مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الإسلام في رسالتين، ثلاث، وأربع...
 
مجاعص، سليم
 

 

 

 

 

 

هناك فِكْرَة عَنِيدَة في أدبيات الحركة القومية آن لها أن تضمحل وتنتهي. لكنها تستمر بعامل الجهل والتكرار، أو الغرور والإصرار، أو التعمية وعدم الفهم، أو محاولة اقتناص الفرص لادعاء المعرفة، أو لهذه جميعها!

 

وهذه الفكرة تفترض أن سعاده كان يقوم بمحاولة توفيقية بين الأديان، كرّس لها كتاباً خاصاً بعنوان "الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية". وهي فكرة تتعارض مع ما على الحركة القومية الاضطلاع به، أي استبدال العقائد الدينية في شؤون الاجتماع بالعقيدة القومية. وهذا الاستبدال هو الطريق الوحيدة لتحقيق المبدأ الإصلاحي الثالث من مبادئ الحركة القومية.

 

إن عنوان الكتاب الصادر في أوائل الخمسينات في دمشق قد تأصل في أوساط الحركة القومية، وشكل بذلك لوثة فكرية لها مخاطرها على الفهم الصحيح لموقف الحركة من الدين.

 

إزداد تنبهي لهذه الخطورة سنة 1977 عندما توليت مسؤولية عمدة الثقافة، وباشرت العمل على إعداد طبعة جديدة من آثار سعاده. وتوافرت لي في ملفات العمدة آنذاك نسخة مصورة عن معظم أعداد جريدة "الزوبعة". وكمْ كانت دهشتي عندما بدأت بقراءة فصول بحث "جنون الخلود" فيها، ولاحظت الفروقات المهمة بين ما ورد على صفحات "الزوبعة" والنص المعروف في كتاب "الإسلام في رسالتيه".

 

وبعد فترة من الدرس والتنقيب والتأمل في المسألة، رأيت أنه من الضروري وضع هذا الأمر أمام الحركة ودارسي فكر سعاده. فقمت بإعداد نسخة عن نص "الزوبعة"، ونشرتها في كتاب صدر عن عمدة الثقافة في آب 1978، تحت عنوان جامع هو "جنون الخلود". وشرحت في مقدمة الكتاب الأسباب الدافعة إلى ذلك. وكان الأمين الشهيد حبيب كيروز عميداً للإذاعة فأيد عملي ذاك، وتولى الإخراج الفني للكتاب وتصميمه. كما قام بمثل ذلك للأجزاء الثلاثة من رسائل سعاده التي قمت بإعدادها، ولطبعة محققة لكتاب "الصراع الفكري في الأدب السوري"، قبل أن تنتهي مسؤولياتنا مع انتخاب رئاسة جديدة للحزب.

 

وقد أثار نشر كتاب "جنون الخلود" ردة فعل سريعة لدى المسؤولين عن نشر كتاب "الإسلام في رسالتيه"، فأعادوا طبعه مع مقدمة نقدية قاسية بحق "المشرف" على نشر كتاب "جنون الخلود". وفي تلك المقدمة، إيضاح هام حول أسلوب عمل "لجنة النشر" الدمشقية يتمثل في الوصف التالي:

 

"فإذا لم تتح لواضع البحث – الدراسة العودة إلى ما كتب ونشر لتنقيحه، ليصبح التكامل في البحث كمالاً، فإن على المدقق، ليكون موضوعياً، أن يعتمد مقومات البحث وجوهر الفكرة، فيصحح كل نص لا يكون واضح المدلول، متوافقاً مع جوهر الفكرة ومحمولات الموضوع". (مقدمة الطبعة الرابعة، الصفحة سبعة).

 

فما فعلته "لجنة النشر" إذاً، باستحالة تنقيح النص من قبل واضعه، سعاده، أنها قامت بتصحيح النص وفق ما رأته متوافقاً مع جوهر الفكرة. وهذا تصريح واضح جازم بأن النص المنشور في ذلك الكتاب هو ما صححته اللجنة المذكورة اتفاقاً لفهمها هي جوهر الفكرة. وفي المقدمة عينها، تقول "لجنة النشر" إن سعاده اختار للقسم المتعلق بالدين عنوان "الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية". وهو قول مغاير لما نجده في رسائل سعاده ، أو على صفحات "الزوبعة"، أو صفحات "سورية الجديدة".

وقد تناولت مسألة الكتاب بتفصيل في مقدمة طبعة 1978 لـ"جنون الخلود"، كما في المجلد الثالث من سيرة سعاده بقلمي، فاكتفي بالإشارة إليها.

 

أشار سعاده في بحر بحثه إلى النظرية الدينية التي تعتبر أن الأديان الإبراهيمية، كما تعرف أحياناً، هي جميعها ضمن الإسلام. أي أن الإسلام بدأ مع إبراهيم، واستمر مع موسى، وإشعيا، وإرميا، وسليمان، ويسوع، حتى الوصول إلى محمد. فإذا أردنا أن نقول بإسلام على أساس الرسول القائل به، كان بإمكاننا القول بإسلام إبراهيمي، وإسلام موسوي، وإسلام سليماني، وإسلام عيسوي، وإسلام محمدي. أما إذا أردنا أن نقول بإسلام على أساس الشيع الدينية القائمة، قلنا بإسلام يهودي، وإسلام مسيحي، وإسلام محمدي. وقد استعمل سعاده أيضاً عبارة "إسلام درزي" في إحدى مقالاته.

 

يتضح مما ذكرنا أعلاه المنزلق الخطير الذي توصلنا إليه هذه الاعتبارات، وكيف يمكنها إثارة مشاكل فكرية ليس أقلها عدم التوافق مع الفكرة الدينية التي تعتبر أن الإسلام، رغم ابتدائه بإبراهيم واستمراره مع يسوع وصولاً إلى محمد، هو دين واحد. كما أن وصف المسلمين بـ"المحمديين" أمر يثير حفيظة من يذكرون قول الخليفة الراشدي أبي بكر الصديق: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت".

 

لقد نجحت الحركة القومية بإزالة الحواجز بين الطوائف والأديان، ضمن صفوفها، ليس باعتماد التوفيق بين رسالات الأديان، بل بجعل العقيدة القومية أساس الحياة القومية، وترك الدين لشؤون الإيمان الفردي. لكن اللوثة الدينية تستمر بذرّ قرنها، حتى أن أحد الكتاب القوميين وصف الصهيونية بأنها تهاجم العذراء مريم! ودعا كاتب قومي آخر رفقاءه إلى صياغة لاهوت جديد للأديان السورية!

 

تقول الحركة القومية بعلمانية صارمة جازمة، يجب أن لا يشوبها أي التباس بأمور الدين المتروكة للإيمان الفردي. في الحياة القومية نحن قوميون... وكفى! 

 

 

 
التاريخ: 2023-08-03
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro