مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
كتاب «تهجير الموارنة إلى الجزائر»: مستوطنات مارونية لحماية الاستعمار الفرنسي
 
أبو زيد، سركيس
 

 

 

 

ما الذي جلب على لبنان كلَّ هذه الحروب، أهليةً كانت أم إقليمية أم وجهاً لتنافس دولي أم شكلاً من حروب الآخرين على أرضنا؟

 

أسئلة طرحها اللبنانيون خلال مواكبتهم الحروب اللبنانية في العشرين سنة الأخيرة، كما طرحتها على نفسي، ودفعني إلى التفكير والبحث عن جذور الأزمة اللبنانية وطرق الخروج منها.

 

لقد تعددت الأسباب المرتبطة بموازين القوى الدولية، وطبيعة الأنظمة العربية، وظروف الصراع العربي – الإسرائيلي، وغيرها من العوامل الموضوعية.

 

ومن ضمن هذا الإطار العام حاولت أن أفهم الأسباب الداخلية والذاتية وركزت في أبحاثي على دراسة الكنيسة المارونية عبر تاريخها وواقعها وعبر علاقاتها مع الجماعات الأخرى ضمن المحيط الذي نشأت وانتشرت فيه، وذلك كمدخل ونموذج لدراسة التركيبة الداخلية الذاتية للطوائف والجماعات. فاستنتجت عبر الوثائق والوقائع، التناقض الفاضح بين الحقيقة التاريخية والتصورات الأسطورية. فركزت كتابي على حقيقة محددة وموضوع شبه مجهول في مسارنا التأريخي. هذا المسار المطبوع بسمة التهجير والتوطين منذ البدايات الأولى في العهد البيزنطي حتى يومنا هذا، حيث ما زال شبح التهجير والتوطين يهدد مسيرة السلم الأهلي ومصير الوطن.

 

في كتابي الأخير «تهجير الموارنة إلى الجزائر» - صدر مؤخرا عن دار ابعاد - زين تقديمه الصديق الدكتور حسن حماده حيث دعا الى « ورشة تصحيح الرواية التاريخية المعاصرة لبلادنا تلك الرواية التي تحبل بالأكاذيب وتولّد مفاهيم مغلوطة أثرت وتؤثر سلبًا في وجودنا كشعب وأمة، الأمر الذي كلّفنا ويكّلفنا غاليًا جدًا، ويرمي ببلادنا في أتون لعبة الدم البهائمية التي بتنا نتقنُ ممارستها حتى أصبحنا مضرب مثلٍ بالغباء المعتق، في نظر الغرب الاستعماري، فيما عطل هذا الغباء قدراتنا العقلية، حيث لم يعد في وسعنا إنجاز أي عملٍ حضاري بناء «.

 

وتطبيقاً لهذه الدعوة استعرضت مشاريع تهجير الموارنة التي امتدت من العام 1845 إلى العام 1867 حيث شهدت 9 مشاريع مختلفة في 9 حقبات متنوعة وهي:

 

1- الموارنة في مصر، بدأت رحلة مشروع تهجير الموارنة إلى الجزائر في العام 1845 على أثر انفجار الوضع في لبنان نتيجة تفاقم الأزمة الاجتماعية بوجهيها الطائفي والطبقي واحتدام التنافس الأوروبي العثماني.رافقت هذا الانفجار مذابح أدت إلى نزوح فريق من الأهالي إلى مصر، حيث قدّم فريق من الموارنة في 9 أيلول 1845 طلباً إلى قنصل فرنسا العام لتأمين سفرهم إلى الجزائر عارضين أن يكونوا مزارعين أو جنوداً.

 

لقد استغلت بعض الدوائر الفرنسية مأساة هؤلاء الموارنة المساكين وبدؤوا يدرسون إمكان الاستفادة من العنصر الماروني في مسألة استعمار فرنسا لإفريقيا. وبعد مداولات بين رافض ومؤيد في أوساط الدوائر الفرنسية، انتهى المشروع الأول بالرفض.

 

2- مشروع بوديكور، لويس بوديكور كاتب سياسي معروف بدأ مساعيه في العام 1847 من أجل توطين الموارنة في الجزائر وله عدة مؤلفات في هذا المجال. ووجه عدة رسائل إلى المسؤولين الفرنسيين من أجل إقامة مستعمرات مارونية في الجزائر.

 

وأسس شركة تجارية تقيم على حسابها عائلات مارونية في داخل الجزائر من أجل إنشاء شبكة تربط المناطق المختلفة بتجار أوفياء ووسطاء مخلصين. وقد تعاون على تنفيذ مشروعه مع مرعي الدحداح (الذي كان مستشاراً للأمير عباس شهاب) وأفراد من عائلته من أجل إدارة عمليات الشركة.

 

كما أن البابا بيوس التاسع بارك المشروع وشجعه وسجل لنفسه عشر حصص في «شركة إفريقيا والشرق» التي تأسست في مرسيليا 22 شباط 1848 ومن أهدافها استعمار المسيحيين في إفريقيا وتوطين الموارنة.

 

وعرض بوديكور مشروعه على الحكومة الفرنسية مقترحاً تأسيس دير للرهبان إلى جانب كل مستعمرة، لأن الرهبان حسب رايه مهرة وربما سيكون لهم تأثيرهم في السكان المسلمين. كما أن إقامة الموارنة في الجزائر سوف تدربهم على الحياة الحديثة مما يحررهم من التنظيم الإقطاعي البالي الذي ورثوه من أيام الصليبيين.

 

3- مشروع الأب جان عازار، هو الوكيل العام لمطران صيدا آنذاك، ومندوب البطريرك الماروني يوسف الخازن الذي أوفده العام 1844 بموافقة بعض الزعماء الموارنة إلى أوروبا لعرض وجهة نظره، وله مؤلفات عديدة منها كتاب «الموارنة حسب المخطوطات العربية».

 

وقد جاء اقتراحه في 9 أيلول 1850 برسالة موجهة إلى وزير الحربية، ويشير في مذكرته إلى مسألة إقامة مستعمرات مارونية في إفريقيا، ويستعرض فوائد المشروع ويحاول خفض الكلفة حتى لا يرهق وزارة المال، ويطلب قروضاً زهيدة من الدولة الفرنسية على أن يتم لاحقاً استردادها، ويدعو إلى اختبار الهجرة بنقل 100 عائلة مارونية، ويعد بمساعدات الفريق الميسور من الموارنة.

 

وهكذا يقترح الأب عازار نقل أبناء طائفته بـ «المونة» من أرضهم في لبنان إلى مستوطنات في الجزائر لخدمة نفوذ فرنسا من دون إرهاق خزانة «الأم الحنون» سوى بتسليفات تُعاد إليها من عرق جبين الفلاح الماروني.

 

لقيت اقتراحات الأب عازار الدعم من الحاكم العام للجزائر ومن وزيري الحربية والبحرية، لكن الحكومة الفرنسية رفضت الاقتراح بعد مشاورات بين الخارجية الفرنسية والباب العالي (دام عزه)، لأنه رفض هجرة المسيحيين ولم يتمكن قنصل فرنسا في القسطنطينية من إقناع الوزراء الأتراك.

 

عاد الأب عازار إلى لبنان في العام 1854 وأصر على محاولاته الرامية إلى تهجير مواطنيه إلى الجزائر، لكنه لم يفلح في تنفيذ مخططه.

 

4- الأمير أسد شهاب، في 3 أيار 1852 تقدم الأمير أسد شهاب بطلب إلى قنصل فرنسا في بيروت يُبدي فيه استعداده لنقل فلاحين موارنة على نفقته بصفة مستوطنين إلى الجزائر.

 

5- مشروع فيليكس والماس، وجه عريضة إلى نابليون الثالث في 28 شباط 1854 ضمنها اقتراحه بتكاثر السكان المسيحيين كشرط لصون الاحتلال الفرنسي في إفريقيا. ويمكن، حسب زعمه، استمالة الموارنة إلى الجزائر بواسطة الإكليروس الذي يتمتع بنفوذ كبير في لبنان.

 

وإذا رفضت تركيا سفر رعاياها الموارنة، يقترح والماس تهجير المسملين من الجزائر.

 

وعن الكلفة، العائق الأساس كما يبدو، يعتبر أن إقامة مئة عائلة توازي إلغاء مركز مئتي جندي. وبما أنه لا يمكن إبادة المسلمين، كما فعل الإسبان في أميركا، يجب العمل على استمالتهم إلى حضارتنا «وعرب سوريا المسيحيين هم الأدوات الفاعلة والمعنية بهذا التحويل».

 

ومع اندلاع حرب القرم صرفت الأنظار عن الجزائر وركزت فرنسا اهتمامها على المشرق فكان الموارنة قاعدة لتدخلها في الشرق.

 

بعد فتنة 1860 طرحت مشاريع أخرى، منها:

 

6- الكونتيسة كليمانس من بروسيا التي دعت وزير الحربية الفرنسية في 11 آب 1860 إلى وضع الموارنة في القرى الجزائرية التي تغيب عنها اليد العاملة الأوروبية.

 

7- السيد فايسات نشر كراساً بعنوان «أنقذوا الموارنة بواسطة الجزائر ومن أجل الجزائر» حل مؤقت للمسألة الشرقية، وفيه عرض للأسباب الموجبة سياسياً وإنسانياً واستعمارياً.

 

8- الكونت إدوارد دو وارن كتب إلى رئيس الحكومة الفرنسية في 20 حزيران 1861 يدعوه إلى توطين الموارنة في الجزائر، مما أثار جدلاً في الأوساط الفرنسية بين مؤيد ومعارض.

 

9- يوسف بك كرم، آخر فصل من مسرحية التهجير كان في العام 1867 على أثر رفض كرم التسوية الدولية التي تجلت بنظام المتصرفية ونفيه، اختارت له فرنسا الجزائر مكاناً لإقامته علّه ينجح في استقطاب الموارنة المتخصصين بزراعة القطن إلى الجزائر، بعد أزمة الحرير التي واجهتها فرنسا وحاجتها إلى زراعة القطن في مستعمراتها وراء البحار.

 

استمرت إقامة كرم في الجزائر من 21 شباط 1867 إلى أواخر 1868، ورغم الإغراءات التي عرضها حاكم الجزائر الماريشال ماكماهون المؤيد لتوطين الموارنة في الجزائر، أصر كرم على مغادرة الجزائر، وهكذا طُويَّ آخر مشهد مما نعرفه عن مشاريع تهجير الموارنة في تلك الحقبة.

 

الأسباب المشجعة لتوطين الموارنة في الجزائر حسب زعمهم:

 

1- الاعتبارات الإنسانية والوطنية توجب على فرنسا أن تقدم «الملجأ للثوار المغلوبين».

 

- إدخال العنصر المسيحي إلى إفريقيا، لأنه أكثر ملاءمة لعادات البلد ومفيد من أجل الوقوف في وجه العنصر اليهودي والعنصر الإسلامي، وبخاصة أن الموارنة «أوفياء لفرنسا أكثر من مواطنينا اليهود، لأن معظم هؤلاء عملاء لإنكلترا».

 

3- المسيحيون العرب نواة لفيلق خيالة من أجل مناهضة المسلمين العرب، لأنهم يعرفون تكتيكهم وعاداتهم ولغتهم ويتغلبون، أسهل من الأوروبين، على صعوبات المناخ ومشاق العمل، لأنهم عرب «بالدم والعادات واللغة» فيكونون وسطاء مفيدين لفرنسا مع الأهالي.

 

4- يدافعون عن مصالح فرنسا في الحرب ومبشرون ناجحون للأفكار المسيحية في السلم.

 

5- إنتاج أنواع من الزراعات التي تفتقر إليها الأسواق الأوروبية، كالزراعات الصناعية.

 

6- الموارنة محاربون بواسل معتادون العيش والسلاح على الكتف باستمرار، فيهم صفات المستوطنين العسكريين.

 

الأسباب التي طرحها رافضو المشروع من الفرنسيين كما وردت في الرسائل المتبادلة بين المعنيين:

 

1- «أن مسيحيي لبنان ليسوا محاربين»، بل على العكس، «إنهم يرزحون تحت سيطرة مطلقة لإكليروس قليل الأخلاق، غيور على سلطته، يعتمد الدسائس»، على حد تعبير المدير مستشار الدولة.

 

2- الكلفة الباهظة والمصاريف التي ستتكبدها الدولة الفرنسية من جراء هذا المشروع الذي يوجب عليها تأمين كلفة الانتقال ولوازم العمل الزراعي والغذاء ونفقات الإقامة.

 

3- التخوف من أن يستفيق في قلوبهم حب الوطن والحنين إليه لتعلق الجبليين بالأرض التي شهدت ولادتهم، مما سيدفعهم إلى الرجوع إلى وطنهم.

 

4- الدور الذي يمكن أن يؤديه الموارنة في الشرق خدمة للمصالح الفرنسية، إنهم ركيزة رئيسية في كل تدخل فرنسي في حال تفكك الامبراطورية العثمانية.

 

5- إن حالة الفقر والبؤس التي كان يعيش فيها اللاجئون الموارنة اضطرتهم إلى العيش من الهبات والمساعدات، مما يحمّل الإدارة الفرنسية أعباء إضافية غير ملحوظة في الموازنة.

 

6- الفلاح الماروني لا يملك المؤهلات اللازمة لتحقيق هذه المغامرة.

 

 

فرنسا بين الجزائر والمشرق

بالخلاصة، مواقف المسؤولين الفرنسيين كانت تتأرجح بين التأييد والرفض وفق المصلحة الفرنسية وظروف سلطتها في الجزائر ولبنان، فعندما كانت تشعر أن سلطتها في الجزائر مهزوزة ترتفع الأصوات المطالبة بتوطين الموارنة في الجزائر، وعندما يستتب الوضع في الجزائر، يُصرف النظر عن بحث الموضوع!

 

كذلك عندما يستقر الوضع في لبنان ويستكين اللاجئون والنازحون ترتفع الأصوات الفرنسية المطالبة بالتدخل في المشرق، وتعزيز نفوذها عبر الموارنة الذين تعتبرهم «جزء من الأمة الفرنسية في الشرق». وفي كل الحالات، إن ما يحدد الموقف الفرنسي هو ما عبر عنه وزير الحربية:

 

«إن مصلحتنا تمنعنا بالطبع من تشجيع الهجرات التي تكون ذات فائدة مشكوك فيها وتؤذي نفوذنا السياسي في الشرق».

 

هذا بعض ما وصلنا من وثائق وكتابات عن مشاريع تهجير الموارنة الى الجزائر ما بين 1845 و 1867، وربما هناك تفاصيل أخرى لم يُكشف عنها بعد.

 

وما عرضناه كان لإدانة إحدى أوجه سياسة فرنسا الخارجية التي اعتبرناها طويلاً «أمَّنا الحنون»، والتي حاولت بالتواطؤ مع بعض رجال السياسة والدين الموارنة، في مخطط فرنسي ماروني مشترك، يقضي على مصير شعب في وطنه لحساب مصالح أجنبية وخاصة مشبوهة.

 

كيف نخرج من مسار التهجير والتوطين؟

هل طويت نهائياً مشاريع التهجير والتوطين التي عرفها القرن التاسع عشر وكشفنا بعض جوانبها في هذا الكتاب؟ أم أن شبحها ما زال يهددنا حتى اليوم، وخصوصاً أن الحروب اللبنانية الأخيرة رافقتها مشاريع تهجير وتوطين جديدة كشف البعض منها (عرضها دين بروان ورفضها الرئيس سليمان فرنجية) وما زال بعضها الآخر من الخفايا التي تحاك وراء الستار وقد تهدد غدنا.

 

هذا الكتاب هو صرخة لوقف مسار التهجير والتوطين ودعوة للموارنة ولجميع اللبنانيين للوقوف بوجه مشاريع اقتلاعنا من أرضنا.

 

وقد استعرضت في مقدمة الكتاب مسار التهجير والتوطين من العهد البيزنطي إلى يومنا هذا مروراً بالحملات الصليبية وعهد المماليك والفتح العثماني، مما يطرح مسألة جوهرية في كينونة لبنان: هل هو موطن الهجرات وملجأ المستوطنين؟ أم يمكن بناء دولة ديموقراطية لشعب واحد؟

 

وجوابي على هذا التساؤل هو أن حالة التهجير والتوطين تؤدي إلى شعور الإنسان بعدم الاستقرار في المكان، وفقدان الشعور بالانتماء الى الوطن. إن حالة التهجير والتوطين تنفي الارتباط بالمكان مما يشجع على استبدال الولاء للوطن بالولاء للطائفة والعشيرة والعائلة، هذا الولاء يحمله الإنسان معه في ترحاله ليفتش دائماً عن ذاته وهويته، مما يؤكد في نفسه عقدة الخوف الناتجة من عدم الاستقرار والأمان في المكان، والاستعداد الدائم للرحيل، والقلق المتواصل على المصير.

 

انعكست حالة الهجرة والتهجير، في الذاكرة الشعبية وعبرت عن نفسها بالخوف والتخويف والحذر الدائم من «إعادة إنتاج» حرب أهلية مستمرة واقتتال بين عشائر وعائلات ومناطق وطوائف وجماعات، مما أدى إلى فقدان الهوية الوطنية.

 

الخروج من هذا المأزق يبدأ بعقد مصالحة بين السكان والمكان، وتمسك الإنسان بأرضه، وذلك بتعميق ولائه وانتمائه وشعوره بالمكان /الوطن. والمكان يتسع لتنوع الثقافات والجماعات. والولاء له يستوجب الانتماء إلى كل الثقافات والجماعات التي وجدت متفاعلة فيه.

 

إنها بداية الاعتراف بالآخر وبداية التسامح والإخاء، وبداية قيام دولة على قاعدة المواطنية. وبناء الدولة العادلة والقادرة، يُحوّل لبنان من ملجأ لجماعات الهجرة والتوطين، إلى وطن ينتمي إليه مواطنون متساوون مخلصون بولائهم وارتباطهم بأرضهم، ويشعرون بصدق بانتمائهم إلى بيئتهم الحضارية بما فيها من تنوع وغنى وصعوبات.

 

طريق النزوح والهجرة

سؤال أخير أطرحه على نفسي وعليكم وعلينا جميعاً مع السعي المتجدد للإجابة عليه وهو: ما الذي جلب على اللبنانيين عامة والموارنة خاصة كل هذا الإحباط والويلات؟

 

إنها باختصار المنظومة السياسية التي استغلت المارونية التي هي بالأساس رسالة حضارية، وسخرتها كأداة للسلطة والهمجية السياسية.

 

ويبدأ خروج الموارنة من حالة الإحباط والضياع بإعادة الروح إلى رسالتهم الأنطاكية المشرقية، وبأن يُطلقوا منطق إلغاء الآخر ويبدؤوا بثقة وثبات، بمسيرة المصالحة مع الذات والآخر.

 

إنها دعوة إلى جميع اللبنانيين، والموارنة خاصة، لتحمل مسؤولية بناء المستقبل على أرضهم التاريخية، وفي مكان وجود حضارتهم على امتداد المشرق، لأن الخروج من المكان أو الاعتزال عنه، في جزء منه، هو الضياع الذي يؤدي الى التيئيس والإحباط والهجرة، وبالتالي إلى التراجع عن الدور الحضاري الرائد.

 

انطلاقة الموارنة اليوم تبدأ بالتمييز بين المارونية كرسالة حضارية، ومحاولة بعض السياسيين عسكرة، وتسييس المارونية وتحويلها إلى عقيدة سياسية لخدمة مصالحهم ومآربهم.

 

الموارنة اليوم بين خيارين: إما الالتزام بمنطق الدولة وتطويرها أو حرف الكنسية المارونية عن مسارها الطبيعي وتحويلها باتجاه العنصرية الطائفية، وهذا منطق تدمير ذاتي يقتل الوطن ومن فيه، أو يدمر ذاته في حروب اقتتال داخلية.

 

كتابي «تهجير الموارنة إلى الجزائر» هو محاولة استحضار التاريخ واستخراج العبر منه، حتى لا تتكرر مآسيه اليوم.

 

إنه صرخة ضد التهجير في الأمس واليوم. وهو دعوة لتحمل المسؤولية الذاتية من أجل بناء المستقبل، بدلاً من رمي المسؤولية دائماً على الخارج، وعلى الآخرين...

 

وكما فشلت مشاريع تهجير الموارنة في القرن التاسع عشر، آمل أن تفشل اليوم مشاريع تهجيرهم عن ذاتهم ومن وطنهم ومحيطهم.  

 

 
التاريخ: 2022-07-29
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: جريدة الديار، 29 تموز 2022
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro