مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
أنطون سعادة وتطور الفكر الأوروبي 4 من 4
 
السبعلي، ميلاد
 

كارل شميدت (1888 - 1985):
أحد أهم المفكرين الألمان وأكثرهم إشكالية في القرن العشرين. تأثّر كثيراً بهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. في كتابه "مفهوم السياسة" الصادر عام 1927، قدم أسساً قانونية للدولة البالغة القوة. وجّه سهام نقده لجمهورية وايمار الديمقراطية في المانيا، وخاصة لنظامها الدستوري الليبرالي التعددي حيث رأى فيه إضعافا لسلطة الدولة. كما وصل نقده إلى ذروته في كتاباته حول الديمقراطية البرلمانية التي رأى فيها "طريقة حكم بورجوازية متقادمة". ويعتبر منظراً لمفهوم الدولة الشمولية التوتاليتارية.


شغل فلاسفة القرن وما زال. البعض يعتبره مفكراً رجعياً لأنه ساند النظام النازي بعد وصوله إلى سدة الحكم في عام 1933، ومنهم من يرى فيه واحداً من أهم المفكرين السياسيين في القرن العشرين، لأن أفكاره ودقة تعبيراته لا تزال حية حتى الآن.


بدأ كارل شميدت في عام 1930 دفاعه الفلسفي عن نظام سياسي قائم على مبدأ الرئاسة الديكتاتورية. ويقول "إن السياسة هي قبل كل شيء القدرة على استكشاف العدو"، وهي ترتكز في نظره على التفريق الصارم بين الصديق والعدو، وهذا يعني أنه لا يمكن فهم السياسية إلا على أساس الصراع بين القوميات المختلفة وهو صراع قد يصل إلى مرحلة الحرب.


والسياسة بحسب شميدت هي كفاح، والكفاح هو الأداة الوحيدة الكفيلة بتوحيد الشعب. وهنا يلتقي بالأيديولوجية النازية، بالإضافة الى دفاعه عن مفهوم الأمة النقي عرقياً، ورؤيته لليهود كخطر على الشعب لألماني. ولم يكن شميدت المثقف الوحيد الذي وقف هذا الموقف. فماكس ويبر مثلا، أحد كبار مؤسسي علم الاجتماع المعاصر، تبنى نفس الموقف مثله مثل مارتن هايدغر وارنست يونغر وأرنولد جهلن وكثير من المثقفين الألمان.


يعد من أكبر نقاد الفلسفة الليبرالية في القرن الماضي ومن أهم المفكرين الذين ناقشوا إشكاليات السياسة والدستور ومعضلة الحريات العامة. فهو يعتبر الليبرالية حرية الإنسان في أن يحيا حياة رديئة، وهي إيديولوجية المساومة وتمييع المواقف والمحافظة على السلام بأي ثمن.


كما يُعتبر أحد الممهدين فكرياً لأطروحات المحافظين الجدد في أمريكا. ويشكل الفيلسوف ليو شتراوس، الذي كان تلميذاً عند كارل شميدت، عامل الربط بين فكر كارل شميدت ورؤية المحافظين الجدد وذلك على الرغم من أن أيديولوجيتهم التبسيطية القائمة على افتراضات انتقائية بعيدة جداً عن الزخم الفكري لكتابات ليو شتراوس ومعلمه كارل شميدت.


والجدير بذكره في هذا السياق أن سيد قطب، المنظر الأكبر للحركات الإسلامية الراديكالية في القرن العشرين، كان قد تأثر بشكل غير مباشر بفكر شميدت عن طريق ألكسي كارل، الطبيب والمفكر الفرنسي صاحب النزعة الفاشية، الذي قرأ سيد قطب كتبه وتأثر بها أثناء إقامته في فرنسا.


سعادة وشميدت:
يلتقي سعادة مع شميدت في نقده للديمقراطية البرلمانية واعتبرها قاصرة عن تمثيل من يستطيع التعبير عن الإرادة العامة.
وفي حين ينظر سعادة الى العالم على أساس الصراع بين مصالح الأمم، يرى شميدت أنه لا يمكن فهم السياسية إلا على أساس الصراع بين القوميات المختلفة وهو صراع قد يصل إلى مرحلة الحرب.


وبينما يدافع سعادة عن مفهوم الأمة السورية، الغنية بتنوعها ومزيجها السلالي، ويعتبر المشروع اليهودي الاستيطاني المدعوم من الغرب، والهادف لاحتلال الأرض وتهجير الشعب وإقامة دولته الدينية المرتكزة الى خرافات تاريخية تهدد الوجود القومي والحق التاريخي للشعب السوري الفلسطيني، يقوم شميدت بالدفاع عن مفهوم الأمة الألمانية النقي عرقياً، ورؤيته لليهود كخطر على الشعب الألماني من هذه الزاوية.


وفيما يعتبر سعادة أن السياسة هي صراع من أجل الأفضل للمجتمع، وأن حق الصراع هو حق التقدم، يقول شميدت أن السياسة هي كفاح، والكفاح هو الأداة الوحيدة الكفيلة بتوحيد الشعب.
ويلتقى سعادة مع شميدت في نقد الفلسفة الليبرالية. وفي نقد دعاة السلام فيما هم يحضرون للحرب، أو للحفاظ على نتائج انتصاراتهم من خلال منظمة الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.
ماكس ويبر (1864 – 1920):


عالم ألماني في الاقتصاد والسياسة، وأحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث ودراسة الإدارة العامة في مؤسسات الدولة، وهو من أتى بتعريف البيروقراطية، وعمله الأكثر شهرة هو كتاب "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية"، الذي أشار فيه إلى أن الدين هو عامل غير حصري في تطور الثقافة في المجتمعات الغربية والشرقية، إضافة الى كتابه الشهير أيضا "السياسة كمهنة" حيث عرف الدولة: بأنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي للقوة الطبيعية، وأصبح هذا التعريف محورياً في دراسة علم السياسة.


والبيروقراطية مصطلح استخدم للدلالة على حكم الحكومة، وظهر سابقاً خلال النّضال ضدّ الحكم المستبد الذي كان سائداً قبل الثورة الفرنسية.
تتمتع البيروقراطية بعدة خصائص منها:


تسلسل هرمي واضح: تتمتع البيروقراطية بسلسلة قيادة قوية؛ حيث يكون لكل عامل مكانه الخاص في السلسلة، ويتمّ الإشراف والرقابة على عمل الجميع من قبل شخص ما في المُستوى الأعلى صلاحية، أو السلطة، حيث تبدأ السلطة من أعلى التسلسل الهرمي ومن ثم تبدأ بالتناقص عند اقترابها من قاع السلسلة.


التخصص: كل شخص في البيروقراطية لديه وظيفة محدّدة للقيام بها، وغالباً ما يُصبح خبيراً فيها.


تقسيم العمل: يتم تقسيم كل مهمة في البيروقراطية إلى أجزاء، ويعمل أشخاص مختلفون على أجزاء مختلفة من المهمّة معاً لتنفيذها بشكل كامل.


مجموعة من القواعد الرسمية: تُسمّى إجراءات العمل المعيارية، وهي تعليمات مكتوبة واضحة لكل وظيفة متخصصة في كل مستوى من مستويات التسلسل الهرمي، ويمكن للعمال الذين يتبعونها التأكد من أنهم على نفس الوتيرة، مثل: زملائهم، وهكذا سوف يؤدّون عملهم بشكل صحيح.


واقترح ويبر عام 1948 هيكلاً تنظيمياً يتمّ فيه تحديد الأدوار، والمسؤوليات بشكل محدد، وهو هيكل تنظيمي هرمي، ويمتلك العديد من المستويات الإداريّة، تبدأ من أعلى الهرم الى القاعدة؛ حيث إنّ سلطة اتخاذ القرار يجب أن تمر عبر خطوط متعددة في المؤسسة، وتحتوي على إجراءات، وسياسات، وقيود صارمة، ومشددة، ويحتوي كل قسم من أقسام المؤسسة على مخطط تنظيمي خاص به، ويتم نقل المعلومات، والقرارات من أعلى الهرم الاداري إلى أسفله، ويمتلك العديد من المزايا، وذلك من خلال سيطرة السلطة العليا على أغلب القرارات؛ وهذا يعطيها نمطاً من القيادة، والسيطرة، ومن سلبيات هذا الهيكل بأنّه يقتل الإبداع، والابتكار في المؤسسة.


ويعتبر ويبر ان ممارسة السلطة على أعداد من الأفراد تقتضي وجود هيئة إدارية قادرة على تنفيذ الأوامر وتحقيق الصلة الدائمة بين الرؤساء والمرؤوسين. وقد ميز ويبر بين ثلاثة نماذج مثالية للسلطة تعتمد على تصورات مختلفة للشرعية هي: 1- السلطة الملهمة 2- السلطة التقليدية 3- السلطة القانونية.


والفكرة المحورية وراء تحليله التاريخي تتمثل في الصراع بين الإلهام الذي يشير إلى ابتكار أو تجديد نتيجة قوى تلقائية تظهر في المجتمع وتتحكم في مساره وبين الروتين أو النظام الدقيق القائم على أسس معروفة وخطة محددة من قبل. فليس من شك أن القيادة الملهمة قوة ثورية في العملية التاريخية.


سعادة وويبر:
يستخدم سعادة نظاماً إدارياً شبيها الى حد ما بالنظام الذي وصفه ويبر، خاصة لناحية التسلسل الهرمي الواضح، والتخصص في الوظائف، وتقسيم العمل وتنفيذه بشكل تعاوني متكامل، من خلال اعتماد مجموعة من القواعد الرسمية والإجراءات المعيارية والتعليمات المكتوبة الواضحة لكل وظيفة متخصصة في كل مستوى من مستويات التسلسل الهرمي. لكن سعادة يتجاوز سلبيات نظام ويبر من خلال تفويض عدد من الصلاحيات واتخاذ القرار الى المستويات المتعددة في النظام المركزي التسلسلي الذي اعتمده كي يشجع الاشتراك في المسؤولية ويعزز الإبداع والابتكار. كما أنه أضاف الى الهيكلية الإدارية التسلسلية المعينة من أعلى الى أسفل، هيكلية منتخبة موازية من أدنى الى أعلى، تتواصل مع السلطة العليا مباشرة وتوفر لها صورة أوضح عن الواقع المحلي والمناطقي العام، خارج نطاق التقارير الإدارية التقليدية، وأناط بها عدداً من المسؤوليات المالية والسياسية والتخطيطية المحلية، لتعاون وتراقب الهيئات الإدارية المعينة.


وفيما يركز ويبر على القيم المستمدة من الدين المسيحي البروتستانتي لتعزيز المثابرة في العمل وتحقيق الإنجازات وتحمل المصاعب وتخطيها بنجاح وتفوق، يحدد سعادة في المبدأ الأساسي السابع أن النهضة تستمد روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي.


وقد جسد سعادة في ممارسته للقيادة مفهوم السلطة الملهمة التي تحدث عنها ويبر، وجمع بين الابتكار والتجديد وبين الروتين أو النظام الدقيق.
سعادة ونقد المبادئ المادية والمبادئ الروحية:


انتقد سعادة الديمقراطية الليبرالية الغربية، وتنبأ منذ الاربعينات، بضرورة تطويرها باتجاه الديمقراطية الاجتماعية، وهو ما شهده العالم في العقود الماضية.
ونختم هذا البحث بالنقد الذي قدمه سعادة للمبادئ المادية والمبادئ الروحية التي سيرت القوى المتصارعة في الحرب العالمية الثانية، وتقديمه نموذجاً بديلاً للنظرات الأوروبية في هذا المجال:
"هوذا صراع عنيف هائل يستولي اليوم على العالم كله تقريباً، شاطراً إياه إلى شطرين لكل شطر مصالحه العميقة في هذا الصراع ولكل جبهة من المصالح نظريات ومبادىء تتستر وراءها وتعلن أنها تحارب من أجلها.


إننا نشهد الآن صراعاً عنيفاً في حرب عالمية هائلة لم يسبق لها نظير بين نظرية الشيوعية أو الاشتراكية القائمة على الأساس الماركسي الذي يفسر الحياة، ويريد إقامة نظام جديد في العالم كله، بالمبادىء المادية، ونظرية الفاشستيين والاشتراكيين القوميين القائمة على الأساس المزينياني والنيتشوي الذي يفسر الحياة ويريد إقامة نظام جديد في العالم كله بالمبادىء الروحية.


إنّ سورية لا تقف تجاه هذا الصراع الهائل واجمة واجفة. إنّ النهضة السورية القومية الاجتماعية تعلن أن ليس بالمبدأ المادي وحده يُفَسَّر التاريخ والحياة تفسيراً صحيحاً، ويشاد نظام عام ثابت في العالم، وأنه ليس بالمبدأ الروحي وحده يحدث ذلك.


إننا نقول بأن التاريخ والحياة يفسران تفسيراً صحيحاً بمبدأ جامع، بفلسفة جديدة تقول إنّ المادة والروح هما ضروريان كلاهما للعالم.


إني أقول إنّ النظام الجديد للعالم لا يمكن أن يقوم على قاعدة الحرب الدائمة بين الروح والمادة ـ بين المبدأ الروحي والمبدأ المادي ـ بين نفي الروح المادة ونفي المادة الروح، بل على قاعدة التفاعل الروحي ـ المادي تفاعلاً متجانساً، على ضرورة المادة للروح وضرورة الروح للمادة، على أساس مادي ـــ روحي يجمع ناحيتي الحياة الإنسانية.


بهذا المبدأ، بهذه الفلسفة، فلسفة القومية الاجتماعية، تتقدم النهضة السورية القومية الاجتماعية إلى العالم واثقة أنه يجد فيها الحل الصحيح لمشاكل حياته الجديدة المعقدة، والأساس الوحيد لإنشاء نظام جديد تطمئن إليه الجماعات الإنسانية كلها وترى فيه إمكانيات الاستقرار السلمي واطّراد الارتقاء في سلّم الحياة الجيدة."


(المذهب القومي الاجتماعي - من خطاب الزعيم في الاجتماع القومي في نادي "شرف ووطن" - الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 88، 20/1/1947)

 
التاريخ: 2021-05-14
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro