مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
ظاهرة الـ Tall Poppy Syndrome
 
السبعلي، ميلاد
 

 

نسمع ونقرأ من وقت لآخر، من بعض مدّعي العمل للنهوض والتربية والقضايا الكبرى، وبعض الملتزمين شكلياً بها، انتقادات واتهامات موجهة الى أصحاب المواهب والمتميّزين، في أوساطهم أو في المجتمع، بحجة أن المتميّزون هم طالبو شهرة ووصول. فيظنّون أنهم بذلك يحمون مؤسساتهم الباهتة، التي تسودها السطحية والتردي وأصحاب المستويات الوسط، وتسيطر عليها التفاهة والعقم وعدم القدرة على الإنجاز والتميّز والنجاح في تحقيق غايتها وأهدافها الكبرى... فتصبح مسألة استمرار المؤسسة، بوجود هكذا نوعيات من المتوسطي المستوى، في دوائر القرار أو في جسم هذه المؤسسات، هي أهم من تحقيق الغاية والأهداف التي أنشئت المؤسسات في سبيل تحقيقها، ومن ابتكار أنماط جديدة وابداعية لتحقيق هذه الغاية والأهداف.

 

وبعد حوار معمّق مع ChatGPT حول هذه الظاهرة، وجدنا الخلاصات التالية:

 

غالباً ما نرى في المجتمعات ثقافة انتقاد المتميّزين من قبل بعض المتوسطي المستوى الذين يسميهم الفيلسوف الكندي Alain Denault "التافهين" أو الـ “Mediocres”. وقد كتبنا مقالاً طويلاً حول التفاهة والتميّز حللنا فيه مواصفات عصر التفاهة، ودور السوشيال ميديا في تعميمه.

 

ولو تعمّقنا في هذه الظاهرة من وجهة نظر علم الاجتماع، لوجدنا ظاهرة تعرف بـ “Tall Poppy Syndrome”، أي كيف ولماذا تنتقد الطحالب الشجرات الطويلة؟

 

وهذه ظاهرة اجتماعية تركز على ردود الفعل التي يتلقاها الأشخاص الذين يظهرون بشكل واضح في المجتمع بسبب إنجازاتهم المتميزة أو شهرتهم. وتحدث هذه الظاهرة عندما يتم نقل انتباه الناس إلى الأشخاص الناجحين والمتميزين بطريقة سلبية، ويتم الهجوم عليهم أو تقليل قيمة إنجازاتهم بدلاً من تشجيعها ودعمها.

 

تحدث هذه الظاهرة بحسب نظريات علم النفس الاجتماعي، لأسباب متعددة، منها:

- الحسد والغيرة: يمكن أن يكون السبب الرئيسي وراء هذا النوع من التصرفات هو الحسد والغيرة، حيث يكون الناس غير راضين عن نجاح الآخرين ويرغبون في تقليل تأثيرهم وشهرتهم.

 

- تدني التقدير للذات: قد يرتبط هجوم التافهين على الأشخاص المتميزين بنقص التقدير للذات؛ حيث يعتبرون أن إبراز نجاحات الآخرين يجعلهم يشعرون بتدني قدراتهم الشخصية.

 

- ثقافة المجتمع: في بعض المجتمعات، يُعتبر التميّز والشهرة علامات على التكبّر وعدم التواضع، مما يجعل الناس يتبنون سلوكيات سلبية تجاه الأفراد المتميزين.

 

- التوحيد والتكافؤ الاجتماعي: يمكن أن تعزز هذه الظاهرة الرغبة في التوحيد والتكافؤ الاجتماعي، حيث يحاول البعض خفض مكانة الأفراد المتميزين لتقليل الفجوة بينهم وبين الآخرين. وهذا ما يعتبره الان دونو نوع من تجذير للتفاهة في المجتمع، فيكون الجميع متساويين في المستوى المتوسط الخالي من التميّز والابداع.

 

- الحاجة لتكسير الأشخاص المتميزين: في بعض الأحيان، قد يرغب بعض الأشخاص في تقليل تأثير الآخرين المتميزين لأسباب سياسية أو اجتماعية أو غيرها، بهدف تقويض نفوذهم أو قدراتهم. يمكن أن تؤثر هذه الظاهرة سلبًا على المجتمع بشكل عام، حيث تحول دون تشجيع المبدعين والمتميزين وتكون عائقًا أمام التقدم والابتكار. من الضروري التفكير بشكل إيجابي تجاه النجاح والتميّز ودعم الأفراد الذين يساهمون بجدارة في تطوير المجتمع وتحسينه.

 

ومن التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة على بعض المتميّزين غير المحصّنين بالثقة والثقافة الواسعة والإيمان العميق بالقضايا الاجتماعية:

- تقليل الحماس والإلهام: قد يكون للهجوم والنقد المستمر تأثيرًا سلبيًا على الفرد المتميز، حيث قد يشعر بتقليل الحماس والإلهام لمواصلة العمل بجد وتحقيق المزيد من الإنجازات.

 

- قمع الإبداع والابتكار: إذا لم يشعر الأفراد المتميزون بالدعم والتشجيع، قد يكون لهذا تأثير سلبي على إمكانية تطوير الإبداع والابتكار في المجتمع. وهذا قد يؤدي الى تهجيرهم والبحث عن مجتمعات أكثر دعماً واحتضاناً للإبداع والتميّز، مما يفقد المجتمع لفرص الاستفادة من إبداعاتهم ومساهماتهم المحتملة.

 

للتغلب على ظاهرة الـ "Tall Poppy Syndrome" وتحقيق بيئة أكثر دعمًا للتميّز والإبداع، يجب تغيير الثقافة المؤسساتية والاجتماعية بشكلٍ عام وتعزيز قيم التشجيع والإلهام. يمكن أن تلعب المؤسسات التعليمية والأعمال دورًا هامًا في تحقيق ذلك من خلال:

 

- تعزيز ثقافة التفاعل الإيجابي والتشجيع على النجاح والتميّز.

 

- تعزيز التوعية حول أهمية دعم الأفراد المبدعين وتقدير إسهاماتهم.

 

- تشجيع المشاركة الفعالة والإبداعية للأفراد في المجتمع.

 

- مكافأة الإنجازات والتفوق بشكل عادل ومنصف.

 

عندما يُشجّع الأفراد على تحقيق أقصى إمكاناتهم ويتم دعمهم بشكل إيجابي، يمكن أن يساهموا بشكل كبير في تحسين المجتمع والمجتمعات التي يعيشون فيها.

 

بالتوازي مع ذلك، يجب حماية المتميّزين من التحول إلى الغرور والفردية والأنانية. وهذا يتطلب الوعي للتحديات التي قد يواجهونها والتحصين الذاتي واتباع بعض الإجراءات الوقائية للحفاظ على تواضعهم وتأثيرهم الإيجابي على المجتمع وعدم إحباطهم وهجرتهم. وهذه بعض الأفكار لتحقيق ذلك:

 

- وعي الذات والتواضع: يجب أن يكون لدى الأفراد المتميزين وعي بأهمية التواضع وعدم التفاخر بإنجازاتهم الى حد إهانة أو تسخيف الآخرين. عليهم أن يفهموا أن نجاحهم ليس مجرد نتيجة لجهودهم الشخصية، بل يعود أيضًا إلى الفرص والدعم الذي تلقوه من المحيطين بهم.

 

- الحفاظ على القيم والأخلاق: يجب على المتميزين أن يحترموا القيم والأخلاق وأن يعاملوا الآخرين بالاحترام والتواضع. يمكن أن تساهم الأخلاق القوية في منعهم من الانجراف نحو الفردية والتكبّر.

 

- الاعتراف بالفريق والدعم: يجب على المتميزين أن يعترفوا بأن النجاح لا يتحقق بشكل منفرد، بل يتطلب دعم الفريق والتعاون مع الآخرين. ينبغي عليهم أن يقدّروا جهود الفريق وأن يشجعوا على التعاون والمشاركة.

 

- الاستماع والتعلم من الآخرين: يجب أن يكون المتميزون مستعدين للاستماع إلى وجهات نظر الآخرين والتعلم من تجاربهم. يمكن أن يساهم ذلك في تعزيز الود والتواصل مع المحيط الاجتماعي وتقليل احتمال الإصابة بالغرور والفردية.

 

- تعزيز ثقافة الإيجابية والتشجيع: على المجتمع بشكل عام والمؤسسات بشكل خاص، أن تتبنى ثقافة التشجيع والإيجابية تجاه النجاح والتميّز. يمكن للدعم والتشجيع من قبل المجتمع والمؤسسات أن يعزز من إحساس المتميزين بالانتماء والمساهمة الإيجابية.

 

- المسؤولية الاجتماعية: قد تكون المشاركة في الأنشطة والمبادرات الاجتماعية والخيرية وسيلة مهمة للحفاظ على التوازن وتذكير المتميزين بأن لديهم دور في تحسين المجتمع ومساعدة الآخرين، وليس فقط المجد الشخصي والمصالح الذاتية.

 

- الالتزام بالقضايا الاجتماعية: يمكن للمتميزين الذين يكونون ملتزمين بالقضايا الاجتماعية والنهوض والتطوير أن يؤثروا إيجابيًا على المجتمع من خلال دعمهم وتشجيعهم للمبادرات والمشاريع الاجتماعية ومشاركتهم في تحقيق الغايات والأهداف الكبرى في المجتمع، من خلال تسخير كفاءاتهم وتميّزهم ومواهبهم ومقدراتهم لذلك.

 

- المساهمة في حل المشكلات: بفضل مواهبهم وقدراتهم المتميزة، يمكن للأفراد المتميزين أن يكونوا عناصر فاعلة في حل المشكلات الاجتماعية وتحقيق التغيير الإيجابي، لا أن يبحثوا فقط عن الشهرة والتميّز الفردي دون الاكتراث بتطوير مجتمعاتهم ووعيها ونهوضها.

 

- تحفيز الآخرين: عندما يكون المتميزون ملتزمين بالقضايا الاجتماعية، فإنهم يشكلون مصدر إلهام للآخرين للانخراط في العمل الاجتماعي والشأن العام والأعمال الخيرية.

 

- بناء سمعة طيبة: يساعد الالتزام بالقضايا الاجتماعية في بناء سمعة طيبة للأفراد المتميزين والمؤسسات التي ينتمون إليها، التي تستفيد من سمعة أعضائها المتميّزين لتعزيز سمعتها.

 

- تحسين التواصل والاستجابة والاستدامة: عندما يكون المتميزون ملتزمين بالقضايا الاجتماعية، فإنهم يكونون على اتصال أكثر وعلى دراية بمشاكل المجتمع، مما يمكن أن يسهل عملية التواصل والتفاعل مع الآخرين، والمساهمة في بناء مجتمع أكثر استدامة بيئيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا.

 

لذلك، فإن طلب الشهرة عند الأفراد يمكن أن يكون أمرًا ذا تأثيرات إيجابية وسلبية، ويعتمد ذلك على كيفية تحقيق الشهرة واستخدامها.

 

الآثار الإيجابية لطلب الشهرة:

 

- الوعي للقضية الاجتماعية: عندما يسعى شخص للحصول على الشهرة من أجل قضية اجتماعية محددة، قد يساهم ذلك في زيادة الوعي بتلك القضية وجعلها أكثر ظهورًا في وسائل الإعلام والنقاشات العامة.

 

- دعم المشاريع الاجتماعية: قد تؤدي الشهرة إلى تحقيق الدعم المالي والموارد للمشاريع الاجتماعية، حيث يمكن للأفراد والجهات الفاعلة أن يكونوا مستعدين للمساهمة في قضية يعمل لها أشخاص متميّزون.

 

الآثار السلبية لطلب الشهرة:

 

- الغرور والإفراط في الفردية: قد يتسبب تحقيق الشهرة في شخص ما في الغرور والاعتداد الشديد بالذات والتجربة الشخصية، مما يؤثر سلبًا على سلوكه وتفكيره. وإذا كان في بداياته من العاملين أو المؤمنين بقضية اجتماعية محددة، قد تؤدي شهرته الذاتية الى ابتعاده عن القضية التي التزم العمل لها، إن كان غير محصّن تجاه الفردية والانانية. وقد شهدنا الكثير من الحالات، التي يترك فيها الشخص الناجح قضيته أو المؤسسة التي تعمل لها، ويصبح من المنتقدين لعملها، يساعده على ذلك البيئة الطاردة للمواهب التي غالباً ما تسيطر على المؤسسات، بحكم وجود أكثرية من الأعضاء المتوسطي المستوى الذين يعتبرون أي تميّز أو شهرة شخصية، هو حكماً فردية وأنانية ومصلحة ذاتية، حتى لو اكتسبها الشخص نتيجة جهده وانجازاته بعيداً عن الاستفادة من المؤسسة.

 

- فقدان التركيز على القضية الأصلية: ربما ينجذب الشخص إلى تحقيق الشهرة بشكل كبير ويفقد التركيز عن القضية الاجتماعية الأصلية والسعي لحلها بشكل فعال، ويعتبر بقاءه في المؤسسة التي تعمل لأجلها هو ضرر شخصي له ولمصالحه الخاصة.

 

- الانتقادات والإنكفاء: قد يواجه طالب الشهرة انتقادات حادة وأحياناً مغرضة، وذلك قد يؤثر على نفسيته، إن لم يكن محصّناً وواعياُ، مما قد يؤدي إلى تراجع اهتمامه بالقضية الاجتماعية.

 

ختاماً، إذا كان الشخص المتميّز يعمل بجدّ للمساهمة في قضية اجتماعية مهمة ويحترم القيم والأخلاق في جهوده، فقد يكون لذلك تأثير إيجابي على المجتمع. لكن عليه أن يبقى حذرًا ويوازن بين تحقيق الشهرة والحفاظ على رؤيته وأهدافه المجتمعية الأصلية. وإذا راجعنا علاقة المبدعين مع المؤسسات والنظام، نجد الكثير من الكتابات والأبحاث والأمثلة الحقيقية حول جدلية هذه العلاقة، بحيث ينظر متوسطو المستوى في المؤسسات أن المبدعين والمتميّزين هم فرديون ويسعون الى الوصول والشهرة، لمجرّد أنهم متميّزون ولا يلتزمون بحدود قولبة المؤسسات والنظام والخضوع لرأي الأكثرية المتوسطة المستوى. وفي المقابل، يرى المتميّزون أن سيطرة متوسطي المستوى على المؤسسات بحكم النظام، هو تقييدٌ لهم ولإبداعاتهم، التي يمكن أن تثمّر في سبيل القضية، لكن المؤسسات تقتلها وتحدّ من فعاليتها، مما يجعل المؤسسات بيئة طاردة للمتميّزين، الذين يتركونها بشعور سلبي تجاه مبدأ الالتزام في نظام معين ومؤسسات محددة، مما قد يسهم في تحوّل بعضهم الى المزيد من الفردية والشذوذ والأنانية. وهذا ما يعطي متوسطي المستوى المسيطرين على المؤسسات دليلاً للشماتة بأصحاب المواهب وترسيخ العداء والرفض لهم، وتعزيز سيطرة المستوى المتوسط والتفاهة على نظام المؤسسات، مما يؤدي الى المزيد من التضييق والحذر من أي مبدع أو متميّز قد يظهر في هذه المؤسسات في المستقبل. مما يجذر ثقافة التفاهة، ونبذ التميّز بحجة الحفاظ على المؤسسات والمصلحة الجماعية، وليس بالضرورة المصلحة الاجتماعية.

 

ولهؤلاء قال سعاده: “الشعوب الغبيّة تفعل برجالها ما تفعل الأطفال بألعابها، تحطّمهم ثم تبكي طالبةً غيرهم!”...

 

 
التاريخ: 2023-07-31
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro