضطر الحزب ان يتلقى حملات الإضطهاد من قبل الفرنسيين ورجال الكتلة الوطنية الحاكمين " سعيداً" في دمشق. ونود هنا ان نعرض قليلا من مواقف الحزب في جريدة "النهضة" الصادرة في بيروت التي عطلت من قبل السلطات المنتدبة لموقفهاالصريح من مؤامرة فرنسة والكتلة الوطنية . ويجدر الإشارة الى ان جريدة "النهضة" منعت قبل صدور قرار تعطليها من دخولالأراضي الشامية.

 

يوضح سعاده في مقال "الجزيرة بعد الإسكندرون" كيف طلب رجال الحكم في الشام من الحزب السوري القومي الاجتماعي ان يعمل في الإسكندرون والجزيرة بشرط ان لا يعمل في حلب ودمشق تنفيذا لسياستهم العنصرية على اساس ان الجزيرة والإسكندرون مناطق بعيدة والمهم ان تكون سيطرتهم على المدن الشامية حيث مناطق نفوذهم المذهبية. وهذا ما يريده اليوم من الحزب تشكيلات الطائفيين في لبنان الذين يعتبرون بعض المناطق "مناطق نفوذ". يقول سعاده : "استندت سياسة الكتلة في معالجة مشكلة لواء الإسكندرون على النعرة العنصرية. فهي تعطي الأساس الحقوقي من وجهة العنصر العربي مهملة العناصر الأخرى التي لها شأن في تقرير مصير اللواء. فأدت هذه السياسة العنصرية الى النتيجة الوحيدة لكل سياسة عنصرية وهي تنافس العناصر الداخلة في سورية وتصادمها.(35)

 

ان نتيجة السياسة العنصرية قد ظهرت كما اسلفنا في نتيجة الإنتخابات التي قامت في الإسكندرون حيث شكلت الفئة التركية أكثرية بين الأقليات.

 

ويفضح سعاده موقف الكتلة الوطنية اثر إتفاقها معالأتراك سرا " وبينما كان الزعيم يشكّل الكتائب القومية الاجتماعية ويطلب السلاح للزحف الى الحدود الشمالية لمقاومة كل محاولة تركية للاستيلاء على الإسكندرون كان الكتلويون يتفقون سرا مع الفرنسيين على تسليم تلك المنطقة العزيزة للأتراك وارسلوا السيد عادل ارسلان "المير" الى انقرة لينوب عنهم فيذلك الدور المخزي".(36)

 

وفي مقال اخر يحذر من الخطر التركي على المتوسط يقول " ان الخطر التركي قد اصبح مداهما، وفي حالة حرب لا يستغرق زحف الجيش التركي اكثر من ثلاثة أو أربعة أيام حتى يصبح عند مداخل لبنان.(37)

 

لذلك دعا الى قومية المعركة قائلا: اننا لا نوافق على النظرية الخرقاء القائلة بأن تهديد سلامة الشام لا يتضمن تهديد سلامة لبنان. ان المصير القومي واحد للبنان والشام وفلسطين وشرق الأردن والعراق ولا شيء يؤمنخير المصير سوى استعدادها (الأمة) لإدراك خطورة الموقف وتوحيد الجهود في نهضة غرضها حماية المصلحة القومية العأمة".(38)

 

واعلن سعاده ايضا بإسم القوميين الإجتماعيين خيانة فرنسة لعهدة الجمعية الأممية وتعديا على حقوق الأمة "بإسمكم اعلن ان الإتفاقية التي سلمت فرنسة بموجبها لواء الإسكندرون الى تركية هيإتفاقية باطلة تكون خيانة لعهدة الجمعية الأممية وتعديا على أرض الوطن وحقوق الأمة السورية الصريحة، وان مشروع إستعمار مطلق الشؤون السياسية والاقتصادية والحربية".(39)

 

بسبب الحملة القوية التي قامت بها جريدة "النهضة" على السلطات الفرنسية والشامية اقفلت الجريدة كما ذكرنا بأمر من المندوب السامي الفرنسي بعد ان كتب سعاده فيها سلسلة طويلة من المقالات بعنوان " حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية" مفندا مواقف الكتلة الوطنية المتواطئة مع الإستعمار الفرنسي.

 

وقد أدى ظهور الحزب القومي والتفاف الشعب حوله الى خوف السلطات الفرنسية والرجعيين، ذلك لأن الحزب قد حل أهم المسائل التي واجهت وتواجه سورية وهي المسألة الانتلوجية. فقد صهرت جميع المسائل الانتلوجية في الحزب السوري القومي الاجتماعي ويشير سعاده الى ذلك بقوله انه سلط على جميع العناصر عامل روحي – اقتصادي – ثقافي صهرها وحولها الى عناصر متلاحمة متجانسة في صلب الأمة السورية لذلك قامت بين فرنسة والحزبالسوري القومي الاجتماعي حرب هي حرب مصالح، مصلحة الأمة ومصلحة المستعمر. فأوعزت فرنسة الى رجال الكتلة بدمشق للتحرك وبدأت الإعتقالات في صفوف القوميين الإجتماعيين. وبدأ التحرك الرجعي الطائفي في لبنان بواسطة التشكيلات الطائفية التي شجعتها فرنسة " وكان من وراء ذلك ان تمكنت القوات الفرنسية من القبض على عدد من أركان إدارة الحزب السوري القومي الاجتماعي وعدد آخر من رجاله الفرعيين ومحاكمتهم في مجلس حربي والحكم عليهم احكاما قاسية ظالمة، لأنهم لم يذعنوا ويسلموا كما أذعن غيرهم وسلم سلاحه".(40)

 

  •  

ان مسألة الإسكندرون تشكل ذروة التآمر الرجعي الإستعماري بعد الحرب العالمية الأولى في بلادنا كما شكلت فلسطين ايضا ذروة التآمر الرجعي الإستعماري بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم. ان الأدوار في كلتا المسألتين تتشابه والحاجة الى دراسة مقارنة ضرورية لفضح العقلية التي تقود شعبنا الى الكوارث ولتكون لنا حافزا لتدميرها.

 

"اننا لا نريد ان نبكي على الماضي"، ولكننا نريد ان نأخذ من مسألةالإسكندرون درسا وحكما نهائيا قاطعا على الطبقة الرجعية الخائنة حقوق الأمة التي باعت شعبنا في الإسكندرون وفي فلسطين وتضعنا جميعا برسم البيع في سوق النخاسة الإمبريالية.

 

ان سعاده باستشرافه الثوري ورؤيته الواضحة قد حدد معالم الطريق. طريق طويل وشاق يبني الإنسان الثوري القادر على الوقوف في وجه المد الإستيطاني الذي يهدد وجودنا كله.

 

المراجع

  1. Mosul Dispute American Journal of International law – volume 20 (1926) page 453 – 464.
  2. The Alexandretta Dispute American journal of international law page 407.
  3. Toymbee Survey of international Affairs 1925 oxford – 1929 page 332-333.
  4. League of National Official Journal January 1937  page 31
  5. النظام الجديد ، الحلقة السابعةعشرة، نيسان 1951، دمشق الصفحة 92.
  6. جريدة "صوت الاحرار" بيروت في 29 أيار 1937.
  7. المرجع السابق عدد اول حزيران 1937
  8. "صوت الاحرار" عدد 10 نيسان 1937
  9. المرجع السابق حزيران 1937.
  10. The Alexandretta Dispute page 421
  11. جريدة يني غون 3 أيلول  1938 انطاكية 423 the Alexandrtta Dispute page
  12. مقال " الجزيرة بعد الإسكندرون" جريدة "النهضة" بيروت  السنة الاولى العدد السادس اكتوبر 1937 .
  13. جريدة " سورية الجديدة" العددين 19 و 20 العدد الرابع سان باولو – البرازيل سنة 1939
  14. هنري حاماتي " جماهير وكوارث " صفحة 50 .
  15. جريدة "الجريدة" سان باولو – البرازيل – العدد 49 تشرين الاول 1921 .
  16. سعاده – حطابه في افتتاح النادي الفلسطيني في الجامعة الاميركية سنة 1933 .
  17. جريدة الشرق – بيروت في 29 يناير 1937 عن النظام الجديد الحلقة السابعة عشرة صفحة 83، دمشق 1951.
  18. المصدر نفسه
  19. المصدر نفسه
  20. جريدة " الرائد" الطرابلسية العدد 112 السنة  الثالثة في 6 كانون الثاني 1937.
  21. جريدة " سورية الجديدة" مقال " الخطر المقبل مسؤولية فرنسة" تحت باب رأي سورية الجديدة.
  22. النظام الجديد الحلقة التاسعة آب 1950 صفحة 66.
  23. جريدة "النهضة" بيروت العدد الصادر في 5 يناير 1938.
  24. النظام الجديد، الحلقة السابعة عشرة صفحة 88 طبعة دمشق نيسان 1951.
  25. النظام الجديد – الحلقة السابعة عشرة صفحة 90 دمشق نيسان 1951.
  26. "الزوبعة " العدد 66 سبت<
 
التاريخ: 2021-05-30
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro