مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الفرق بين السلالة العرقية والسلالة التاريخية عند سعاده
 
الغاوي، شحاده
 

 

عندما نقرأ سعاده يجب التمييز دائماً في ما نقرأ  بين ما هو علمي وما هو فلسفي، أي بين ما هو وصفي وما هو معياري حسب بعض الكتَاب. ذلك أن سعاده بالإضافة لكونه صاحب عقيدة، أي فلسفة، أي نظرة جديدة الى الحياة والكون والفن، فأنه كذلك عالم إجتماع، وله مؤلفه العلمي المشهور "نشوء الأمم". ويجب الإنتباه أيضاً أن كتاب نشؤء الأمم العلمي لا يحتوي نصوصاً فلسفية أبداً، وقد نوّه سعاده بنفسه عن ذلك بقوله: "أن كتاب نشوء الأمم هو كتاب علمي بحت تجنبت فيه التأويلات والإستنتاجات النظرية وسائر فروع الفلسفة ما وجدت لذلك سبيلاً". لكن هذا لا ينطبق على كتابات وأقوال سعاده ومؤلفاته الأخرى، الفلسفية والعقائدية، فهذه مليئة بالنصوص العلمية التي أوردها سعاده في معرض الإستشهاد بها لتأييد صحة عقيدته- فلسفته ونظرته الى الحياة. فسعاده يقول لنا أن عقيدته، أي فلسفته ونظرته، هي مؤسسة على العلم، وأن كتابه "نشؤء الأمم" هو الأساس العلمي للعقيدة. فبدهي إذاً أن نجد نصوصاً علمية في شروحات سعادة الفلسفية العقائدية مثل المحاضرات العشر وغيرها. والقارئ الفطن يستطيع التمييز جيداً بين هذين النوعين من النصوص.

 

لسنا هنا في معرض البحث عن الفرق بين العلم والفلسفة أو عن العلاقة بينهما، بل عن الفرق بين السلالة العرقية الدموية، أي الحيوانية الفيزيائية حسب بعض التسميات، والسلالة التاريخية التي قال بها العالم "مورتيلة" ووافقه عليه سعاده ( الأعمال الكاملة ج 3 ص 138). وغرضنا من هذا التفريق هو جلاء الإلتباس الذي يقع فيه بعض الباحثين عندما يقرأون سعاده ويجدون أنه من جهة يشدد كثيراً على حقيقة المزيج السلالي عند جميع الشعوب والأمم وعدم جواز الأخذ بنظرية تفاضل السلالات، ولكنه من جهة أخرى يقول "بالسلالة السورية الممتازة" مما يوحي بأن سعاده يناقض نفسه حيث مرة يقول بعدم جواز تفضيل وتمييز سلالة عن أخرى ومرة يفاضل هو نفسه ويقول بالسلالة السورية الممتازة. لكن هذا الإلتباس يزول عندما ننتبه ونعرف أن السلالة السورية الممتازة هي سلالة تاريخية وليست سلالة عرقية دموية، وأن هناك فرقاً كبيراً بين الأثنين ومعنييهما. وهذا ما سنبينه فيما يلي.

 

أولاً: في السلالة العرقية الدموية والفرق بين نوعية المزيج ونوعية السلالات الممتزجة

 

صحيح أن سعاده، كعالم إجتماع، يقول في كتابه نشوء الأمم "بأن الإنسانية موزعة الى سلالات راقية وسلالات منحطة"، لكن الصحيح أيضاً أنه كان يتكلم على السلالات الأولية فقط، وهذه لم يعد لها وجود الآن إلا في الأقوام المنعزلة تماماً وهي نادرة، كما أنه كان ينقل لنا ما هو مقرر علمياً من قبل علماء الإجتماع في عصره. فلنقرأه تحت عنوان "نشوء السلائل وعددها" يقول: "وقد أختلف العلماء في تعيين عدد السلالات، ولعل ذلك بسبب اعتماد بعضهم أدلّة أكثر من البعض الآخر. والأمانة لغرض ها الكتاب تقضي أن لا نتوسع في هذا البحث أكثر مما يجب، ولذلك يحسن بنا التوفيق بين غرض الكتاب وهذا الموضوع أن نقسّم السلالات البشرية الى قسمين: أولي ومرتقي".

 

وبعد ذلك مباشرة، وتحت عنوان "السلائل والعقليات" يقول: "أن السلالات أمر فيزيائي واقع والأدلة على وجوده متوفرة. ومما لا شك فيه أن هناك فوارق بين السلالات في الإرتقاء والتمدن والإستعداد لهما عند السلائل الأولية ...وقد يكون ذلك بسبب عدم إكتمال تطورها...وأذا تركنا السلالات الإبتدائية (أي الأولية) وعمدنا الى السلالات الواقعة ضمن نطاق المدنية الأسيوية أوروبية وجدنا أنها كلها قد برهنت عن مزايا الإرتقاء فيها...وبدهي أن لكل فرد نفسية أو عقلية خاصة مستقلة ولكن ذلك لا يعني أنها أساس للمقابلة والتفضيل السلاليين. وللسلالات عقليات مستقلة موجودة فعلاً ولكن لا يجب أن يتخذ ذلك حجة للتمسك بعقائد تفاضل السلالات المتمدنة تفاضلاً أساسياً جوهرياً كما رأينا فيما تقدم من هذا الفصل... وأن الأدلة على عدم صحة القول بتفوق إحدى السلالات الراقية في المواهب العقلية على الأخرى لمتوفرة".

 

والى جانب تشديد سعاده، كعالم إجتماع، على عدم جواز التمسك بعقائد تفاضل السلالات وعدم صحة القول بتفوق سلالة على أخرى، فأنه يشدد على نوعية المزيج السلالي المعيّن وأنه يجب التمييز بين مزيج ومزيج، وأن هذا التميز ليس عائداً الى وهم نوعية وتمايز السلالات الداخلة في المزيج بل عائد الى نوعية الإمتزاج نفسه، أي إتساعه وشموله وتجدده وتجانسه وغير ذلك. وهنا بالضبط ما يأخذه بعض المثقفين والكتاب والسياسيين على سعاده ويزعمون أن قوله بتفاضل المزيجات ليس قولاً علمياً أبداً بل هو قول عقائدي وفلسفي من النوع العنصري.

 

سأبين هنا الآن أن قول سعاده بتفاضل المزيجات، أي بمزيج سلالي أفضل من مزيج سلالي آخر، هو قول علمي وحقيقة علمية وليس مجرد نظرة عقائدية وفلسفية خاصة بسعاده، رغم أن سعاده قاله في المحاضرات العشر أكثر مما قاله في نشوء الأمم، أي أن سعاده قاله في معرض شروحه العقائدية الفلسفية أكثر مما قاله في كتاباته العلمية.

 

إن مبدأ التجانس أو التباين الدموي هو مبدأ علمي حصل عليه الإجماع. ففي المحاضرة الرابعة وشرحه للمبدأ الأساسي الرابع من مبادئ الحزب يقول: "مع ذلك لا بد من الإعتراف بواقع الفوارق السلالية وبمبدأ التباين والتجانس الدموي، وبهذا المبدأ يمكننا أن نفهم أسباب تفوق السوريين النفسي الذي لا يعود الى المزيج المطلق بل الى نوعية المزيج المتجانس الممتازة والمتجانسة تجانساً قوياً مع نوعية البيئة".

 

وفي مطلع المحاضرة الخامسة يقول: "لا بد من الإقرار بحقيقة جوهرية هي حقيقة المزيج السلالي المعيّن الذي هو عامل أساسي جوهري في إعطاء الأمة صفتها، حقيقة طبيعتها وأسباب مواهبها التي تظهر في أفعالها في مجرى التاريخ، أي إنه إذا لم يكن السوريون يعودون لأصل سلالي واحد فإن لهم خصائص سلالية واحدة حاصلة من مزيجهم تجعل لهم مزايا تتميز عن مزايا أخرى في العالم".

 

لقد ظن كثيرون من خصوم سعاده بأن قوله الآنف الذكر يرادف الإعلان عن عنصرية وأخذوا يرمونه بتهمة التعصب العرقي وقالوا أنه أحلّ التعصب للمزيج السلالي محل التعصب للسلالة الواحدة، وأن الأثنين يعبران عن عنصرية.

 

لكن سعاده عالم الإجتماع الخبير المتعمق في علوم الحياة والإنسان لم يكن ليستبدل الحقائق العلمية بأي نوع من أنواع المجاملة أو مراعاة وإتقاء نقد المنتقدين ناقصي العلم في ذلك الوقت. إنه لم يكن يبدي رأياً ولم يكن يقدم نظرية لكي نقول إنه كان عنصرياً أو إنه لم يكن عنصرياً. بل إنه كان يعلن حقيقة علمية أصبحت اليوم، بعد ثلاثة أرباع القرن من الزمن، محط إجماع علماء الإنسان والحياة. أن عبارات "لا بد من الإعتراف بواقع..." و"لا بد من الإقرار بحقيقة جوهرية..." ليست عبارات عقائدية- فلسفية ولا تصريحات سياسية، بل إنها عبارات علمية لمن يجيدون القراءة ويميزون بين ما هو فلسفي وما هو علمي.

 

أقول ذلك الآن حيث وجدت مصوراً كنت قد أضعته منذ ثماني سنوات، وهذه قصته:

 

لقد قابلت سنة 2010 عميد أحدى كليات جامعة سدني البرفسور تشيزولم ماكسويل، وهو الإختصاصي في علم  الحياة وله فيها مئات الأبحاث والأطروحات العلمية. سألته إذا كانت معارفه العلمية تسمح له بالقول بأن المزيج السلالي أنواع منها المتجانس ومنها المتباين. وقلت له صراحة أنني أساله لأن أنطون سعاده يقول ذلك وأني أريد أن اسمعه من عالم آخر. كان جوابه أن سعاده مصيب مئة بالمئة، وسألني بدوره لماذا لم يقرأ للدكتور سعاده ولو بحثاً علمياً واحداً في هذا المجال في أية مجلة من المجلات العلمية الإختصاصية. لقد ذُهل هذا البروفسور عندما قلت له أن سعاده لم يكن دكتوراً بل كان زعيماً سياسياً، ولم يكن باحثاً في علم الجنتيك بل كان فيلسوفاً وعالماً إجتماعياً لم يدرس علم الإنسان والحياة إلا ليؤسس فلسفته على الحقائق والمعارف العلمية لزمانه، وأنه كان قائداً لحركة الحزب السوري القومي الإجتماعي وأنه استشهد "إغتيالاً رسمياً" منذ ستين سنة. قال لي أنه كاد أن يطلب مني أن أعرّفه على سعاده شخصياً، وأن سعاده هو حقاً سابق لعصره لأنه من ستين سنة لم يكن هناك إجماع على فكرة التجانس او التباين الدموي بل كانت مسألة تحتاج لبرهان قاطع، أما اليوم فهي حقيقة علمية ثابتة. ثم أنكب البروفسور تشيز ورسم لي هذه الصورة:

 

 

وقال شارحاً مما أستطعت تدوينه تحت الصورة ما يلي:

 

The bigger is the circle, the better is the mixture for many reasons:

1 – More races are involved, the combination is rich.

2 – New races that have not been there before in the history came and rejuvenated                                     

the mixture.

3 R1+R9 is better than R1+R2 because R9 is at more distance from R1 than R2.

Q: What do you mean by better?

A: Better means healthier and less abnormalities.

Q: What does healthier means?

A: Healthier means people live longer without accidents and are less prone to diseases. They have a stronger immune system.

 

وترجمة ذلك ما يلي:

 

كلما كانت الدائرة أوسع كلما كان المزيج أفضل. وذلك لعدة اسباب منها:

 

1 – يصبح المزيج أغنى وأكثر تنوعاً.

2 – سلالات جديدة لم يكن لها وجود تاريخي سابق تدخل في المزيج وتجدده.

3 – المزيج 1+9 هو أفضل من المزيج 1+2 لأن 9 أبعد من 2 بالنسبة ل1.

س: ماذا تعني بكلمة أفضل؟

ج: كلمة أفضل تعني صحي أكثر وأقل تشوهات خلقية.

س: ماذا تعني بعبارة صحي أكثر؟

ج: أعني أن الناس يعيشون سنيناً أطول دون أنتكاسات صحية وهم أقل عرضة للأمراض لأن جهاز المناعة عندهم أقوى.

 

إن ما أدلى به هذا العالم سنة 2010 يؤكد ما أعلنه سعاده سنة 1935 عندما وضع شرح المبادئ لأول مرة في كتاب التعاليم (النصوص واردة في مطلع هذا المقال)، مع فارق أن هذا العالم قد اقتصر على الناحية المادية البيولوجية من الموضوع التي هي من إختصاصه، ولم يتطرق الى الشأن النفسي العقلي الذي لا يعنيه. ذلك رغم أني حاولت استدراجه للتطرق الى مسالة التأثير النفسي العقلي لنوعية المزيج السلالي عندما سألته عن المقصود بعبارة "أفضل" وعبارة "صحي أكثر". وهذا مفهوم ومقبول من اختصاصي في علم الحياة البيولوجيا وليس مطلوباً منه أكثر من ذلك. أما سعاده فقد جمع الى معارفه في علوم الحياة معرفة في علم الإجتماع والتاريخ وعلم النفس الإجتماعي. يقول سعاده:

 

"أنه لا يمكننا أن نفهم فهماً صحيحاً نفسيات الأفراد ونفسيات الجماعات البشرية إلا بفهم فسيولوجيتها وحقيقة تركيبها الوراثي أيضاً...أن هناك علاقة وثيقة بين الشكل والروح، بين فراسة الإنسان التشريحية الخارجية ونفسيته ومقدرته العقلية...إذا درسنا الشعب السوري من الوجهة الإنترفلوجية الطبيعية وجدنا توافقاً عظيماً بين إنتاجه الثقافي العمراني وأفعاله التاريخية العظيمة من جهة، وأشكاله الإنترفلوجية الممتازة من جهة أخرى. وهو توافق لا يمكن أن يكون من سبيل الصدف أو بلا مغزى. فالشعب السوري راق جداً في مزيجه السلالي المتجانس الذي مكنه من إنشاء الثقافة المادية والروحية وتقديم إنتاج ثقافي هام للتقدم الإنساني العام، ولا يمكننا أن نتصور هذه المقدرة الإنشائية عارضاً لا علاقة له بطبيعة الحيوية الوراثية فيه القادرة على الخلق والإكتساب...لذلك فأننا ندرك جيداً أننا إذ نقول بالمزيج السلالي وبأنه لا يوجد أصل سلالي واحد للأمة، لا نعني مطلقاً إهمال أهمية الجنس وخصائص المزيج الجنسي المتجانس وإهمال الحقائق العلمية الثابتة التي تعطينا أساساً جديداً للنظر في أصول الأمم وأحوال الجماعات البشرية على وجه العموم".

 

لقد أوردنا هذه النصوص لنبرهن أن فكرة التفضيل في المزيج هي حقيقة علمية ثابته، ونعود ونكرر أن التفضيل في المزيج ليس سببه التفضيل المزعوم في السلالات الداخلة فيه، بل في غير ذلك، أنه في تجانس السلالات الداخلة في المزيج أو عدمه، وإنه في شمول المزيج وإتساعه وتجدده أي دخول عناصر جديدة فيه في أزمان متعددة ...الخ.

 

ثانياً: في السلالة التاريخية

 

       أن حقيقة المزيج السلالي المعين المختلف عن مزيج سلالي آخر قد قاد العلماء الى الكلام عن ما أسموه السلالة التاريخية. فالسلالة التاريخية هي إذاً الخصائص السلالية الناتجة من مزيج سلالي معيّن عبر التاريخ.

 

يذكر سعاده هذه المسألة في كتابه "نشوء الأمم" (الاعمال الكاملة ج 3 ص 138) حيث يقول:

 

"من المؤلفين في السلائل كمرتيليه Mortillet من يميز بين السلالات التاريخية والسلالات الحيوانية الفيزيائية. وهذه نظرة تذهب الى أن اختلاط سلالات أمة معينة وتمازج نسلها قد يولدان، على التعاقب، سلالة فرعية أو ثانوية بحيث يصبح في الإمكان التكلم عن السلالة السورية والسلالة الإلمانية والسلالة الإنكليزية... وقد ورد ذكر السلالة السورية على أقلام الكتاب كما جرت على أقلامهم السلالة الإنكلوسكسونية...". ويظهر تبني سعاده لمعنى السلالة التاريخية في قوله على الصفحة 140 ما يلي: "...المزيج المتجانس أصل كاف للأمة، وهذا المزيج هو ما يعبر عنه أحياناً بلفظة السلالة"، ولا شك أن لفظة السلالة هنا هي السلالة التاريخية وليست السلالة الدموية – الحيوانية - الفيزيائية.

 

نستطيع الآن أن نفهم سبب قول سعاده  "بالسلالة المتفوقة" التي للسوريين الكنعانيين و"بالسلالة الأحط" من سلالتهم التي لشعوب شمالي أفريقيا (في كلامه عن كيفية فتح السوريين الكنعانيين لشمال أفريقيا وكيفية فتح العرب المسلمين لها)، مع أن لا السوريين الكنعانيين ولا شعوب شمالي افريقيا ولا العرب هم مؤلفون من سلالة واحدة متفوقة أو منحطة (من شرح المبدأ الاساسي الرابع). لقد كان سعاده يتكلم على السلالة التاريخية وليس على السلالة العرقية الدموية الحيوانية الفيزيائية.

 

 

 
التاريخ: 2021-05-31
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro