مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
ثقافة العقل والعلم
 
ندوة الفكر القومي - محاضرة للأمين الدكتور ادمون ملحم
ملحم، ادمون
 

 

 

 الجزء الأول          |          الجزء الثاني

 

 

 

نص المحاضرة

 

 

المداخلات:

 

 

مداخلة الأمين د عاطف عطيه

 

ثقافة العقل والعلم

سبيل التقدم الإنساني

(تعقيب على ورقة د. إدمون ملحم)

 

 

 

قرأت بتأنٍّ واهتمام بالغين ورقة د. إدمون ملحم حول ثقافة العقل والعلم، وقد لفتني قدر تعمّقه في دراسة وتحليل هذا الإنجاز الحضاري الإنساني في تدرّجه للوصول إلى ما وصل إليه في مجالات التقدم والرقي، بتوسّل العقل العلمي والنتائج العلمية مهما كانت، بمعزل عن الأهواء والعواطف والغيبيات، وبتجاوزها معاً. وقد وُفّق ملحم في تدرجّه في تناول موضوعه بدءاً من لحظ ما نحن عليه من تفتّت وتشلّع وانحطاط، إلى التساؤل عن الأسباب التي أوصلت بلادنا إلى هذا الدرك الأسفل من التخلف، مروراً بما يمكن فعله، على كل المستويات، للخروج من النفق المظلم والمتردي، وصولاً إلى الإمساك بمقاليد الأمور التي يمكن أن توصل إلى الحداثة والتقدم على الصعيدين العلمي والتكنولوجي لنصير أسياد أنفسنا دون تبعية لمن هو أقوى، ودون هيمنة على ما هو أضعف . وباختصار شديد كيفية الانتقال من ثقافة التقليد والتبعية إلى ثقافة العقل العلمي، وتسخير العلم وتقنياته لخدمة الانسان في المجتمع، ولوضع المجتمع، بناسه،  في مصاف المجتمعات الحديثة.

 

ما تقدّم، كان الهم الأساسي الذي شغل عقل ملحم عندما انكبّ على معالجة موضوعه، بالجدارة اللازمة والعقل النيّر، وطول أناته في البحث والتدقيق، مستعملاً منهجية البحث العلمي والرجوع لباحثين كثُر في شتى ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية.

 

إلا أن ما يمكن الكلام عليه لإغناء هذه الورقة، التأكيد على تميّز الانسان بالعقل منذ وجوده، عن بقية المخلوقات. هذا العقل الذي انتقل من حالته البدئية (من البدء) إلى حالته الحاضرة، هو نفسه العقل، أما المختلف، فهو انجاز هذا العقل من خلال تفاعله مع المحيط الذي وجد فيه. وما أنجزه على كل المستويات، هو نتيجة فهمه المتدرج للخصائص الذاتية للأشياء ومن ثم استغلالها لمصلحته في سبيل تقدمه المادي، من ناحية؛ ونتيجة فهمه المتدرّج أيضاً لعلاقته بما وراء الوجود: أي مصدر وجوده، كيف، متى ولماذا، وإلى أين؟ وكان من نتائج ذلك ما توصّل إليه الانسان من أدوات وآلات، وما تمخّض عنه عقله في حصيلة تفكّره في العالم الموجود فيه، وخوفه من غضبه المتكرّر، فكانت الأساطير والديانات وقوى السحر وخوارق العمالقة.

 

كل ذلك كان من انتاج العقل الإنساني الذي، بتدرجه، من العقل السحري إلى العقل الغيبي، وصولاً إلى العقل العلمي، قد أثبت أن لا حدود لانتاجه العلمي طالما هذا الإنتاج ناشئ عن تفاعل العقل مع ما يستجدّ من معطيات متوفرة على كل الصعد، وطالما قطع مع الموروثات الغيبية والسحرية، وإن كان عليه واجب الاحترام والتقدير لما سبق من أنواع الإنتاج. ولكن الفرق، أن المنتجات التكنولوجية، تذهب إلى غير رجعة وغير مأسوف عليها، إلا للذكرى في بطون المتاحف. والمنتجات الفكرية من سحرية إلى غيبية، إلى ما مرّ عليه الزمن، تدخل في بطون التراث والتاريخ. إلا الدين. هذا الذي يدخل في عمق وجداننا، وصورة إيماننا الذي لا يكلّ ولا يتعب من التدخل في شؤون الحياة، والتحكم بمصائر البشر، بوساطة حارسي طهارته، والضاربين بسيفه؛ إلا في المجتمعات التي نجحت في تجاوزه سياسياً وفكرياً، واستطاعت اختراقه بالعقل وبانجازات العقل، وإن بقي ذلك ضمن ما يقدر عليه، مع تركِه جذوة الإيمان على حالها لمن عليه أن يؤمن، وإلا فلا. وكلٌّ يحمل مسؤولية فعله، بالحرية اللازمة.

 

وإذا كان الغرب قد نجح في تجاوز الماضي وبناء المستقبل بالعقل والانجاز العلمي، فإن ذلك حصل ولا شك. أما التقدم فكان تقدماً صناعياً أنتجه العقل العلمي. وهو تقدم متبوع بحتميّات ما يحقق للصناعة تطويرَها وتقدّمَها، ما يعني التفتيش الدائم عن أسواق تصريف الإنتاج، ومصادر المواد الأولية للإنتاج. هذا التقدم الصناعي الذي أنتج أولاً، الغنى؛ وثانياً، الدولة الحديثة والمجتمع المدني مع كل ما يحمله من وسائل التدخل والخدمة الاجتماعيين، والمساواة والديمقراطية؛ وثالثاً، صنوف التسلّط والعنصرية والاستعمار والهيمنة على العالم الضعيف؛ ورابعاً، المنافسة في السيطرة على أسواق التصريف الصناعي ومصادر المواد الأولية للصناعة؛ وخامساً، وهو الأهم كنتيجة للمنافسة، أنتج الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين أزهقتا أرواح مئات الملايين من الضحايا والمعوّقين والمشرّدين، مع تدمير مئات المدن والقرى، وتعطيل مسيرة الحياة اليومية لعشرات السنين. هذا، بالإضافة إلى الحروب الجانبية والإقليمية التي أبعدت العالم الصناعي عن بقية العالم، بما لا يقاس.

 

ما وصل إليه التقدم الصناعي في الغرب، لم يصل إلى التقدم نفسه على الصعيد الإنساني. المادة أغرقت الروح، والقيم الإنسانية الراقية أخلت مكانها قسراً للفردية المتفلّتة من كل عقال، إن كان على مستوى الدولة أو الأفراد، وغلبت مصلحةُ الأقوى مصلحةَ الأضعب، بل ألغَتها باستعمال كل الوسائل، بالاستعمار المباشر، أو بشراء المتنفذين في الدول الضعيفة والتابعة. وأوغرت صدور الأقوياء على الضعفاء، والضعفاء على الأقوياء، لانتاج حروب أهلية لا تُبقي على شيء من احتمالات التحرر.

 

لا يمكن أن ينشأ عن ذلك رقيّ مجتمع من المجتمعات مهما كان متقدماً. التقدم لا ينتج رقياًّ. التقدم ينتج قوة وعنجهيّة وتسلطاً واستبداداً، إذا لم يكن مرفقاً بالنزعة الإنسانية، وبقيم الحق والخير والجمال. القوي لا يؤمن بتبادل متساوٍ للمصالح بين الدول أو المجتمعات، طالما يستطيع فرض رأيه وتسلّطه، حتى باستعمال عناصر داخلية من الطرف الضعيف، ولو نتج عن ذلك ما يزيد الضعيف ضعفاً. القيم الإنسانية وحدها هي الرادع.

 

أما نهضتنا التي نشأت، فلم تكن أكثر من تقليد للغرب في سلوكه، وإن بقي في مجالات الفكر وإعمال العقل. التمثل بالآخرين يفتح إمكانيات التفكير العقلي واعتماد العلم، فقط. أما بقية ذلك فعلى عاتق المجتمع بكل مؤسساته، المقلِّد لتعمّ المعرفة فيه ولينتقل التفكير من حيّزه السحري والغيبي إلى حيّزه العلمي العقلاني الصرف، وإن داخَلَ ذلك ممارسات على المستويين الغيبي والسحري. إلا أن هذا التداخل يبقى ضمن هذين الحيزين، دون تأثير لهما يُذكر على حيّز التفكير العقلي العقلاني العلمي، طالما هذا الحيّز شغل الثقافة المميِّزة لهذا المجتمع، والمصنَّفة على أنها الثقافة العقلية العلمية.

 

على سيرة الثقافة، ولأن الورقة تحمل عنوان ثقافة العقل، كان عليها أن تبيّن ما يعنيه هذا المفهوم، ولو في حدوده الدنيا. لأن كل ما ورد في هذه الورقة يدخل ضمن حيّز الثقافة في تخلّفها وتقدمها. على الأقل كان عليها أن تحمل أقصر تعريف للثقافة وأبلغه: الثقافة هي التي تبقى في الذهن مجتمعاً وأفراداً، بعد نسيان كل شيء. 

 

ما يهمنا في هذا المجال التأكيد على أن الثقافة العلمية العقلانية البحت وحدها لا تكفي، لأنها ستوصل بلا أدنى شك إلى الغنى والتقدم على الصعيد المادي، ومن ثم إلى الإيحاء، والعمل بموجبه، بالقوة ونزعة السيطرة والتغلب، إذا لم يرافقها ما يضفي على هذا التقدم النزعة الإنسانية والقيم الخيّرة والإيجابية في العلاقات بين الدول والمجتمعات. من هذه القيم ما يقدّمه الدين والتراث الشعبي من صنوف التقوى والتسامح والمحبة وعون الآخرين والإحسان إلى الضعيف، وفي أضعف الإيمان، مراعاة المصالح بين الدول، وبين الأفراد أيضاً.

 

قدّم ملحم في ثنايا ورقته أفكاراً مهمة ومرتجاة  تعمل على مراعاة العدالة والانصاف والمصالح بين المجتمعات في حال امتلك مجتمع منها، وخصوصاً مجتمعنا، عناصر التقدم والحداثة، انطلاقاً من مقولة تبادل المصالح، مع الحفاظ على السيادة والاحترام المتبادل، على ما تقوله القومية الاجتماعية، وإن بقي ذلك في إطار الينبغيّات. ولكن ما يهمّ، هو استشراف ما يمكن أن يكون، انطلاقاً مما هو كائن. وعلى ذلك، قدّم ملحم عرضاً رائعاً لما يمكن أن نكون عليه في حال امتلكنا الوعي القومي، وربّينا أجيالنا الطالعة على ما يمكن أن يؤمّن التنشئة القومية، والنهضة العلمية القائمة على الإيمان بالعقل، باعتباره الشرع الأعلى الذي يحدد مصير الانسان ومستقبله.

 

هنا، لا بد من التنويه بالعرض الذي قدمه ملحم في ما يتعلق بنهضة المشرق العلمية، بدءأ من القرن العاشر للميلاد، ومن ثم، في عودة إلى التاريخ القديم، ما أنجزته سورية من صنوف الإنتاج الحضاري، وقدمته إلى العالم القديم. هذا العرض يدعونا إلى التساؤل: لماذا كان العقل المشرقي، والعربي على العموم، متقدماً بما لا يقاس، على كل ما أنجزه العالم القديم والمتوسط، ومن ثم عاد إلى الوراء، إلى الدرجة التي لا قرار لها ولا قعر؟ ولماذا يسير العرب، والمشرق على الخصوص، في حركة دائرية للتاريخ؟ وهل يمكن مقارنة المسيرة التاريخية للغرب بالمسيرة التاريخية للمشرق، وللعرب في شكل عام؟

 

أنجز الغرب حضارته العلمية بعد أن قطع مع ماضيه، بفصل الدين عن الدولة أولاً، ومن ثم العلمانية الشاملة بالمرافقة لليبرالية المطلقة، والتفلّت من أي قيد أخلاقي وإنساني لما هو موجود خارج حدوده، مع المنافسة طبعاً، ومع كل ما يؤّمن التقدم والتطور في الإنجازات الإنسانية داخل كل دولة. أما العرب والمشرق ففي صراع دائم، معلن ومضمر، مجتمعاً وسلطة، بين التقليد المستند في أسسه على الدين والسلطة الأبوية والنظام القبلي، وبين الحداثة الناقصة، غير المستقلة والتابعة، مع عقد النقص والشعور بالدونية تجاه الحضارة الغربية، بعجرها وبجرها. والعقل في الحالتين، إما عقل إنساني، مع النقل والتقليد باعتبار أن الله هو الشرع الأعلى، وأنبياءه ورسله مفوّضين بقيادة العالم روحياً وزمنياً؛ أو مع العلم والعقل العلمي باعتباره الشرع الأعلى الذي يشكّل المرجعية الصادقة والمسلّم بها، مهما كانت النتيجة.

 

صراع العقل والنقل، وتعايشهما معاً، وعدم قدرة أحدهما في استلام زمام الأمور الحياتية بكل ما فيها، ليس فقط يبقينا على ما نحن عليه، بل يعيدنا إلى الوراء في هذه الحركة الدائرية التي لا تنتهي. بدأ هذا الصراع المعلن مع الأشاعرة والمعتزلة منذ أكثر من 1000 سنة ولا يزال. وزمن ابن رشد ما زال ماثلاً أمامنا، بدأ بتمجيد العقل وتصديق كل ما ينشأ عنه، دون أن يتجاهل الدين، بل اعتبر أن أي تعارض مع الدين يمكن حلّه بالتأويل ليصير ما يقوله الدين متوافقاً مع ما يقوله العقل. ومع ذلك، عادت سلطة الدين، وعاد الإنتاج العقلاني إلى الخلف، وأبلغ ما عبّر عن ذلك إحراق كتب ابن رشد، مع نسف كل ما يمجّد العقل والانتاج العقلي من قبل أهل الدين. ولا نزال حتى اليوم هنا، مروراً بعلي عبد الرازق وعبدالله العلايلي ونجيب محفوظ ونصر حامد أبو زيد، وفرج فودة وغيرهم، وصولا في الطرف المقابل إلى ولاية الفقيه، و إلى زمن الداعشية والدواعش.

 

لا تقدّم لأمتنا وللعالم العربي إلا بالقطع مع الماضي سلوكاً وممارسة، مع الاحتفاظ به تراثاً انسانياً، راقياً كان أو متخلفاً،  باعتبارنا ورثاء. وباعتبار نظرِنا إليه بما يتوجب علينا تركه للأجيال القادمة بلا عقد نقص ودونية، مع التطلع إلى الأمام بالثقة اللازمة للتغيير.

 

ويبقى السؤال، كيف؟

 

يطرح ملحم مسألة الوعي القومي للخروج مما نحن فيه. طبعاً، هذا صحيح.. ولكن هل الوعي القومي يكفي؟ لا بد من حامل للوعي القومي.. والحاملون ليسوا بالضرورة عاملين لتحقيق التغيير. بل ربما يستعملون الوعي القومي وسيلة للتسلق والارتزاق والاستعداد لتوسّل التبعية من أجل الحصول على منافعهم الخصوصية. الوعي القومي بحاجة إلى ممارسة إيمانية صادقة لهذا الوعي، وكلما كانت الممارسة قريبة من الوعي كان تحقق التغيير أقرب. والممارسة لا تكون على صعيد الوعي وممارسة الفعل النضالي لتحقيق هذا الوعي على ارض الواقع، فحسب؛ بل أيضاً، على صعيد الممارسة الحياتية اليومية في شتى صورها. ألم يقل سعادة بما معناه: إذا سار قومي اجتماعي على الطريق، على العالم كله أن يدرك أن هذا قومي اجتماعي؟

 

مداخلة الرفيقة زكية سكاف

 

 

بداية أود أن أتوجه بجزيل الشكر لحضرة الأمين الدكتور إدمون ملحم على كل ما قام به من جهود ودراسات لإنجاز هذا البحث الغني والقيّم الذي يحاكي فيه واقع أمتنا، مشخصاً أمراضها ومقترحاً علاجها وواصفاً دواءً لها. كذلك إن هذا البحث يطلق العنان لمداركنا وعقولنا كي تبدع في التحليل والتفكير.

 

أود أن أتوقف عند موضوع "أهمية العقل". لقد أكدت يا دكتور إدمون على أهمية العقل، فقلت: "العقل هو ميزة الإنسان وقيمته العليا،" كما ذكرت "فالعقل يتبلور في التفكير كفعل عقلي واعٍ، والتفكير كنشاط إرادي مصاحب للفرد لا حدود له ولا قيود..." وأفهم أن الفرد يعني كل أفراد المجتمع، دون حدود وقيود التفرقة بين الرجل والمرأة. وأضفت: "والحق يقال، إن الأفكار الحية الخلّاقة هي ثروة الأمم وقوتها الحقيقية. فالأمم هي عقول أبنائها وأفكارهم المتجلية فناً وجمالاً وإبداعاً وإنتاجاً وسمواً."

 

حضرتك قارنت بين تقدم حضارة الغرب وتراجع حضارة الشرق. لقد عرضت أكثر العوامل التي أدت إلى تطور الغرب، وأسهبت، مشكوراً، في شرح الأمراض التي تعاني منها أمتنا "إن مجتمعنا يعاني من التخلّف والانحطاط والتراجع والتفسخ والتفكك والانحلال ومن أزمات عديدة في حياته الفكرية والإجتماعية والسياسية والاقتصادية."

 

إننا جميعاً نعلم أهمية دور المرأة في المجتمع، ليس لأنها تشكل نصف المجتمع فحسب، بل لأنها تشارك الرجل في تنشئة أجيال جديدة واعية ومدركة لحقيقتها وحقيقة مجتمعها. فمن هنا إننا نلمس أهمية تعليم وتثقيف المرأة كونها تساهم في تثقيف الأجيال. لهذا نرى أن المرأة تشارك جنباً إلى جنب مع الرجل في عملية التقدم والازدهار في المجتمع الذي يمنحها حريتها، ويلقي على عاتقها مسؤوليات جمة تستطيع من خلالها أن توسع مداركها، وتستنبط قوتها العقلية والفكرية لتقوم بعملها على أكمل وجه. بينما نجد العكس صحيحاً في المجتمع الذي يحجّم دور المرأة، ويقلّص إهتماماتها ويحصر مشاركتها في مجالات بسيطة جداً، مما يؤدي إلى غياب دورها الضروري في عملية النهوض الفكري للمجتمع، كما يؤثر على منع عقلها من التوسع في رحاب أفكارها ومن الاستمرار في إظهار إبداعها.

 

السؤال هنا، هل أثّرَ تقليص دور المرأة في مجتمعنا، سواء أكان لعوامل دينية أو سياسية أو تقاليد وعادات وغيرها، على حالة الركود والتراجع في أمتنا؟ وإذا كان الجواب نعم، فما هو برأيك الحل الذي يمكّن المرأة من استعادة دورها البناء، رغم وجود تلك العوائق، لتشارك في عملية التطوير والتنوير في المجتمع؟

 

وشكراً جزيلاً

 

مداخلة الأمين د ربيع الدبس

 

 

إطّلعتُ بروية على بحث الدكتور إدمون ملحم بعنوان "ثقافة العلم والعقل". وهو بحث ينِمّ عن جهدٍ أكاديمي واضح، إضافة إلى استهدافه الأوضح وهو الدعوة إلى اعتماد التفكير العلمي- العقلاني الذي تنطوي عليه تعاليم الحزب السوري القومي الإجتماعي من دون أن تنحصر المنهجية العِلمية- العقلانية في كتاب "نشوء الأمم"، لأنها منهجية ماثلة في مؤلفات سعاده وخطبه ورسائله، من دون أن يعني ذلك إغفال المنحى الفلسفي أو المنحى النقدي لدى سعاده أو لدى رهط من مثقفي الحزب المُنتِجين، وكلا المَنْحَيَيْن أصلاً علميّ وعقلاني.

 

ولعلّ الملاحظة التي يمكننا الإضاءة عليها، ههنا، هي أن الباحث ربط مفاصل بحثه بمُفاعلات الثقافة والعِلم والعقل والوعي بوصفها المُخَصِّبات الأكثر نماءً وإنماءً في تربتنا الحضارية العريقة. لذلك أُرَجح أنه لم يلجأ إلى الدلالات اللغوية عموما والإشتقاقية خصوصا لينقل للقراء أو للمستمعين المعنى القاموسي للعقل أو العِلم أو الثقافة، باعتبار أنه يتوجه إلى شريحة مثقفة مَهَرَتْ التزامها بالإنتماء العقلي والثقافة النهضوية. وهو التزام يتجدد باستمرار إرادة تلك الشريحة في أن تُعْنَى بالقضية وأغوارها، أكثر من عنايتها بالأوليات التي نفترض أنها تخطَّتها بالدراسة والممارسة بل بفعل الإنتماء القائم أساسا على وعي واقتناع وقرار. لذلك لم أنتظر –قارئا-ً أن يُعَرّف لي الباحث الثقافة في مؤسسة ثقافية استقرّ في يقين المنخرطين فيها أن الدولة نفسها شأن ثقافي-سياسي، فكيف بالحزب الذي وصفه زعيمه بالحركة الثقافية قبل أي شيء آخَر؟

 

لقد قرأتُ باهتمام مداخلة د.عاطف عطيه القيّمة عن البحث، لكنني استغربت أن يأخذ على كاتبه عدم تقديم تعريف واحد للثقافة. لذلك أدرج د.عطية تعريفاً غير دقيق هو في الأصل للموسوعي الفرنسي غوستاف لوبون، إضافة إلى تمهيداته التعليلية التي أوصلته إلى ذلك التعريف الجميل. فالثقافة، عند لوبون، ليست تراكما ولا تجميع معلومات ولا شيئا من هذا القبيل، بل هي طاقة مركوزة في شخصية زارعها، في قلبه وعقله ولسانه وذاكرته، وشرطُها الأساس أن تفنى في صاحبها، فلا تبقى مشتتةً أو دخيلة بل تغدو نظاما فكريا أصيلاً... لذلك وصل إلى تعريفه العميق الذي جاء فيه أن ثقافتنا الحقيقية هي ما يتبَقّى فينا بعد أن يُنْتَسى كل شيء.

 

وأميل إلى الإعتقاد أنْ ليس من تعريف كافٍ عند أحد يمكنه أن يستغرق- وحده –مفهوم الثقافة الواسع الذي يشمل غير حقل وغير قطاع، كالثقافة السياسية، والثقافة الإقتصادية، والثقافة الصحية، والثقافة التربوية، إلخ.. بما في ذلك التعريف الجميل لمفكر آخَر جاء فيه أن الثقافة هي ما نبقى في حاجة إليه بعد أن نتعلّم كل شيء.

 

ثمة نقطة أخرى أخالف د.عاطف فيها وهي دعوته الحاسمة إلى "القطْع مع الماضي". والسؤال: أي ماضٍ؟ فهل دعا سعاده مثلاً إلى القطيعة المعرفية مع التراث السرياني السابق للفتح المحمدي؟ وهل هذه العملية المعقّدة المُرَكّبة يمكن أن تحصل عندنا بالسهولة التي حصلت في أوروبا بعد القرون الوسطى وبلغتْ ذروتها في عصر التنوير؟

 

إنها أسئلة لعلها محتاجة إلى إجابات "ثقافية" منا نحن قبل الآخَرين؟ فهل سنُجيب؟

 

 

مداخلة الرفيق شحادي الغاوي

 

 

 

أبدأ مداخلتي بالتنويه أني أرى الإيجابيات والإبداعات، في كل بحث أقرأه، فأستفيد منها وإقدِّر صاحبها لكن لا أعلّق عليها. أعلّق فقط على ما أعتقده أخطاء ونقاط ضعف، حتى ولو أتت ممن هم أكثر مني إنتاجاً وأرفع مستواً علمياً. فليعذرني الأمين أدمون، آخذاً بعين الإعتبار أن المديح مثل السكّر، يشعرك بالنشوة والقوة المؤقتة لكن سرعان ما يضعف مناعتك ويعودك على الكسل والتراخي. أمّا النقد فينبهك ويحفزك وينشط قواك للمزيد من العمل وإتقاء الأخطاء. وأنا أحب أن أقرأك بنفس الطريقة التي أحبك أن تقرأني بها: أن توجه لي نقداً.

 

إنطلاقاً من تعريف سعاده للثقافة بأنها "مجمل العلوم والفلسفات التي تتناول الحياة وما له علاقة بها، وما يحصل من ذلك من مستوى عقلي وإتجاهات فكرية وإعتقادات مناقبية وإدراك للشؤون النفسية والمادية" (الأعمال الكاملة ج 3 صفحة 146)، وإنطلاقاً تحديداً من "ثقافتنا القومية الاجتماعية" التي تحب الوضوح وتطلب التحديد والتعيين منعاً للإلتباس والغموض، فإني رأيت غموضاً والتباساً وتعميماً أضعف البحث قليلاً، وهو ما كان يجب أن لا يحصل في بحث حول ثقافة العقل والعلم!

 

تبدأ بحثك بالكلام على "مجتمعنا" وتقول أنه يعاني من....، ثم تعتمد تعبير "المشرق العربي" لمجتمعنا وتقول أن أوروبا تطلعت إليه، بعد أن استفاقت من غيبوبتها الطويلة، والى تقدمه الحضاري وراحت تعمل على الإستفادة من تراثه العلمي العظيم فبدأت في الترجمة والنقل ونهلت العلوم والفلسفة والفكر، الإغريقي والعربي والبيزنطي. وبعد أن استوعب الغرب ما تجمع لديه من تراث فكري يوناني وروماني وعربي...الخ. وهكذا ضاع مجتمعنا بين أن يكون سورية مهد الحضارة والفكر والفلسفة والعلم، أمة هادية ومعلمة للأمم، وبين أن يكون مشرقاً عربياً حضارته حضارة عربية وفكره فكر عربي وفلسفته فلسفة عربية.

 

إن المشرق العربي هو تعبير جغرافي ضمن العالم العربي للتمييز بين مشرقه ومغربه، والمشرق العربي قد يضم الجزيرة العربية كلها ولا يقتصر على سورية، فعندما نتكلم في الجغرافيا لا بأس بالقول أن سورية هي في المشرق العربي، أما عندما نتكلم على العلوم والفكر والفلسفة فلا يجوز برأيي التدليل على سورية  ومآثرها الحضارية في العلم والفلسفة باستعمال تعبير المشرق العربي. ذلك لأن التمدن السوري والحضارة السورية ومآثرها في العلم والفكر والفلسفة هو موغل في تاريخ الحضارة والتمدن قبل الحقبة العربية بكثير ولا يجوز الإقتصار به على هذه الحقبة ووصفه بأنه فقط عربي. وإذا كان العالم اليوم وكانت الأوساط العلمية والثقافية في عالم اليوم تعتبر سورية أنها مجرد جزء من العرب والحضارة العربية، فإننا نحن القوميين الاجتماعيين لا نعتبر ذلك، ومهمتنا هي التأكيد على الشخصية السورية المميزة والمستقلة. "يجب أن يبقى الفكر السوري حراً مستقلاً"". "والحقيقة أن من أهم عوامل فقدان الوجدان السوري القومي أو من عوامل ضعفه، إهمال نفسية لأمة السورية الحقيقية الظاهرة في إنتاج رجالها الفكري والعملي وفي مآثرها الثقافية كإختراع الأحرف الهجائية التي هي أعظم ثورة فكرية ثقافية حدثت في العالم، وإنشاء الشرائع التمدنية الأولى، ناهيك بآثار الإستعمار والثقافة السورية المادية- الروحية والطابع العمراني الذي نشرته سورية في البحر السوري المعروف بالمتوسط، وبما حلّده سوريون عظام كزينون وبار صليبي ويوحنا فم الذهب وغفرام والمعري وديك الجن الحمصي والكواكبي وجبران وطائفة كبيرة من مشاهير الاعلام قديماً وحديثاً". (من شرح المبدأ الأساسي السابع- تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها السياسي الثقافي القومي).

 

وكما أن العالم العربي لا يشكل "وحدة ثقافية"، فالغرب أيضاً لا يشكل وحدة ثقافية، ولا الشرق يشكل وحدة ثقافية. إنكم تتكلمون على الغرب والشرق وكأن الغرب كله يشكل وحدة ثقافية، والشرق يشكل وحدة ثقافية أخرى، وهذا برأيي تعميم غير عادل وغير صحيح. فبالإضافة الى تميُّز سورية في العالم العربي فهي تتميز أيضاً عن الشرق ولا يجوز اعتبارها أمة شرقية. إنها شرقية بالمعنى الجغرافي فقط، أمّا بالمعنى الثقافي والفكري والفلسفي فلا.

 

ثم أن التطور العلمي والفلسفي والثقافي إجمالاً لم يشمل الغرب كله، ولم يقتصر عليه. فأميركا الوسطى والجنوبية هي أيضاً في الغرب، واليابان والصين وإيران وروسيا هي أيضاً في الشرق، فاقتضت الملاحظة.

 

 

مداخلة الأمين د زهير فياض

 

 

بعد الإطلاع المعمق على بحث الأمين د. ادمون ملحم تحت عنوان "ثقافة العلم والعقل"، كانت ملفتة منهجية البحث العلمية والموضوعية في مقاربة محنة العقل في بلادنا، اذ أن مقاربة الأمين ملحم اتسمت بالعمق في مقاربة الأسباب والنتائج والتداعيات لغياب ثقافة العلم والعقل في بلادنا، التي أدت بنا وبمجتمعنا الى الإرتهان لثقافة الغيبيات على أنواعها، مضافاً اليها ثقافة السحر والشعوذة التي تتلطى وراء مظاهر مخادعة فتشوه الحقيقة وتأخذها الى خلاصات مشوّهة مرتكزة على باطل كان في أساس تشكلها.

 

طبعاً، البحث عميق وشامل وأحاط بكل جوانب المسألة المتعلقة ببناء العقل وربطه بالحراك العلمي ومنجزاته الحضارية على مستوى الأمم والعالم. ولا يسعني في هذا السياق إلا إضافة بعض النقاط التي قد تشكل الأساس لقراءة واحدة لخريطة طريق باتجاه الآفاق المفتوحة أمام مجتمعنا في مقاربة قضايا الواقع الجتماعي المعاصر. وهذه النقاط هي:

 

في بناء العقل : (العقلنة كمرتكز لبناء المستقبل (

 

1- ان الأزمات التي يتخبط فيها مجتمعنا السوري تنتمي الى فئة "الأزمات البنيوية"، أي أنها تطال الألساسيات، أو بكلام آخر، هي أزمات من النوع الذي يحاكي "مسأألة الوجود" على مستويات مختلفة. فالإرث الذي تركه "الإستعمار" في بلادنا على مدى قرون ثقيل جداً، وهو يرمي بثقله على الواقع، وبصماته واضحة في كل زاوية من زوايا حياتنا العامة وحتى الخاصة، ولعل أخطر مظاهر أو مضامين هذه "التركة" ما يتعلق منها بمناهج التفكير لدينا وما يتفرع منها من سلوكيات.

 

2- ينبغي التأسيس لثورة هادئة في عالم العقل في بلادنا السورية لتحقيق التحرر والتقدم والنمو الحقيقي، اذ لا يخفى أن كل قضايا التخلف، وقضايا الإنقسامات العامودية مها والأفقية التي نعاني منها) غياب الهوية، عدم وضوح الإنتماء ...الخ)، كل هذه المسائل قابلة للمقاربة على ضوء "العقل" الذي هو بحق "الشرع الأعلى في الحياة"."

 

3- إن رهاننا في كل زمان ومكان هو في تحرير هذا العقل باتجاه الفعل، هذا هو دورنا وهذه هي رسالتنا، ونحن مؤمنون بقدرتنا على اجتراح الحلول والمضي قدماً الى الأمام، فليس هناك أي شيئ مستحيل أمام "فعل العقل" وأمام اصرار"الإرادة الإنسانية" على الحراك باتجاه المستقبل.. .

 

4- إن سلطة العقل التي أرادها سعاده أعلى سلطة وأعلى شرع تعني الإبداع الذي يغني الفكر والحياة، وتعني أيضاً فتح المجال لكل ما هو جديد في الحياة، وعدم الوقوف عند شيئ، وأن لا شيئ نهائياً البتة، وكل منهج سعاده هو انحياز كامل لسلطة العقل، وقبلها للعلم، لأنه يعي ما لهما من أهمية في صنع النهضة.

 

5- العقل والمعرفة:

أ - التصحر المعرفي: ان حال المعرفة في بلادنا السورية تتجاوز مرحلة الجدب المعرفي الى ماهو أدهى وأخطر، نحن نعاني تصحراً معرفيا، اذ أننا نحتل ومن دون مبالغة ذيول معظم قوائم مؤشرات انتاج المعرفة من النشر العلمي الى الإنتاج الإبداعي، ومن تأليف الكتب وترجمتها ومعدل قراءتها، الى تسجيل براءات الإختراع، واقتناء واصدار تراخيص استخدام المعرفة في أعمال التطوير والإنتاج.

 

فعلى الرغم من الإستثمارات الضخمة التي أنفقت على مشاريع التنمية لنقل التكنولوجيا، فانها لم تنجح بالفعل في دفع حركة الإنتاج العلمي والتطوير التكنولوجي الى الأمام، وعملية التصحير المعرفي هذه تجري حالياً على قدم وساق .

 

ب - ان تجريف التربة الأكاديمية في كثير من دولنا في سوريا وفي عالمنا العربي، تحت مسمى "عولمة التعليم العالي"، يترافق مع انتشار الجامعات الخاصة في لبنان والعالم العربي، واستغلال تدني أجور هيئات التدريس في الجامعات الوطنية، واجتذاب خيرة الكفاءات العلمية الى مثل هذه الجامعات الخاصة التي ترمي الى الربح في الدرجة الأولى، اذ أنها بغالبيتها تركز على المرحلة الجامعية الأولى حيث أعداد الطلاب غفيرة، والرسوم التعليمية ضخمة، وهو الأمر الذي أحال الخدمة التعليمية الى عمل تجاري محض، لا يبغي سوى تحقيق أقصى عائد استثماري. وهذا يؤدي الى انشغال الجامعات الخاصة بالدراسات العليا والبحث العلمي الجاد، نظراً الى ارتفاع الكلفة وقلة العائد على المدى القصير.

 

ت - يتحالف تجريف التربة الأكاديمية مع تجفيف المنابع، نزف العقول (هجرة الأدمغة) مع تنامي حركة العولمة وما صاحبها من اشتداد شراهة الدول المتقدمة على التهام نخب عقول الدول النامية. ومع تصاعد عمليتي التجريف والإستنزاف، سوف يصيب وباء التصحر المعرفي أعرق جامعاتنا ومراكز بحوثنا، لتتصدع البنية الأكاديمية الوطنية التي لن يجدي علاجها باستيراد الجامعات كحزم تعليمية متكاملة وشاملة، لأن هذا سيؤدي عاجلاً أم أجلاً الى نوع جديد من الإستعمار، هو استعمار مجتمع المعرفة، أو "الإستعمار الأكاديمي".

 

ث - ان الجامعات لا تستورد، فهي – قبل كل شيئ- كيان اجتماعي لا يكتب له النمو إلا من خلال الإرتباط الوثيق بمجتمعه، والتفاعل الحي مع مشكلاته وتلبية طموحاته.

 

ج - ان أهم ما يميز الإنسان هو امتلاكه العقل، وهو بالتالي وجد ليفعل، ويقرر ويحدد مسارات الحاضر والمستقبل، لا ليستكين للأمور المفعولة، واعمال العقل يولد المعرفة، والمعرفة هي الكفيلة بإنتشال مجتمعنا من كبوته الحالية ووضعه على سكة التقدم والنمو والتحرر من كل عوامل الضعف والهوان والرجعية والتخلف .

 

ح - ان المعرفة هي سلاحنا ضد اللاعلمية التي تفشت في مجتمعنا، وهي مدخل حقيقي لتأصيل الخطاب التنموي، وتوسيع أفاق الرؤى لعملية الإصلاح، وفض مواضع الخلاف بين الدين وبعض نظريات العلم الحديث، وهي الوسيلة المثلى لترشيد ذلك التوجه الفكري الذي ينادي ببناء صروح معرفية يتأسس على قواعدها المجتمع الجديد.

 

6- "العقلنة" مسارٌ معرفيٌ أخلاقي في مقاربة مشكلات الواقع الجتماعي بتشعباته وتعقيداته ومناحيه واتجاهاته المختلفة، وهو المسار الآمن الذي تعتمده الأمم الحية التي تسعى الى التقدم والتنمية وحل المشاكل بعيداً عن الإنفعال والتعصب والإنجراف وراء الغرائز والأهواء، وثمة حاجة حقيقية لأن نرسي منهجاً عقلانياً علمياً يساعدنا على قراءة الواقع الذي نحياه بغية رسم "خارطة طريق" لمستقبل أ أجيالنا التي ولدت، أو التي لم تولد بعد...

 

 

مداخلة الرفيق الدكتور عصام العزير

 

 

 

ونحن بحضرة العقل والعلم، معذرة لا بد من القول "خير الكلام ما قل ودل"، وهو جزء من حسن إستعمال العقل، بحيث المطولات والإستطراد تأخذ الوقت الطويل لقرائتها بتمعن، وهذا الوقت قد لا يكون متاح للجميع مما يسبب بإخراجهم من هكذا حوارات هامة وعلى درجة كبيرة من الضرورة.

 

إن هذه المحاضرة قيمة بالجزء المتناول منها ولكنها غير شاملة لكل جوانب إعمال العقل ومجالات إنتاجه الفكري.

 

تتناول المحاضرة حقبة تاريخية معينة وتظهر الإنتاج العقلي والعلمي في الغرب بشكل يعطي نموزجا واحدا لإستعمال العقل وهذا مجحف بحق الشعوب الأخرى التي كان لها نتاج فكري وعقلي متطور جدا بالقياس إلى زمانها. كذلك لا بد من القول أن ثقافة التقدم التكنولوجي في الغرب قدمت للإنسانية أبشع صور القتل والدمار والإستعمار ونهب الثروات وزرع الفتن والإنشقاق وضرب القيم الإنسانية وإعتبار أن مصلحتها وخيرها هما التعبير عن مصلحة وخير شعوب الأرض. اليست القيم الإنسانية هي من نتاج العقل فأين هو هذا العقل الغربي في هيروشيما في الحرب العالمية الأولى والثانية، أين هم أحفاد مارتن لوثر و جون كالفن.

 

كان الشرق ومنه سوريانا رائدا في إستعمال، هبة الله. العقل في كل المجالات فأنتج الشرائع والعلوم والفلسفة وإحتضن العلماء وأسس لهم أكبر صرح علمي لإعمال العقل بيت الحكمة في بغداد، وما نهضة الغرب إلا بفضل هذا الإنتاج العقلي الفكري العلمي.

 

أما حول الشعوذة والسحر والخرافات فهي تصبح إنتاج عقلي عندما يكون للغرب مصلحة بها، بالعودة إلى ما قاله جورج بوش عند غزوه وتدميره للعراق بانه إنما وحي أحي له؟

 

لا نبالغ في جلد الذات، أوافق على التوصيف لواقع حالنا الوارد في مطالعة الأمين ملحم، ولكن لا أوافق على توصيفه لغياب العقل وإعماله في سبيل الخلاص من هذا الواقع المؤلم واللحاق بركب التطور العلمي والتكنولوجي للحصول على السيادة الحقيقية كيف ذلك ونحن أبناء سعاده. وما هي به شعوب الأرض من تخلف وإنحطاط هو بفضل هذا العقل الغربي ولا ننسى الأسباب والعوامل الداخلية ونرى بصمات ثقافة العلم والعقل الغربي واضحة في الكثير من جوانبها.

 

أرى بأن سعاده لم يأخذ حقه في الإضاءة الكافية على إنتاجه الفكري، وما طرحه من حلول،  كان الكاتب يرمي إليها. وهو متقدم على كل من وردت أسمائهم قبله لأنه إستشهد في سبيل إنتاجه الفكري المبني على المنهج العلمي التحليلي، وإعمال العقل في درس أوضاع أمته وواقع حالها وطرح الحلول لمشاكلها من أجل أن تلحق بالأمم الأخرى.

 

أين موقع القيم في ثقافة العلم والعقل عند هذا الغرب؟ ما هي قيم تطورهم وقوتهم وثقافة هذه القوة وهذا التقدم التكنولوجي، ألم يسخّروا هذه الثورة العلمية لأغراض في بعض جوانبها يعادي القيم الإنسانية الفاضلة.

 
التاريخ: 2021-04-17
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro