مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
العقيدة الصحيحة والمؤسسات الجديدة
 
ملحم، ادمون
 

 

سؤال يتبادر إلى الذهن: لو عاد سعاده اليوم وتأمل في واقع أمته المنكوبة والمفككة وما يسود فيها من تخلف وجهل وتخبط وعصبيات وانقسامات، وما ينخر في جسمها من مفاسد وفوضى وانحطاط أخلاقي، فهل يبادر إلى فعل شيء مختلف عما قام به في ثلاثينيات القرن الماضي عندما أسس الحزب السوري القومي بغاية النهوض بأمته والانتقال بها إلى المكان اللائق بها تحت الشمس لتنعم بالحياة الراقية الجميلة؟

 

برأينا، لو كان سعاده بيننا الآن وشاهد معاناة شعبه وما يتعرّض له من قهر وظلم وقتل وتشرّد وجوع وإذلال لطرح على نفسه ذات السؤال الذي طرحه يوم كان حدثًا: "ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟". وكان هذا السؤال سيقوده حتمًا إلى الأجوبة ذاتها التي دفعته إلى القيام بمشروعه التأسيسي الهادف إلى إطلاق النهضة القومية الاجتماعية التي ستعيد إلى الأمة سيادتها على نفسها ووطنها، والتي ستجدّد حياتها بإزالة العوامل العديدة التي ساهمت بقتل روحيتها، وستنتقل بها إلى حياة جديدة تليق بها لأنها أمة متفوقة بنفسيتها وبمقدرتها على النهوض والتجدّد ومن حقها أن تنعم بالحياة الكريمة اللائقة.

 

 

 

لو كنت أطلب شيئًا لنفسي...

 

 

هذه كانت غاية سعاده السامية يوم أسس حزبه القومي، معلنًا لأول مرة في التاريخ الحديث إرادة أمة ظن العالم أنها رقدت إلى الأبد. أراد سعاده أن يؤسس عقلية أخلاقية جديدة ويضع أساسًا مناقبيًا جديدًا لمجتمع قومي صحيح لأن كل شيء في المجتمع الفاسد كان وفاقًا للتربية السائدة وللنظرة القديمة، مسخرًا لنفعية الفرد ولخدمة المنافع الفردية. فلم يكن هدفه تحقيق منفعة شخصية أو الحصول على مناصب سياسية كما يفعل المتزعمون السياسيون النفعيون المتاجرون بالمبادئ، الذين يدوسون على أماني الشعب بأقدامهم. فهو لم يطلب شيئًا لشخصه. وقد أكّدَ على ذلك قائلًا: "لو كنتُ أطلب شيئًا لنفسي، لكنتُ سياسيًا لبقًا كما يريد الذين يدوسون الشعب بأقدامهم ويعطونه من ألسنتهم حلاوة. لو كنتُ أطلب شيئًا لنفسي لكنت سلكت غير هذا السبيل."[1] مطلب سعاده كان تحقيق نهضة حقيقية بنّاءة وشاملة، تنبع من صميم مجتمعنا، وتسعى إلى بناء النفوس بناءً جديدًا في العقيدة الصالحة، وإلى تطهير المجتمع من الفساد والفوضى ‏والمثالب وتعمل على تجديد حياة الأمة والنهوض بها من واقع تخلفها وجهلها لتعود إلى حيويتها وقوتها. وهدفه كان إقامة نظام جديد يؤمن مصالح الأمة ووسائل تقدمها ويجعل حياتها أرقى وأفضل وأجمل فيسمو إنساننا خلقًا وعطاءً وإبداعًا ويعود نبوغنا السوري "إلى عمله في إصلاح المجتمع الإنساني وترقيته."[2]

 

قبل سعاده وبعده، نشأت أحزاب وحركات سياسية بألوان متنوعة تخرّج منها سياسيون وزعماء تقليديون بعضهم تولى مناصب سياسية مرموقة وبعضهم الآخر تسلّمَ زمام الحكم في البلاد وكانوا جميعهم أسخياء في إطلاق الوعود والشعارات البراقة. ولكن يبقى السؤال: ماذا أنتج هؤلاء السياسيون على مرِّ السنين؟ هل تحققت طموحات الشعب على أيديهم؟

 

 

 

إزالة أسباب الويل مقابل غايات ومصالح فردية...

 

 

المنظومات الحاكمة التي تولّت شؤون البلاد ومقدراتها على مرِّ العقود فشلت في بناء دولة عصرية ديمقراطية تحقق رفاهية الشعب وطموحاته في الحياة الكريمة. هذه المنظومات المتسلّطة تجاهلت حاجات الشعب واهتمت بمنافعها الخصوصية وبالحفاظ على امتيازاتها ونفوذها وتمادت بفسادها وألاعيبها واستغلالها لمواقع السلطة، ولم تنتج إلا المصائب والكوارث والنكسات وتكريس التبعية إلى الخارج. فسياساتها العقيمة وخططها الاعتباطية وأعمالها الفاسدة ساهمت كلها، وما زالت، بزيادة المآسي والويلات وبإفقار الشعب المكبّل بسلاسل العبودية وبتكريس انتماءاته الدينية والعرقية والكيانية، وأدت إلى إضعاف الأمة وتفككها وإلى خسارة أجزاء حيوية من وطنها ودفعها للارتماء في أحضان الإرادات الأجنبية.

 

وخلافًا لكل المتزعمين السياسيين، أسس سعاده حزبًا عقائديًا، على أساس قومي، لإزالة أسباب الويل الذي حلَّ على شعبه ولإعادة الحيوية والقوة لأمته ولجعلها موحّدة وصاحبة السيادة على نفسها ولتأمين مصالحها ورفع مستوى حياتها. هذا الحزب العقائدي هو ليس كالأحزاب السياسية القائمة على قضايا خصوصية ومصالح طائفية أو فئوية، والساعية لتحقيق غايات مبهمة وأغراض محدودة، بل هو حزب فريد من نوعه، من حيث مبادئه وغايته وقضيته، حزب يرتكز على مبدأ القومية الاجتماعية ويقوم من أجل قضية كلية، دائمة، تتناول المجموع القومي بأكمله وتخدم حاجاته وتطلعاته وآماله في الحياة لذلك يعرّفه سعاده بأنه "فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها."[3]

 

الفكرة الأساسية الجوهرية التي يقوم عليها حزب سعاده هي "القومية الجديدة" التي تجمع بين الأفكار والعواطف وتوحّد أبناء الأمة في اتجاه واحد وحول قضية واحدة جامعة مصالحهم وحقوقهم، هي قضية حياة الأمة وحريتها ومطالبها العليا وتقدمها نحو الأفضل والأجمل. هذه هي الفكرة الجامعة، فكرة الأمة وقضيتها القومية، التي نجدها مفصّلة بوضوح في العقيدة القومية الاجتماعية المعبّرة عن جوهر نفسيتنا الخيّرة. إنها فكرة مركزية، أساسية، تشكل محور المبادئ القومية الاجتماعية التي أعلنها سعاده ودعا الشعب إلى اعتناقها، والتي تخدم مصلحة الأمة وترقي حياتها وتؤسس لعقلية أخلاقية جديدة "هي أثمن ما يقدمه الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة، لمقاصدها، ولأعمالها ولاتجاهها."[4] بدون هذه المبادئ الجامعة، لا يمكن توجيه حياة الأمة تحو التقدم والفلاح والارتقاء بها إلى مرتبة الأمم العظيمة. فكما يقول سعاده: "إنّ الأمم الكبيرة لم تكن كبيرة في الأصل، بل كبرت باعتناقها المبادئ الصحيحة التي تفتح أمامها سبل التقدم والارتقاء والفلاح."[5]

 

 

 

وظيفة المؤسسات حمل المبادئ لتحقيق الغاية

 

 

وأهمية المبادئ القومية الاجتماعية أنها تظهر شخصية أمة عظيمة وتحدّد هويتها وملكيتها للوطن وقضيتها المستقلة، وتعيّن حدود بيئتها الجغرافية الطبيعية المتماسكة، وتؤكد على حقيقة وحدتها الاجتماعية وعلى ضرورة تغليب مصلحتها القومية العليا على كل المصالح الفئوية والأنانية. وهذه المبادئ، التي اعتبرها سعادة قواعد لانطلاق الفكر، تقدم خطط إصلاح دولة الأمة، الهادفة إلى تنظيم أوضاعها الاجتماعية – السياسية – القضائية - الاقتصادية وتزّويدها بعناصر القوة المادية – الروحية وتأسيسها على ركائز أساسية لتنهض دولة قومية حديثة ترعى شؤون المجتمع وحاجاته وتهتم بمشاكله ومصالحه وتنهض بأوضاع الشعب وتوفِّرُ له الازدهار والطمأنينة وهناء الحياة.

 

أما الحركة، الملازمة تلازمًا عضويا لفكرة الأمة، فهي حركة مُنظّمة تضم مؤسسات قومية متنوعة، تشريعية وتنفيذية وقضائية، وظيفتها حمل المبادئ الجديدة وتحقيق الأعمال والمشاريع في شتى الميادين لتصب كلها في غاية الحزب وانتصاره. لذلك يصف سعاده حزبه العقائدي بأنه "منظمة عقائدية تفعل إدارة وسياسة وحربًا لتحقيق غايته".[6]

 

كان لا بد لسعاده من إنشاء المؤسسات الجديدة لخلو المجتمع من المؤسسات القومية الصالحة لتجديد حياة الأمة ولإيقاظ الوجدان القومي من نومه. فالمؤسسات الاجتماعية والتشكيلات السياسية القائمة في المجتمع لم تكن صالحة لحاجات الأمة ولإيقاظ الحس الاجتماعي بين أبنائها، أولًا، لأنها مؤسسات تقليدية، خصوصية، لا قومية، وذات طابع إقطاعي أو عشائري أو عائلي أو ديني. وثانيًا، لأنها مؤسسات انتفاعية، متنافرة ومتضاربة المصالح والأهداف، تدّعي الوطنية والتقدمية ولكنها تعمل لمنافعها وغاياتها الخصوصية وتتضارب فيما بينها لتنتج سياسة العائلات والمذاهب وثقافة الحقد والفتنة والتعصب والانقسامات الطائفية والتصادم الاجتماعي والأنانية العمياء. وهذه المؤسسات اللاقومية لم تأتِ بالتربية القومية المولِّدة للتعاون الاجتماعي ولثقة الشعب بنفسه التي هي مصدر العزم والهمة والأعمال الجبارة التي تدفعه إلى حل قضاياه بنفسه وإلى تحسين حياته والسير إلى ما فيه صلاحه وفلاحه. لذلك رأى سعاده أنه من الضروري إيجاد المؤسسات القومية الصالحة "لحمل مبادئ الحياة الجديدة وحفظ مطالبها العليا وخططها الأساسية"[7] ولمنع الفوضى والقضاء على العوامل الشخصية الأنانية. ويقول سعاده في خطابه في الأول من آذار عام 1938: إن إنشاء المؤسسات ووضع التشريع هو أعظم أعمالي بعد تأسيس القضية القومية لأن المؤسسات هي التي تحفظ وحدة الاتجاه ووحدة العمل وهي الضامن الوحيد لاستمرار السياسة والاستفادة من الاختبارات."[8]

 

إن خروجنا من أوضاع الانحطاط ومفاسد السياسة والاجتماع والاقتصاد ومن كل الحالة التعيسة، التي نحن فيها واستعادة سؤددنا وعظمتنا ليس بالأمر المستحيل. المطلوب هو أن نستوفي شرطين أساسيين:

 

الشرط الأول هو اعتناقنا للعقيدة الصحيحة الجامعة التي تدفعنا إلى التآخي والاتحاد والتضامن والتعاون بإخلاص لننقذ أنفسنا من الأخطار الخارجية و"من الحزبيات الدينية، من الطائفيات، من تأثير الدول على هذه الحزبيات والطائفيات، من الأحقاد المتغلغلة في الصدور.."[9] ولنكون شعبًا واحدًا، وإرادة واحدة، سائرين إلى المجد. والشرط الثاني هو اعتمادنا على المؤسسات القومية الصالحة للأعمال الإنشائية العظيمة التي تهتم في شؤوننا ومصالحنا وتساهم في ترقية هذه المصالح وبناء الحياة القومية الاجتماعية الجديدة.

 

نحن شعب غني بمواهبه العقلية وفيه كل إمكانيات الخلق والإبداع والتفوق. إننا قادرون، بما قدمه لنا سعاده من عقيدة صحيحة ومؤسسات قومية جديدة، أن نحطّم الحواجز المصطنعة ونحرِّرَ النفوس من الأغلال الاقتصادية والروحية ونشقَّ طريق الحياة الجديدة للأمة ونقودها "إلى مراكز المجد، إلى الخير، إلى البحبوحة، إلى العظمة، إلى إعطاء العالم من إنتاجها العظيم."[10]

 

 

 

[1] الأعمال الكاملة، المجلد السابع (1944-1947) – خطاب بيت مري.

[2] سعاده في أول آذار 1956، ص 58.

[3] سعاده، المحاضرات العشر، ص 30.

[4] سعاده، المحاضرات العشر، ص 178.

[5] خطاب الزعيم في خونين، 31/01/1943، الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 61، 15/06/1943.

[6] راجع رسالة الزعيم إلى غسان تويني بتاريخ 9 تموز 1946 منشورة في "أنطون سعاده في مغتربه القسري 1946" (الآثار الكاملة -13)، مؤسسة فكر للأبحاث والنشر، بيروت 1984، ص 314.

[7] خطاب أول آذار عام 1938، سعادة في أول آذار، 1956، ص 47.

[8] المرجع ذاته، ص 48.

[9] خطاب الزعيم في بيت مري، 19/10/1947، الشمس، بيروت، العدد 299، 19/10/1947.

[10] المرجع ذاته.

 

 
التاريخ: 2022-11-16
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: الندوة - نشرة الكترونية للندوة الثقافية المركزية، الثاني - 16 تشرين الثاني 2022
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro