مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
حفل إطلاق وتوقيع كتابين من إصدارات المؤسسة.
 
الغاوي، شحاده
 

 

 

أقامت مؤسسة سعاده للثقافة، في مدينة سيدني، حفل إطلاق وتوقيع كتابين من منشوراتها للرفيق شحادي الغاوي بعنوان " ابحاث ودراسات في الفلسفة القومية الإجتماعية"- الجزئين الأول والثاني. وذلك في مدينة سدني أوستراليا بتاريخ 18 حزيران الجاري 2023.

 

حضر الحفل ما يقارب المئة مواطن منهم عدد كبير من الشباب والشابات المقبلين على العقيدة القومية الإجتماعية. كما حضرها عدد من أصحاب العلم والإختصاص، وتميزت بالترتيب والنظام والأناقة الفكرية والحوارات الراقية. وكل ذلك بفضل ما لسعاده وقضيته القومية الإجتماعية من جلال وهيبة ونظامية وسمو الفكر.

 

أدار الحفل أمين سر المؤسسة الرفيق سركيس سمعان وعاونته في التعريف بالمتكلمين الدكتورة رشا الحاج. وكانت لإدارة الرفيق سركيس الدور الأكبر في إضفاء جو من الإصغاء وإعطاء الموقف ما يستحق من التقدير.

 

javascript:void(0)افتتح الحفل أمين سر المؤسسة بكلمة مقتضبة قال فيها:

 

" في خضم التصحّر الثقافي الذي عصف ويعصف في مجتمعاتنا، والذي جاء نتيجة غياب ممنهج، تنكبّت مؤسسة سعاده للثقافة، القيام بدور أساسي في نشر الوعي الثقافي، منذ سنوات عدة، مساهمة منها في ترسيخ مفاهيم فكر سعاده ونشر الوعي بين أبناء المجتمع.

 

ولسنوات خلت، والمؤسسة تَعقد الندوات وتنظّم المحاضرات والمؤتمرات، تُصدِر الكتب وتشترك في المعارض الثقافية والأدبية. وقد بادرت المؤسسة، بفضل دعمكم، انتساباً وحضوراً ومشاركةً ودعماً مادياً، إلى وضع خطة إستراتيجية للسنوات الثلاث القادمة، أرفدتها بخطة تشغيلية، تضع من خلالها، البرامج موضع التنفيذ.

 

من هذا المنطلق، نضع بين أيديكم من بين ما تم إنجازه في كلمة مسجّلة لحضرة رئيسة مؤسسة سعاده للثقافة، الدكتورة ضياء كامل حسّان."

 

حينها بدأ بث التسجيل الالكتروني، صوت وصورة من بيروت، لرئيسة المؤسسة الرفيقة ضياء حساّن غملوش، حيث نوّهت بأعمال الرفيق شحادي الغاوي البحثية وشكرته على مساهماته في نشاطات المؤسسة الثقافية. ثم استعرضت الرفيقة ضياء اهداف المؤسسة والأعمال التي قامت بها والمهمات التي أنجزتها، مما لقي إعجاب الحضور وشكرهم للمؤسسة وإنجازاتها، وقد تجلّى هذا الإعجاب بالتصفيق الحاد والكبير للرفيقة ضياء بعد ختام كلمتها.

 

أمّا المتكلمون فكانوا على التوالي كل من الأستاذ الأديب نقولا داوود والأستاذ الرفيق طنوس فرنسيس والدكتور الصديق رغيد نحاس. وقد أجمع المتكلمون على ريادة سعاده وفلسفته، وركزوا بالأكثر على الفلسفة المدرحية التي جاء بها بديلاً عن الفلسفات الجزئية ماديةً كانت أم روحية.

 

أمّا الرفيق شحادي الغاوي فقد ألقى كلمة ختامية أوضح فيها معنى الفلسفة وعلاقتها بالعلم كما اوضح أن الفلسفة القومية الإجتماعية هي لصيقة بالعلم وبالحياة وشؤونها الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية. كما أشار الرفيق شحادي الى أن الفكرة الرئيسية في الفلسفة المدرحية هي فكرة التفاعل الجامع المحيي بين القوى والعوامل المادية والروحية التي تصنع التاريخ والتطور، وقال إن القيم الروحية الإنسانية ليست مجرد إنعكاس للمادة وليست مجرد "تراكيب فوقية" لا دور لها ولا فعل في الحياة وتطورها، كما تقول الفلسفات المادية، بل هي قيم، أي لها قيمة بذاتها، أي هي عوامل وقوى فاعلة وشديدة التأثير في حياتنا. وكما إن "التاريخ غير مكتوب في الأديم" بل مصنوع قِبل الإنسان وفنّه وفكره الذي إمّا يستفيد من بيئته المادية وما تقدمه له من إمكانيات، وإمّا لا يستفيد منها، حسب استعداداته ومؤهلاته الذاتية، فالتاريخ أيضاً غير مكتوب في السماء بل مصنوع من التفاعل المادي الروحي الجامع المحيي للقوى الإنسانية في هذه الحياة وهذا الوجود.

 

كان لهذا الحفل الذي نظمته مؤسسة سعاده للثقافة التأثير الإيجابي البالغ في استنهاض رفقاء القضية القومية الإجتماعية التي أنشأها سعاده وسقاها بعبقريته وسمو فكره وبجهاده الكبير ودمائه الحارّة، ونحن على أعتاب الثامن من تموز.

 

 

 

 

 

كلمة الرفيق طنوس فرنسيس

 

 

أيها الحضور الكريم،

 

إذا كانت الأزمة المالية العالمية قد أدخلت كارل ماركس إلى متحف الشمع في برلين عام 2008، ورفعت مبيعاتِ كتابهِ الأهم "رأس المال" من 750 نسخة في العام 2005 كلِّه إلى 4500 نسخة فقط في خريف ال 2008، (حسب الناشرة مارجيت أوسترفولد،) فهل تكون الحالات المأساوية التي ترزح تحتها غالبيةُ كيانات الوطن السوري سبباً في إعادة لفت الإنتباه إلى أنطون سعاده، وكتبه "نشوء الأمم"، "المحاضرات العشر" و"الصراع الفكري في الأدب السوري" وسواها؟

 

لكن، لماذا إلى أنطون سعاده لا إلى سواه؟ مقارنة بسيطة تكشف لنا الآتي:

 

سعادة دعا الى: "فصل الدين عن الدولة"، " منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين" و " إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب" ونحن دلّلنا الحزبيات الدينية، وحضنّاها وحصنّاها فأصبحنا بفضلها نعيش توازن رعب طائفي حقيقي مدمّر.

 

سعاده دعا الى أن "نهاجم الإقطاع المتحكم في الفلاحين والرأسمالية الفردية الطاغية، من أجل "إيجاد التوازن الصحيح بين توزيع العمل وتوزيع الثروة" ونحن هادنّا الإقطاع والرأسمالية الفردية وحيتان المال، فبلعوا أموالنا.

 

سعاده دعا الى أن نهاجم العقليات المتحجرة المتجمدة، وأعلن أنّ العقل هو الشرع الأعلى للإنسان، ونحن سكتنا عن العقليات المتحجرة المتجمدة، ووضعنا العقل جانبا مخافة استفزاز أصحابها فأعادوننا راضين إلى عصور الإنحطاط.

 

سعاده دعانا الى "مكافحة النزعة الفردية مكافحتكم للإحتلال الأجنبي" ونحن اعتبرنا المصلحة الفردية فوق مصلحة المجتمع، فنشبت حرب داحس والغبراء بين الأخ وأخيه وتسابق الإثنان لكسب رضى المتزّعمين من أجل مصالح فردية آنية وكنا جميعا غافلين عن أننا نلحس المبرد لا أكثر ولا أقّل.

 

سعاده دعا الى أن "نستعد لمهاجمة الأعداء الذين يأتون ليجتاحوا بلادنا بغية القضاء علينا" والى " إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن"، ونحن اعتبرنا "أنّ قوة لبنان في ضعفه"

بإختصار يا سادة نحن فعلنا عكس ما دعانا إليه سعادة، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه.

 

من هنا كان تساؤلنا: هل يمكن للمآىسي في بلادنا أن تُعيد لفت الإنتباه الى سعاده وكتبه كما أعادت الأزمة المالية لفت إنتباه الناس في أوروبا والعالم الى ماركس و " رأسماله"؟ ونضيف هنا تساؤلاً آخر: هل يكون كتاب الاستاذ شحادي الغاوي اليوم خطوة في سياق لفت الإنتباه ذاك؟ هذا ما سأترك أمرَ إكتشافِه لكم. وفي كل حال، لنعد الى الكتاب.

 

بدايةً لا بد لي من أن أشكر الأستاذ الصديق شحادي الغاوي على إعطائي، في هذه الندوة المزدانة بحضوركم، فرصةَ الكلام حول كتابه الجديد "دراسات ومقالات في الفلسفة القومية الاجتماعية" أي فلسفة أنطون سعاده.

 

يتألف الكتاب من جزئين. الأول، يعالج فيه الكاتب ثلاثةً من مفاهيم الفلسفة القومية الاجتماعية: الفلسفة المدرحية، (التي أخترتُ أن اكلمكم عنها)، الديمقراطية التعبيرية والعروبة الواقعية. والثاني يتضمن ردودا على كتّاب قوميين ومناقشات أخرى.

 

المدرحية ككلمة هي كلمة مركبة نحتها أنطون سعادة من كلمتي المادية والروحية.

أما المدرحية كعلم وكفلسفة، فهي ما حاول الأستاذ شحادة شرحها في الفصل ألأول من كتابه المذكور.

ربما كان التعرف باختصار إلى بعض مداميك عمارة أنطون سعادة العلمية الفلسفية مدخلا مناسبا للتعريف بالمدرحية:

 

كل واحد منا موجود حتما في وضعية فردية، إجتماعية.

 

هذه الوضعية هي جزء من وضعية إجتماعية تاريخية سابقة عليها.

 

إذن، المعالجة الصحيحة للمشكلات المصيرية التي نواجهها تنطلق من مستوى الوضعية الإجتماعية (المتّحد، المجتمع) لا من مستوى الفرد.

 

ما هو المجتمع؟ المجتمع لا يُحدّد اعتباطيا. دورة الحياة الإقتصادية الإجتماعية الواحدة شرط المجتمع الواحد. لماذا؟

 

لأن الرابطة الاقتصادية هي الرابطة الاجتماعية الأولى في حياة الإنسان (الأساس المادي). وبالتالي، يكون التطور الاجتماعي على نسبة التطور الاقتصادي.

 

يقول سعادة "إن لنا في هذه البيئة الطبيعية وحدة زراعية اقتصادية متشابكة بالأنهر، لا يخطئها، نظر عارف بشؤون الجغرافيا والطبوغرافيا. فترابط الزراعة في وحدة الأرض وريها بالأنهر السورية أمر واقع طبيعي وتاريخي، ووحدة الإنتاج السوري بأنواعه هو أساس الإقتصاد القومي في سوريا، وإيجاد نظام جديد لهذا الإنتاج وأغراضه هو الإنشاء الأساسي لقيام النهضة السورية القومية الاجتماعية" وبما أنّ الرابطة الاقتصادية (القوة المادية) هي الرابطة الاجتماعية الأولى في حياة الإنسان– كما مرّ معنا أعلاه – تكون الثقافة النفسية (الروحية) قد قامت عليها، لكن كيف؟ وما هو دور الإنسان في ذلك؟

 

ما من شك أن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو التفكير، والتفكير هو مقدرة عقلية لفهم موضوع ما أو حل مشكلة معينة.

 

وما من شك أن أول موضوع طُرح على الإنسان هو كيفية تأمين سلامته وقوْته. في اللحظة التي تدخّل فيها فكر الإنسان لتأمين ذلك، دخلت القوة الروحية (الفكرية، النفسية،) إلى الحياة الإنسانية مما أحدث تطورا في الوضع الإجتماعي. وكلما تطور الوضع الإجتماعي للإنسان تطور فكرُه وفعلُ ذلك الفكر وتطورت الثقافة النفسية. وفي سوريا تحديدا نشأت الحياة القومية من ترابط الزراعة في وحدة الأرض وريها بالأنهر السورية، أي نشأت من تفاعل الإنسان مع بيئته وإنشائه الزراعة من أجل إنتاج الحياة على أرضه وهكذا أصبح تفاعل القوى المادية الروحية (المدرحية) هو محرّك التاريخ في رجحان تارة للقوى المادية وطورا للقوى الروحية (النفسية).وكما أن لائحة القوى المادية معروفة وتطول ( البيئة ومواردها ...الخ) فلائحة القوى الروحية (النفسية) تطول هي أيضا فإلى الفكر يمكن إضافة الحق والخير والجمال والعدالة والإرادة والمعارف والعلوم والثقافة والوجدان القومي والأخلاق ... إلى آخره.

 

وهكذا تُصبح المدرحية " هي فكرة ونظرة إلى الحياة، والوجود تأخذ بجميع العوامل الفاعلة فيهما وتقول "بالتفاعل الجامع الموحِّد، القوى الإنسانية."

 

ولأدلل على دور القيم الروحية (النفسية) الحاسم في مصير الشعوب نعود إلى سعادة. عندما طرح انطون سعادة على نفسه السؤال "ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟" كان جوابه أن "فقدان السيادة القومية هو السبب الأول..."واعتبر أن قومية السوريين التامة وحصول الوجدان الحي لهذه القومية (القوى الروحية) هما شرطان ضروريان لمبدأ السيادة القومية. إذن لم نستطع أن نحافظ على سيادتنا على أرضنا ومواردنا الطبيعية والبشرية (العوامل الماديّة) لأننا فقدنا قوانا الروحية: المعرفة الصحيحة بهويتنا وبمصالحنا، العدالة الإجتماعية والإقتصادية والتي من دونهما لن يتوفر لنا الوجدان القومي والإرادة القومية والأخلاق القومية والتي هي الشروط الأساسية للحفاظ على وجودنا. إنّ الحفاظَ على وجود أي شعب وترقيتَه هو التحدي الأول لأي شعب اختار البقاء والإرتقاء. ومقدارُ راهنية أي مفكر أو فكر يتوقف على مقدار صوابية ردّه على ذلك التحدي، وأنطون سعادة وفكره لا يشذاّن عن هذه القاعدة.

 

أخيرا، عليّ أن أعترف لكم أنّ هذه العُجالة عاجزة عن أن تقدّم لكم ما يكفي لإصدار حكم على راهنية سعاده وفكره وهي لم تتنطّح أصلا لذلك بل كل ما تمنّته هو أن تثيرلديكم بعض الفضول في أن في فكر سعادة وكتاب صديقنا شحادي ما يستأهل الإطّلاع عليه وبعد ذلك الحكم لكم، وقبله وفي كل حين الشكر لكم.

 

 

كلمة الكاتب الرفيق شحادي الغاوي

 

 

إن أهم مسالتين أثارهما صدور كتابي "أبحاث ودراسات في الفلسفة القومية الإجتماعية" في جزأيه الأول والثاني، بل إن أهم نقد، أو قل إنتقاد ولوم واعتراض رماه البعض في وجهي، كان يتمحور حول مسألتين:

 

الأولى هي: كيف تجيز لنفسك وماذا يفيدك أن تتناول بالنقد رجال قادة ومناضلين في الحزب وتهاجمهم بهذا الشكل؟ ما الداعي لتناول أمناء كبار في الحزب بالنقد والردود والسجالات، هل هذا مفيد أم مضِرّ؟

 

والمسالة الثانية هي: الناس منهكون ويعانون من صعوبات الحياة اليومية وهم معرضون لمخاطر معيشية وأمنية بالغة الخطورة، فتأتي أنت وتخاطبهم بالفلسفة بدل أن تقدم لهم ما ينفعهم ويخفف من متاعبهم، الناس لا يحتاجون لفلسفتك بل لما يشبعهم من جوع ويقيهم من مرض ويحميهم من خطر.

 

في المسالة الأولى أقول: إن المناقشات والردود التي يحتويها الكتاب تعلو وتسمو على الجدالات والسجالات والإنتقادات والمماحكات الشخصية. الردود والمناقشات هي مغلفة بالمحبة والصداقة والإحترام، منها ما كان رسائل مباشرة للمعنيين بها ومنها ما كانت محاورات شفهية وجهاً لوجه. إن هذا النوع من الأدب، أي الحوارات والمناقشات والردود، كان سعاده يعتمده كثيراً مع رفقائه وأصدقائه وكان مفيداً جداّ ولم يكن يشكل أية ردة فعل سلبية منهم. فلسعاده مثلاً عشرات الرسائل الى صديقه نعمان ضو، و13 رسالة الى رفيقه غسان تويني، وعدة رسائل الى فايز صايغ، وله رسالة شهيرة فيها نقد وتوجيه الى شارل مالك، فضلاّ عن مئات الرسائل الى عدد كبير من رفقائه منشورة كلها في الأعمال الكاملة على ثلاثة أجزاء، وكلها تحتوي على نقد وتوجيه وردود، وقد شكلت لنا زاداً هاماً جداً من المعرفة في عقيدة سعاده القومية الإجتماعية ونظرته الجديدة الى الحياة بجميع شؤونها. إن النقد هو غير الإنتقاد، إن الصراعات الشخصية تفتِن وتدمّر أمّا الصراع الفكري فيبني وينشّط ويحفّز.

 

في المسالة الثانية، أي ماذا سيستفيد الناس من قراءة كتب عن الفلسفة في وقت أن الناس تعاني ما تعانيه من أزمات خانقة في حياتها اليومية، أقول: يظن البعض أن الفلسفة هي شيء صعب وعويص ومعقد، أو هي مجرد ترف فكري يشتغل به المثقفون والمفذلكون فقط. يظنون أن الفلسفة لا علاقة لها بالحياة الواقعية وشؤونها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ولا شأن لعامة الناس ولا قِبل لهم بها. لكن لا، إن الفلسفة هي غير ما يظن البعض، على الأقل- فلسفة سعاده هي غير ما يظنون. إن فلسفة سعاده القومية الإجتماعية المدرحية هي لصيقة بالحياة وشؤون الحياة وقضاياها اليومية، وقد وصفها سعاده نفسه بأنها فلسفة الحياة وفلسفة تشييد المستقبل على أساس من فهم صحيح وتفسير صحيح للحياة.  وها هو في محاضرته الأولى للطلبة يقول لهم أنه يجب علينا فهم فلسفة الحركة من أجل أن نعرف كيف نعالج الأمور. فالفلسفة إذاً لها علاقة بالأمور وهي لمعالجة الأمور وليست للإنصراف عن الأمور والمسائل والقضايا التي تواجه الناس.

 

ثم أن فلسفة سعاده تبدأ من العلم وتنطلق منه، فإذا كانت العلوم تتناول الحياة كما هي بواقعها وظروفها وعواملها، أي تتناول كل ما هو أمام الإنسان وفي محيطه لدرسه ومعرفته معرفة واضحة بواسطة الحواس أو بواسطة العقل والمنطق، فإن الفلسفة هي اكتشاف المبادىء العامة المشتركة في العلوم من أجل التخطيط لمستقبل أجمل وأسمى وأجود. وباختصار شديد: العلوم هي للجواب على سؤال كيف هي الأشياء وكيف هي الحياة، أمّا الفلسفة فهي الجواب على سؤال كيف يجب أن نتصرف وماذا يجب أن نفعل لتحسين هذه الحياة. لذلك فالبعض يقولون أن العلوم هي وصفية أما الفلسفة فهي معيارية، وغير ذلك من المصطلحات. فالعلوم هي ما نجمع على إدراكه بالمعرفة والبرهان، أمّا الفلسفة فهي ما نعتنقه اعتناقاً ونؤمن به أنه صحيح دون أن نستطيع برهانه وإثباته بالإجماع. العلوم هي حقائق أمّا الفلسفة فهي عقيدة. وعندما تتوافق فلسفتنا- عقيدتنا مع الحقائق العلمية، أو تقترب كثيراً من الحقائق العلمية، يصبح الفرق بين العلم والفلسفة ضئيلاً.

 

عند سعاده، إذاً، الفلسفة الصحيحة هي ما تتوافق مع العلم وتستند عليه وتنطلق منه. لذلك هو يقول أن كتابه العلمي "نشوء الأمم هو الأساس العلمي لعقيدته. إن عقيدة سعاده، فلسفته، لا يمكن تحييدها عن شؤون العلم وحقائق العلم وإلّا نكون قد رجعنا بالفلسفة ومعناها الى العهود القديمة، الى عهد ما قبل العلم، حيث كانت تعني الحكمة أو الرأي الحكيم غير المبني على حقائق ومعارف، أي غير مؤسَّس على العلم، وحيث كانت الفلسفة هي البحث في الماورائيات والغيبيات قبل أن يصبح الوجود وتصبح الحياة وشؤونها الإقتصادية والإجتماعية، وحتى السياسية، موضوعاً للفلسفة.

 

لن استغرق كثيراً في هذه المسائل، ففي الكتاب اسهاب في شرحها.

 

في كتابي الذي بين أيديكم شرح واسع حول معنى الفلسفة والفرق بينها وبين العلم، وفيه الفرق بين علم الفلسفة وفلسفة العلم. وفيه شرح واسع عن السبب الذي دفع سعاده لإستعمال مصطلح عقيدة أكثر بكثير من استعماله مصطلح فلسفة. وفيه توضيح عن سبب استعماله مصطلح "عقيدة تفسير الحياة" بدل مصطلح فلسفة علم الإجتماع. وفي الكتاب تفاصيل عن خطة سعاده التعليمية وكيف أن كلامه كان واحداً للمتعلمين المثقفين المتخصصين كما لعامة الناس قليلي العلم والثقافة، وكيف كان يفهمه الجميع بنفس الوقت.

 

في الكتاب شروح معمقة حول المسائل الأكثر عرضةً لسوء الفهم والتأويل، مثل المدرحية بديلاً عن الفلسفات الجزئية، مادية كانت أم روحية، ومثل الديمقراطية التعبيرية بديلاً عن تلك التمثيلية العددية، ومثل العروبة الواقعية الحقيقية بدل تلك الوهمية الزائفة.

 

في الكتاب تنوّع كبير في الموضوعات، وفيه مناقشات عديدة لعدد كبير من الكتّاب والدارسين. وأخيراً فيه فهرس طويل ومفصّل للمواضيع يتيح للقراء الإبحار فيه وإنتقاء الموضوع الأكثر أهمية لهم والأكثر رغبة في قراءته.

 

شكراً لإهتمامكم وإصغائكم وأتمنى لكم قراءة ممتعة، ومفيدة.

 

 

 

كلمة الدكتور رغيد النحّاس

 

 

طابت أوقاتكم،

 

يسعدني ويشرّفتي أن أكون بينكم جميعًا.

 

شكرًا أستاذ شحادي على ثقتك.

 

شكرًا للمتكلّمين وللإستاذ سركيس والدكتورة رشا.

 

شكرًا لموسّسة سعادة للثقافة، وأسعدني الإصغاء إلى كلمة رئيستها الدكتورة ضياء التي أقدّم لها أحرّ التهاني على إنجازاتها الباهرة.

 

*

 

سعادة مات اغتيالًا في جريمة منظّمة من أبشع جرائم التاريخ، ويذكّرنا شحادي في نهاية الجزء الثاني من كتابه كيف أنّ السلطة اغتالت من قال: "إن مأساة الحريّة الكبرى هي أقلام العبوديّة في معارك الحريّة".

 

هذا المفكّر كان أيضًا رجل عمل وسياسة. لذلك نراه كأنّه يتكلّم اليوم حين قال في محاضرته الخامسة (شباط 1948): "ولا تزال حلب ومنطقة الجزيرة العليا مهدّدة بتوسّع تركيّ جديد، ما دامت الأمّة السوريّة تتخبّط في حزبيّاتها الدينيّة ومنازعاتها العائليّة التي تهدّد معظم حيويّتها وفاعليّتها."

 

نعم، السلطة اغتالت سعادة الجسد في لحظة آثمة، ولكنْ يؤسفني أنّ سعادة الرمز ينحر كلّ يوم على يد معظم من يدّعي ولاءَه وحبَّه، فترى أقلام كثيرين تتناحر على الوجاهة والتفلسف على حساب فكر سعادة، فكلّما تفقّدْتُ المراجع وقعت في متاهة صادمة.

 

ولا شكّ أنّ هذا ما يدفع البعض القليل لصرف الوقت الكبير في محاولة تصحيح هذا الخلل، ومن هنا أعمال المفكّر والباحث الأستاذ شحادي الغاوي.

 

ولذلك، وفيما هو متاح لي من الوقت، سأقتصر كلامي على مجرّد هوامش أعتبرها مناسبة للمفاهيم التي نتناولُها.

 

العلم هو الدراسة المنهجيّة لبنية وسلوك العالَم الفيزيائيّ والطبيعيّ من خلال الرصد، والتجارب، واختبار النظريّات وفق الأدّلة التي نحصّل عليها.

 

العلم لا يتعاطى مع "الماورائيّات"، ولا مع "حقائق مطلقة" ولذلك هو دائمًا "ناقص". و لا يعتبر نفسه صالحًا لكلّ زمان ومكان إلّا بما تكشفة الحقائق العلميّة. ولكنّه اكتشف بعض الثوابت التي نسمّي بعضها "قوانين" مثل قانون الجاذبيّة.

 

ومن الناحية العلميّة، قد يكون الفرق بين المادّة وما يسمّى الروح فرقًا وضعيًّا لا أساس علميًّا له. وفي تقديري إن الوعي أو "الروح" أو الفكر كلّها أوجه من مظاهر المادّة الأساس، ولا زال العلم يعمل على اكتناه الأسس الفيزيائيّة والكيميائيّة والبيولوجيّة لهذه الأوجه. مثلًا نعلم أنّ كثيرًا من الانفعالات والمشاعر لها علاقة بهرمونات الجسم.

 

هذا لا يعني أن "الطريقة العلميّة" تقتصر على اختصاصات مثل الفيزياء، بل يمكن تطبيق الطريقة العلميّة حتّى في مراجعة قصيدة. كما يمكن، في حال تعذّر القيام بالتجربة المخبريّة، استخدام "التجارب الطبيعيّة"، أي الاستفادة ممّا تمّ تاريخيًّا مثال ما نفعل في استعراض سجل المستحاثات واستنتاج طبيعة الحياة في عصر معّين.

 

وممّا أثبته العلم والبحث هو أنّ الفرق في تطوّر المجتمعات البشريّة عبر التاريخ كان بشكل رئيس بسبب الفروق الجغرافيّة، والجغرافيّة البيولوجيّة، وليس العرق البشري. وهذا الاستنتاج له علاقة مهمّة بما نقرأه في فلسفة أنطون سعادة.

                                    

"دراسات ومقالات في الفلسفة القوميّة الإجتماعيّة" عنوان رصين جادّ ندخل منه إلى عالم شحادي الغاوي البحثيّ بخطى فيها من العزم الذي ربّانا عليه منذ كتابه السابق.

 

أفْضَلُ الكتب هي التي تضيف إلى معلوماتنا (بشكل نوعيّ) مهما كانت ثقافتُنا. وفي أعمال الغاوي عناصرُ تجعلها تلائم هذا التوصيف، ومنها: الصدقيّة في نقل المعلومات، والديمقراطيّة الفكريّة (وتتجلّى في أعمال الغاوي بعرض آراء الآخرين والتعليق عليها كما في الجزء الثاني من الكتاب).

 

وفي مقدّمته العامّة للجزء الأوّل يرسم لنا المؤلّف مساره بطريقة منهجيّة واضحة تضعنا بسرعة في صورة ما هو مُقْدِمٌ عليه.

 

وحين يصف أقسام كتابه (المدرحيّة، الديمقراطيّة التعبيريّة، العروبة الواقعيّة) بثلاثة تعابير لشيء واحد، فيقول: أبحاث، أضلاع، مواضيع، نجدّ أنّ لكلّ كلمة من هذه الكلمات سرعة معيّنة في الوصول إلى متلقٍ ما.

 

لدى المؤلّف حرصٌ كبيرٌ على توصيل أكثر الفكر تعقيدًا إلى عامّة الناس. هذا "الإشراك" هامّ جدًّا في جعل مسيرة النضال مسيرة شعبيّة ذكيّة لا مسيرة نخبويّة يحتكرها دعاة الفكر أو يصادرُها السياسيّون.

 

لهذا نراه مثلًا ينتقد الباحثين الذين كما يقول: "أتت دراساتهم وأبحاثهم، خاصّة في مواضيع الديمقراطيّة والعروبة، محكومة بالسياسة بدلَ أن تكون السياسة محكومة بها."

 

ومن أجمل ما قرأتُه في طريقة سرده هو أنه يضع أمام القارئ ما يشبه المسرح أو الشاشة. مثلًا، في مقدّمته للفصل الثالث حول "العروبة الواقعية والعروبة الوهمية"، وبعد أن يعطينا هذا العنوان بأربعة أوجه، يُعْلِمُنا أنّ أكثر ما دفعه لإثارة هذا الموضوع أربعة مشاهد يمثلها الرئيس السوري، وقيادي في منظّمة الإخوان المسلمين، وصبيّة متحمّسة أمام مدخل جامعة دمشق، وشاب شيوعيّ. ثم يصف لنا أدوارَهم ويفنّد مفاهيمَهم العروبيّة.

يركّز بطبيعة الحال على تكامل المادّة والروح في الفلسفة المدرحيّة، وينتقد بعض ما ورد في تفسيرها مع ما رافق ذلك من مغالطات.

 

إنّ حماس شحادي الغاوي لتصحيح هذه المغالطات مبنيّ على غيرته وفهمه الأعمق للمادة قيد البحث من أولئك الذين كتبوا ومرّروا أقوالهم بستار مناصبهم الحزبيّة الرفيعة، أو مراكزهم الأكاديميّة، لا بشروط التحليل الفكريّ المناسب.

 

يستدرك شحادي فيشيد بوجود الدراسات الهامّة، ولكنّه يعتبرها لا زالت منقوصة.

 

يقول الأستاذ شحادي في مقدّمته "لا بد لي من التنويه أن الفكر والفلسفة ليس فيهما "قراراتٌ" وأحكامٌ مبرمةٌ، ولا أحد منّا يحق له ادعاء الأستذة والعصمة والكمال في مساهماته في هذا المجال."

 

وأقول أنا إنّ سعادة لا يحقّ له ذلك أيضًا. وأدعو الجميع، خصوصًا من يميل إلى "تقديس" سعادة أن يعي أنّ عبارة الأستاذ شحادي يجب أن تطبّق على ما أتى به سعادة. وسعادة طبعًا لا يرفض ذلك لأنّه أكّد مرارًا على اتباعه الأسلوب العلميّ القابل للتغيير بشرط توفّر أيّ معطيات علميّة جديدة.

 

الوفاء لسعادة يكون بالسير على مناقبيّتِه الفكريّة.

 

ولكنّني طبعًا أوافق شحادي حين يؤكّد على ضرورة عدم التغيير أو التحريف أو التأويل في نصوص سعادة. يجب أن تنقل كما هي، ومن ثم يمكن تحليلُها ونقدُها. هذا خصوصًا أنّ الكتاب الحالي هو حول تفسير فلسفة سعادة كما أرادها.

 

وأثني كثيرًا على وضع الأمور في موضعها الصحيح مثل تحديد ما هو "الكون"، وما هو "الفن" في عبارة سعادة "نظرة إلى الحياة والكون والفنّ".

 

مشكلة المبدأ الروحي في تفسير الأمور هو أنّ الغالبيّة تميل إلى فهم الروح ضمن عالم الماورائيّات خصوصًا ضمن الفكر الدينيّ. ولكنّ ما يقصد بالروح ضمن مفاهيم سعادة، كما يؤكّد الغاوي، "ليس هو الدين أو الماورائيّات، بل هو القيم المجتمعيّة الإنسانيّة الموجودة في هذا الوجود."

 

استخدام "المصطلح" الذي برع فيه سعادة له أهمّية في ترسيخ دعائم المنهجيّة الفكريّة.

 

إذا أمعنّا بما يمكن أن تكون عليه "الروح" بمعيار "المدرحيّة"، يمكنني أن أقول إنّما هي العقل. العقل جزء من الجسد ومن هنا برأيي، سمّها ماشئت: لا يمكن الفصل بين المادّة والعقل. لأنّهما أصلًا شيء واحد. هذا تقييمي العام. وحتمًا كلمة "مدرحيّة" أجمل من كلمة "مدقليّة" أو "عقلماديّة"، لكنّ لكلّ شيء ثمن.

 

 

 

 

 
التاريخ: 2023-06-19
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro