مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الهجرة إلى أوروبا بين الواقع والتصوّر
 
عطيه، شوقي
 

 

         شكّلت الأزمة السورية التي بدأت في العام 2011 منعطفاً خطيراً في السياسات الدولية، حتى أن البعض اعتبرها حرباً عالمية ثالثة بالمواربة، عوضاً عن أن تكون بشكل مباشر، بين عدد كبير من الدول التي تتقاتل على الأراضي السورية. وينتج عن هذه الأزمة، وبشكل يومي، عدد من الأزمات المتفرعة، لا بدّ أن أولها يتمثل في العدد المرتفع من الضحايا والجرحى، وهم من مختلف الجنسيات العربية والآسيوية والغربية. أضف إلى ذلك الدمار الواسع الذي أصاب أجزاءً كبيرة من سوريا، والانهيار الاقتصادي والاجتماعي في دولة كانت تفخر بأن دينها العام بلغ صفراً. إلا أن أكثر أوجه الأزمة السورية بشاعة تَمثّل في هجرة الملايين من السوريين من قراهم ومدنهم، والتوجه نحو المجهول. وصل اللاجئون السوريون إلى عدد كبير من الدول حيث تفاوتت درجات الحفاوة في الاستقبال بين مرحب ورافض. ووفقاً للأرقام التي نشرتها منظمة العفو الدولية والهيئة العليا للاجئين، التابعتان للأمم المتحدة، فإن عدد اللاجئين المسجلين رسمياً يزيد عن 5.59 مليون شخص[1]. وحين ندرك أن عدداً كبيرا من اللاجئين لا بد أن يكونوا غير مسجلين، فإن الأرقام ترتفع لتتجاوز، وبكثير، تلك المصرح عنها. 

 

     إلا أن اللاجئين السوريين ليسوا الوحيدين في العالم خلال السنوات الأخيرة، بل نضيف إليهم الملايين ممن هربوا من حروب ونزاعات مسلحة وأزمات معيشية واقتصادية خانقة، كما هي الحال في العراق وأفغانستان والصومال والسودان بقسميه الشمالي والجنوبي وغيرها الكثير من الدول، وعندها نصبح أمام صورة أكثر شمولاً: الملايين يتركون بلادهم، وهي بلدان نامية معظمها في الشرق الأوسط أو أفريقيا ويتجهون إلى دول أكثر أمناً واستقراراً. أمام هذا الواقع تصبح الهجرة من أبرز الحركات السكانية تأثيراً على العالم. وبالتالي فإن الهجرة تعتبر في عدد من الدول المستقبلة، أ و لنقل المستهدَفة، من أبرز هواجس السياسيين والمواطنين على حد سواء. هكذا، برزت نظرة أوروبية وغربية للمهاجرين والمقيمين من أصول غير محلية ضخّمت الواقع ورسمته بصورة مخيفة، عن قصد أو غير قصد، كردّة فعل وقائية في وجه الهجرة ونتائجها الآنية والمستقبلية على الدول الغربية. نشرت شركة إيبسوس موري البريطانية Ipsos MORI مؤخراً دراسة احصائية حول الفرق بين الواقع والمتصوَّر، واستطلعت فيها آراء سكان الدول الأوروبية حول ما يعتقدون أنها الأرقام التي تمثّل توزّع المسلمين في بلادهم. وقد أتت كل النتائج مخالفة للواقع، فالأوروبيون قدّموا تصوّراً لنسب المسلمين أكثر بعدّة أضعاف مما هو عليه، بالإضافة إلى ذلك فإنهم يرون بأن المستقبل القريب سيحوّل دولهم إلى دول ذات أكثرية مسلمة. وهذه التصورات، وفقاً لما تؤكّده الدراسة بعيدة كل البعد عن الواقع[2].

 

     ينطلق هذا البحث من أثر الهجرة الحديثة كعامل ديموغرافي* - كونها أحد مركّبات النموّ الديموغرافي الثلاثة (الولادات، الوفيات والهجرة)؛ ودورها في التأثير على سياسات الدول وتوجّهاتها، من خلال الخوف المتنامي من المهاجرين، واستخدام هذه المسألة كفزّاعة من قبل بعض التيارات اليمينية التي تسعى إلى فكّ ما يجمعها ببقية الدول، من أوروبية أو أطلسية. فمن خلال تضخيم عدد المهاجرين، أولاً؛ ولومهم على كل أزمات الداخل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ثانياً؛ واستغلال أي حدث أمني تقع فيه الشبهة على كل من هو "غريب"، ثالثاً. زرعت هذه الأحزاب ووسائل إعلامها في مخيالات وعقول مواطنيها دفعتهم إلى تضخيم الواقع وتصوّره بما ليس عليه. إلا أن هذه المسألة، مسألة الهجرة، ما هي في الواقع إلا إحدى الحجج التي يستخدمها السياسيون، في أي مكان وليس في الغرب وحسب، خدمة لخطابهم السياسي. وما أن يخفّ وهجها يتركوها وينتقلوا إلى مسائل أخرى أكثر تأليباً للرأي العام. إلا أن الضرر يكون قد سبق إلحاقه بمجموع المهاجرين، من أي مكان قدموا، وذلك إما بطردهم أو بتضييق الخناق عليهم. وبذلك ما كانوا لينالوا الراحة لا في البلدان التي قدموا منها، ولا في سُبل هروبهم، ولا في تلك التي لجأوا إليها.

 

         سيرد في سياق البحث، وفي أكثر من موقع، مصطلح الإرهاب، في توصيف أعمال عنف استهدفت المدنيين، في عدد من الدول الغربية. يهمّنا هنا أن نوضّح أن هذا المصطلح استخدم في سياقه الإنساني، حيث يعدّ أي عمل عنفي ضد مدنيين عزّل بأنه إرهاب لهم، ونحن بذلك نبتعد عن الجدلية القائمة على تصنيف البشر بين أعداء وأصدقاء لننقل الحالة الإنسانية كما هي.

 

     يعتمد البحث على مصادر للمعلومات، أولها الدراسات الاحصائية المتعلقة بعدد من الجوانب الأساسية للبحث:

 

  • دراسة إيبسوس موري حول الاختلاف بين الواقع والمتصوّر بشأن توزّع المسلمين في أوروبا والغرب.
  •  
  • دراسات احصائية لمنظمة العفو الدولية Amnesty International، والهيئة العليا للاجئين التابعتين للأمم المتحدة UNCHR، وأرقام البنك الدولي حول توزّع اللاجئين في العالم.
  •  
  • دراسات متعددة في عدد من الدول الغربية والدول الشرق أوسطية حول أثر النازحين محلياً على كل دولة.
  •  

     بالإضافة إلى الدراسات الاحصائية، فإن البحث يلجأ إلى المقالات الصحافية التي تبرز هواجس المقيمين في الدول المستقبلة للهجرة، وكيفية تأثير هذه الهواجس في خياراتهم الانتخابية والسياسية. أضف إلى ذلك عدداً من المراجع التقليدية المطبوعة المتعلقة بمسألة الهجرة كونها ظاهرة ديموغرافية وتأثيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

 

  1. الهجرة، نظرة عامة

الهجرة، تعريفاً، هي انتقال الفرد من مكان إلى آخر، مؤقتاً أو دائماً ولأي سبب من الأسباب. وقد تكون الهجرة داخل البلد الواحد، من منطقة إلى أخرى، فتُعرف عندها بالنزوح. وتتعدّد أسباب الهجرة، وأهمها:

 

  • طلب العلم، بحيث يترك الشباب دولهم الأصلية ويتجهون إلى دول أخرى بهدف التحصيل العلمي، إما لأن الاختصاص غير موجود في بلدهم، وإما بهدف البقاء في الدولة المستضيفة للبحث عن العمل.
  •  
  • طلب العمل، وهي من أكثر أسباب الهجرة التي تدفع بالإنسان إلى مغادرة بلده الأصلي بحثاً عن عمل أو ظروف عمل أفضل من المتوافر لديه.
  •  
  • طلب الأمن والاستقرار والحرية، وتصنّف هذه الأسباب ضمن الهجرات السياسية والأمنية بحيث يترك الأفراد بلادهم لأسباب متعدّدة منها القمع أو الحروب والاضطرابات الاجتماعية والسياسية والعسكرية. ويتجهون إلى دول بنظرهم أكثر أمناً.
  •  

الهجرة ظاهرة قديمة بقدم الإنسانية، لا بل إنها من خصائص المجتمعات البدائية، حيث كان الإنسان دائم الترحال بحثاً عن الماء والكلأ. ولم يتغير الحال إلا بعد الثورة الزراعية حيث أصبح الوضع الطبيعي لأغلبية البشر بالاستقرار في أماكنهم. إلا أن موجات الهجرة القديمة، حيث لا حدود سياسية واضحة بين الدول، كانت أكثر سهولة مما هي عليه اليوم. فالهجرة، الشرعية، على الأقل، تزداد تعقيداً مع مرور الوقت. فشروط الحيازة على تأشيرة الدخول دائمة التغير، وتخضع لحاجات الدول المستقبلة أولاً ونظرتها إلى الدول المصدّرة للهجرة ثانياً. وعليه، فإن الدول الغربية صنّفت الدول المصدّرة وفق عدد من المجموعات بناءً على مواصفات مسبقة لها علاقة بالثقافة السائدة في هذه الدول، وأنظمة الحكم فيها، والمستوى التعليمي السائد فيها، وغيرها من الأمور. هذه الشروط الموضوعية، بمعنى قابلية قياسها وتصنيفها، ليست الوحيدة في معايير الاختيار، لا بل تدخل إليها شروط أخرى أكثر ذاتية متصلة بالرؤى العقائدية لمن هم على رأس السلطة في الدول المستقبلة. هكذا، فإن شروط الاستقبال، وحتى الحصص المسموح بها لكل دولة، تتغير مع تبدل الأحزاب الحاكمة، فتلين مع الأحزاب اليسارية الطابع وتصبح أكثر شدة مع الأحزاب اليمينية.

 

إلا أن النظرة إلى الهجرة لا يمكن أن تكون بهذه البراءة الطوباوية. فالأسباب التي تدفع بالمهاجرين إلى ترك أوطانهم لم تأتِ من العدم، وفي الوقت نفسه، فإن الأسباب التي دفعت بالدول المستقبلة إلى قبول المهاجرين، وبأعداد قد تصل إلى الملايين في بضع سنوات، ليس نتيجة "حب الخير" و"قيم الديمقراطية والحرية". يُصنّف السواد الأعظم من الدول المصدّرة للهجرة في خانة الدول الفقيرة أو دول العالم الثالث أو الدول النامية. وتختلف التسميات لتدلّ على واقع واحد: دول تعاني من الأزمات الخانقة، ولا فرق في نوعية الأزمة طالما تدفع بالمواطنين إلى الهرب من الحال التي يعيشونها، حتى أصبحت الهجرة عند بعضهم الهدف الأساس الذين يسعون إلى تحقيقه. أما بالنسبة للدول المستقبلة، فإن تحليل معدلات الخصوبة فيها يدل على أبرز الأسباب التي تدفعهم إلى استقبال المهاجرين: البحث عن يد عاملة شابّة على المدى القصير، وضمان استمرارية الأبناء والأحفاد على المدى الطويل، وهو ما سنفصّل فيه القول لاحقاً.

 

هكذا، فإن الهجرة الناشئة أصلاً عن اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية، والتي كان للغرب الاستعماري، بالأصالة أو الوكالة، اليد الطولى في ولادتها، ستؤدي إلى نتائج بالغة الخطورة والأهمية في المستقبل المنظور داخل الدول الغربية. فهذه الدول تطعَّم سنوياً بعشرات الآلاف، إذا لم يكن بمئاتها، من المهاجرين ذوي الأصول السمراء والسوداء. وهؤلاء المهاجرون الذين سيصبحون مواطنين عاجلاً أم آجلاً، سيغيرون من وجه أوروبا وكندا وأميركا لتصبح أكثر تنوّعاً من لنواحي العرقية والإثنية. وهذا الأمر بالذات هو ما يثير مخاوف الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تنزع نحو رفض الاختلاط مع "الأغراب" وتدعو إلى المحافظة على الشعوب الأصلية بدرجات متفاوتة من التطرّف تصل إلى حدود النازية الجديدة أحياناً. 

 

 

  1. الهجرة: بين الإندماج وبروباغندا الخوف

     لطالما شكّلت دول الغرب، وأعني بها دول أوروبا الغربية والشمالية بالإضافة إلى كندا والولايات المتحدة وأستراليا (وإن كانت جغرافياً في الشرق)، محطّ أنظار الباحثين عن ظروف حياة أفضل من تلك التي يعيشونها في دولهم الأصلية. وقد تكون هذه الظروف اقتصادية أو أمنية أو سياسية أو معيشية أو كل ما تقدم. وقد نشطت حركات الهجرة، بمفهومها المعاصر، منذ ما يزيد عن القرن من الزمن. وقد نشأ هذا المفهوم، الذي يُقصد منه ترك الإنسان لبلده ليعيش في بلد آخر ولمدة طويلة من الزمن، مع تبلور مفاهيم الحدود القومية بين الدول. واشتهر اللبنانيون والسوريون بهذه الحركة منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر. اندمج معظم المهاجرين في الدول التي اختاروها موطناً جديداً لهم حتى أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من نسيج مجتمعاتها، وحتى أن نسبة كبيرة منهم تناست كل ما يتعلق بالبلدان التي تحدّروا منها. وأصبح الاندماج جزءاً أساسياً من عملية الهجرة، بالنسبة للدولة المضيفة أولاً وللمهاجر ثانياً. فالدولة المضيفة التي لا تستطيع تحقيق الاندماج التام للمهاجرين القادمين ستكون أمام مشكلة تعدد المجتمعات الفرعية، وما يمكن أن ينشأ عن هذا الأمر من مشكلات بين سكان البلد الواحد، بحيث يعتبر كل فرد أن ثقافته هي الأفضل وهي الثقافة التي يجب أن تسيطر على كل ما عداها. أما بالنسبة للمهاجر، فإن عدم تحقيق الاندماج الاجتماعي يعني الحياة على هامش المجتمع وصولاً إلى الشعور بالغربة التامة مع ما يشكل هذا الأمر من أزمات تتعلق بضياع الهوية وتصادم الثقافات الذي لا بد أن يعيشه المهاجرون من غير المندمجين.

 

     إذا كانت الأسباب التي تدفع بالأفراد إلى الهجرة واضحة وبسيطة للفهم والتحليل والتفسير، فإن فهم الأسباب التي تدفع بالدول المضيفة إلى استقبال المهاجرين بحاجة إلى بعض التوضيح. ننطلق هنا من مسلّمة أساسية، وهي أن كل دولة لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة، فحسب. وعليه، فإن ما يدفعها لاستقبال المهاجرين هو الحاجة إليهم أولاً وآخراً. أما الحاجة للمهاجرين فتختلف بين دولة وأخرى، وحتى في الدولة نفسها مع تغيّر أنظمة الحكم والإيديولوجيّات التي تتحكم بها. 

 

     إذا بحثنا في التاريخ المعاصر للغرب، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، نجد أن السلطة كانت دائماً تلجأ إلى فزاعة لتستخدمها عند الحاجة لتخيف فيها الشعب. وغالباً ما تكون هذه الحاجة تبرير التدخل العسكري في الخارج، أو تبرير الانفاق الباهظ على التسلّح عوضاً عن الانفاق على التعليم أو الحماية الاجتماعية أو ما شابه. ونجد بدايات الاستخدام لهذا الأسلوب عند الأميركيين مع تخلّيهم عن مبدأ الحياد عن الساحة الدولية والسعي إلى شغل مركز الصدارة في السياسة الدولية، وهو مركز تشاطرته مع الاتحاد السوفييتي لفترة من الزمن. وتعدّدت الفزاعات التي تم استخدامها، بحيث كانت أشخاصاً في بعض الأحيان، لتتحول إلى أحزاب أو اتجاهات سياسية فكرية أو دينية في أحيان أخرى. فهتلر كان أولها، بحيث استخدمته الإدارة الأميركية لتلهي به الناس عن مآسي الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة عام 1929 واستمرت طيلة الثلاثينيات. أما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ومقتل هتلر، فقد انتقلت سياسة التخويف بهتلر إلى ستالين، ومعه إلى فكرة الشيوعية بشكل عام. فأصبح الشيوعيون، ولا فرق هنا من أي بلد كانوا، هم الأعداء الوجوديين للغرب وللنظام الرأسمالي بأجمعه. لا بل أن فترة الخمسينيات شهدت فوبيا حقيقية ضد الشيوعية، حتى أن اتهام أي فرد بأنه شيوعي صار بمثابة حكم الإعدام بحقه.

 

     مع انهيار المعسكر الشيوعي في بداية التسعينيات من القرن العشرين، بدأ الغرب بالبحث عن فزّاعة جديدة، وكان لهم ذلك في شخص الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. ومن حينها أعيدت الحياة لفكرة العلاقة بين العرب والإسلام، من جهة؛ والإرهاب من جهة أخرى. فالفكرة لم تكن جديدة لأن العمل الفدائي الفلسطيني قد تمكّن من تشكيل بداية لهذه الفكرة، وخاصة بعد عمليات شهيرة نفّذها فلسطينيون وعرب في السبعينيات والثمانينات من القرن العشرين، وكان هدفها لفت الأنظار إلى القضية الفلسطينية، نذكر منها: عملية ميونيخ التي استهدفت البعثة الرياضية "الإسرائيلية" ونفّذتها منظمة أيلول الأسود، أو تفجير لوكربي الذي استهدف طائرة أميركية فوق اسكتلندا وطالما اتُّهمت بها ليبيا إلى أن أقرّ الرئيس معمر القذافي بهذا الأمر في مساعي انفتاحه على الغرب، وغيرها من العمليات التي نفَّذها أو اتُّهم بها عرب.

 

شكل صدام حسين، ومن الفترة الممتدة من 1991 إلى 2003 العدو الأساسي للغرب؛ وأصبح الفزاعة التي يتم ذكرها في وسائل الإعلام، والتركيز عليها عند الحاجة لتبرير أي تدخل أجنبي أو عمل عسكري باهظ التكلفة، أو بغية تحريك عجلة الاقتصاد من خلال بيع السلاح إلى الدول المجاورة له. إلا أن الربط بين الإسلام والإرهاب، في الذهن الغربي، بدأ يترسخ، مع هجمات 11 أيلول 2001. فبعد أن كانت العلاقة بين العرب والإرهاب غير مترسّخة في شكل تام قبل ذلك، بدأت وسائل الإعلام تميط اللثام عن منظمات إسلامية لا دراية للغربيين بها من قبل. هكذا، أدخلت منظمات جديدة إلى مفردات الإعلام الغربي، وفي مقدّمتها منظمة القاعدة وعلى رأسها أسامة بن لادن. أطلّ بن لادن على الأميركيين، بين الفينة والأخرى، بتسجيلات تُبثّ على شاشات التلفزيون، يتبنّى من خلالها هجمات، أو يتوعّد بأخرى تدمّر المصالح الأجنبية في العالم. تغلغلت منظمات أخرى، اتُّهمت بـ"الإرهاب" إلى عقول الغربيين، منها طالبان وحماس وجماعة أبو سياف؛ وبالتأكيد فإن أشدها رسوخاً في الذاكرة سيكون تنظيم الدولة الإسلامية أو داعش، ISIS-ISIL. وإذا بحثنا في كل هذه المنظمات التي صنّفها الغرب على أنها إرهابية، لا نجد رابطاً يجمعها إلا الدين. بالتأكيد لا يسعى كاتب هذه السطور إلى الحكم على الانتماء الديني لأي من هذه الجماعات، بل يكتفي بالإشارة إلى أنها كلها جماعات إسلامية. وعليه، أصبح الارتباط بين الإسلام والعمل الإرهابي راسخاً في أذهان الأميركيين والأوروبيين بعد الكم الهائل من الإعلام الموجّه الذي يهدف إلى ترسيخ فكرة محدّدة في اللاوعي الفردي والجمعي. فالأفلام والمسلسلات الترفيهية باتت تسلّط الضوء على هذه الجماعات الإسلامية، ونشرات الأخبار تنشر الخبر تلو الآخر حول دور بعض المنظمات الإسلامية في تنفيذ هجمات تستهدف المصالح الغربية. لا بل إن حدة الأعمال الانتقامية التي استهدفت المسلمين بعد هجمات أيلول أثارت خوف جميع المسلمين في الولايات المتحدة.

 

 

  1. إختلاف البنى السكانية

     بعد هذا العرض المقتضب لكيفية استخدام وسائل الإعلام لتجييش الرأي العام من خلال إثارة الخوف فيه، يمكن أن نفهم مسألة الاختلاف بين الواقع والمتصوّر في عقول الغربيين حول مسألة توزّع المسلمين في أوروبا. وفي الواقع فإن هذه النظرة لا تنطلق من العدم، بل هي تستند إلى ما هو واقعي ولكنها تمزجه مع ما هو مروَّج له. تكمن الحقيقة في أن الخصوبة عند العرب، وهم بأكثريتهم من المسلمين، هي أعلى من مثيلتها عند الأوروبيين أو الأميركيين. وإن معدلات التكاثر عند العرب والمسلمين تفوق بأشواط تلك التابعة للغرب. ويمكن أن نقدم أمثلة على ذلك من خلال عرض معدل المواليد العام لبعض الدول المصدرة للاجئين وبعض الدول الأخرى من التي يطمح اللاجئون بالوصول إليها.  يلاحَظ فوراً الاختلاف الكبير في معدل الولادات الخام بين الدول المصدّرة للاجئين والدول المستقبلة لهم، أو تلك الدول التي يطمح اللاجئون بالوصول إليها. وبلغ الفارق عدة أضعاف في بعض الأحوال، (جدول 1).

 

 

جدول 1: توزع الدول المصدرة والمستقبلة للاجئين حسب معدل الولادية الخام، 2016[3]

الدول المصدرة للاجئين

الدول التي يطمح اللاجئون بالوصول إليها

الدولة

معدل الولادية الخام

الدولة

معدل الولادية الخام

الصومال

44

أستراليا

13

السودان

37

الولايات المتحدة

12

أفغانستان

37

بريطانيا

12

إريتريا

34

فرنسا

12

العراق

32

كندا

11

سوريا

22

المجر

9

ليبيا

20

ألمانيا

9

 

    

ففي الصومال يبلغ معدل الولادات الخام 44 بالألف وهي أعلى المعدلات في الجدول، أما أعلى المعدلات في الدول المستقبلة للمهاجرين فهي في أستراليا حيث بلغت 13 بالألف. وهكذا فإن الاختلاف يبلغ حوالي الخمسة أضعاف بين أعلى الدول خصوبةً أي الصومال بـ44 بالألف وألمانيا بـ9 بالألف. بعد عرض هذه الأرقام يصبح من الممكن تفهّم التصورات التي تتجلى عند الغربيين لناحية تفوق خصوبة المهاجرين واللاجئين على خصوبتهم. ونشير أيضاً إلى أمر آخر وهو أن الإجابات التي سيتم عرضها لم تفرّق بين كون المسلمين من المواطنين، إن كانوا مجنسين حديثاً أو من حملة الجنسية الخاصة بكل بلد منذ الولادة، أو هم من اللاجئين، أو إن كانوا مهاجرين شرعيين من خلال حصولهم على أوراق لجوء، أو هجرة رسمية أم هم لاجئون غير شرعيين.

 

     أجريت دراسة مخاطر التصور أو الإدراك Perils of Perception Study 2016، من قبل مؤسسة إيبسوس موري Ipsos Mori المتخصصة في الإحصاء وقد امتدت على 40 بلداً وشملت أكثر من 27 ألف شخص. ومن بعض الدول التي شملها الاحصاء نذكر: أستراليا، بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة، تركيا، ألمانيا، إيطاليا والمجر. وشملت الدراسة أسئلة حول تصوّرات مختلفة للسكان في هذه الدول. وما يهمنا من هذه الأسئلة، إثنان: الأول هو عن نسبة المسلمين المقيمين في كل دولة من الدول الـ40 إن كانوا من المواطنين أو من المقيمين؛ أما الثاني فهو حول نسبة المسلمين من مجموع السكان، التي يتوقّعها المستجوبون، في عام [4]2020.  تأتي فرنسا على رأس اللائحة فيما يتعلق بالفرق بين الواقع والمتصوّر، حيث بلغت النسبة 23.5 نقطة مئوية. (الرسم 1)

 

 

 

      تأتي إيطاليا في المرتبة الثانية بعد فرنسا باختلاف بلغ 16.3%. وكل من ألمانيا وبلجيكا والولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بفرق بلغ 16%.

 

     يمكن إضافة رسم بياني آخر يوضّح الاختلاف الحاصل بين المتصوّر والواقع في ما يتعلق بالنسبة المتوقعة للمسلمين في بعض الدول لعام 2020. ومن الرسم يتبين أن فرنسا قد تصدّرت الدول التي شملتها دراسة إيبسوس بنسبة مرتفعة وهي 31.7%، (الرسم 2).

 

الرسم البياني 2:  توزع بعض الدول حسب الاختلاف بين الواقع والمتصور في ما يتعلق بنسبة المسلمين المستقبلية (2020) في كل دولة[5].

 

 

     وعند عرض الرسم يتبين أن الدول الخمس الأعلى، لناحية التباين بين الواقع والمتصور، هي نفسها، إن كان في النظرة الحالية أو المستقبلية للتباين بين الواقع والمتصور. فقد بلغت نسبة الاختلاف في إيطاليا 26.1% و21.9% في الولايات المتحدة، (الرسم 2).

 

     عند تحليل هذه النتائج يتبين أن الدول الخمس في الرسم البياني قد عانت من هجمات إرهابية، ألقي فيها اللوم على منظمات أو جماعات إسلامية متطرفة، إما بشكل مباشر كهجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة التي اتهمت فيها القاعدة في حينه، أو من خلال تبنّي أفراد يدّعون الانتماء إلى مثل هذه الجماعات (وأحدثها تنظيم داعش) في السنوات الأخيرة. ففرنسا تكبّدت عدداً من الخسائر في الأرواح، بسبب هجمات إرهابية خلال 2015 و2016، ناهزت الـ250، وهو رقم أعلى من عدد الضحايا الذين سقطوا في هجمات إرهابية على الأراضي الفرنسية خلال قرن من الزمن[6]. أما في ألمانيا فقد حصدت الهجمات الإرهابية أكثر من 30 قتيلاً خلال عام 2016، أضف إلى ذلك 32 ضحية في ثلاث تفجيرات متزامنة في العاصمة البلجيكية بروكسل في 22 آذار 2016[7].

 

     ليس من المستغرب بعد ما ورد أعلاه من معطيات أن يشعر الغربيون بالخوف من الآخر، والآخر هنا يُصوّر على أنه المهاجر الذي أتى من دول تعاني من اضطرابات أمنية. وصدفَ أن معظم هذه الدول تنتمي إلى الاسلام بأغلبية سكانها. لذلك اقترنت صورة المهاجرين، وخاصة المسلمين منهم، في أذهان ومخيّلات الغربيين بالإرهاب. وهذا ما دفع بسكان الدول الأوروبية والأميركية إلى التصرف بدافع من هذا الخوف. وبما أن التصوّر مبالغ فيه في الأصل، وهو أما أشرنا إليه أعلاه، فقد أتت ردات الفعل في كثير من الأحيان لتُظهر هذه المخاوف في الخطب والسياسات ونتائج انتخابات واستفتاءات حصلت في السنوات الأخيرة.

 

 

  1. نماذج من الخطاب السياسي الغربي في مواجهة الهجرة

ثمة أنواع متعددة من المواقف السياسية حيال الهجرة في الغرب. وجلّها يتناولها في شكل سلبي، ويبيّن تداعياتها وسلبيات تأثيرها على الأوضاع العامة في المجتمعات الغربية، ونكتفي هنا بإظهار الخطاب السياسي الغربي في مواجهة الهجرة في بلدين غربيين، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، وهما بريطانيا وفرنسا.

 

4.1 بريطانيا

         عند سؤال البريطانيين، في دراسة ثانية لإيبسوس أجريت عام 2017، عن نسبة الأشخاص في السجون البريطانية من الذين ولدوا خارج بريطانيا،      أتى معدل الإجابة بأنهم أكثر من 34% من مجموع المساجين. أما الواقع فإن هؤلاء المساجين لا يشكّلون إلا 12% من المجموع. أي أن الفارق، وهو من أعلى 5 دول من أصل 37 دولة شملتها الدراسة، بلغ حوالي 22%. بالاضافة إلى ذلك،  وبين البريطانيين المستجوبين، نرى أن الذين يعتقدون منهم أن نسبة الوفيات بسبب الهجمات الإرهابية قد تدنّت من بعد هجمات أيلول 2001 في الولايات المتحدة، ولم تتعدَّ نسبتهم الـ 15%، علماً أن الإحصاءات تشير إلى أن عدد الوفيات قد تدنى فعلياً من 4322 وفاة (من 1985-2000) إلى 3468 وفاة بسبب الإرهاب (من 2001 إلى 2016) [8]. وإذا أضفنا إلى كل هذا الرقم الوارد في الرسم 2 أعلاه، حول الفارق الشاسع بين الواقع والمتصوّر في مسألة نسبة المسلمين من عدد السكان، لوجدنا أن الخوف من الآخر، وإلصاق التهم به، أمر واقع في بريطانيا. 

 

لعل أكثر انعكاسات الهجرة المتزايدة إلى الغرب تمثّل في ما قامت به بريطانيا من خلال موافقة الشعب على استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، أو ما يعرف بالبريكست Brexit*. ولكن قبل التفصيل في هذه المسألة لا بد من الإشارة إلى أن الوضع البريطاني، في الإتحاد الأوروبي، مختلف عن وضع بقية الدول. فقد كانت رحلة دخول بريطانيا إلى الإتحاد مليئة بالعثرات، وهي لم تطبّق الاتفاقات كافة التي التزمت بها الدول الأعضاء، وخاصة لناحية توحيد العملة، حيث حافظت بريطانيا على عملتها، الجنيه الإسترليني، ولم تعتمد اليورو مثل معظم الدول الأخرى.

 

         في عودة بسيطة لتاريخ العلاقات بين بريطانيا والدول الأوروبية التي التزمت بتأسيس ما بات يُعرف لاحقاً بالاتحاد الأوروبي، نلحظ أن بريطانيا انسحبت من، أو رفضت الدخول في، كل المعاهدات التي طبعت الخمسينيات من القرن العشرين، والتي أدّت إلى انشاء نواة ما سيعرف لاحقاً بالاتحاد الأوروبي. ومن هذه المعاهدات تلك المتعلقة بالفحم والصلب عام 1950، "لجنة سباك" التي كانت تقود المفاوضات اللازمة للتأسيس عام 1955[9]. ذلك أن بريطانيا، الخارجة منتصرةً من الحرب العالمية الثانية، بحيث لم يتمكّن أعداؤها من احتلال أي من أراضيها الأصيلة، كانت تعتبر نفسها واحدة من أهم اللاعبين على المسرح الدولي، وبالتالي فإن أي وحدة مع جيرانها، وهم بنظرها أضعف منها، هو لغير مصلحتها. وحين تبدّلت الظروف الدولية بعد العدوان الثلاثي على مصر إثر تأميم قناة السويس عام 1956، وتنامي الاتجاه المؤيّد للانفتاح على الدول الأوروبية، سقط الاقتراح الرامي إلى ذلك أول مرة عام 1960 في مجلس الوزراء البريطاني. وعند مرور قرار الانفتاح في بريطانيا، بعد تغييرات وزارية طالت رافضي هذا الاتجاه، عام 1961، تمّ رفض الطلب البريطاني من قبل الرئيس الفرنسي شارل ديغول عام 1963[10]. ولم يساعد الرفض الآخر لطلب الإنضمام، عام 1965، أو السياسات المقدّمة من الدول الأعضاء والتي تنافي التوجهات البريطانية، أو الإغراءات التي يقدمها الخيار الآخر، الأطلسي، في ترطيب الأجواء المتوترة أصلاً حول هذه المسألة، التي أصبحت خلافية، بين البريطانيين أنفسهم، منذ ذلك الوقت. ولم ينجح أي من السياسيين البريطانيين، طيلة هذه الفترة، من إظهار سياسة واضحة ناحية دعم توجّهات الإتحاد العامة، لا بل كان هناك دائماً نقاط تفرّق بين البريطانيين وبقية الدول الأخرى. لا بل إن الخروج المزموع من الإتحاد الأوروبي ليس الأول بنظر المحللين، فقد سبقه نوع من الخروج عام 1992 حين انسحبت بريطانيا من لجنة الصرافة والتبادل التي كانت تحضّر لتوحيد العملة في أوروبا. هكذا فإن الصراع بين تيارين، الأول رافض تماماً للوحدة الأوروبية، والثاني مقتنع بها، ولكن مع بعض التحفظات، سيؤدي إلى الاستفتاء الشهير الذي أجري عام 2016، بعد وعود بإجرائه من رئيس الوزراء دايفد كاميرون عام 2013. أضف إلى كل هذا أن نظرة البريطانيين إلى الإتحاد الأوروبي بقيت حذرة في أفضل الأحوال، وغالباً ما كان يُنظر إليه على أنه مؤسسة غريبة يجب التعامل معها بحذر، حتى أنه أصبح كبش المحرقة أو الشمّاعة التي تعلَّق عليها أسباب المشاكل والأزمات التي عانت منها بريطانيا، داخلياً وخارجياً[11].

 

         لم تكن أرجحية الأصوات اللازمة للخروج من الاتحاد الأوروبي مؤمَّنة لمناصري هذا الاتجاه قبيل إجراء الاستفتاء. فمناصرو فكرة البقاء كانوا أكثر عدداً، ولكنهم أقل تنظيماً، حتى أن حزب العمال الذي كان من أكثر مناصري فكرة البقاء لم يقم بحملة اعلامية منسّقة كما يجب للترويج لفكرة البقاء[12]. الأمر الذي دفع بالفريق الآخر إلى اعتماد تكتيك جديد يعتمد على التهويل من مدّ المهاجرين القادم إلى بريطانيا. فمع سياسة الحدود المفتوحة التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي، أصبح من السهل على اللاجئين الذين تمكّنوا من الوصول إلى اليونان قادمين من سوريا فتركيا، أو من شواطئ إسبانيا، القريبة من المغرب، الانتقال إلى بريطانيا. وهكذا، تحولت الحملة من الخطاب العقلاني، المرتكز على الحجج المنطقية وأهمها: الاستقلالية الضريبية والنفوذ الديبلوماسي، إلى خطاب عاطفي عماده التخويف من المهاجرين، ولا فرق إن كانوا لاجئين فارّين من الحروب والعنف، أو من طرق أخرى. استخدمت الأحزاب المناصرة لمبدأ "الخروج" الإحصاءات المحلية التي دلّت على أرقام غير مسبوقة للمهاجرين الذين دخلوا إلى بريطانيا، وقد بلغ عددهم الصافي (وهو عدد الوافدين مطروحاً منه عدد المغادرين) 333 ألفاً، وهو أعلى رقم في تاريخ بريطانيا الحديث[13]. ولتعزيز فكرة الخوف من المهاجرين، وما يمكن أن يحملوه من تغيّر اجتماعي وعرقي على المجتمع البريطاني، بدأت هذه الأحزاب حملةً إعلامية، وُصفت بالقذرة لاعتمادها على مبدأ التخويف من الآخر. ومن الأمثلة على ذلك، ما يندّد به دائماً منتقدو حملة أحزاب الانفصال عن الاتحاد، وهو ملصق يبيّن اجتياز أعداد كبيرة من المهاجرين للحدود بين كرواتيا وسلوفينيا. حمل الملصق عبارة Breaking Point أو ما يمكن ترجمته بـ: نقطة الانفجار، وحمل ذيل الملصق عبارة حول ضرورة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي لإعادة التحكّم والسيطرة على الحدود. تعرّض الملصق لانتقادات شديدة اللهجة حيث وُصف بأنه يعبّر عن نقطة انحطاط في السياسة البريطانية، لا بل أن بعضهم قارنه بالملصقات التي اعتمدتها ماكينة البروباغاندا النازية[14]. المهم هو أن هذه الحملة الإعلامية فعلت فعلها في تأليب الآراء المتأرجحة لصالح الخروج، وخاصة مع انقلاب التعاطف مع اللاجئين إلى الخوف والحذر بعد الهجمات الإرهابية في باريس نهاية العام 2015. بالإضافة إلى الحملة الإعلامية الممنهجة التي قادتها الصحف التابعة لأقصى اليمين حيث كانت دائماً ما تعرض قصصاً حول لاجئين استقروا في بريطانيا وعثروا على فرص عمل ومنازل قبل المواطنين البريطانيين الذين تقدموا بطلبات للحصول على ذلك. لا بل أن صحيفة "الصن"، وهي أكثر الصحف الصفراء مبيعاً في بريطانيا، قارنت بين المهاجرين الهاربين من بلادهم التي تمزّقها الحروب بتقدم الأعداء (الألمان) أثناء الحرب العالمية الثانية[15]. هذا ناهيك عن إفتتاحيات دائمة تربط بين المهاجرين و"الجهاد" القادم إلى أوروبا، أو أن الهجرة الكثيفة هي مصدر الإرهاب وغيرها الكثير. هكذا، وبفعل هذه الحملة الإعلامية المنظّمة، تحوّل شعار استعادة السيطرة، في عقول فئات واسعة من المجتمع البريطاني، إلى وعد بخفض أعداد اللاجئين إلى البلاد.

 

         كان من شأن نتيجة الاستفتاء، بالإضافة إلى بدء عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ارتفاع جرائم الكراهية ذات الطابع العنصري العرقي. فقد أوردت شبكة البي بي سي، أن عدد الجرائم، ذات الخلفيات العرقية، غداة الاستفتاء، وفي 25 حزيران 2016 (جرى الاستفتاء في 23 حزيران)، بلغ أكثر من 289 جريمة، إضافة إلى حوالي 3000 جريمة أخرى بين الأول من تموز والرابع عشر منه في العام نفسه. وقد عبّرت لجنة مكافحة التمييز العنصري، التابعة للأمم المتحدة، عن قلقها الشديد إزاء تنامي موجة الكراهية ذات الخلفيات العرقية، وخاصة ضد المسلمين، والتي ترتكز، حسب رأيها، على الحملات الإعلامية المشحونة بالعنصرية التي سبقت الاستفتاء. والأخطر من ذلك كلّه، تساهل الشرطة في عدد من هذه الجرائم التي مرّت من دون عقاب. وقد حثّت الأمم المتحدة السياسيين البريطانيين على إدانة العنف ذي الخلفيات العرقية بشكل واضح، بالإضافة إلى ضرورة الإمتناع عن التوصيف السلبي للأقليات العرقية والدينية الموجودة في البلاد، وخاصة لناحية إلقاء اللوم عليها في المسائل المتعلقة بالإرهاب[16].

 

         يعتبر المحللون أن حزب إستقلال المملكة المتحدة UKIP قد يكون من أكبر المنتصرين إثر نتيجة الإستفتاء المباشرة، وإن لم يتّصف هذا الانتصار بالإستمرارية. ويعتبرون أن رئيسه، نايجل فاراج قد حقق الإنجاز الأكبر في تاريخ عمله السياسي.  ومن حقّق له هذا النصر هم جماهير حزبه، والأحزاب اليمينية المناصرة له، ويتميزون بأنهم من البيض، ذوي المستويات التعليمية المتدنّية والمداخيل المحدودة، والأهم، أنهم يعتبرون أنفسهم مسلوبي الأصوات إلى حينه. وجد هؤلاء أنفسهم، ومن خلال الشعارات المستعملة في حملة الاستفتاء، أنه أصبح بإمكانهم محاربة ذلك العدو الخفي الذي يسلبهم بلدهم، وهو شبيه بما زرعه "ترامب" في نفوس أنصاره، ولا هَمّ من هو العدو: المسلم، أو المهاجر الروماني أو الألباني، أو حتى مَن هم في السلطة وخاصة من أبناء الفئات النبيلة. ما يهمّ هنا أن فاراج شعر وللمرة الأولى أن صوته سيكون مسموعاً، وهو ما حصل بالفعل. وهكذا، بدأت شعبيّة الحزب تنمو شيئاً فشيئاً. صحيح أن النظام الانتخابي غير المستند على النسبية لم يسمح له بتمثيل يُذكر في مجلس النواب، إلا أنه أصبح ذا وزن في بريطانيا حيث حصل على 12.6% من مجموع الأصوات في الانتخابات السابقة للاستفتاء، بعد أن كان مجموع أصواته لا يتعدى الـ 2% قبل عدد من السنوات. وتبيّن الرسوم أدناه تطوّر شعبية هذا الحزب والدفع الشعبي المتنامي الذي حاز، ويحوز عليه.

 

 

الرسم البياني 3: تطور شعبية حزب استقلال المملكة المتحدة من خلال نسب الأصوات التي حاز عليها في الانتخابات البرلمانية من 2001 إلى 2015، ومقارنتها بالأحزاب الأخرى[17].

 

        

عند مقارنة نسب التقدم بين انتخابات 2010 و 2015، يتّضح أن حزب الإستقلال هو أكثر المتقدمين، وهو قد تمكّن من الحلول مكان الحزب الوطني الاسكتلندي ضمن ترتيب أقوى ثلاثة أحزاب في بريطانيا. وكان هذه التقدم قبل تمكّنه من تحقيق هدفه في الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

 

إلا أن الواقع اليوم يختلف عما كان عليه الحزب في نشوة الانتصار بعد نتائج الاستفتاء. فكما هو الحال في الأحزاب أحادية الأهداف، انتهى الحزب مع انتهاء هدفه، لا بل أنه كاد أن لا يشارك في الانتخابات المحلية لعام 2018. ولم تتح له إمكانية المشاركة إلا بعد جمعه مبلغاً مالياً من أعضائه المسجّلين مكّنه من خوض هذه الانتخابات التي برز فيها الخاسر الأكبر، فقد فقد 123 مقعداً مقارنة بتلك التي حصل عليها عام 2014. وهكذا، فإن البريطانيين الذين صدموا بنتيجة التصويت غير المتوقعة، والتي كانت فيها أعداد المصوّتين بنعم أو كلا متقاربة، وجدوا أن الانفصال أصبح أمراً واقعاً، وأنهم سيعودون إلى عزلتهم عن الاتحاد الأوروبي، وأن التيارات اليمينية بدأت تعزّز من حضورها في بلد يعتز بالديمقراطية والحرية، فبدأت ردّات الفعل العكسية، وإن بعد فوات الأوان، من الابتعاد عن هذه الأحزاب اليمينية، وحتى عن حزب المحافظين وهو واحد من أعرق الأحزاب البريطانية[18].

 

         في المحصّلة، يجمع المحللون الاقتصاديون على أن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي لن ينعكس سلبياً على اقتصادها، لا بل العكس هو الصحيح. فللخروج من العزلة التي لا بد أن تنزل عليها بعد انفصالها عن القارة الأم، اقتصادياً وسياسياً، وهي في الأصل منفصلة جغرافياً إلا في النفق الذي يصلها بفرنسا من تحت بحر المانش، فإنها ستضطر إلى توقيع معاهدات تجارية واقتصادية مع الإتحاد الأوروبي للتمكن من الدخول إلى سوقه. ويبدو أن أفضل الاتفاقيات التي يمكن أن تعقدها مع الإتحاد ستؤدي إلى تدني الناتج القومي للفرد بحوالي 4300 جنيه استرليني بعد 13 عاماً عما هو عليه الحال اليوم. وأبرز القطاعات التي ستتأثر بهذا الخروج هي قطاعات المصارف والتأمين، علماً أن الخدمات تشكل حوالي 80% من اقتصاد بريطانيا، أضف إلى ذلك قطاع السيارات، المترنّح أصلاً، وغيرها من الصناعات التي ستتأثر بابتعادها عن أبرز الأسواق تصريفاً وهي السوق الأوروبية والدول المنضوية معها في اتفاقيات تعاون اقتصادي[19]. أما على الصعيد السياسي، وخاصة لناحية السياسة الخارجية، فإن النفوذ البريطاني سيتضاءل بعد أن يجد نفسه مبعداً عن القرار الأوروبي، وهو الذي كان من أهم المؤثّرين في صياغته. وهكذا فإن النتيجة ستكون أن لندن لم تعد مهمة، أقله على الصعيد الأوروبي، ولا ننسى هنا أن أوروبا هي القوة الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة وروسيا، ولن يكون هناك مكان لبريطانيا منفصلة عن الوحدة الأوروبية[20]

 

.

وعليه، فإن البريطاني الذي صوَّت للخروج من الاتحاد الأوروبي فعل ذلك لسببين أساسيين: الأول هو اعتقاده بإنه يصوّت ضد الهجرة، والسبب الثاني هو اعتقاده بأنه يصوّت لنظام صحي أفضل من ذلك القائم في ظل عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. إلا أن السببين كانا غير واقعيين: فالمقترع لم يدرك أن أغلبية المهاجرين إلى بريطانيا، وهم من آسيا وأفريقيا والكاريبي، لا يتأثرون أصلاً بالقوانين الأوروبية[21]. أما السبب الثاني، فهو قد أُوهِم به من قبل السياسيين، الذين وكما تمّت الإشارة سابقاً، لم يتوانوا عن تضخيم الحقائق، ومنها أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي سيوفّر على بريطانيا 350 مليون يورو أسبوعياً يمكن أن تصبّ في تمويل النظام الصحي في البلاد[22]. وما يزيد هذه القناعة، بجهل المقترعين بالانعكاسات السلبية للهجرة، أن دراسة أجريت على أوسع صعيد في بريطانيا بيّنت أن 88% من الاقتصاديين أشاروا إلى أن الخروج من الاتحاد سيكون له نتائج سلبية، إلا أن هذه النتائج تم تكذيبها في وسائل الإعلام نفسها تحت حجّة عدم الوثوق بالخبراء[23].  وعليه، فإن الإعلام، المسخّر من قبل الأحزاب المتطرفة لفكرة الخروج، قد تمكّن من التأثير في نتيجة الاستفتاء وإلى الدفع نحو إخراج بريطانيا من محيطها الطبيعي بسبب المبالغة في تهويل حجم الهجرة ومضاعفاتها على المجتمع البريطاني.  

 

  1. . فرنسا

تعتبر فرنسا المصدر الحديث لمفاهيم الحرية والإخاء والعدالة، وفقاً للمفهوم الغربي، والتي ولدت مع الثورة الفرنسية. صحيح أن تاريخ فرنسا المعاصر وُصم بوصمات عار لناحية ما قامت به في عدد من الدول التي انتُدِبت عليها أو التي استعمرتها مباشرة، وخاصة الجزائر بلد المليون شهيد، إلا أن دستورها الحالي هو نموذج راقٍ للدولة الحديثة الديمقراطية الرافضة للعنصرية بكل أشكالها. لا بل إن القانون الفرنسي يمنع اجراء الإحصاءات بناءً على العرق أو الإثنية، من منطلق تَساوي الفرنسيين كلهم، مهما كان عرقهم أو أصلهم الثقافي، أمام القانون. هذا على الأقل من الناحية النظرية، ومن الطبيعي أن تختلف التطبيقات العملية عن ذلك. إلا أن ما يهمّنا أن البيض وغير البيض، ومن ضمنهم العرب، متساوون في الحقوق والواجبات. وإن أظهرت وجهها الاستعماري في أكثر من محطة في تاريخها السياسي الذي بيّن في شكل واضح تبعيّتها للولايات المتّحدة الأميركية ولمنطقها المعولم، وخصوصاً ما يتعلق منها بقضايا العالم العربي، وبالتحديد ما يتعلق بالقضية الفلسطينية*.

 

وفي العودة إلى مسألة الفرق بين الواقع والمتصور، فإن الفرنسيين قد بالغوا في تصوّرهم لنسبة المساجين من أصول غير فرنسية، حيث اعتبرت العينة المستجوبة أن 49% من المساجين هم من أصول غير فرنسية، بينما كانت النسبة الحقيقية لا تتجاوز الـ22%[24].

 

إلا أن هذه النظرة المساواتية للأفراد، بعيداً عن العرق واللون والأصل الفرنسي من غيره، لا تروق لجميع الفرنسيين. وعليه فإن عدداً من الأحزاب التي صُنّفت على مدار السنين ضمن اليمين بمختلف درجات تشددّه، سعت إلى محاربة المشكلة الأساسية التي تعاني منها فرنسا، وفقاً لوجهة نظرها، ألا وهي الهجرة. صحيح أنها تضيف عدداً من المسائل الأخرى إلى الهجرة، كفساد النخب الحاكمة مثلاً، إلا أنها تعطي الهجرة والحدّ منها، وصولاً إلى وقفها في شكل تام، أقصى درجات الاهتمام. ومن أبرز هذه الأحزاب حزب الجبهة الوطنية Front National-FN والذي كان تحت قيادة "جان-ماري لوبين" لفترة طويلة من الزمن، وهو الذي ترشّح أكثر من مرة للانتخابات الرئاسية الفرنسية دون أن يتمكّن من النجاح. وقد ورثته إبنته "مارين لوبين" في قيادة الحزب، وتمكّنت من زيادة شعبيّته في شكل مطّرد منذ استلامها رئاسة الحزب وصولاً إلى ترشّحها في مواجهة الرئيس الفرنسي الحالي، "إيمانوييل ماكرون"، وتمكّنها من منافسته في الدورتين الأولى والثانية للانتخابات عام 2017. 

 

تأسّس حزب الجبهة الوطنية عام 1972، إلا أنه لم يجد محازبين أو جمهوراً واسعاً، إلى أن بدأت الأمور بالتبدل في بداية الثمانينيات من القرن العشرين حيث بدأت هذه الأحزاب في الوصول إلى مناصب في السلطة[25].

 

وحزب الجبهة الوطنية، مثل أغلبية الأحزاب التي تصنّف نفسها في خانة "الوطنية" يعتمد على شعبوية الخطاب السياسي الذي ينزل فيه المخاطِب إلى مستوى المخاطَب، ويضيف إليه نعتَ النخب السياسية الأخرى، مهما كان انتماؤها، بتهم الفساد واستغلال السلطة على حساب الشعب. هكذا، فإن شعبية الحزب كانت الأعلى بين الطبقات الاجتماعية دون المتوسطة. فمن خلال اعتماد خطاب بسيط، مباشر، وبعيد عن التكلف السياسي ولغة الإحصاءات تمكّن الحزب من جذب جزء كبير من الفرنسيين. وتمكنت لوبين الإبنة من التفوق على لوبين الأب لناحية الشعبية وعدد المحازبين من خلال تطبيق المبادئ البسيطة أعلاه في خطبها وفي مشروعها الانتخابي لعام 2017.  ففي حين ابتعد الأب عن خطابه الشعبوي المألوف في الانتخابات الرئاسية لعام 2007 حيث قدّم مشروعاً انتخابياً كلاسيكياً، كبقية الأحزاب، اكتفى فيه بذكر بعض الإحصاءات والآراء المكتوبة بأسلوب علمي، بينما تعتمد الأحزاب الشعبوية على مسألتين أساسيتين: الأولى ترتكز على كاريزما القائد، والثانية على الخطاب المباشر المصاغ بجمل بسيطة وقصيرة وبأسلوب عاطفي انفعالي. وقد جاء مشروع لوبين الأب بأكثر من 60 صفحة توثّق رؤية الحزب. إلا أن انتخابات 2007 جاءت بأقسى صفعة لجان-ماري لوبين حيث نال أدنى نسبة من الأصوات في تاريخ ترشّحه[26]. وفي المقلب الآخر، وبعد عدد من السنوات، وتحت قيادة لوبين الإبنة، قدّمت الجبهة الوطنية مشروعاً انتخابياً لمارين جاء في 16 صفحة، وفق الصيغة المتّبعة في الأحزاب الشعبوية حيث التركيز على الإشارة إلى مارين لوبين شخصياً، وهو ما لم يقم به مشروع والدها المذكور أعلاه. ومن الأمثلة على ذلك:

 

 "هناك خياران لجعل فرنسا منافسة من جديد: إما خفض الأجور وتفكيك نظام الحماية الاجتماعية: وهو خيار الأحزاب الأخرى، أو التصرف بأموالنا ورفض خطط التقشف الجذرية: وهذا خيار مارين لوبين"[27].

 

وفي دراسة فريدة من نوعها، جرى تحليل كمّي لمتابعي الجبهة الوطنية على وسائل التواصل الاجتماعي، فتبين أنهم أكثر عدداً من بقية الأحزاب. وهذا ليس مستغرباً، فالأحزاب التقليدية تعتمد على وسائل الإعلام والصحافة والبيانات والخطب المكتوبة، أما حزب الجبهة الوطنية فاعتمد بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي حيث نشر مقالات أعضائه وآراءهم السياسية. وقامت الدراسة نفسها بتحليل عدد "الاعجابات" Likes التي نالها كل خطاب أو مقال على الفايسبوك وقارنتها بعدد الاعجابات في الفترة السابقة، أي قبل استلام مارين لقيادة الحزب. وأتت النتائج لتثبت الشعبية التي تمتّعت بها الإبنة حيث أتت كمية الإعجابات لتكون أضعاف تلك العائدة للحزب نفسه تحت قيادة الوالد قبل عدة سنوات. هذ بالإضافة الى اختلاف الكلمات المفتاح، حيث تركّز مارين على عبارات مثل "نحن" "الفرنسيون" بينما ركّزت خطب والدها على عبارات مثل" أنا" و"الجبهة الوطنية"[28].

 

أدى هذا الخطاب الشعبوي إلى ازدياد المتابعين للجبهة الوطنية، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، أولاً؛ وإلى زيادة مناصريه ومحازبيه ثانياً. ولم يكن بالصدفة أن ترشّح مارين لوبين في 2017 كان أشد زخماً من ترشّحها عام 2012. فبين العامين ازدادت اعداد المهاجرين إلى أوروبا، لا بل تضاعفت. وفي هذه الفترة بدأت آثار الحرب الدائرة في سوريا ترخي بظلالها على الوضع الأوروبي مع تدفق ملايين اللاجئين إليها. أتت هذه الظاهرة كهدية لمشروع الجبهة الوطنية، وعلى التحديد لرئيسته، المرشحة الرئاسية، مارين لوبين. فالخطاب التقليدي للأحزاب الشعبوية اليمينية يشدّد على خطر المهاجرين الذين كانوا بعشرات الآلاف، فكيف إذا تحوّل الرقم إلى الملايين؟ ففي برنامجه الانتخابي للعام 2007، صرح جان مارين لوبين بأن:

 

"كلفة الهجرة (على فرنسا) هي 60 مليار يورو سنوياً، و70% من نزلاء السجون في فرنسا هم من أصول غير فرنسية، وهنا نأخذ بالحسبان المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، و95% من الأجانب يدخلون فرنسا من دون عقد عمل، و50% من المستفيدين من الضمان الاجتماعي هم أجانب". 

 

كان عدد المهاجرين الجدد إلى فرنسا* عام 2007، أي تاريخ الكلام المذكور أعلاه، 171907 مهاجر، ارتفع هذا الرقم تدريجياً، وبشكل متسارع منذ عام 2012، ليصل إلى 262000 مهاجر وافد عام 2017.

 

الرسم البياني 4: أعداد المهاجرين الحاصلين على بطاقة إقامة جديدة في فرنسا من عام 2007 إلى عام 2017، بالآلاف[29].

 

 

  كان للأزمة السورية السبب الأكبر في هذا التدفق الكبير من المهاجرين، أضف إليها الأزمات في ليبيا والعراق وغيرها من الدول الأفريقية. وعليه فإن الرسم 4 يوضّح تعاظم أرقام المهاجرين ابتداءً من هذا العام. وبالفعل فإن ما لم تستطع مارين لوبين أن توظّفه في حملتها الانتخابية لعام 2012، وذلك لغياب مثل هذه المعطيات التي تصب في مصلحة خطابها الشعبوي، تمكّنت من تسخيره وبفعالية في حملة عام 2017.

 

ولفهم أعمق لآراء مارين لوبين السياسية، وكيفية استخدام الخطاب الشعبوي لتأليب الرأي العام لصالحها، يكفي الإطلاع على برنامجها الرئاسي لانتخابات علم 2017. يقع البرنامج الانتخابي في كتيب من 24 صفحة، وقد تمّت صياغته بطريقة سهلة ومنظمة. لقد رتّبت أهداف حملتها في جمل قصيرة، واضحة ومباشرة. وقد بلغت هذه الأهداف 144 هدفاً، مقسّمة على سبعة فصول وعدد من العناوين الفرعية. وعند تحليل هذه الجمل - التعهدات، يلاحظ القارئ مدى تطرّف لوبين في أرائها في عدد من العناوين وأهمها:

 

  • الانفصال عن الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، والتخلي عن معاهدات الدفاع والتجارة الخارجية، وهو ما يضع فرنسا، في نظر خصومها، في عزلة عملية عن محيطها. (البنود: 1-24-93-118).
  •  
  • محاربة التطرف، وبالتحديد الإسلامي، وبالتالي الناتج عن تدفق المهاجرين من أصول إسلامية، وحتى أنها نحَتْ صوب محاسبتهم على إمكانية نيّتهم في اللجوء إلى العنف السياسي، وإقفال المساجد التي تصنّف بأنها متشدّدة، مع ما يعني هذا الأمر من استنسابية في إطلاق الأحكام. (29-30-31-32)
  •  
  • الحد من تدفّق الهجرة، عبر تقنينها إلى 10 آلاف حالة سنوياً، وإعادة تنظيم طلبات اللجوء السياسي، ووقف تعليم اللغة الثانية في المدارس، وهي عادة لغة البلد الأصلي للمهاجرين، والتشديد على العمالة الأجنبية وغيرها من الإجراءات التي تركّز على الهم الأساسي للجبهة الوطنية، ألا وهو محاربة الهجرة. (المواد: 21-25-26-27-28-36-35-37-38-101)[30].
  •  

تمكّنت لوبين من تخطي الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية لعام 2017 بزخم حيث حلّت في المرتبة الثانية بـ 21.3% من الأصوات خلف الرئيس الحالي إمانيويل ماكرون الذي حاز على 24%[31]. يرجع هذا الزخم إلى اعتماد لوبين على مسألة المهاجرين وربطها بالمشاكل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها فرنسا. وهو ما مكّنها من اجتذاب نسبة من الأصوات أكثر مما حصلت عليه في الدورة الأولى عام 2012، حيث حلّت ثالثة، ولم تتمكن من الانتقال إلى الدورة الثانية، بـ6%. فاجأ هذا التقدم، والانتقال إلى الدورة الثانية العديد من المحللين، ولكنه لم يكن ليحصل لولا تفاقم الهجرة إلى فرنسا، وتمكّنها من الاستفادة من هذه المسألة. ذلك أنها هي التي اشتهرت، في سياق حملتها الانتخابية، بشعار "نحن في بيتنا" “On est chez nous!"، وهي عبارة عنصرية في نظر خصومها، ولكنها صرخة محبّة بالنسبة لها[32]. تعبّر هذه الصرخة - الشعار عن معاداتها لكل ما هو "غير فرنسي" قادم إلى فرنسا بشكل شرعي أو غير شرعي. فالمهاجرون غير الشرعيين يجب طردهم بطبيعة الحال، أما الشرعيون فلا داعٍ لوجودهم أصلاً.

 

 بلغت أعداد المهاجرين، الشرعيين وغير الشرعيين وطالبي اللجوء، أرقاماً قياسية في التاريخ الفرنسي الحديث، حيث أشارت دراسة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCED  عام 2017، أن عدد طالبي اللجوء السياسي قد ناهز 78 ألف حالة وهو الأعلى في تاريخ فرنسا[33]. وترافقت هذه الزيادة في الهجرة الوافدة مع انتشار العمليات الإرهابية التي طالت المجتمع الفرنسي، والتي تبنّى معظمها تنظيمات إرهابية مثل داعش، وخاصة في عامي 2015 و2016. ومن أكبر هذه العمليات: إطلاق النار في مقرّ صحيفة شارلي إيبدو، وذهب ضحيتها: 12 قتيلاً في كانون الثاني 2015. تفجيرات في باريس وإطلاق نار عشوائي في ملهى الباتاكلان: 130 قتيلاً، في 13 تشرين الثاني 2015. حادثة الدهس بواسطة سيارة شحن في مدينة نيس وأسفرت عن 86 قتيلاً، في 14 تموز 2016 وهو اليوم الوطني الفرنسي. بالإضافة إلى عملية إطلاق نار على الشرطة في شارع الشانزيليزيه الشهير والتي أسفرت عن مقتل شرطي وإصابة اثنين آخرين[34].

 

تميّزت عملية إطلاق النار على أفراد من الشرطة بثلاثة عناصر: الأول، كونها وقعت في شارع الشانزيليزيه وهو مقصد جميع السياح الذي يقصدون باريس. الثاني، كونها استهدفت عناصر الشرطة، أي استهدفت هيبة الدولة والأمن. أما العنصر الثالث والأهم، فهو أن هذه العملية وقعت قبل أيام من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية للعام 2017. حتى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب صرح بأن هذا الهجوم سيصبّ في مصلحة الحملة الانتخابية لمارين لوبين[35]. وبالفعل، فإن المرشّحة لوبين لم تتردد في محاولة الاستفادة من هذه الأحداث من خلال مطالبتها الرئيس فرانسوا هولاند "برد أمني أشمل"، وهو أمر غير جديد على المرشّحة التي صُنّف خطابها بأنه "عنصري في مواجهة التهديد الإرهابي"[36]. إلا أن خطاب لوبين كان استفزازياً، والطريقة التي توجّهت بها إلى الرئيس هولاند كانت نزقة ومتعالية. هذه المواصفات كانت من الأمور التي ميّزت شخصية المرشحة وخُطبها. وقد توّجت هذا السلوك بالأسلوب الذي واجهت فيه منافسها ماكرون أثناء المواجهة التلفزيونية التي جمعتهما مباشرة على الهواء في الفترة ما بين الدورتين الأولى والثانية. ظهرت المرشحة لوبين بمظهر استفزازي، ساخر ومنفعل. إلا أن الأخطر من ذلك هو ما أشار إليه المرشح ماكرون في أن لوبين تفرّغت تماماً إلى انتقاده على كل ما يتفوّه به وتناست في خضمّ ذلك أن تعرض للناخبين أفكارها ومشروعها[37].

 

والحقيقة أن الناخبين الفرنسيين حين وُضعوا في موقف الاختيار ما بين ماكرون ولوبين لم يترددوا في اختيار الأول خشية منهم من تكرار التجربة الإنكليزية في الانعزال، وهو ما يرفضه الفرنسيون، وخوفاً من السلوك والأفكار الراديكالية للوبين. وهكذا، فإن معظم المرشحين الخاسرين في الدورة الأولى أعلنوا عن تأييدهم لماكرون، وطالبوا من ناخبيهم التصويت له. لا بل أن عدداً من قياديي الأحزاب اليمينية الأخرى فعلوا الأمر نفسه أو امتنعوا عن تأييد لوبين، باستثناء قلّة، ومنهم نيكولا دوبون-ايجنيان (حزب إنهضي يا فرنسا، وهو من الأحزاب الديغولية-الجمهورية) المرشح الخاسر في الدورة الأولى بعد أن وعدته لوبين برئاسة الوزارة في حال فوزها.

 

لم تكن الدورة الثانية خالية من المشكلات، ومن أهمّها اختراق موقع حزب المرشح ماكرون وتسريب عدد كبير من الوثائق السرية، وهو أمر ألقي اللوم به على مجموعة من القراصنة الروس، في استذكار لما حصل مع الحزب الديموقراطي الأميركي وهيلاري كلينتون في الانتخابات الأميركية. أضف إلى ذلك التخوّف الأوروبي، وخاصة الألماني من فوز لوبين، وتأييد أوباما لماكرون وترامب للوبين. وقد تحولت، بذلك، الانتخابات الفرنسية إلى موضع اهتمام العالم كله بعد ما حصل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتخوّف من تكرار التجربة في حال فوز لوبين[38].

 

في المحصّلة، وبسبب غياب التأييد من الأحزاب الأخرى، لم تتمكّن مارين لوبين من الفوز في الدورة الثانية، حيث حصلت على 33.9% من الأصوات في مقابل 66.1% لماكرون. ومن اللافت تراجع نسبة المشاركة بـ3 نقاط مئوية حيث بلغت 74.56% مقارنة بـ77.77% للدورة الأولى[39]. أشارت بعض التحليلات، التي صدرت مباشرة بعد الانتخابات، إلى أن هذه الخسارة لن تكون نهاية لوبين لأنها مكّنتها من تحقيق عدة إنجازات، أهمها: تجاوز الأرقام التي كان يحوز عليها حزبها سابقاً، تمكّنها من اجتذاب قسمٍ من اليمين، تمكّنها من تظهير حزبها في مظهر أقل شيطانيةً عما كان عليه سابقاً.

 

إلا أن الواقع اليوم، بعد مرور أكثر من سنة على خسارة لوبين لم يعد بهذه البساطة لها أو لحزبها. فقد تراجعت شعبيّتها إلى أدنى مستوى، حيث لم تنل إلا  15% من القبول في نظر الفرنسيين، وحتى أن مؤيدي اليمين المتطرّف لم يعبّروا عن نسبة رضى تزيد عن 66%، وهي الأدنى بين جمهورها[40]. أن هذه الأرقام لا تعني بالضرورة تراجع حزبها، فقوّته التجييرية لا تزال قوية، وهذا ما يؤكد تراجع شعبية الرئيسة. وقد يكون مردّ ذلك إلى عدد من الأسباب؛ منها تراجع الهجمات الإرهابية وموجات الهجرة في الأعوام 2017 و2018 مع التحوّلات التي تشهدها ساحات الصراع الشرق أوسطي، علماً أن هذه الأحداث هي الوقود الذي يسعّر خطاب اليمين المتطرّف. أضف إلى ذلك ما صدر عن لوبين من تصرفات تدل على شخصية انفعالية عنيفة، وهو ما يرفضه معظم الناخبين المثقفين. وهكذا فإن تراجع صورة لوبين لم يقتصر فقط على الفرنسيين في شكل عام، لا بل امتد أيضاً إلى مناصري اليمين وإلى محازبي الجبهة الوطنية بشكل خاص. وهذا ما عبّروا عنه في احصاءات أخرى أشارت كلّها إلى تراجع ثقتهم، على جميع الصعد بشخص لوبين الإبنة  التي أعيد انتخابها لرئاسة ثالثة على رأس الحزب بعد غياب أي مرشح منافس. وشهدت هذه الانتخابات إلغاء منصب الرئيس الفخري الذي كان يشغله الأب، في تأكيد الخلاف القائم بينهما، وإعادة تسمية الحزب الذي أصبح "التجمع الوطني"[41].

 

*********

 

في الخلاصة، تشكل الهجرة، وكل ما ينتج عنها من مشكلات على جميع الصعد، بالاضافة إلى الإعلام والسياسة، ثلاثياً قادراً على تغيير أوضاع الدول الغربية إذا تمّ استخدامها وتوجيهها في اتجاهات معيّنة. ففي حين نجح الإعلام، والممولون ذوو الاتجاهات السياسية المحدّدة من خلفه، في توجيه البريطانيين والأميركيين نحو خيارات انعزالية عن محيطهم الحيوي، إلا أن الاعلام المماثل ومن يتحكّم به من السياسيين  في كل من فرنسا وألمانيا، لم يتمكّنوا من ذلك.

 

وفي الحقيقة، فإن الهجرة كانت، ولا تزال، وقود الخطب السياسية للأحزاب المتنافسة على السلطة، إما تنتقدها وتُشيطِنها كما هو الحال مع ترامب وحزب الاستقلال للمملكة المتحدة والجبهة الوطنية في فرنسا أو تُشيد بفوائدها كما هو الحال مع أنجيلا ميركيل وماكرون في فرنسا. وحين تنخفض أعداد المهاجرين، وخاصة غير الشرعيين منهم، فإن النار المستعرة تبدأ بالخمود، إلى أن يُلقى وقود آخر في أتون الصراعات السياسية. فبعد نضوب وقود الماركسية والشيوعية وتنظيم فتح والجهاد الإسلامي ومعمّر القذافي وصدّام حسين وأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، وصولاً إلى بداية النهاية لتنظيم داعش، لا بد إلا أن يجد السياسيون فزّاعات جديدة يستخدمونها في استقطاب آراء الناخبين وأصواتهم، وخاصة من ذوي الآراء المتقلبة Swing Voters بغية تنفيذ مشاريعهم وأجنداتهم السياسية.

 

******************

 

 

 

الهوامش

 


[1]. نشرت هذه المقالة في مجلة منارات ثقافية – لبنان، الكتاب الخامس، تشرين الثاني 2018.

[2]. د. شوقي عطيه منسق مختبر الديموغرافيا في مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية، الجامعة اللبنانية. chattieh@ul.edu.lb

*. مركبات النمو الديموغرافي ثلاث: الولادات والوفيات والهجرة. ويتم حساب النمو السنوي للسكان وفقاً لما يلي: عدد السكان في بداية العام الحالي= عدد السكان في بداية العام المنصرم + عدد الولادات في هذا العام – عدد الوفيات في هذا العام + عدد المهاجرين الوافدين خلال هذا العام – عدد المهاجرين المغادرين خلال العام نفسه.

*. عبارة بريكست هي مزيج من كلمتين: Britain Exit وعرفت اختصاراً بـBrexit.  

*. لقد قررت المحاكم الفرنسية إطلاق سراح السجين السياسي جورج ابراهيم عبدالله أكثر من مرة، وكانت الولايات المتحدة تتدخل مباشرة لمنع إطلاق سراحه. ولا يزال قابعاً في السجن بموجب قرار فرنسي نزولاً عند الضغوط الأميركية.

 

*. أي الذين حصلوا على بطاقة إقامة للمرة الأولى.

 


[1]. هذا الرقم صحيح وفقاً لبيانات المفوضية العليا للاجئين UNHCR، ويعود الرقم إلى 29 تموز 2018، أما تاريخ الدخول إلى الموقع فهو 1 آب 2018، الرابط: https://data2.unhcr.org/en/situations/syria

[2]. يمكن الاطلاع على نتائج هذه الدراسة على الرابط التالي:

Ipsos MORI, Perceptions are not reality: what the world gets wrong, Ipsos Perils of Perception Survey 2016, 14/12/2016, retrieved from: https://www.ipsos-mori.com/researchpublications/researcharchive/3817/Perceptions-are-not-reality-what-the-world-gets-wrong.aspx

[3]. مصدر هذه المعلومات: مكتب السكان على الرابط التالي:

PRB, 2016 World Population Data Sheet, retrieved from: http://www.prb.org/pdf16/prb-wpds2016-web-2016.pdf

[4]. يمكن الاطلاع على منهجية الدراسة على الموقع الرسمي لإيبسوس موري، على:

Ipsos Mori, Perceptions are not reality: what the world gets wrong, Ipsos Perils of Perception Survey 2016, 14-12-2016, Retrieved from:

https://www.ipsos-mori.com/researchpublications/researcharchive/3817/Perceptions-are-not-reality-what-the-world-gets-wrong.aspx

[5]. مصدر المعلومات هو من دراسة إيبسوس موري المذكورة أعلاه.

[6]. نشرت صحيفة الصن البريطانية، في تموز 2016، مقالاً أحصت فيه 234 ضحية على الأراضي الفرنسية خلال 18 شهراً. يمكن الاطلاع على المقال من خلال الرابط التالي:

Karen Morrison, TIMELINE OF TERROR 234 people have died in French terror attacks in last 18 months – more than in the previous 100 years, 15/7/2016, the Sun, Retrieved from: https://www.thesun.co.uk/news/1451480/234-people-have-been-killed-in-french-terror-attacks-in-last-18-months-more-than-in-the-previous-100-years./.

[7]. للمزيد من المعلومات حول هذه الهجمات الإرهابية يمكن الاطلاع على المقالات التالية:

[8]. Ipsos Mori, Perils of Perception Survey 2017, Ipsos,  2017, pp: 6, 8.

[9]. Simon Bulmer & Lucia Quaglia, The Politics and Economics of Brexit, Journal of European Public Policy, V. 25, Issue: 8, pp: 1089-1098.

[10] . Bulmer & Quaglia, The Politics and Economics of Brexit, opt. cit.

[11] . Anne Applebaum, Britain after Brexit: a transformed political landscape, Journal of Democracy, Issue 28, LSE Research Online, p: 54.

[12]. Applebaum, ibid, p: 56.

[13]. Costas Pitas, As EU vote looms, migration to Britain nears record high, Reuters, 26-5-2016, Retrieved from: https://www.reuters.com/article/us-britain-eu-immigration/as-eu-vote-looms-migration-to-britain-nears-record-high-idUSKCN0YH0SS.

.[14] للمزيد من العلومات حول هذه المسألة، أنظر:

[15]. Abi Wilkinson, The Brexit Vote Is Really About Just One Thing, The New Republic, 21-6-2016, Retrieved from: https://newrepublic.com/article/134507/brexit-vote-really-just-one-thing.

[16]. BBC.com, UN blames UK politicians for Brexit hate crime spike, BBC, 26-8-2016, Retrieved from: https://www.bbc.com/news/uk-37193140.

[17]. مصدر المعلومات:

[18]. BBC, Local Elections 2018, BBC.com, Last Accessed: 26-7-2018, https://www.bbc.com/news/topics/cz3nmp2eyxgt/england-local-elections-2018

[19] . EMI, The Consuequnces of a British exit from the European Union, European Movement International, Brussels, 2017, pp: 1-2.

[20] . Anne Applebaum, Anne Applebaum, Britain after Brexit, opt. cit., p: 57.

[21]. Iain Begg & Fabian Muschovel, The Economic impact of Brecit, European Institute, London School of Economics, London, 2016, p: 4.

[22] . Applebaum, ibid, p: 57.

[23] . John Van Reenen, Brexit’s Long_run Effects on the UK Economy, Brookings Papers on Economic Activity, The Brookings Institution, Washington, Fall 2016, p: 379.

[24]. Ipsos Mori, Perils of Perception Survey 2017,opt. cit., p: 8

[25]. Michelle Hale Williams, A new era for French Politics? Comparing the FN under two Le Pens, Análise Social, Vol XLVI, 2011. P: 680

[26]. Daniel Stockemer & Mauro Barisione, The new discourse of the Front National under Marine Le Pen: a slight change with a big impact, European Journal of Communication, Vol 1 Issue 16, 2016, P: 5.

[27]. Stockemer & Barisione, The new discourse, opt. cit., p: 5.

[28]. Ibid, p: 7.

[29]. مصدر الأرقام في الرسم البياني من موقع جريدة الفيغارو نقلاً عن المؤسسة الوطنية للاحصاءات والدراسات الاقتصادية INSEE:

[30]. Marine Le Pen, 144 Engagements Présidentiels (Program de candidature aux élections présidentiels de 2017), 2017.

 Retrieved from: https://www.cjoint.com/doc/17_03/GCukMNTZumM_programmemlp.pdf

[31]. Les Echos, Résultats présidentielle 2017, Les Echos.fr, Last accessed: 31-7-2018, Retrieved from: https://www.lesechos.fr/elections/resultats/presidentielle/

[32].  Lionel Bonaventure, Marine Le Pen, l'héritière à la conquête du pouvoir, Le Parisien, 23-4-2017, Retrieved from: http://www.leparisien.fr/flash-actualite-politique/marine-le-pen-l-heritiere-a-la-conquete-du-pouvoir-23-04-2017-6879018.php

[33]. OCDE, Perspectives de migrations internationals 2017, OCDE, Paris, 2017, p: 294.

[34]. يمكن الإطلاع على العمليات الارهابية التي حصلت في فرنسا بين أعوام 2015 و2018 على موقع قناة د.و. DW الألمانية، على الرابط التالي: https://www.dw.com/en/is-related-terror-attacks-in-france-since-2015/g-43103794

[35] . Caroline Hayek, L ’attentat des Champs-Élysées aura-t-il un impact sur la présidentielle? L’Orient Le Jour, 22-4-2017, Retrieved from:

 https://www.lorientlejour.com/article/1047892/lattentat-des-champs-elysees-aura-t-il-un-impact-sur-la-presidentielle-.html

[36] . ibid

[37]. يمكن الاطلاع على المواجهة التلفزوينية، وخاصة ردات فعل مارين لوبين، من خلال الرابط التالي:

https://www.lexpress.fr/actualite/politique/elections/video-si-vous-avez-rate-le-debat-macron-le-pen_1904997.html

[39]. Les Echos, opt. cit.

[40]. مصدر هذه الأرقام من دراسة ميدانية تعد خصيصاً، وشهرياً، لشبكة هافينغ بسوت، على الرابط التالي:

https://www.huffingtonpost.fr/2018/05/02/la-popularite-de-marine-le-pen-au-fond-du-trou-un-an-apres-le-debat-dentre-deux-tours-sondage-exclusif_a_23425375/

 
التاريخ: 2023-11-15
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: منارات ثقافية، الكتاب الخامس - تشرين الثاني 2018
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro