مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
أنـطــون سـعـاده ولغة المفاهيم الجديدة
 
الحلقة الأولى
نصري العقل، جهاد
 

 

 

                                  اضغط هنا لمشاهدة فيديو المحاضرة

 

 

"إنّ فلسفة سعاده تتكشّف عن قضايا ومفاهيم جديدة سامية. وهي تحتاج إلى دراسات عديدة. إنّها تفتح إمكانيات إنتاج فكري جديد، يخطو بالمجتمع خطوة خطيرة نحو ذروة القوّة وغلبة الموت". سـعـاده. (راجع نظرة سعاده إلى الإنسان).

 

"لا يمكن أن تكون لنا عقلية واحدة، ونحن نعمل بمفاهيم متنافية مع وحدة المجتمع". سعاده: الأعمال الكاملة، الجزء الثالث، مقالة رسالة الزعيم العلمية "نشؤ الأمم"، ص 453    

 

                        *********************                                                

 

 

 إنّ المدخل الصحيح لدراسة النظرة الفلسفية القومية الإجتماعية الشاملة إلى الحياة والكون والفن (فلسفة الإنسان الجديد)، أو القضية السورية القومية الإجتماعية، (القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري) أو أيّة قضية تواجهها (مثلا قضايا الأمم الأخرى) أو أيّة مسألة تتفرع عنها(مثلا المسألة الفلسطنية)، أو أيّة نظرية تنبثق منها(مثلا النظرية الإقتصادية)، هو في وضوح المفاهيم،  هو في لغة العقيدة القومية الاجتماعية الجديدة؛ إن للنهضة القومية الإجتماعية لغتها ومفاهيمها ومصطلحاتها الخاصة الواضحة التي استحدثها أنطون سعاده في عملية بعث الأمة ونهضتها، إذ يقول:

 

"إنّ للنهضة القومية الإجتماعية مصطلحاتها التي يجب على كلّ إدارة معرفتها، أو توخي هذه المعرفة، والمحافظة عليها وتعميمها (1). وفي شرحه للمبدأ الأساسي الثامن (مصلحة سورية فوق كلّ مصلحة)، في المحاضرة السادسة من "المحاضرات العشر"، يعتبر سعاده أنّ الوضوح هو الحالة الطبيعية للعقل، وهو أساس الإيمان الصحيح، والقاعدة لأيّة حقيقة أو قضية، وهذا الوضوح هو ما ميّز الحزب السوري القومي الإجتماعي عن غيره، وهو الذي أخرج العمل القومي الإجتماعي من فضاء الفوضى، وحدّد المقاصد الكبرى والمنطلقات للحياة القومية، والوجدان القومي.

 

نسجّل حرفيّاً، ما أورده سعاده في الشأن المتقدم: "التعيين هو شرط الوضوح، والوضوح هو الحالة الطبيعية للذات المدركة الواعية الفاهمة. كلّ مطلق ليس واضحا هو نسبي، مهما قيل أنّه مطلق غير نسبي. كلّ مطلق مبهم هو لا شيء. المطلق الذي هو شيء هو المطلق الواضح. فإذا وجدنا أمامنا مطلقا غير واضح، إذا افترضنا أيّ مطلق إفتراضا، وابتدأنا نحوم حول فهم هذا المطلق ومعرفته، فإنّنا قد عينا مبهما للخروج من جدل لم نصل فيه إلى الحقيقة". (2)

 

فكلّ لا وضوح لا يمكن أن يكون أساسا لإيمان صحيح، وكلّ لا وضوح لا يمكن أن يكون قاعدة لأية حقيقة من جمال أو حقّ أو خير.

 

فالوضوح ــــ معرفة الأمور والأشياء معرفة صحيحة ــــ هو قاعدة لا بدّ من اتباعها في أيّة قضية للفكر الإنساني والحياة الإنسانية ..." (3).

 

إنّ حالة الوضوح التي تميّز بها الفكر القومي الإجتماعي، تعتبر أرقى ما أعطته هذه الأمة في تاريخها الثقافي، للحضارة الإنسانية جمعاء، فمنذ أفلاطون والفلاسفة يتخبطون في فوضى المفاهيم والمصطلحات، حتى أنّ فيلسوفاً ودارساّ للفلسفة وكاتباً فيها، هو وول ديورانت، خلص إلى القول أنّه: "لا شيء أصعب من التعريف، ولا شيء أشدّ في فحص الصفاء العقلي من محاولة تعريف الأشياء، وتحديد المقصود منها ( 4) .

 

 أمّا الفيلسوف الفرنسي Gilles Dellouze   فقد عرّف الفلسفة ومهمتها، بما يلي:

 

"إنّ الفلسفة بتدقيق كبير هي الحقل المعرفي القائم على إبداع المفاهيم"، و "مهمة الفلسفة هي خلق المفاهيم وإبداعها". (5)

 

ما أدقّ هذين التعبيرين: "الخلق والإبداع"، اللذين يشيران إلى جوهر عملية بعث المفاهيم الجديدة المبتكرة الواضحة المعبرة التي لا تقليد ولا نسخ ولا مسخ فيها.

 

سعاده يقول:" إنّ الحزب السوري القومي الإجتماعي نشأ بتفكير الإبداع السوري المستقل... راجع مقالة "العقيدة السورية القومية الإجتماعية وبحث الديمكراتية عن عقيدة"، الأعمال الكاملة، ج6، ص91.  

 

سعاده يُعتبر، في هذا السياق والاتجاه منقذاً للفكر الإنساني من الضياع والفوضى والتخبط، وعلى القوميين الإجتماعيين، ودارسي الفكر القومي الإجتماعي، أن يعوا هذه الحقيقة، وأن يتخذوها قاعدة لهم في عملهم القومي الإجتماعي البنّاء.

 

 

 

سـعـاده الــمــعــلــم

 

 

من هنا، بدأت مهمة سعاده المعلم، في بداية عمل الحركة القومية الإجتماعية، وكانت مهمة شاقة وصعبة، في تعليم وبث مفاهيمه الجديدة من أجل إيجاد الفكر الواحد، والروحية الواحدة، والنفسية الواحدة، والإتجاه العملي الواحد في الحياة القومية. حتى أنّ سعاده وصف الصراع بين هذه المفاهيم الجديدة والمفاهيم القديمة بـ "الحروب المريرة الأولى" التي خاضتها النهضة القومية الإجتماعية، وقد وضع على عاتقه شخصيا قيادة هذه "الحروب" لتعليم هذه المفاهيم المبتكرة الهادفة مصلحة الأمة العليا، وليس من أجل الترف الفكري الجامد المتحجر، ومن هنا قول سعاده "إنّ للنهضة القومية الإجتماعية مصطلحاتها التي يجب على كلّ إدارة معرفتها، أو توخي هذه المعرفة والمحافظة عليها وتعميمها".

 

لقد أطلق سعاده على هذه المفاهيم، عدّة تسميات أو مرادافات لها، منها "اللغة الجديدة"، و"لغة المناقب القومية الإجتماعية وقضايا الإجتماع النفسية والإقتصادية والسياسية" و"المفاهيم الجديدة"، و "الرسالة الجديدة"، و"نظرة الأمة السورية إلى الحياة والكون والفن"، و"القضايا والمفاهيم الجديدة السامية"، و"المذهب القومي الإجتماعي الجديد"، وتعابير أخرى، منها: "المعنى التعييني" و "المقاييس"، و"الضوابط"، و"الوضوح"، وشدّد في هذا الإطار على معنى كلمة "التحديد"، التي تكررّت في النص الآتي:

 

"ولذلك نرى كيف امتاز الحزب السوري القومي الإجتماعي على غيره، بأنّه حدّد وأوضح، أعطى الـ Definition، التحديد للقضايا والأمور التي تواجه الحياة السوريّة والمجتمع السوريّ.

 

قبل هذا التوضيح كان كثير من المشتغلين يتحدثون عن المجتمع بعبارات مطّاطة، كالقول بالوطنية دون تحديد أي وطن، والتكلم عن الحرّية بأشكال فوضوية للكلام قد تعني أو لا تعني شيئا. لا مقاييس للأعمال ولا للفكر، أشياء لا ضابط لها لا بالمنطق ولا بالحس.

 

والحزب السوري القومي الإجتماعي أخرج العمل القومي الإجتماعي من فضاء الفوضى إلى نطاق الوضوح والتحديد، إلى معرفة صحيحة للأمور الموجودة والمقصودة، فلذلك قلت في كتابي إلى الأستاذ حميد فرنجية الذي أرسلته من سجن الرمل إن عملي أوضح وحدّد المقاصد الكبرى والمنطلقات للحياة القومية والوجدان القومي. لم يعد العمل القومي للمصلحة العامة شيئا هائما في الفضاء، بل صار قصدا واضحا لغاية واضحة وهذا القصد الواضح للغاية الواضحة هو الذي يصلح معه القول بأنّ هناك نهضة صحيحة، لأنّ النهضة ليست صياح حقد وفوضى بل صعودا نحو أهداف واضحة معينة"(6).. إضافة إلى تعابير أخرى ستردّ في هذا النص. مع الملاحظة أنّ سعاده تعمّد في استخدام الضميرين العلميين "هي" و"هو" لتثبيت مفاهيمه الجديدة، وتأكيدها، والجزم فيها، تجنبا لتأويلها، أو تحريفها أو الخروج عنها، أو خلطها بمفاهيم أخرى لا تُعطي معناها الدقيق، والأمثلة على دقّة إستخدام هذه المفاهيم كثيرة، نذكر بعضها:

 

"إنّ النهضة لها مدلول واضح عندنا، وهو، خروجنا من التخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جلية صحيحة واضحة، نشعر أنّها تعبر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا القومية الإجتماعية، إلى نظرة جميلة، قويّة، إلى الحياة والعالم" (7).

 

"النهضة، إذا، هي الخروج من التفسخ والتضارب والشك إلى الوضوح والجلأ والثقة واليقين والإيمان والعمل بإرادة واضحة وعزيمة صادقة. هذا هو معنى النهضة لنا" (8).

 

"إنّ المبادئ هي مكتنزات الفكر والقوى، هي قواعد إنطلاق الفكر، وليست المبادئ إلا مراكز إنطلاق الفكر في اتجاه واضح، إذا لم نفهمها صعب علينا أن نفهم حقيقة ما تعني لنا كيف نؤسس بها حياة جديدة، أفضل من الحياة التي لا تزال قائمة خارج نطاق نهضتنا " (9).

 

"إنّ هذه الحقيقة التي لأجلها نجابه كلّ الأخطار من كلّ نوع هي حقيقة أنّ قضيتنا فيها كلّ الخير وكلّ الحقّ". وكلّ الجمال وكلّ الحقيقة وكلّ العدل للمجتمع الإنساني.."(10).

 

"إنّ عهدكم هو عهد البطولة فلا تتخلوا عن طريق البطولة ولا تركنوا إلى طريق المساومة الغرارة" (11) .

 

"الحرية ليست حرية العدم، بل حرية الوجود، والوجود حركة، هي حرية الصراع، صراع العقائد في سبيل تحقيق مجتمع أفضل ولا معنى للحرية وراء ذلك" (12).

       

يقول سعاده إنّ الصعوبة الأولى التي واجهته في بداية عمل الحركة القومية الإجتماعية هي المفاهيم. "هي اللغة الجديدة، لغة المناقب القومية الاجتماعية، وقضايا الإجتماع النفسية والإقتصادية والسياسية"(13). وقد وضع سعاده على عاتقه مهمّة تعليم هذه اللغة لكلّ فرد أراد الاقتراب من قضايا هذه النهضة التي خاضت حروبها المريرة الأولى بين مفاهيم قديمة تريد إبقاء الأمة في حالة التخلف والتشرذم والإنحطاط، خصوصاً الطائفي والمذهبي منه، وبين مفاهيم جديدة تنبثق من نظرة جديدة للحياة والكون والفنّ تريد إعادة الحياة والوحدة إلى جسم الأمة والإرتقاء بها نحو أعلى مراتب النموّ والتقدم والإزدهار، لتعود إلى الإنتاج والعطاء، ولتأخذ دورها الرسولي الريادي الجديد في قيادة العالم نحو مثل إنسانية جديدة، نحو المذهب القومي الإجتماعي، إنّ "سورية تحمل اليوم إلى العالم بنهضتها القومية الإجتماعية رسالة جديدة. هوذا صراع عنيف هائل يستولي على العالم كلّه تقريباً، شاطراً إياه إلى شطرين لكلّ شطر مصالحه العميقة في هذا الصراع، ولكلّ جبهة من المصالح نظريات ومبادىء تتستر وراءها، وتعلن أنّها تحارب من أجلها ... إنّ سورية لا تقف تجاه هذا الصراع الهائل واجمة واجفة. إنّ النهضة السورية القومية الإجتماعية تعلن أنّه ليس بالمبدأ المادي وحده يفسّر التاريخ والحياة تفسيراً صحيحاً، ويشاد نظام عام ثابت في العالم، وإنّه ليس بالمبدأ الروحي وحده يحدث ذلك.

 

إنّنا نقول بأنّ التاريخ والحياة يفسّران تفسيراً صحيحاً بمبدأ جامع – بفلسفة جديدة تقول إنّ المادة والروح هما ضروريان كلاهما للعالم. ويتابع سعاده: إنّي أقول إنّ النظام الجديد للعالم لا يمكن أن يقوم على قاعدة الحرب الدائمة بين الروح والمادة، بين المبدأ الروحي والمبدأ المادي، بين نفي الروح المادة، ونفي المادة الروح، بل على قاعدة التفاعل الروحي- المادي تفاعلاً متجانساً، على ضرورة المادة للروح، وضرورة الروح للمادة، على أساس مادي- روحي يجمع ناحيتي الحياة الإنسانية بهذا المبدأ. بهذه الفلسفة – فلسفة القومية الإجتماعية، تتقدم النهضة السورية القومية الإجتماعية إلى العالم واثقة أنّه يجدّ فيها الحلّ الصحيح لمشاكل حياته الجديدة المعقدة، والأساس الوحيد لإنشاء نظام جديد تطمئن إليه الجماعات الإنسانية كلّها، وترى فيه إمكانيات الإستقرار، واطراد الإرتقاء في سلّم الحياة الجيدة " (14).

 

لم يأت سعاده في عقيدته القومية الإجتماعية للتعبير عن نظرة شخصية فردية، إلى أمته السورية وعالمها العربي ومنهما إلى العالم وشؤونه المعقّدة، بل أراد من عقيدته توليد نظرة جديدة إلى الحياة والكون والفنّ تكون تعبيرا عن حقيقة الأمة السورية وشخصيتها العظيمة ومواهبها السامية وتاريخها السياسي القومي في قممه الحضارية الراقية المعلمة للشعوب والمنقذة العالم من الصراع المرير المدمّر المتمحور بين القوتين المادية والروحية. يقول سعاده:  

 

"إنّ الزعيم قد وضع رسالته أمانة في قلوب القوميين الإجتماعيين وعقولهم. وهي الرسالة التي عبّر بها ليس عن نظرته الشخصية الفردية، الى العالم وشؤونه، بل عن نظرة الأمة السورية إلى الحياة والكون والفنّ، ولذلك أصبحت هذه عقيدة القوميين الإجتماعيين وإيمانهم لأنّهم وجدوا فيها التعبير عن نفسية أمتهم وخططها في التاريخ. والزعيم نفسه قد عبّر عن إيمانه العظيم بأمته، وعن أنّه ليس إلا معبّراً عن شخصيتها العظيمة ومواهبها السامية بقوله في ختام كتابه الأخير "الصراع الفكري في الأدب السوريّ": إنّ ما دفعني إلى إعطاء هذا التوجيه هو محبّة الحقيقة الأساسية التي وصل إليها تفكيري ودرسي، وأوصلني إليها فهمي، الذي مديون به كلّه لأمتي وحقيقتها النفسية" (15).

 

هو إيمان سعاده العظيم، المتبادل بينه وبين أبناء النهضة الجديدة، الذي يقول فيه: "في كلّ هذه المدّة الطويلة وبعد كلّ هذه المحن العظيمة، لم يضعف إيماننا، بل قُويّ إيمانكم بي وإيماني بكم. آمنتم بي معلما وهادياً للأمة والناس، ومخطّطاً وبانياً للمجتمع الجديد، وقائدا للقوات الجديدة الناهضة الزاحفة بالتعاليم والمثل العليا إلى النصر. وآمنت بكم أمّة مثالية معلمة وهادية للأمم، بناءة للمجتمع الإنساني الجديد، قائدة لقوات التجدّد الإنساني بروح التعاليم الجديدة التي تحملون حرارتها المحيية وضياءها المنير إلى الأمم جميعاً، داعية الأمم إلى ترك عقيدة تفسير التطّور الإنساني بالمبدأ الروحي وحده، وعقيدة تفسيره من الوجهة الأخرى بالمبدأ المادي وحده، والإقلاع عن اعتبار العالم ضرورة عالم حرب مهلكة، بين القوّة الروحيّة والقوّة الماديّة، وإلى التسلسم معنا بأنّ أساس الإرتقاء الإنساني هو أساس مادي - روحي (مدرحيّ)، وإنّ الإنسانية المتفوّقة هي التي تدرك هذا الأساس، وتشيّد صرح مستقبلها عليه. ليس المكابرون بالفلسفة المادية بمستغنين عن الروح وفلسفته، ولا المكابرون بالفلسفة الروحية بمستغنين عن المادة وفلسفتها.

 

إنّ العالم الذي أدرك الآن، بعد الحرب العالمية الأخيرة مبلغ الهلاك الذي جلبه عليه قيام الفلسفات الجزئية الخصوصية - الفلسفات الأنانية التي تريد أن تحيا بالتخريب ـ فلسفة الرسمالية الخانقة وفلسفة الماركسية الجامحة، التي انتهت في الأخير بالإتحاد مع صنوها المادية الرسمالية بقصد نفي الروح من العالم، وفلسفة الروح الفاشية وصنوها الإشتراكية القومية المحتكرة الروح، الرامية إلى السيطرة به سيطرة مطلقة على أمم العالم وشؤونهاـ. هذا العالم يحتاج اليوم إلى فلسفة جديدة تنقذه من تخبط هذه الفلسفات وضلالها، وهذه الفلسفة الجديدة التي يحتاج اليها العالم - فلسفة التفاعل الموحد الجامع القوى الإنسانية - هي الفلسفة التي تقدمها نهضتكم" (16).

 

إنّ اهتمام سعاده الفكري، في الأساس، يتناول إرساء فلسفة إنسانية تقدمية جديدة شاملة، تُنقذ العالم من ضلال الفلسفات الجزئية الرجعية البائدة التي جرّته وتجرّه إلى حروب دموية مدمّرة، وخراب مادي – نفسي شامل، وهذه كانت رسالة سعاده الإنسانية التي نجدّ بعض معالمها في كتاباته التي تعود إلى ما قبل تأسيس الحزب السوري القومي الإجتماعي، ومن بينها المقالة التي تحمل العنوان المعبّر: "علم التاريخ وسلام العالم"، المنشورة في جريدة "المعرض" البيروتية في عددها (32) الصادر بتاريخ 30 آيار 1931(ص15) والتي يقول في خلاصتها:

 

"أجل، لا يمكننا أن نمزج الفلسفة التأريخية بالتاريخ، ونطلق على هذا لقب علم ثابت خالص دون أن نعرّض معارفنا للتشوّش الذي يحول دون بلوغنا الفائدة التي نتوخاها. يرى المطالع ممّا تقدّم أنّنا تجاه قضية خطيرة تهدّد كياننا الإنساني بالبغض والنفور وإيغار الصدور، وسائر العوامل التي تحمل أخيرا على إثارة الحروب، وصدّ المساعي والجهود التي يبذلها المفكرون الإنسانيون في سبيل تحقيق السلام العام. تجاه هذه الحقيقة الراهنة يخطر لي أن أقـــتـــرح على المعاهد العلميّة السوريّة أن تأخذ هذه النظرية في الإهتمام، وتقرّر في ما بينها إرسال نداء حار إلى معاهد العلم في العالم كلّه تدعوها فيه إلى عقد مؤتمر عام يقوم بمهمة التحقيق في مؤلفات التاريخ المعوّل عليها في التدريس عند جميع الأمم، وتوحيد علم التاريخ العام، ونشر المعلومات التي تُبطل تأثير التواريخ الخارجة عن دائرة العلم. أكرّر في ختام هذه العجالة رأيي المتقدم في أن تجريد التاريخ من النزعات والنظريات الفلسفية يأتي بفائدة لا تأتي بها جميع المؤتمرات التي عُقدت والتي ستعقد لتحديد السلاح، ولا جميع المعاهدات التي تُعلن إبطال الحرب. وإنّي أعتقد يقينا أنّ سلام العالم يتوقف على تنزيه معارفنا في ما يتعلق بأنفسنا وجيراننا البعيدين عنا كثيرا، ممّا يتوقف على المؤتمرات والمعاهدات السياسية"(17).          

 

بناء على ما تقدم، نحن إذاً، أمام رسالة إنسانية حضارية جديدة، معبّرة عن نظرة الأمة السورية إلى الحياة والكون والفنّ. أمام مذهب جديد في الفكر الإنساني، له لغته الخاصة، ومفاهيمه الجديدة العلمية – الفلسفية الواضحة، التي لا تحتمل الشك، إذ لم نتعلمها، صعب علينا مواكبة هذه النهضة العظيمة في مسيرتها نحو النصر الذي لا مفرّ منه.

 

 

 

1- الأساس العلمي للغة الجديدة

 

تحت عنوان : "رسالة الزعيم العلمية، نشؤ الأمم"، نشرت جريدة "النهضة"،  في عددها، الرقم 162، تاريخ 15- 3 – 1938 المقالة الآتية، وهي بقلم سعاده، وفيها يتحدث عن الصعوبات التي واجهته في بداية نشر رسالته، خصوصا الضجة العظيمة التي تمحورت حول مفهوم الأمة، من هنا كانت الحاجة الماسة إلى وضع أساس علمي لهذا الموضوع الإجتماعي الخطير، ولهذه الغاية وضع سعاده كتابه "نشؤ الأمم" كي يصبح القارىء قادراً على التميّيز بين الصحيح والفاسد في النظريات والعقائد التي تدعوه إلى اعتناقها وعلى تقدير رسالة الزعيم القومية المبنيّة على فهمه العميق لكيان الأمة السورية وعناصر حياتها.

 

يقول سعاده في مقالته المشار إليها آنفا:"لا مشاحة في أنّ رسالة الزعيم القومية، لاقت صعوبات جمّة من عدّة أنواع. وأهم صعوبة كانت في الجهل التام للمسائل القومية عامة، المتفشي في الشعب. فما كاد يشيع أنّ رسالة الزعيم، تحمل فكرة القومية السورية، وأنّ غايته العمل لمجدّ سورية، ورفاهية شعبها، حتى قامت ضجّة عظيمة حول الأمة ومعناها، ومعنى القومية. فأخذ الجهلة المدّعون يقاومون فكرة القومية الصحيحة مؤولين الحقائق، وفاقاً للنعرات الخاصة التي ربُوا عليها، ووفاقاً لأغراض خاصة في نفوسهم. فخبطوا في هذا البحث خبط عشواء، وخلطوا بين المسائل الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والحربية خلطاً زاد بلبلة العقائد والأفكار زيادة عظيمة.

 

بناء على هذه الحالة، رأى الزعيم بثاقب بصره أنّ الحاجة إلى أساس علمي لهذا الموضوع الإجتماعي الخطير ماسة، وأنّ لا بدّ من وضع كتاب في علم الإجتماع، يوضح الواقع الإجتماعي والقضايا الإجتماعية، ويرينا كيف نشأت الأمم من تطّور الإجتماع الإنساني، فيكون الحدّ الفاصل بين الخلط والهذر، وبين الكلام الجدّي المبني على المعرفة.

 

وقد شعر الزعيم أنّه مدعو بهذا العمل بنفسه لندورة علماء اجتماع غيره، ولفقر اللغة العربية العامة في المؤلفات الإجتماعية، التي يمكن الإعتماد عليها، وتفي بالحاجة لفهم الأمم والقوميات، فاغتنم فرصة وجوده في السجن، وأكبّ على تأليف هذا الكتاب النفيس الذي نثق بأنّه سيحدث ثورة فكريّة عامة في سورية والأقطار العربية.

 

وإنّ ما نعهده في الزعيم من غزارة علمه في الشؤون الإجتماعية والتاريخية، ومن تعمّقه في درس العلوم الإجتماعية الاختصاصية، ومن سعة إطلاعه في اللغات الحيّة وآدابها مع نبوغه ومقدرته تجعلنا نرتقب الفتح العظيم الذي سيكون لكتابه.

 

من هذه اللمحة يدرك القارىء أنّ "نشؤ الأمم" ليس كتاب الزعيم الذي يضمّنه أفكاره وآراءه الإجتماعية – السياسية، فهذا قد اجّله الزعيم لفرصة أخرى، بل هو كتاب الزعيم العلمي الذي يشرح فيه نشأة النوع الإنساني والإجتماعي البشري وتطوراته، حتى عصر الأمم الحاضر فيرى القارىء أسرار الإجتماع الإنساني منكشفة لعينيه ويدرك حقيقة المسائل الإجتماعية وماهية الأمة وكيفية نشوء هذه الشخصية الإجتماعية.

 

في كتاب "نشوء الأمم" يضع الزعيم أساس علم الإجتماع الحديث، كما وضع في مبادئه القومية أساس بناء الأمة السورية القومي." (18) .

 

من مراجعة، بعض كتابات سعاده في موضوع “نشؤ الأمم"، خصوصا مقدمة الكتاب ومقالة ("رسالة الزعيم العلمية "نشؤ الأمم") تتكشّف لنا الأسس العلمية التي وضعها سعاده، من أجل تثبيت دقّة المفاهيم وأهميتها في بنائه الفكري، ورسالته الثقافية، وذلك من أجل منع إجراء الأحكام الإعتباطية، والوقوع في بلبلة الأفكار وفوضى العقائد، وعدم القدرة على التمييز بين الصحيح والفاسد من النظريات والعقائد "وعلى تقدير رسالة الزعيم القومية المبنية على فهمه العميق لكيان الأمّة السورية وعناصر حياتها."

 

يقول سعاده في مقدمة "نشؤ الأمم":

 

-"وقد اسندت حقائقه (نشؤ الأمم) إلى مصادرها الموثوقة **واجتهدت الإجتهاد الكلي في الوقوف على أحدث الحقائق الفنية التي تنير داخلية المظاهر الإجتماعية وتمنع من اجراء الأحكام الإعتباطية عليها".

 

-"كل جماعة ترتقي إلى مرتبة الوجدان القومي، الشعور بشخصية الجماعة، لا بد لأفرادها من فهم الواقع الإجتماعي وظروفه وطبيعة العلاقات الناتجة عنه وهذه هي العلاقات التي تعين مقدار حيوية الجماعة ومؤهلاتها للبقاء والإرتقاء، فبقاؤها غامضة يوجد صعوبات كثيرة تؤدي إلى اساءة الفهم وتقوية عوامل التصادم في المجتمع فيعرقل بعضه بعضاً ويضيع جزءاً غير يسير من فاعلية وحدته الحيوية ويضعف فيه التنبه لمصالحه وما يحيط به من اخطار من الخارج". وإنّ درسا من هذا النوع يوضح الواقع الإجتماعي الإنساني في أطواره ضروري لكل مجتمع يريد أن يحيا ففي الدرس تفهم صحيح لحقائق الحياة الإجتماعية ومجاريها، ولا تخلو أمة من الدروس الإجتماعية العلمية إلا وتقع في فوضى العقائد وبلبلة الأفكار".

 

-"من مطالعة نشوء الأمم يصبح القارىء قادراً على التمييز بين الصحيح والفاسد في النظريات والعقائد التي تدعوه إلى اعتناقها (19).

 

-  "... فكتاب "نشؤ الأمم" يمكن اعتماده في سائر تطوّر الجماعات الإنسانية نحو كيان الأمة، ونشؤ القومية، بما أورد من الحقائق العلمية، والتحليلات والتعليلات المفيدة..."(20).

 

ويُعتبر الخطاب التوجيهي الأول الذي ألقاه سعاده في اجتماع الحزب المركزي في أول حزيران 1935، "أول شرح تعليمي مدوّن لمبادىء الحزب السوري القومي الإجتماعي وأهدافه العليا، وهو الوثيقة الأولى التي اعتمدها المفكّرون والكتّاب لبحث عقيدة الحزب (21). واستتبع سعاده هذه المهمة التعليمية – التثقيفية، في "الندوة الثقافية" (22) التي بدأها في السابع من كانون الثاني من  العام 1948 وذلك بعد عشرة أشهر على أثر عودته إلى الوطن، على غياب قسري دام إثنتي عشر سنة (1939_1947)، بغاية تعليم القوميين الإجتماعيين وتثقيفهم على قواعد اللغة الجديدة والمفاهيم الجديدة، لأنّه رأى "أنّ انتشار الحركة القومية الإجتماعية، في السنوات الأخيرة،كان مجرّد إنشار أفقي، سطحي، يعرضها بقاؤها عليه للميعان والتفسخ والتفكك ..." (23)، وشدّد سعاده على "الأوساط الثقافية"على حضور الندوة، واعتبر ذلك "واجبا أوليا أساسيا في العمل للحركة القومية الإجتماعية، لأنّه إذا لم نفهم أهداف الحركة وأسسها والقضايا والمسائل التي تواجهها لم نكن قادرين على فعل شيء في سبيل الحركة والعقيدة والغاية التي اجتمعنا لتحقيقها. فالمعرفة والفهم هما الضرورة الأساسية الأولى للعمل الذي نسعى إلى تحقيقه (24).

 

شرح سعاده بأسلوبه العلمي التعليمي التثقيفي في المحاضرات العشر “التعاليم- المبادئ" السورية القومية الإجتماعية، التي "هي مكتنزات الفكر والقوى"، التي "هي قواعد إنطلاق الفكر"، التي "هي مراكز إنطلاق في اتجاه واضح" (25).  وشدّد سعاده على فهم هذه التعاليم- المبادئ من أجل "فهم حقيقة ما تعني لنا، وكيف نؤسس بها حياة جديدة أفضل من الحياة التي لا تزال قائمة خارج نطاق نهضتنا"(26).

 

 

 

2- لغة المفاهيم الجديدة

 

ومن خلال كتابي "نشؤ الأمم"، و "المحاضرات العشر"، سنحاول الإضاءة على اللغة الجديدة، لغة المصطلحات أو المفاهيم التي اعتمدها سعاده في رسالته القومية الإجتماعية ذات النظرة الفلسفية الشاملة للحياة والكون والفن. وسنركّز في هذه الحلقة على مفهوم الأمة. على أن نتابع هذا العمل في حلقات لاحقة.

 

بداية، يتوافق المختصون على أنّ المصطلح هو لفظ موضوعي يؤدي معنى معينا بدقّة ووضوح، بحيث لا يقع أيّ لُبس في ذهن القارىء أو السامع لسياق النصّ. ويُتخذ للتعبير بلفظ واحد، أو أكثر، عن معنى أو فكرة لا تستوعبها لفظة واحدة، ولهذا أُطلِقت عليه هذه التسميّة، لتأدية المعنى المقصود للمفهوم الذي هو نتاج حضاري.

 

شكّل موضوع توليد المصطلحات في اللغة العربيّة إشكالية يعتبرها إخصائيو هذا المجال، من أعقد إشكاليات هذا العصر، بسبب الثورة المنهجية، التي أغرقت أذهاننا بفيض من المصطلحات. ولكن، هل يحقّ للمفكرين والعلماء والدارسين والباحثين وغيرهم، إطلاق ما يختارون من الألفاظ المصطلحية على ما يُعرض لهم من المعاني؟

 

تتولى، موضوعيا، مجامع اللغة العربية أو الأجنبية إيجاد الضوابط لمصطلحات اللغة. أمّا فعليا فقد اقتحم العديد من الكتّاب مجال توليد المصطلحات عبر عمليات "الإقتباس"، أو "الترجمة الحرفية"، أو "الإقتراض"؛ الأقتباس، أو إحياء التراث، ويقضي الأخذ من المصادر العلمية واللغوية العربية القديمة، وإحياء مصطلحاتها لمقابلة المصطلحات الحديثة. وتقتضي الترجمة الحرفية نقل معنى المصطلح الأجنبي نقلا حرفيا إلى العربية. أمّا الإقتراض فهو يقوم في فقه اللغة على استعارة اللغة كلمات من لغة أخرى.

 

أدّت العمليات الثلاث المشار إليها، أنفا، في أغلب الأحيان، إلى نشؤ فوضى كبيرة في سوق صياغة المصطلحات، لأنّ توليدها لم يرتكز على أسس منهجية لغويّة علميّة. إذ أنّ "علم المصطلح" هو من العلوم المعقّدة المتداخلة في جملة من العلوم الأخرى كاللغة والمنطق والوجود والمعلوماتية وغيرها.

 

سعاده هو ابن المدرسة العلمية، يؤيد الحقائق العلميّة ويعترف بها، يؤمن بالتطوّر في دائرة المعرفة والعلم والحقائق والمنطق، أرسى بناؤه العقائدي على مجموعة من المصطلحات العلمية الواضحة الصحيحة التي نجدها ليس في كتابه العلمي "نشؤ الأمم"، فحسب، بل نقع عليها في مختلف كتاباته الأخرى. سعاده في عقيدته القومية الإجتماعية هو صاحب "لغة المفاهيم الجديدة"، ولا يمكن فهم هذه المقولة وقضية سعاده القومية ومذهبه القومي الإجتماعي، إلا من خلال "التحديد" أو "التعيين" الواضح والصحيح لهذه "القضايا"، وما يتفرّع عنها وما يواجهها في هذا البناء الفكري البديع الذي شيّده سعاده.

 

سعاده يقول: "...امتاز الحزب السوري القومي الإجتماعي على غيره، بأنّه حدّد وأوضح وأعطى الــ Definition - التحديد للقضايا والأمور التي تواجه الحياة السورية والمجتمع السوري. الحزب أخرج العمل القومي الإجتماعي من فضاء الفوضى إلى نطاق الوضوح والتحديد، إلى معرفة صحيحة للأمور الموجودة والمقصودة...إنّ عملي أوضح وحدّد المقاصد الكبرى والمنطلقات للحياة القومية والوجدان القومي" (27). وذلك، كما يقول سعاده: "تجنبا للوقوع في فوضى الإصطلاحات التي عمّمتها لغة الجرائد في قطرنا تعميماً فاضحاً يجعل كلّ دراسة التحديد القومي للأمة السورية لوضع الأشياء في مواضعها عملا شاقا..." (28).

 

وبالفعل، فقد كان من مظاهر هذا العمل الشاق، العراك الفكري العنيف الذي قاده سعاده بين العقيدة الجديدة وعقيدة الرجعيين، الذي أدى إلى إيجاد مقاييس جديدة مضبوطة واحدة، من أجل بعث أمة جديدة من شعب قديم، يقول سعاده:

 

"العراك الفكري العنيف والرائع الذي قادته هذه الجريدة – أي جريدة "الزوبعة" (29) بين عقيدة الحركة السورية القومية الإجتماعية وغايتها ومراميها من جهة، وعقائد الرجعية والتأخر وفوضى التفكّك والشقاق والإستهزاء وعدم الإكتراث من جهّة أخرى. هذا العراك الذي أدى إلى إيجاد مقاييس جديدة، حلّت محل المقاييسس القديمة غير الصالحة لعهد جديد، كلّ شيء صار ذا قيمة جديدة غير التي كانت له: الحريّة، الحقّ، الوطنية، الحبّ، الشعر، الشرف، الغنى، الفقر، العزّ، الذلّ، القومية، الجنسية...، التي من مزاياها (المقاييس)، أنّها مضبوطة، ذات قاعدة واحدة ودرجات متناسبة، وذات طبيعة واحدة في المغترب والوطن، أدّت إلى هذه الظاهرة الإجتماعية الخطيرة التي تُسمّى : الرأي العام والإرادة العامة؛ رأي واحد لجميع السوريين القوميين الإجتماعيين من جميع ملل سورية وطوائفها، وإرادة عامة واحدة. لا جدال ولا مماحكات ولا سفسطات ولا تردّد عند الذين هضمتهم العقيدة الجديدة. وعملية الصهر دائبة دائمة حتى تضمّحل المتباينات جميعها، ولا يبقى إلا التنوّع المتجانس الذي يشكّل وحدة أعضاء ومؤسسات وفروع ومواهب ومزايا تعمل بمقاييس واحدة، وتجري بأساليب متنوّعة إلى غرض عام واحد هو: القضية السورية القومية الإجتماعية المقدسة.

 

هذا العمل ليس شيئا قليلاً ولا هيناً. إنّه عمل عظيم على غاية الخطورة. إنّه عمل تغيير نفسية أمّة بأسرها وإنشاء تاريخ جديد. إنّه عمل إيجاد أمّة جديدة من شعب قديم"(30).

 

 

                         

3- محور فكر سعاده: تحديد الأمة 

 

يُستدل من كلّ ما كتبه سعاده، ومن حياته النضالية، ومن عظمة إستشهاده، يستدل من كلّ ذلك: أنّ حياة الأمة الراقيّة، في جميع مراحلها وأزمانها، كانت محور فكر سعاده وجهاده ودمه الزكي، وهو قد اختصر كلّ ذلك في "قسم الزعامة"، غير الملزم بادائه، والذي ورد في مقدمة الدستور، وجاء فيه: "أنا أنطون سعاده، أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أنّي أقف نفسي على أمّتي السّوريّة ووطني سورية، عاملا لحياتهما ورقيّهما...". من هنا، من ماهية الأمة وأهميتها، نبدأ البحث في لغة المفاهيم الجديدة في الفكر القومي الإجتماعي المبدع.

 

إنّ "قضية التحديد القومي للأمة السورية" هي القضية الأولى التي واجهت سعاده بعد عودته من مغتربه القسري" (31). نتيجة الإنحرافات العقائدية الخطيرة التي روجتها بعض "القيادات الحزبية"، خصوصا ما تناول منها موضوع مفهوم الأمة، (32) الذي كان سعاده قد رسّخه في صفوف الحزب قبل سفره، إن كان من حيث الكتابات وخصوصا "نشؤ الأمم"، و"الصراع الفكري في الأدب السوري"، والخطب والمقالات التي نشرها. أو من حيث "الندوة الثقافية"، التي أنشأها في العام 1937. من أجل "الأبحاث الثقافية ونقل الفكر من السطحيات ومسائل الإدراك العادي إلى الأساسيات وقضايا العقل العلمي والفلسفي (33).     

 

إنّ معنى "النهضة"، التي هي غاية الحزب السوري القومي الإجتماعي، هو من أوضح الأمور وأدقّها التي تدلّ على "لغة المفاهيم الجديدة" التي ابتكرها وعلّمها وأطلقها سعاده. يقول سعاده في معنى النهضة: "إنّ النهضة لها مدلول واضح عندنا، وهو خروجنا من التخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جلية صحيحة واضحة نشعر أنّها تعبّر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا القومية الإجتماعية، إلى نظرة جميلة، قويّة إلى الحياة والعالم (34).

 

وتدلّ "الوثائق" الأولى للحركة السورية القومية الإجتماعية على مدى إهتمام سعاده في تعيين معنى الأمة، على الأساس القومي لا السياسي، ومن أبرز هذه الوثائق – الكتاب الذي أرسله سعاده من سجن الرمل في 10 كانون الأول إلى المحامي الأستاذ حميد فرنجيه.

 

يُعتبر هذا الكتاب ـــــ الرسالة وشرحه، من الوثائق الأساسية الأولى الهامة في الفلسفة القومية الإجتماعية، - بعد "خطاب الزعيم التوجيهي الأول" (35) - وضعه سعاده في سجنه الأول، على أثر إنكشاف أمر الحزب في نهاية العام 1935، بعد فترة ثلاث سنوات من العمل السرّي، وسلّمها إلى محاميه حميد فرنجيه، الذي تقدّم مع مجموعة من المحامين الآخرين للدفاع عنه أمام "المحكمة المختلطة" التي تعني المحكمة الفرنسية. وتكمن أهمية هذه الوثيقة التي تقع في حوالي الصفحتين فقط، في أنّها تُلخّص المشروع العلمي ــــــ الفلسفي للفكر القومي الإجتماعي الهادف "إلى جعل الأمة السورية موحّدة وصاحبة السيادة على نفسها والإرادة في تقرير مصيرها" ، واللافت في هذه الرسالة، تشديد سعاده على تعبير "التعيين"، - الذي هو شرط الوضوح والوضوح هو الحالة الطبيعية للذات المدركة الواعية الفاهمة – ومرادافات أخرى تحمل نفس المعنى، مثل "المعنى التعييني"، و"أهمية معنى الأمة"، و"تعيين أمتي تعيينا مضبوطا بالعلوم..."، و"تعيين مصلحة أمتي الإجتماعية والسياسية..."، و"تعيين الأهداف بالعقل..."(36) .

 

يقول سعاده: "وفي أثناء درسي أخذت أهمية معنى الأمة وتعقدها في العوامل المتعدّدة تنمو نموّها الطبيعيّ في ذهني. وفي هذه المسألة إبتدأ إنفرادي عن كلّ الذين اشتغلوا في سياسة بلادي ومشاكلها الداخلية. هم اشتغلوا للحرية والإستقلال مطلقين فخرج هذا الإشتغال عن العمل القومي بالمعنى الصحيح، أمّا أنا فأردت حرّية أمتي واستقلال شعبي في بلادي، والفرق بين هذا المعنى التعييني والمعنى السابق المطلق المبهم واضح ..."

 

"ولما كانت دروسي الإجتماعية والسياسية والإقتصادية قد أوصلتني إلى تعيين أمتي تعيينا مضبوطا بالعلوم المتقدمة وغيرها، وهو حجر الزاوية للبناء القومي، وإلى تعيين مصلحة أمتي الإجتماعية والسياسية من حيث حالاتها الداخلية والخارجية..."

 

"وقد قلت في صدد هذا السؤال (ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟): لم أقصد الإجابة على السؤال المتقدم من أجل المعرفة العلمية فحسب، بل من أجل تعيين الأهداف بالعقل، وإنقاذ الأمة من العوامل العمياء التي لا فهم ولا إرادة لها فيها"    

 

"من إبتداء هذا الكتاب "في ما دفعني إلى إنشاء الحزب السوري القومي الإجتماعي"، يشعر الفاهم المدقّق أنّه يواجه قضية حزب من نوع فلسفي عميق إبتدأت بهذا السؤال البسيط: ما الذي جلب على شعبي هذا الويل"؟ (37).  

 

وتتضمّن رسالة سعاده التاريخية إلى الجالية السورية في البرازيل تاريخ 8 تمّوز 1934، مجموعة من التعابير الدالة على إهتمام سعاده المبكر بصياغة المفاهيم العلميّة الدقيقة الواضحة، ومن أهمها: يجب أن يكون القول مدعوما بالقوّة العلمية ليكون من ورائه نفع. قواعد الفكر القومي الإجتماعي هي قواعد فلسفة عميقة. ولعلّ الأهم في هذه الرسالة هو السؤال الذي طرحه سعاده: هل نحن أمّة؟، من نحن؟، الذي يعني إبتداء البحث عن حقيقتنا؟ ... يعني إبتداء التفكير في معنى ماهية الجماعة الإنسانية التي هي نحن وأهدافنا الكبرى. ونظراً لآهمية هذه الرسالة في دراستنا، ننقلها بحرفيتها:

 

"إذا كان هذا العصر عصر تنازع الأمم، فهو إذا، عصر أعمال لا عصر أقوال. وإذا كان لا بدّ من القول فيجب أن يكون مدعوماً بالقوّة العلمية ليكون من ورائه نفع أو نتيجة هيولية محسوسة. ونحن أمّة واقفة الآن بين الموت والحياة، ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا، والإتجاه الذي نُعيّنه.

 

ويتراءى لي أنّ أمتنا كانت، منذ عصور قديمة جداً، أمام عدّة مسائل تتطلّب أجوبة صريحة هي:

 

هل نحن أمّة حيّة؟

 

هل نحن مجتمع له هدف في الحياة؟

 

هل نحن قوم لهم مثل عليا في الحياة؟

 

هل نحن أمّة لها إرادة في الحياة؟

 

هل نحن جماعة تعرف أهمية الأعمال النظامية؟

 

في الشرح، يقول سعاده: هذه الأسئلة بسيطة وواضحة جدا، لكنّها أسئلة خطيرة، وأهميتها واضحة للمدقّق البصير المتبصّر في القيم الإنسانية، وفي طرق التفكير الفلسفي وأهدافه.

 

هل نحن أمّة؟ هذا السؤال الذي يعني أيضا ما نحن؟، يعني إبتداء البحث عن حقيقتنا، ما هي؟ إنّه نقطة الإبتداء في أي تفكير إنساني يحاول إدراك حقيقته ومحيطه ومقاصده في الحياة والمحيط. يعني إبتداء التفكير في معنى ماهية الجماعة الإنسانية التي هي نحن وأهدافنا الكبرى التي تعبّر عن حقيقتنا ووجودنا نحن وجوهرنا نحن. كلّ هذا يعني أنّ قواعد الفكر التي نشأت عليها هذه النهضة القومية، وينمو بها الحزب السوري القومي الإجتماعي هي قواعد فلسفة عميقة تتناول المسائل الأساسية غير التي ترتبط بوقت معين تمضي بمضيه، أو بشكل من الأشكال الجزئية، بل هي عامة ثابتة، أو بالمعنى الفلسفي المطلق، ليست منسوبة إلى وقت أو حالة معينة وقتية تزول بزوال تلك الحالة.

 

بهذه الأسئلة، وابتداء الفكر من هذه النقاط، وضعت مبادئ الحزب السوري القومي الإجتماعي، لتعطي الجواب على هذه الأسئلة العلمية الفلسفية العميقة المتقدمة (38).

 

 

 

4- التحديد القومي لـ "الأمة السورية"

 

 تركز هذه الدراسة على أبرز وأهم المفاهيم التي تتمحور حولها العقيدة القومية الإجتماعية، وأقصد "مفهوم الأمة". على أن نتابع في دراسات لاحقة الإضاءة على أهم المفاهيم التي يرتكز عليها الفكر القومي الإجتماعي.

 

البداية، إذا، هي في التعرّف على مفهوم "العقيدة القومية الإجتماعية"، كمدخل لتبيان معنى الأمة.

 

يقول سعاده: "نعرّف العقيدة بأنّها قومية إجتماعية، فهي قومية لأنّها تقول بالأمة والولاء القومي، وهي اجتماعية لأنّ غايتها الاجتماع الإنساني- المجتمع وحقيقته ونموّه وحياته المثلى. والمجتمع الأكبر والأمثل هو الأمة وقد جاء في التعاليم أمة واحدة – مجتمع واحد.

 

ويضيف سعاده: ".. إنّ عقيدتنا تقول بحقيقة إنسانية، كليّة، أساسية هي الحقيقة الإجتماعية: الجماعة، المجتمع المتحد. فالاجتماع للإنسان حتميّ لوجوده، ضروريّ لبقائه واستمراره، والمجتمع هو الوجود الإنساني الكامل، والحقيقة الإنسانية الكليّة. والقيم الإنسانية العليا لا يمكن أن يكون لها وجود وفعل إلا في المجتمع، فمتجه القيم كلّها هو المجتمع – هو مصدرها وهو غايتها.

 

كلّ القيم الإنسانية هي قيم إجتماعية.

 

ويتابع سعاده: "المتحد، إذاً، هو الحقيقة الإنسانية الكبرى، حقيقة القيم الإنسانية العليا واستمرارها. ليس المجتمع مجرّد مجموع عدّدي من الناس، إنّ المجتمع أعمق بكثير من المجموع العددي، وأسمى بكثير منه. إنّه أعلى بما لا يدرك قياسه عن نظرة نحسبه مجرّد عدد من الناس".

 

ويختم سعاده: "إنّ عقيدتنا إجتماعية، تنظر إلى الإنسان من زاوية الحقيقة الإنسانية الكبرى-حقيقة المجتمع، لا من زاوية الفرد، الذي هو، في حدّ ذاته، وضمن ذلك الحدّ مجرّد إمكانية إنسانية" (39).

 

نحن، وبناء على ما تقدم، أمام بناء فكري عقائدي، شامل، متكامل، منفتح، شديد الوضوح، ينظر إلى الإنسان من زاوية الحقيقة الإنسانية الكبرى - حقيقة المجتمع، لا من زاوية الفرد، الذي هو مجرّد إمكانية إنسانية في كيان هذه الحقيقة الكبرى.

 

يتمحور تعريف العقيدة القومية الإجتماعية (أعلاه) عند سعاده، حول نقطة مركزية هي الأمة التامة، فالعقيدة قومية لأنّها تقول بالأمة، والولاء القومي للأمة. والعقيدة إجتماعية، لأنّ غايتها الإجتماع الإنساني – المجتمع، أي الأمة. وجاء في التعاليم السورية القومية الإجتماعية: " أمّة واحدة - مجتمع واحد".

 

المجتمع الأكبر والأمثل هو الأمة.

 

الأمة الواحدة التامة هي الحقيقة الإنسانية – الإجتماعية الكليّة الأساسية.

 

الأمة، المجتمع، الوجود الإنساني الكامل والحقيقة الإنسانية الكليّة.

 

الأمة هي مصدر القيم المجتمعية الإنسانية العليا، وهي أيضاً غايتها، وهي حتميّة الوجود في الأمة، ولا يمكن أن يكون لها وجود وفعل إلا في المجتمع – الأمة (هو مصدرها وهو غايتها).

 

 ولأنّ الأمة واقع إجتماعي بحت، فإنّ معرفة حقيقة الأمم ودرسها نشوءاً وارتقاء هو درس إجتماعي بحت، لا درس سياسي. من هنا كان كتاب "نشوء الأمم" مؤلف إجتماعي علمي بحت، تجنّب فيه سعاده التأويلات والاستنتاجات النظرية وسائر فروع الفلسفة ما وجد إلى ذلك سبيلاً. ويرى سعاده أنّ كلّ أمّة تخلو من الدروس العلمية الإجتماعية، تقع في فوضى العقائد، وبلبلة الأفكار (40).

 

في الفصل السابع من "كتاب نشؤ الأمم"، الذي عنوانه "الإثم الكنعاني"، يدرس سعاده الأمة من حيث هي واقع إجتماعي بحت، ويغوص في أسباب هذا الواقع وخصائصه ومميزاته وروحيته وفهمه، ليخلص إلى النتيجة الآتية في تحديد مفهوم الأمة، على أنّها: "جماعة من البشر تحيا حياة موحّدة المصالح، موحّدة المصير، موحّدة العوامل النفسية – المادية في قطر معين، يكسبها تفاعلها معه، في مجرى التطوّر، خصائص ومزايا تميّزها عن غيرها من الجماعات" (41).

 

واستنادا إلى هذا المفهوم العلمي للأمة بوجه عام، يُحدّد سعاده في شرح "التعاليم السورية القومية الإجتماعية" مفهوم الأمة السورية في المبادئ الأساسية الثمانية، وخصوصاً في المبادئ الأول والرابع والخامس والسادس.      

 

ومن تعاليم سعاده الخالدة، التي تتكرّر فيها لفظة الأمة، بشكل ملفت: "كلّ ما فينا هو من الأمة، وكلّ ما فينا هو للأمة، حتى الدماء التي تجري في عروقنا، ليست ملكا لنا، هي وديعة الأمة فينا، متى طلبتها (الأمة) وجدتها". و"إذا لم تكونوا أنتم أحراراً من أمة حرّة فحريات الأمم عار عليكم".

 

وبأسلوبه السهل الممتنع الواضح العلمي، أوجز سعاده مفهوم الأمة بهذه العبارة الدقيقة المؤلفة من سبع كلمات: "الأمة أساس مادي يقوم عليه بناء روحي" (42).

 

وعلى هذا المفهوم سندرس المكونات الرئيسية للأساس المادي- الروحي الذي تقوم عليه الأمة، وذلك من خلال كتابي "نشؤ الأمم" و "المحاضرات العشر".

 

يوضح الرسم الآتي (رقم1) مكونات الأساس المادي والروحي الذي تقوم عليه الأمة.

 

 

                       الأمة أساس مادي يقوم عليه بناء روحي

 

أولاً: البناء الروحيّ

  1. الشرائع والقوانين: تُوجد رابطة النظام السياسي والشرعي التي تنظم العمل الإجتماعي، وتُمثّل مجموعة عامة من الأفكار المقرّرة لوحدته الإجتماعية.
  1. التقاليد الإجتماعية: مظهر الوحدة ألإجتماعية.
  1. اللغة أو الأدب المكتوب: مقدار شعور الأمة بالجمال، واقترابها من الحقيقة، ويؤثر على الأمة، ويساعد على تنمية الاستعداد الفطري، وتكوين الخلق القومي.
  1. التربية: نظام عام يمرّن عقول أعضاء الأمة الواحدة ويوحّدها، والغرض منها لا يقتصر على تغذية الذكاء بمقدار كافٍ من الأفكار، بل أن تحضّ الأخلاق على طلب مثل عليا مشتركة.

ثانياً: الأساس المادي

  1. مادة بشرية: أجسام متسلسلة من بعض العناصر: مزيج سلالات بشرية مختلفة.
  1. مادة طبيعية: المحيط بجغرافيته وجوّه وكنوزه الطبيعية.
 

                                الرسم رقم 1

 

 

وإذا أسقطنا الفصول السبعة التي يتألف منها كتاب "نشوء الأمم" على الرسم السابق (رقم1) بقسميه الرئيسين: الأساس المادي والبناء الروحيّ، يتشكّل أمامنا الرسم رقم2، وذلك إستناداً لما ورد في "نشوء الامم"، إذ يوضح سعاده:

 

  • تقصّينا فيما دوناه آنفاً (الفصول الخمسة الأولى) الأساس المادي للإجتماع البشري وأحواله (43).
  •  
  • وبهذا الفصل (السادس)، نبدأ بدرس البناء النفسيّ للإجتماع البشريّ (44).

 

 أولاً: البناء الروحي

  1. الفصل السادس: نشؤ الدولة وتطّورها.
  1. الفصل السابع: الإثم الكنعاني.

ثانياً: الأساس المادي

  1. المادة البشرية: الفصول 1و2و4و5: نشؤ النوع البشري، السلائل البشرية، الإجتماع البشري، المجتمع وتطوّره.
  1. المادة الطبيعية: الأرض وجغرافيتها.
 

                                   الرسم رقم2

 

وإذا أسقطنا مضمون "المحاضرات العشر" على الرسم البياني الرقم 2 (نشؤ الأمم) نحصل على الرسم البياني الآتي رقم 3.

أولاً: البناء الروحي

  1. المحاضرة الأولى: مفاهيم: الندوة الثقافية. النهضة. المبادىء. الواقع اللبناني. القضية. الحركة. البطولة. السياسة. العقيدة.
  1. المحاضرة الثانية: شرح خطاب الزعيم التوجيهي الأول الذي ألقاه في اجتماع الحزب المركزي العام الأول في أول حزيران 1935.
  1.  المحاضرة الثالثة: المبادىء الأساسية: الأول والثاني والثالث.
  1. المحاضرة السادسة: المبادىء الأساسية: السادس والسابع والثامن.
  1. المحاضرة السابعة: المبادىء الإصلاحبة: الأول والثاني والثالث.
  1. المحاضرة الثامنة: المبدأ الإصلاحي الرابع.
  1. المحاضرة التاسعة: المبدأ الإصلاحي الخامس.
  1. المحاضرة العاشرة: غاية الحزب وخطته.

ثانياً: الأساس المادي

  1. المادة البشريّة: المبدأ الأساسي الرابع: الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولّدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجليّ.
  1. المادة الطبيعية: المبدأ الأساسي الخامس: الوطن السوريّ هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية، وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها، تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي، وجبال البختياري في الشمال الشرقي، إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية، وخليج العجم في الشرق، ويعبّر عنها بلفظ عام: الهلال السوري الخصيب، ونجمته جزيرة قبرص.
 

 

 

 

5- سعاده باني المدرسة العلمية العصرية

 

بداية، لا بدّ من توضيح بعض المسلمات في فكر سعاده؛ سعاده، علميا، هو ابن "المدرسة العلمية". وهو في الفلسفية، يَعتبر العقل الشرع الأعلى للإنسان. والتطوّر، في نظره، هو منهج فكره العقلاني.

 

الأمين هنري حاماتي، في مداخلة له، في ندوة” سعاده وتحديات الألفية الثالثة “في ضهور الشوير، صيف 1999، تحت عنوان: "كيف نقرأ سعاده"، يشرح هذه المسلمات، يقول: "سعاده هو ابن المدرسة العلمية، فهو يعتبر الحقائق العلمية وحدها.. والعقل الذي قرّر سعاده في فلسفته أنّه هو الشرع الأعلى، هو مكتنزات الثقافة الإنسانية من المعارف والحقائق: هو العقل الإنساني المسكوني، منظورا إليه في كلّ مآتي الحضارة الإنسانية، في كلّ مكان.. وهو، بعد هذا، العقليات الخاصة للمجتمعات المتمثلة في قدراتها الخاصة، ومواهبها الخاصة، وخططها النفسية الخاصة. سعاده، إذن هو صاحب إتجاه تأسيس عقليتنا المجتمعية على المعارف والحقائق. والتطوّر هو الناموس العام للحياة الإنسانية. هو قانون عام لا يحدّه حدّ. هو منهج فكر سعاده العقلاني الذي يوجب مشاهدة التطوّر في عوامله وظواهره جميعا. والتطوّر، من حيث هو حركة إنسانية إلى الأمام، يفترض قوى روحية، معرفية وقيمية، وقوى مادية، طبيعية ومنتجة، تحقّقه".

 

ويمكن، إختصار منهج سعاده- منهج التفكير القومي الإجتماعي (أسلوب التعامل مع الحقائق العلمية)، بأنّه منهج إنساني، أسلوبي، شمولي، واقعي وتفاعلي؛ فهو إنساني لأنّه يرى الثقافة شأنا إنسانيا عاما، وهو أسلوبي بمعنى أنّه يتوجّه إلى فهم أحوال المجتمع ، ويخطط لإحداث التغيير اللازم فيه، وهو شمولي يلزمنا إستقراء كلّ العوامل والنواميس الممكن استطلاعها أو استعمالها، ويُقدّم لنا أرحب مدى لإطلاق العقل في موضوعنا وعملنا، وهو واقعي في معالجته للواقع والوقائع، ولا يسمح لمداخلات غريبة أن تحرّفه عن مساره، وهو، أخيرا، منهج تفاعلي يرى التطوّر الحضاري حاصل تفاعل القوى المادية-الروحية .

 

إنّ تعامل هذا المنهج الفلسفي مع الحقائق العلمية يولّد "المذهب القومي الإجتماعي"- النظرة الجديدة الشاملة الفاهمة الواعية المنفتحة، على شؤون الحياة والكون والفنّ، يقول سعاده:"إنّ الفكرة الشاملة التي أوجدها الحزب السوري القومي الإجتماعي تكوّن قضية مثالية في الحياة القومية. وليس يريد الحزب حصر هذه الفكرة السامية ونتائجها الخطيرة في سورية..." (45). الإنسان-المجتمع، هذه هي نظرة سعاده الفلسفية الجديدة إلى الإنسان، ولنا عودة مع هذا الموضوع، "هذه هي فلسفة الإنسان الجديدة. والشريعة الأساسية للإنسان.. هي العقل الذي لا يجوز أن تعطّله شريعة أخرى. فإذا كان الله قد أعطى الإنسان العقل ليدرك به ويعرف، فهو لم يُعطِ شيئا ليعدمه ويعدم قيمة العطاء. إنّ فلسفة سعاده تتكشّف عن قضايا ومفاهيم جديدة سامية. وهي تحتاج إلى دراسات عديدة. إنّها تفتح إمكانيات إنتاج فكري جديد، يخطو بالمجتمع خطوة خطيرة نحو ذروة القوّة وغلبة الموت" (46).

 

وإذا كانت "الفكرّة الشاملة تكوّن قضية مثالية في الحياة القومية"، فهي في جوهرها تعني شمولية التطلّع والإنفتاح والإهتمام، والإضطلاع بمهمة نشرها في العالم كلّه عن طريق الصراع الفكري والعمل الثقافي وتبادل الآراء. مع التركيز على أنّ هذه الفكرة الشاملة تأتي في سياق الثورة الثقافية الكبرى التي أرست الأمّة السورية أسسها عبر تاريخها السياسي – الثقافي الطويل الذي يمتدّ الأف السنين في عمق الحضارة الإنسانية، والتي تستمدّ النهضة السورية القومية الإجتماعية روحها من مواهب هذه الأمة العظيمة وتاريخها المجيد. 

 

وسعاده صاحب القضية القومية، هو سعاده صاحب المذهب القومي الإجتماعي الإنساني، وهو سعاده ذاته المعلم الذي تجسّدت في لحظات حياته وأنفاسه وأعماله ودمّه جميع حروف أبجدية فكره النوراني، فكان المعلم القدوة، وكان المعلم القائد، وكان المعلم الثائر، وكان الشهيد الذي علّم كيف يكون الموت طريقا لحياة العز ووقفات العز، وكان الزعيم الخالد لأمّة عرف كيف يخطو بها نحو ذروة القوّة وغلبة الموت.  

 

سعاده في نظرته الفلسفية الشاملة إلى الحياة والكون والفنّ هو صاحب مذهب إنساني. وسعاده في نظرته إلى مجتمعه السوري القومي، هو صاحب قضية، وقد عرّفها تعريفا واضحا في أربعة مبادىء أساسية من المبادىء- التعاليم السورية القومية الإجتماعية (المبدأ الثاني والثالث والرابع والخامس)، المشروحة بقلمه، والموسعة في شرحها في سلسلة المحاضرات العشر التي ألقاها سعاده في أعمال "النّدوة الثقافية"، عام 1948. وقد خصّ سعاده المحاضرة الأولى لتحديد وشرح أهم المصطلحات في القضية القومية: الثقافة، النهضة، المبادىء، الحقيقة، الإنحراف عن القضية، القضية، تاريخ الحزب، الحركة، البطولة، السياسة...

 

إنّ تحديد سعاده لمعنى الأمة ليس عملا علميا من أجل العلم فحسب، بل هو فكرا ونهجا والتزاما بقضية مقدسة، يقول سعاده:

 

"قضية التحديد القومي للأمة السورية، هي قضية صحيحة، كلّية، أساسية، جوهرية، مقدسة، مؤسسة على الحقّ والخير والجمال، وفيها كلّ الحقّ وكلّ الخير وكلّ الجمال، وكلّ الحقيقة وكلّ العدل، وهي تعبّر عن الحقّ والخير والجمال، وكلّ القيم، وهي تجمعنا في الحزب، ونحن مسؤولون عن تحقيقها وانتصارها.

 

يقول سعاده: لنا قضية صحيحة قادرة على إنشاء مجتمع صحيح، وتسيير هذا المجتمع على قواعد أخلاقية روحية سياسية أفضل ... لنا قضية صحيحة كلّية نريد تحقيقها...نحن في الحزب لأنّنا في قضية تجمعنا.. من أجلها نقف معا، ونسقط كلّنا معا. والوقوف معا والسقوط معا في حركة قويّة، إمّا أن نكون غالبين أو مغلوبين، يعني، بما لا يقبل الشكّ، إنّنا نؤمن بقضية أساسية جوهرية ... قضيتنا مؤسسة على الخير والحقّ والجمال.

 

إنّ هذه الحقيقة (التي لأجلها نجابه كلّ الأخطار من كلّ نوع) هي حقيقة أنّ قضيتنا فيها كلّ الخير، وكلّ الحقّ، وكلّ الجمال، وكلّ الحقيقة، وكلّ العدل للمجتمع الإنساني...قضيتنا تعبّر عن الحقّ كلّه، والخير كلّه والجمال كلّه، وبهذا الإيمان نعمل لها ...نحن مسؤولون، فقط، عن هذه القضية التي هي مقدّسة لنا، لأنّنا نؤمن أنّها تعبّر عن كلّ الحقّ وكلّ الخير وكلّ الجمال وكلّ السعادة وكلّ الصداقة وكلّ القيم العليا التي يحتاج إليها مجتمعنا لينهض وتكون له حياة جيّدة...نحن لا نطالب إلا بما نؤمن به نحن (47).

 

ختاماً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ سعاده، لم يكتف بتحديد المفاهيم في لغته الفكرية الجديدة، وخصوصا في ما يخصّ "مفهوم الأمة" الذي عالجناه آنفا. لأنّ سعاده لم يكن من فئة العلماء الذين يطلبون العلم من أجل المعرفة العلمية البحتة، فحسب، وإنّما تجاوز ذلك للنظر في مستقبل هذه الأمة وتشييد تمدن جديد وإيجاد عالم أفضل من الموجود، يقول سعاده:

 

"إن الحزب السوري القومي الإجتماعي نشأ بتفكير الإبداع السوري... ولم يكتف زعيم الحركة السورية القومية الإجتماعية بطلب الحرية والإستقلال، ففضلا عن تعيين الأمة وتحديد القومية وإيجاد عقيدة وحدة الأمة، فقد نظر الزعيم في مستقبل الأمة، وما يجب أن تصل إليه من الإرتقاء والبحبوحة والعدل الإجتماعي- الإقتصادي، فوضع لهذه الغاية المبدأ الإصلاحي الرابع من مبادئ الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي يتضمن العقيدة القومية الإجتماعية للسوريين القوميين الإجتماعيين، وهو "إلغاء الإقطاع، وتنظيم الإقتصاد القومي على أساس الإنتاج، وإنصاف العمل، وصيانة مصلحة الأمة والدولة". ويتابع سعاده: "هذا المبدأ العظيم، يوجد مجتمعا جديدا في نظرته إلى القيم الإجتماعية وفي حركته ونشاطه وعاداته وتقاليده وأشياء أخرى. إنّه يوجد أمّة حيّة متآلفة قلوب أبنائها، وحاصلا لها المستوى الراقي في الحياة المادية والروحية. فالسوريون القوميون الإجتماعيون يجاهدون ولهم عقيدة كليّة تشمل جميع مناحي الحياة الإجتماعية، وترتفع في مثل عليا غير متناهية. إنّهم يحاربون واثقين من إنّهم يشيّدون تمدنا جديدا أفضل من التمدن القديم الذي وضع قواعده أجدادهم الأولون. فهم من هذه الناحية الفلسفية الأساسية، في طليعة الأمم التي تسعى لإيجاد عالم أفضل من الموجود..."(48).  

 

 

 

 

الهوامش

 

 

  1. سعاده: الآثار الكاملة، الرسائل، ج3، ص111.
  2. سعاده: الأعمال الكاملة، من الزعيم إلى الدكتور شارل مالك: كتاب نقد وتوجيه، ج3، ص259.
  3. ول ديورانت: قصة الفلسفة، مؤسسة المعارف، بيروت، 1966، ص 23. وردت هذه العبارة في نصّ عنوانه:"المشكلة الأخلاقية"، وهو حوار بين سيفالوس الأرستقراطي الثري، وثراسيماخوس السفسطائي وسقراط الذي يتحدث بلسان أفلاطون: سقراط يسأل سيفالوس: ما هي أعظم البركات والخيرات التي جنيتها من الثروة والمال؟ يجيب سيفالوس: إنّ الثروة نعمة له، مكنته من أن يكون سخيا وكريما وعادلا. ويسأله سقراط بطريقته الماكرة، ماذا يقصد بكلمة العدالة، وهنا يطلق سراح كلاب الحرب الفلسفية، إذ لا شيء أصعب من التعريف، ولا شيء أشد في فحص الصفاء العقلي من محاولة تعريف الأشياء وتحديد المقصود منها. إن سقراط يجد في هذا طريقة سهلة لتدمير التعاريف التي تقدم له الواحد تلو الآخر. لقد أثارت طريقة سقراط ودحضه لكلّ تعريف يقدم له ثراسيماخوس الذي كان أقل صبر من الحاضرين فانفجر صارخا، وقال: ما هذه السخافة يا سقراط؟ ما بالكم جميعا تسقطون أمامه الواحد تلو الآخر بهذه الطريقة الماكرة؟ لأني أقول أنّك إذا كنت تريد أن تعرف ما هي العدالة يجب عليك أن تجيب لا أن تسأل، ولا تفخر لأنك تدحض ما يقوله الآخرون.. لأنّ الكثير من الناس يقدرون على السؤال ولكنهم لا يقوون على الإجابة ولم يرهب هذا التحدي سقراط أو يخيفه، واستمر في إلقاء الأسئلة بدلا من الإجابة.. وبعد مدّة من المراوغة والدفع أخذ يثير ثراسيماخوس ويدفعه إلى إلزام نفسه بتعريف. أصغوا إذا، يقول السفسطائي - لمعرفة المزيد عن السفسطائيين، راجع مقالة سعاده"نظرة سعاده إلى الإنسان") - بغضب: إنّني أعلن أنّ القوة هي الحقّ، وإنّ العدالة هي مصلحة الأقوى..
  4. Gilles Dellouz (1925-1995) ، فيلسوف وناقد أدبي وسينمائي فرنسي، له العديد من الكتب التي تتناول الفلسفة وعلم الإجتماع، من أشهرها كتاب "ما هي الفلسفة". النص الوارد في متن هذا البحث، منقول من محاضرة له ألقاها عام 1987، تحت عنوان “ما هو العمل الإبداعي؟، ما هي الفلسفة؟"   
  5. سعاده: المحاضرات العشر، راجع المحاضرة السادسة.
  6. و7و8و9و10و11- سعاده: المحاضرات العشر، راجع المحاضرة الأولى

12- سعاده:  الأعمال الكاملة، ج 7، ص 384 مقالة "المجموع والمجتمع".

13- سعاده: الأعمال الكاملة، ج8، ص339.

14- سعاده: جريدة "الزوبعة"، العدد88، تاريخ 20 كانون الثاني 1947...

15- سعاده:

16 – سعاده: الأعمال الكاملة، ج 7، ص 178.

17 – سعاده: جريدة "المعرض “لبيروتية، العدد32، تاريخ 30 آيار 1931، ص 15.

18 – سعاده: الأعمال الكاملة، ج3، ص453.

**- راجع، د. عادل بشارة: "إضاءة على المراجع المعتمدة في كتاب نشؤ الأمم"، المرجع: الكتاب القومي، العدد4، ص19-25، وفي الخلاصة “دلالات استخدام سعاده لهذه المراجع"، يقول د بشارة: "إنّ سعاده اعتمد على أبرز وأحدث الأبحاث والحقائق العلمية...ونزّه البحث العلمي الإجتماعي من الإختلاطات السياسية والنعرات العرقية والأوهام اللغوية والدينية...فقد درس سعاده معظم الحقول العلمية ذات الصلة في كتابه من الجيولوجيا إلى الأنتربولوجيا إلى التاريخ والعلوم السياسية والإجتماعية واللغوية والجغرافيا".

19- سعاده: الأعمال الكاملة، ج3، ص 454، "رسالة الزعيم العلمية، نشؤ الأمم".

20- سعاده: الأعمال الكاملة، ج11، ص393و394، من رسالة إلى فخري المعلوف، تاريخ 4 آذار 1945.

21- سعاده: المحاضرات العشر، ط 3، 1956، ص13.

22-الندوة الثقافية: أنشأ سعاده هذه الندوة في العام 1937"للأبحاث الثقافية ونقل الفكر من السطحيات ومسائل الإدراك العادي إلى الأساسيات وقضايا العقل العلمي والفلسفي"...وتوقفت هذه الندوة على أثر سفر الزعيم عام 1939، وبعد عودته إلى الوطن أعاد سعاده تفعيل عمل الندوة، وألقى فيها عشر محاضرات تثقيفية في الفترة الواقعة بين 7كانون الثاني و4 نيسان 1948، وجمعت هذه المحاضرات في كتاب حمل العنوان "المحاضرات العشر" . للمزيد من التفاصيل، راجع مقالة "الندوة الثقافية في الحزب السوري القومي الإجتماعي" بقلم رئيس الندوة جهاد العقل، المنشورة في "صوت النهضة"، تاريخ 15 تموز 2002، ص 36-38.

23-24-25-26- سعاده، راجع المحاضرة الأولى

27- سعاده: المحاضرات العشر، ط3،1956، المحاضرة السادسة، ص 82

28- سعاده: نشؤ الأمم، ط 1951، ص 150.

29- جريدة "الزوبعة": أسسها سعاده في الأرجنتين، صدر منها 91 عددا بين عامي 194و1947، راجع: جهاد العقل: صحافة الحركة القومية الإجتماعية، ج1، ص 427 إلى ص 541.

30- سعاده: الأعمال الكاملة، ج 6، ص481.

31 و32- سعاده: المحاضرات العشر، راجع المحاضرة الأولى.

33- سعاده: الأعمال الكاملة، ج3، ص259، "من الزعيم إلى الدكتور شارل مالك، كتاب نقد وتوجيه".

34- سعاده: المحاضرات العشر، راجع المحاضرة الأولى.

35- سعاده: المحاضرات العشر، راجع المحاضرة الثانية التي تتضمن نصّ الخطاب وشرحه. وعن الخطاب يقول سعاده في مقدمة المحاضرة الثالثة: “ألقي هذا الخطاب في أول إجتماع عام للحزب السوري القومي الإجتماعي في أول حزيران عام 1935، الذي هو بالحقيقة أول شرح لأهداف الحزب ومنهاجه العملي"، ولنا عودة إلى هذا الخطاب في سياق الحلقات اللاحقة.

36و37و38- سعاده: المحاضرات العشر، راجع المحاضرة الثالثة.

39- سعاده: الأعمال الكاملة، المجلد 7، ص 384.

40- سعاده: راجع مقدمة نشؤ الأمم.

41 – سعاده: نشؤ الأمم، ط 1951، ص178.

42 – سعاده: الأثار الكاملة 2، ص 130.

43 و44 – سعاده: نشؤ الأمم، ط1951، ص88.

45 – سعاده: المحاضرات العشر، ط 1956، ص138.

46 – سعاده: المرجع نفسه، ص 146.

47 – سعاده: راجع المحاضرة الأولى.

48- سعاده: شروح في العقيدة، ط آذار 1958 ص 17.

 
التاريخ: 2022-09-24
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro