مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
أنطون سعاده واستقلال لبنان: الإرادة الشعبيّة في مواجهة الاستغلال الخارجي والانقسام الداخلي
 
أبو زيد، سركيس
 

 

 

 

في دراستي السابقة التي نشرت في جريدة الديار عدد7تموز 2021، ركزت فيها على رؤية سعاده للمسألة اللبنانية، خاصة تمييز سعاده بين الواقع السياسي للكيان اللبناني والواقع الاجتماعي للأمة السورية، ورفضه لعزل لبنان عن بيئته الطبيعية.

 

في هذه المقالة سوف أتناول وجهة نظر أنطون سعاده حول زيف التسويات السياسية وفشل الميثاقية الشكلية، وتأثير التدخل الأجنبي وضرورة الاحتكام الى الإرادة الشعبية.

 

 

رفض الاستغلال الأجنبي

 

وضع سعاده الحلّ الجذريّ للمشكلة الطائفية اللبنانية، فقد أدان الأسباب الدينية الاجتماعية الداخلية، كما رفض استغلال الاستعمار الخارجي لهذه المشكلة، متذرِّعاً بفكرة حماية الأقليات أو غيرها من المبررات «فالإرادة الأجنبية الاستعمارية.. عملت على استغلال المشاكل الحزبية الدينية، لإيجاد حالةٍ سياسيةٍ سيئةٍ في البلاد السورية، تسهّل لها مهمّتها الاستعمارية».

 

إن سعاده لا يخلط بين السبب والنتيجة، إنه ينكبّ على معالجة السبب الاجتماعيّ ـ الدينيّ بموضوعيةً، ويعتبر التدخل الاستعماريّ هو وليدة «استغلال المشاكل الحزبية الدينية»، الموجودة نتيجة عصر الانحطاط والتفسّخ الاجتماعي.

 

لقد وضع سعاده دوماً الإرادة الشعبية في مركز الصدارة من التقرير، وقد شدد دوماً على احترام هذه الإرادة في كلّ المسائل القومية والسياسية، سواءٌ في طلب الوحدة أو في الحفاظ على الكيان. من هنا كان رفض سعاده لفرض الإرادات الأجنبية وإحلالها محل الإرادة الشعبية في إعلان الاستقلال أو تقرير المصير. فعندما أعلن الانتداب استقلال لبنان مرّاتٍ عدة إبّان احتلاله، رفضَ سعاده الاعتراف بحقّ الانتداب في إصدار هذا الإعلان، لأنه يعني إلغاءَ حقّ الشعب في تقرير المصير.

 

كتب في آب 1942 مقالاتٍ تشجب هذا الإعلان، وكان يرى أن إعلان الاستقلال بإرادةٍ لبنانية مستقلة يلفظها مجلسٌ يمثل اللبنانيين يعدّ خطوةً مقبولةً لجهة كرامة الشعب مهما كان رأي دعاة الاتحاد أو دعاة الانفصال. أما أن يقف قائد جيشٍ أجنبيّ محتلّ ويقول «إني أعلن لبنان الكبير» أو «إني أعلن الجمهورية اللبنانية المستقلة فهو شرّ البلية وأكبرُ العار». ويتوجّه سعاده إلى جميع فرقاء لبنان في ذلك الحين، إلى «طلاب الانفصال» و«طلاب الوحدة»، داعياً إياهم إلى الاشتراك «في مقاومته لأنه تهجّم على كرامة الشعب واحتقار إرادته». إن سعاده يعتبر أن الاستقلال المزيّف الذي يعلنه قائد جيشٍ أجنبيّ مهزلةٌ يجب أن يرفضها الشعب.

 

ويقول سعاده «كاد يُبحّ صوتُنا ونحن ننادي اللبنانيين إلى الاستقلال الصحيح.. وعبثاً كنا نقول لهم: إن الاستقلال هو الذي تعلنه الأمّة لا الذي يعلنه جيشٌ أجنبيٌّ محتلٌّ البلاد، وإنّ الاستقلال الذي يعلنه ذو سلطةٍ أجنبية يعلن أنّ الحقّ فيه لتلك السلطة لا للشعب المعلن عنه. لقد أبَوا إلا أن يتابعوا تلك المهزلة فكان لهم استقلالٌ واحدٌ مُعلنٌ من قِبَل الجنرال غورو، ثم جاء الجنرال كاترو ومنحهم استقلالاً فصار لهم استقلالان...»

 

ويقاتل القوميون الاجتماعيون في معركة الاستقلال في الشام ولبنان هذا الانتداب وقواه المسلحة مؤدّين واجبهم كمواطنين وكحركة، ويبارك سعاده هذا النضال « في ساعة الشدّة، في الصراع الفاصل مع الاحتلال الأجنبيّ، كانت الحكومة تجد في هذه الحركة فقط مستندها... الرفقاء الذين سفكوا دماءهم في بشامون وعين عنوب هم الذين ذادوا عن الحكومة ضد الحملات الفرنسية ونكّلوا بها». (خطاب سعاده في أول آذار 1949).

 

رفض سعاده الإرادة الأجنبية انطلاقاً من مبدأ حقّ الإرادة الشعبية الحرة في تقرير المصير، وحفاظاً على الكرامة القومية، وهو يعتمد المبدأ نفسه بالنسبة للكيان اللبنانيّ بعد الاستقلال.

 

 

 

تلازم النفوذ الأجنبيّ مع العلّة الطائفية

 

إن الحديث عن النشأة الطائفية الملازمة للكيان اللبناني يتلازم بالضرورة مع وعينا لتلازم النفوذ الأجنبيّ مع هذه النشأة ومواكبته المراحل التالية.. فالحديث عن «حروب الآخرين» الذي يُحصر استنساباً بالحرب اللبنانية الأخيرة، يتغاضى عن أن «حروب الآخرين» بدأت منذ القرن التاسع عشر، وتزاحم النفوذ الأوروبي على ترِكة الرجل المريض، والحمايات الأوروبية المتعددة والموزّعة على الطوائف، وقيام المتصرفية وصولاً إلى إعلان الجنرال غورو الاستقلال اللبنانيّ الأول. فأضفى هذا التدخل الأجنبيّ ردّة الفعل السلبية على العديد من المواقف اللبنانية ضد هذا التدخل، حيث إن القفز فوقه يشكل التفسير المجتزَأ وغيرَ المنصف للأحداث. وكان التدخل الإسرائيليّ الذي ظهرت معالم خططه منذ أواخر الأربعينيات ومطلع الخمسينيات وفق مذكرات موشي شاريت، وبلغ أوجَه في الثمانينيات، مفجِّراً لأخطر المضاعفات.

 

ولقد قام منظِّرون لهذا التدخل الأجنبيّ، يتجلّى تصوّرهم في شعارٍ لأحد أدبائهم بأن لبنان كلّما ازداد التدخل الأجنبيّ فيه اعتزّ، وكلّما غاب هذا التدخل عن كيانه اهتز! وهي فكرة تبرّر استمرار ارتهان لبنان للإرادة الأجنبية.

 

إلا أن الأحداث أكدت أن العكس هو الصحيح. إنّ نزع فتيل التدخّل الأجنبيّ يكون بإقامة اللحمة الوطنية والأساس المدنيّ للدولة، والوعي بوحدة الشعب، والأرض، ونبذ مصيَدة مؤتمرات الأقليات التي تدبّر في الدوائر الأجنبية لاتخاذ الأقليات وقوداً للمصالح الدولية.

 

ويرى سعاده «أن الكيان اللبنانيّ يفتقر إلى إرادةٍ قوميةٍ عامّة تعطيه الأساس الذاتيّ». لإيجاد هذا الأساس، اعترف سعاده بالحدود اللبنانية تأميناً للأهداف السياسية التي أرادها المسيحيون اللبنانيون، رغبةً في طمأنتهم، وبذلك أمكن التوفيق بين القضية السورية العامّة والمسألة اللبنانية الخاصة التي أرادوها ـ بين القومية السورية والكيان اللبناني.

 

ويرى سعاده أنه من الأساس لم يكن هناك «اشتراكٌ شعبيٌّ في إنشاء الكيان اللبنانيّ «نتيجة الانقسام بين نزعتين: «النزعة المسيحية اللبنانية الفينيقية والنزعة المحمّدية العربية».

 

 

ا

لافتقار إلى إرادةٍ شعبية موحّدة

 

إن الكيان اللبنانيّ هو وقفٌ على إرادة الشعب اللبنانيّ. واعتبر سعادة أن الحزب أثبت في جميع مواقفه أنه يضع إرادة الشعب فوق كلّ اعتبارٍ في هذا الصدد، وأنّ تعاون الحزب مع الحكومات اللبنانية في جميع ما يتعلّق بمسائل السيادة حتى حين لم يكن راضياً عن سياستها الداخلية لهو دليل قاطعٌ على أنّ الحزب لا يريد أن يفرض على الشعب اللبناني شيئاً. ويرى سعاده في الاستقلال «خطوةً موفقةً» ولكنها بحاجةٍ إلى إكمالها بخطواتٍ أدقّ.

 

قال سعاده في خطابه يوم وصوله الى لبنان: «إن خطوة الاستقلال التي خطوناها يجب أن تعقبها خطوات».. والخطوات التي عناها هي خطوات استكمال الاستقلال وجعله حقيقةً. «فالاستقلال السياسيّ لا يكون استقلالاً صحيحاً ما لم يثبت على قواعد اقتصادية ـ اجتماعية ـ سياسية متينة».

 

فإذا ألقينا نظرةً على القواعد الاقتصادية لاستقلالنا، وجدنا أنها معدومةٌ بالمرّة. فليس هناك نهضةٌ زراعية، ولا توجد قواعد أساسية لقيام مثل هذه النهضة، وليس للدولة اللبنانية سياسةٌ اقتصاديةٌ داخليةٌ أو خارجية، والنقد لا أساس له إلا في ضمانةٍ أجنبية تجعل رأس المال الوطنيّ والعملة الوطنية تحت رحمة سياسةٍ اقتصاديةٍ أجنبية .»وما دامت الحال الاقتصادية على هذا المنوال فليس لنا استقلالٌ صحيح.»

 

لذلك يرمي سعاده إلى إيجاد القواعد الاقتصادية للاستقلال… وكما يفتقر الاستقلال الناقص إلى القواعد الاقتصادية المتقدمة كذلك يفتقر إلى القواعد السياسية الصحيحة.

تجاه هذه الحالة يعتبر سعادة أن الحلٍّ الوحيد للمشكلة هو حلّ النهضة القومية الاجتماعية التي تريد:

 

1- تأمين الكيان اللبناني وتثبيته باعتباره نطاقاً قومياً يضمن قيم النهضة ويضمن عملها واستمرارها.

2- توليد إرادة عامة، في لبنان وخارجه، تجعل للتأمين المتقدّم قيمته الفعلية.

3- تحقيق الإصلاح السياسيّ الكبير بفصل الدين عن الدولة.

4- ضمان الحريات الأساسية التي توجد الضمان الحقيقيّ للاستقلال اللبناني.

5- إيجاد ترابط قوميّ سياسيّ وثيق بين الكيان اللبنانيّ وبقية الكيانات السورية (من بيان الحزب ومنهاجه النيابيّ المعبّر عن إرادة الشعب اللبناني 1947).

 

الحقيقة التي أكدت عليها الحركة القومية الاجتماعية هي أنها تعتبر أن الاستقلال المعلن لهذا الكيان افتقر ويفتقر إلى القواعد السياسية ـ الاقتصادية، وأنّ لها وجهة نظر في كيفية إيجاد القواعد. وأنّ من أهم القواعد التي يفتقر إليها الكيان اللبناني الإرادة الشعبية الموحّدة، لأن الانقسام الطائفيّ شلّ هذه الإرادة وجزّأها. وهذه الحقيقة التي يعلنها سعاده عام 1949 هي التي لم يزل يعاني منها لبنان اليوم، حيث يظهر الانقسام الطائفيّ السياسيّ على أشدّ حالاته فيشلّ الدولة، ويهدِّد الكيانَ شرُّ الانقسام. ولا بد من إيجاد الحلّ لهذه المشكلة على أساس النظر إلى لبنان المستقبل من ضمن ارتباطه ببيئته. هذا هو الحلّ الذي طرحه سعاده للمشكلة الطائفية اللبنانية.

 

لقد حقّقت الحركة القومية الاجتماعية في صفوفها وحدةً شعبيةً نموذجيةً انصهرت فيها مختلف الولاءات الجزئية، وتلاشت تناقضات الوضع الاجتماعيّ السياسيّ القائم خارجها، وذلك لأنها أرست الإصلاح الاجتماعيّ المُنادي بفصل الدين عن الدولة على وضوح في الهوية القومية، فحلّ الولاء القوميّ السليم محلّ الولاء الطائفيّ المريض. واعتمد الوضوح العلميّ في تحديد الشأن القوميّ والحل الجذري على أساس عقيدةٍ اجتماعيةٍ شاملة.

 

وانطلاقاً من هذه الحقيقة، عمل سعاده حتى يكون الحزب هو النموذج الذي يحقق النهضة التي أوجدت الحل العلميّ التطبيقيّ المبدئيّ وجسدته في الواقع من خلال بناء الإنسان الجديد الذي انتصر على فوارق الطائفية والعشائرية والطبقية وكل أشكال التخلف والتبعية. وهدف سعادة أن تعبر النهضة عن إرادةً شعبيةً جديدة موحّدة، حتى تعتمد حلّاً لمشكلات لبنان والأمّة. وهذا الحلّ هو كلٌّ مترابط لا يمكن أخذ بعض أجزائه وبترها عن القاعدة. ومدخل هذه الطريق هو العمل من أجل تغيير معنى لبنان ودوره من كيان طائفي ينازع الى نطاق ضمان للفكر الحر، مما يتطلب بحثه في مقالٍ آخر.

 

ولأن هذه الرؤية المتكاملة لم تنتصر بعد، يواجه الحزب السوري القومي الاجتماعي أزمة وجودية، أدت الى تفكك التنظيم والوجدان، ولن يستعيد دوره في حركة الصراع إلا من خلال العودة الى هذه القواعد وتجديد الوعي وتغليب العمل على الثرثرة. 

 

 

 

 
التاريخ: 2022-09-11
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: جريدة الديار، 11 أيلول 2022
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro