مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
جحا وعلي بابا في البرازيل
 
ابراهيم، شريف
 

الى الصحافي كمال ذبيان

كارثة ان يستمر الصحافي في الكتابة اذا لم يقل الحقيقة، وكارثة كبرى اذا قالها مجزوءة وكارثة اكبر اذا تحول الى مجرد موظف يكتب بما يملى عليه لا كما يملى عليه وعيه ووجدانه والحقيقة التي تساوي وجوده والمبادىء التي يؤمن بها.

كنت امام خيارين: اما ان تتحول كلمتي الى جثة باردة، واما ان ينزلق قلمي عن خطه المستقيم الى تحت السطر؟! رفضت هذين الخيارين المميتين؟

هناك اخـطاء قابلة للتصحيح، وهناك اخطاء مميتة....(زنى) الفرد، خطأ فردي يعاقب عليه هذا الفرد بعقوبات مخــتلفة، واقصاها يودي بحياته، لأنه (أجرم) بحق نفــسه فرديا. اما زنى القلم فانه يودي بحياة شعب بأكمله، لأنه اجرام بحق امة بأكملها وبحق مجتمع بأكمله. لم استطع ان اكون متزلفا لسلطان لقمة العيش على حساب وطن وشعب...استقلت. صرت صحافيا من دون صحيفة.

هاجرت للبحث عن مورد رزق لأطفالي حاملا في عيوني صورتهم، وحاملا في اعماقي فراق زوجتي، ودموع والدتي، حزن والدي، وابتعادي عن اخوتي وأصدقائي احبابي، ورفقة الدرب ......وأرضي.

لم اختر البرازيل لكنها كانت قدري... وصلتها في الثاني عشر من كانون الثاني من عام 1989

وكم كانت المفاجأة كبيرة، كم كان وقعها قاسيا علي ... لقد وجدت(جحا) ينتظرني فيها...

نعم (جحا) بشـــحمه ولحمه ... كنت اجده في كل البــيوت وفي كل الأماكن البرازيلية التي زرت فيها المغتربين ... فأينما نزلت يكون، وأينما حللت يكون... من ساو باولو الى برازيليا الى غواياس الى الى الفوز دي اغواسو ......الخ

كان دائما يستقبلني ويكرمني، ورغم انه كان في كل مكان يتنكر بشخصية مختلفة الا انني كنت اعرفه من لسانه. وعندما بدأت خشيتي تكبر منه سألته : ماذا تريد مني؟ انني اخاف من تكريمك هذا لي ؟؟!

 

قال: لا تخف، كل ما أريده منك هذا السؤال: لماذا جئت الى البرازيل؟!

شرحت له موقفي في الصحافة ومن الصحافة، والأسباب التي دعتني الى الاستقالة والتي ادت بي الى الهجرة. لامني كثيرا على موقفي. فذهلت ودهشت، وقبل ان اتكلم قاطعني قائلا: لا بأس عليك انا سأساعدك هنا اذا عملت بنصيحتي؟

ولما سألته عنها قال: ان الوصايا العشر في البرازيل أصبحت واحدة!

فقلت ما هي هذه الوصية؟

قال (جحا): عليك ان تطيع (علي بابا) ومن تبقى من اصحابه على قيد الحياة !!!!؟

كنت ايضا في البرازيل امام خيارين: اما ان تتحول قناعاتي الى جثة باردة. اما ان اصبح واحدا من اتباع (علي بابا) يقضي في ساحات (الوجاهة) وحفلات (الكوكتيل) فقيدا برتبة مناضل.

رفضت هذين الخيارين المميتين! لم اعمل بنصيحة (جحا) ولم اغير موقفي من حقيقة الوصايا

العشر، لأنني لم استطع ان اكون متزلفا لسلطان لقمة العيش على حساب قناعاتي ... وارفض ان اكون حارسا على باب مغارة (علي بابا ) كل مهمته ان يقول :افتح يا سمسم.. اغلق يا سمسم.

صرت مسؤولا عن قناعاتي من دون اي منصب او وثيقة، كما صرت صحافيا من دون صحيفة تماما. لقد اخترت الفقر مرة ثانية، ليبقى قلمي غنيا وموقفي غنيا بالوضوح والحرية.

ما أبلغ جبران خليل جبران في قوله: اقرب الناس الى قلبي ملك لا مملكة له . وفقير لا يعرف كيف يتسول. 

 
التاريخ: 2023-05-10
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: جريدة الديار، 10 أيار 2023
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro