مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
18 أيار اليوم العالمي للمتاحف - كي لا ننسى
 
الآثار المسروقة من الشرق - من يعيدها الى أصحابها الشرعيين؟
إعداد: إيلي سعاده
 

 

الآثار في مختلف أنحاء العالم هي الرمز الوطني والمعيار الحقيقي لأصالة الشعب وتكريس هويته. وهي تعكس رسوخه الحضاري وعمق جذوره في التاريخ لذلك كان من الطبيعي ان تسعى الدول الى صيانة تراثها وتاريخها والمحافظة على ما تبقى منهما بعد أن أوغلت العوامل الكثيرة نهباً وتخريباً فيهما.
طوال مئات من السنين امتدت أيدي الأوروبين الى البلدان الآسيوية والافريقية والأميركية اللاتينية لتأخذ ما ينال اعجابها من الآثار والكنوز الحضارية. وفي الوقت الذي تمتلىء المتاحف الاوروبية بالآثار الفنية النادرة المسروقة من الدول التي كانت تحت سيطرة الاستعمار، نجد ان البلدان النامية تفتقد الى الشواهد والوثائق المادية المهمة المعبرة عن تراثها وتاريخها. وحول هذا الموضوع عقدت الندوات واحتدم النقاش مرات عدة في الأمم المتحدة وفي منظمتها الثقافية " اليونسكو" ولكنه لم يجد اي صدى في البلدان الناهبة.


لقد عامل الاوروبيون شعوب آسية وافريقية واميركة اللاتينية معاملة العبيد، وانتهكوا حق الملكية الذي يقدسونه في بلادهم فكانوا يأخذون كل ما ينال اعجابهم من تلك البلدان، ويسري هذا الامر بشكل خاص على الشرقين الأدنى والأوسط. فالآثار الموجودة في المتاحف الاوروبية هي براهين صارخة على ذلك خصوصاً ما يتعلق بأعمال التنقيب والحفريات التي قام بها الاوروبيون في العراق والشام ولبنان وفلسطين ومصر.


سنة 1982 ومع دخول جيش الاحتلال الاسرائيلي الى لبنان، بدأت عمليات نهب منظمة للآثار بالطائرات العامودية التي كانت تحط وتقلع في الملعب الرياضي في مدينة صور محملة بالقطع النادرة التي تروي قصة حضارة هذا الشعب، والتي أهملت، عن قصد او غير قصد فالنتيجة واحدة. والثروة الهائلة تنتقل ليد عدو يعرف قيمتها ويعرف كيف يستغلها أكثر من أصحابها الشرعيين. ولو أردنا ان ننظم لائحة بعمليات التنقيب والنهب التي قامت بها قوات الاحتلال الاسرائيلي لاستغرقنا في شأنها وقتاً يضيق به هذا المجال، لذلك نكتفي بالاشارة الخاطفة الى ما نهب من غالي الاثار في صور ومحيطها، وفي مناطق الاحتلال من أعالي شبعا الى حولا مروراً بكفرشوبا والخلوات وميمس والخرائب وغيرها.


اما المتحف الوطني في بيروت فالاصابات الأكثر شمولاً التي مني بها وقعت اثناء اقتحام الجيش الاسرائيلي للعاصمة بيروت، فالحق به اصابات مباشرة. الا ان المديرية العامة للآثار استطاعت إنقاذ ما يمكن إنقاذه من القطع المهمة قبل الاجتياح. وقد تعرضت غرفتان للنهب بسبب موقعهما المكشوف ما منع انقاذ كامل محتوياتهما: الغرفة السابقة للتاريخ، وغرفة بدء التاريخ. اذا تعذر دخولهما لما في ذلك من أخطار أكيدة. شخص واحد كان يغامر بالدخول اليهما وبشكل سري للغاية، وزحفاً على الارض لئلا يكشف سره. وبهذه الطريقة تم نقل معظم القطع المهمة الموجودة في خزائنهما وقد علمت من أحد خبراء الاثار ان بعض القطع الأكثر أهمية قد أخفيت في حديقة المتحف ضمن قوالب إسمنتية لا تثير الشبهات جرى تحريرها بعد خروج الاسرائيليين من بيروت.
الا ان الجيش الاسرائيلي استطاع دخول المتحف وتحطيم زجاج الخزانة ذات الاهمية العليمة المرموقة واستولى على ست قطع من أصل ثلاثين قطعة حجر منقوش.


ولكي تكون الضربة اكثر ايلاماً انتشرت مجموعات الحفارين في معظم قرى الجنوب من بلدة القليلة الى حناوية، ومن قانا الجليل الى صور فالبرج الشمالي وداي جيلو وغيرها. هذه القرى التي حملت بصمات كثيرة ومهمة ظهرت مع كل اكتشاف جديد لمغارة أو كهف أو حفرية حيث تفجرت الكنوز واقتلعتها إيدي التجار والسماسرة لتزدان بها صالات العرض في متاحف العالم. وتكبر الصدمة اذا ما انتقلنا الى العراق، مهد الحضارات البشرية. فالفرنسي بول إميل بوتا والبريطاني أوستن هنري لايارد والعديد من الباحثين الآخرين في القرن التاسع عشر أغنوا متحف اللوفر والمتحف البريطاني بآثار عظيمة من حضارات السومريين والبابليين والآشوريين. فمن نينوى العاصمة الاشورية انتقل أكثر من عشرين الف لوحة مسمارية الى لندن. وتعتبر مسلة حمورابي من أعظم كنوز اللوفر، وقد اكتشفها الفرنسي جاك دي مورغان. وعندما حل رئيس الوزراء الفرنسي ريمون بار ضيفاً على الحكومة العراقية في العام 1979 وطلب تزويد فرنسا بمزيد من النفط العراقي ... فاجأه الرئيس صدام حسين بدعوة فرنسة الى اعادة مسلة حمورابي. ومن أروع آثار العراق الموجودة في متاحف اوروبة بوابة عشتار مدخل مدينة بابل التي نقلها الأثاريون الالمان في العهد العثماني الى برلين.


وبالانتقال الى سنوات الاحتلال الاميركي للعراق فما حصل للمتحف العراقي كان كارثة بكل معنى الكلمة، طالت البشرية بأسرها. متحف يضم آثاراً من أهم آثار العراق والحضارة الانسانية قاطبة، اجتاحته أيدي اللصوص، من العامة والخبراء بالآثار، بعد ان دمّرت قوات الاحتلال بوابته الرئيسية، وتركت اللصوص يمرحون ويسرحون فيه، ودباباتهم غير بعيدة عن بوابته، ترفض باصرار الاستجابة لاستغاثة المستغيثين من العراقيين، وهم يرون تاريخ بلادهم يدمر وينهب.


14 ألف قطعة نهبت من المتحف العراقي، على امتداد أيام، من دون ان تتدخل القوات الاميركية لنجدة تاريخ الانسانية ، الذي كان ينهب أمام أعين جنودها بحجة عدم وجود أوامر لحماية المتحف ولعل هذا ما يفسر ما حصل في دوائر حكومية أخرى مثل وزارة النفط التي لم يسمح لأحد بالدخول اليها فيما دوائر أخرى نهبت بالكامل.


دخل أناس متنوعون الى المتحف وبحسب النتائج يمكن القول ان هناك ثلاث فئات: الفئة الاولى وهم ناس عاديون أخذوا الأثاث والأجهزة الكهربائية والكومبيوترات. وهناك مجموعة ثانية دخلت الى قاعات المتحف ومجموعة ثالثة دخلت الى مخازن المتحف. هاتان المجموعتان ثبت ان لديهم معلومات دقيقة عن الأماكن التي دخلوها وهم على دراية جيدة بالآثار أيضاً وهم مهيؤون للدخول الى هذا المكان. فهم مّروا مرور الكرام على نسخ جبسية لم يلمسوها أبداً ودخلوا الى احدى القاعات وكان فيها خزانة تحتوي على قطع من العصر السومري وما يليه من عصور فأختاروا تسع قطع فقط وهذا يدل على ان من دخل له علاقة بالخارج لأنه بسرعة أخرجت الآف القطع من المتحف. والذين دخلوا الى المخازن توجهوا فوراً الى أبواب مخفية بحجر مبني فهدموها ودخلوا حيث التحف الثمينة فأخذوها. وهنا لا بد من الاشارة الى ان القوات الاميركية أبلغت من قبل الاثاريين الاميركيين بوجوب حماية المتاحف والمواقع الاثرية ولكن ذلك لم يحصل.


هناك مواطنون عراقيون دخلوا الى المتحف وحملوا معهم مئات القطع وحموها في منازلهم ثم أعادوها للسلطات المعنية.


من مجموع ال 14 الف قطعة التي سرقت أعيد 4 الآف قطعة بجهود رجال الشرطة والمواطنون العراقيون. وهناك الف قطعة محجوزة لدى حكومة الولايات المتحدة و 600 الى 700 قطعة لدى الحكومة الاردنية و 500 قطعة في فرنسا و 250 في سويسرة. ومن الممكن ان يصل العدد الى 50 % مما سرق لحد الآن. اما المشكلة الكبرى فهي ان القطع التي اخذت من المواقع الأثرية نتيجة الحفريات العشوائية غير معروفة وغير مسجلة اما ما سرق من المتاحف فهو موثق ومصور وله سجلات ومعلومات. اما ما يحكي عن فرق يهودية دخلت الى المتحف وسرقت بعض محتوياته فليس هناك من معلومات دقيقة في هذا الشأن اما القطع الاثارية التي تخص اليهود فيها نسخاً من التوراة مكتوبة على جلد غزال وهي ليست آثاراً بموجب قانون الآثار العراقي وعمرها لا يتعدى المئتي عام ولم يسرق منها أي قطعة. اضافة الى ان كل المتاحف الاميركية لم ترفض اعادة اي قطعة تخص المتحف العراقي وموجودة لديها. هذا باختصار شديد ما حصل في متحف بغداد. اما في الموصل ففي شهر شباط عام 2015 كان العالم يشاهد الكارثة التي حلت على متحف الموصل بعد ان أذاع تنظيم داعش فيديو يكشف فيه مدى الدمار الذي الحقه بثاني أهم المتاحف في العراق. وظهر في التسجيل مسلحون وهم يكسرون التماثيل او يوقعونها ارضاً ويحطموها الى قطع صغيرة. وفي تسجيل آخر يظهر احد المسلحين وهو يستخدم مطرقة كهربائية لتدمير وجه تمثال الثور الآشوري المجنح. والمتحف تاسس عام 1952 وهو أحد أهم المتاحف بالعراق. وكان يأتي بالمرتبة الثانية من حيث الاهمية بعد متحف بغداد لكنه تعرض خلال الغزو الاميركي عام 2003 لعمليات سرقة ونهب واسعة ومنظمة وكان يتضمن اربع قاعات رئيسية قاعة لعصور ما قبل التاريخ وتعود للفترة 3100 قبل الميلاد والقاعة الثانية القاعة الاشورية وتغطي الفترة ما بين 911 الى 612 قبل الميلاد اما القاعة الثالثة وهي القاعة الحضرية نسبة لمدينة الحضر في شمال العراق، فتغطي آثار الفترة الممتدة من 100 قبل الميلاد الى 142 ميلادية والقاعة الرابعة والاخيرة وهي القاعة الاسلامية وتغطي الآثار التاريخية التي تمتد من 640 ميلادية الى سقوط الدولة العثمانية عام 1924.


أما في الجمهورية السورية فهناك 12 متحفاً خضعوا لعمليات القصف والتكسير والسرقة. متحف حمص الاثري تعرض لعدد من الانتهاكات، نتيجة النزاع المسلح في المدينة. قصر الزهراوي ايضا في حمص تعرض بعدة معارك بين الجيش النظامي والجيش الحر، وتعرض القسم الاكبر من القطع المعروضة في المتحف للتلف والكسر. متحف حماه الأثري ومتحف افاميا تعرضا لانتهاكات وسرقة تماثيلهما، متحف معرة النعمان، الذي يضم أكبر مجموعة للموزاييك في الشرق الاوسط تعرض لخطر التدمير نتيجة القصف الجوي اليومي. متحف قلعة جعبر في الرقة تعرض للسرقة وتم نهب 17 دمية اثرية تعود الى الألف الثالث قبل الميلاد. متحف حلب الوطني، متحف التقاليد الشعبية وعدد من المتاحف تم نهبها. وتتهم جمعية حماية الاثار السلطات الاثرية الحكومية بالاهمال والمؤسسات الدولية المعنية مثل اليونسكو، الأيكروم، الدرع الازرق، اتحاد الاثاريين العرب بأنها تقاعست عن القيام بواجباتها في ممارسة الضغوط اللازمة على طرفي النزاع لمنع تحويل المواقع الاثرية والمتاحف الى ثكنات عسكرية ومراكز للقناصة. هذا وقد استطاعت الدولة السورية استعادة اكثر من 4000 قطعة اثرية ومن لبنان تم استعادة 18 لوحة فسيفساء و 69 قطعة عبارة عن تماثيل وزجاجيات وغيرها من القطع. اما في تدمر فقد نجحت السلطات السورية في نقل مئات القطع الاثرية من المتحف الى دمشق والخوف كان على القطع الضخمة التي لا يمكن تحريكها وهذا ما حصل فقد استهدف تنظيم داعش معبد بعل شمين الذي يعد من أهم كنوز المدينة الاثرية وذلك بعد أقل من اسبوع على اعدام عالم الاثار المعروف خالد الاسعد مدير آثار المدينة والذي رفض مغادرة مدينته رغم التحذيرات الكثيرة وهنا لا بد من التنويه بالحكومة الايطالية التي نكست اعلامها حداداً عليه.


اما الجريمة الكبرى التي لا تزال تمارس ضد أهلنا في فلسطين فهدفها تشويه وتضليل الهوية الفلسطينية، وهل من طريقة أفضل من التجارة بتاريخها ونشأتها؟ آثار فلسطين ومعالمها التاريخية ما زالت عرضة لجرائم السرقة والعبث في عدة مناطق، وعدد منها تم عزلها وتدميرها لحظة بناء جدار الفصل. اضافة الى الآثار التي احتجزت ولا نية لاعادتها وآخر فضيحة طالت تمثال " أبولو" البرونزي الذي تم عرضه للبيع عبر صفحات الانترنت بطريقة غير مشروعة ومهينة لتاريخ فلسطين عدا عن اعترافات السلطات الاسرائيلية بأن بحوزتها كميات كبيرة من كنوز العراق وسورية وفلسطين ومصر وليبيا صادرتها من تجار الآثار بموجب قانون مستحدث ولا بد من التذكير انه في حرب عام 1967 وبعد انسحاب الجيش الاردني من القدس الشرقية ترك خلفه كنوز آثارية ثمينة كان بالامكان نقلها الى عمان فاستولت عليها اسرائيل ونقلتها الى تل أبيب.


وعلى ارض قرية لفتا المقدسية. أنشأت اسرائيل في العام 1992 " متحف بلاد الكتاب المقدس", وفي هذا المتحف عرضت بشكل علني في كانون الثاني 2019 نحو 20 قطعة أثرية من أصل 40 الف قطعة وضعت يدها عليها منذ عام 1967 وبمزيد من الوقاحة كان تعقيب مسؤولين اسرائيليين على هذا المعرض، فقد قالت وزيرة الثقافة ميري ريغف ان أهمية المعرض تكمن في: " كشف الصلة التاريخية للشعب اليهودي بأرض اسرائيل وبيهودا والسامرة، لقد أخذت منظمة اليونسكو على عاتقها مسؤوليةاعداد الاقتراحات المتعلقة بتنفيذ القرارات المتخذة سابقا منذ السبعينات من القرن الماضي ولكنها لم تتمكن من احراز اي تقدم مهم في هذا المضمار. وبعد عدة محاولات تشكلت لجنة دولية مهمتها اجراء محادثات ثنائية بين كل بلد سرقت كنوزه وبين الدولة المالكة لهذه الاثار حاليا. ولكن الحكومات الغربية وادارات المتاحف لم تبد اي استعداد لاعادة الآثار والقطع الفنية المسروقة خاصة من سورية والعراق مع العلم ان بعض القطع قد أعيدت الى مصر.

 
التاريخ: 2021-05-25
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro