تقدّم مؤسسة سعاده للثقافة، بالتعاون مع دار أبعاد للنشر، إصدارًا جديدًا بعنوان:

"الاقتصاد القومي الاجتماعي: مقدمة إلى نظام سعاده الاقتصادي" للدكتور إدمون ملحم وباللغة الانكليزية

هذا الكتاب هو ثمرة جهد بحثي وتأمل فكري طويل في أفكار أنطون سعاده، وقلق عميق على مستقبل أمتنا في عالم تهيمن عليه العولمة الاقتصادية والاحتكارات المالية و«النيوليبرالية»، حيث تتعرض السيادة القومية للتآكل بفعل التبعية الاقتصادية لا بالقوة العسكرية وحدها. ومن هذا المنطلق، يأتي هذا العمل محاولة لصياغة رؤية اقتصادية متكاملة تستلهم المبدأ الإصلاحي الرابع عند سعاده، القائم على إلغاء الإقطاع، وتنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج، وإنصاف العامل، وحماية المصلحة القومية.

ورغم أن سعاده لم يضع نظريته الاقتصادية في كتاب واحد منهجي، فإن مقالاته وخطاباته العديدة رسمت معالم رؤية واضحة تناولت قضايا النقد والعملة، الهجرة، أوضاع العمال، دور البنوك ورأس المال، الموارد الطبيعية، والسيادة الاقتصادية. يسعى هذا الكتاب إلى جمع تلك الخيوط وتحليل منطقها الداخلي واستخلاص ملامح «الاقتصاد القومي الاجتماعي» كإطار نظري وعملي صالح للتطبيق اليوم.

جاء الكتاب في اثني عشر فصلًا تتدرج من المبادئ الأساسية إلى التطبيقات العملية. ففي الفصول التي تتناول لبّ الفكرة يعرض الكاتب المبادئ الاقتصادية المستخلصة من فكر سعاده: السيادة على الموارد الطبيعية، مركزية الإنتاج في بناء الاقتصاد، كرامة العمل (أي احترام قيمة العامل كإنسان منتج وضمان حقوقه)، ودمج رأس المال في عملية التنمية القومية بحيث يخدم المصلحة العامة لا المضاربات. أما الفصول اللاحقة فتتناول قضايا ملموسة مثل: وقف نزيف الهجرة، تفكيك بقايا البُنى الإقطاعية، وبناء دورة اقتصادية قومية متكاملة تتجاوز الحدود المصطنعة والتجزئة الطائفية. كما خُصّص قسم للمصالح المشتركة بين الكيانات السورية (لبنان والشام وفلسطين)، انطلاقًا من مذكرات سعاده ومقاربات معاصرة، لتأكيد أن السيادة الاقتصادية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق من دون وحدة المصير ووحدة التخطيط.

ويتضمن الكتاب مَلحقين أساسيين:

• الملحق الأول: "نداء الزعيم إلى منتجي ثروة الأمة وبنائي مجدها" – حيث يضع سعاده العمل والإنتاج في صلب النهضة القومية، ويرفض استغلال العمال والفلاحين سواء من الرأسمال المحلي أو المشاريع الأجنبية.
•  
• الملحق الثاني: "إتمام الاستقلال" – وهو خطة تفصيلية قدّمها سعاده لبناء استقلال اقتصادي حقيقي يُوازي الاستقلال السياسي ويثبّته.
•  

ويشدّد المؤلف، انسجامًا مع ما أكده سعاده في المبدأ الإصلاحي الرابع، أنّ ما قدّم في هذا الكتاب لا يُمثّل خاتمة البحث بل أرضية تأسيسية ــ «قواعد عامة ومعلومات أساسية لا غنى عنها تمهيدًا للنظر في أمور اختصاصية» على حدّ تعبير سعاده. ومن هنا فإن هذا العمل ليس نهاية النقاش بل بدايته، وهو دعوة مفتوحة للباحثين والمفكرين القوميين الاجتماعيين إلى تعميق دراسة النظام الاقتصادي الاجتماعي وتطويره عبر البحث العلمي والتحليل التطبيقي، بما يتلاءم مع حاجات الأمة السورية وظروفها الخاصة.

وقد حظي الكتاب بتقديم من المفكر والخبير الاقتصادي الدكتور عاطف قبرصي، الذي قال في مقدمة تقديمه:

"في العقود الماضية، نُشرت بعض الدراسات والمقالات المتعمقة والجيدة حول الفكر الاقتصادي وإسهامات أنطون سعاده، لكن لم يصل أي منها إلى مستوى العمق والشمولية الذي يتميز به كتاب الدكتور إدمون ملحم... وتظهر براعته الفكرية وخبرته في موضوع الكتاب بشكل واضح ومستمر عبر فصوله الاثني عشر والملاحق المرفقة."

إن هذا الإصدار الجديد يُقدَّم للقراء والباحثين والمهتمين بالشأن القومي والاجتماعي بوصفه مساهمة فكرية رصينة تهدف إلى إغناء النقاش حول حاضرنا ومستقبلنا الاقتصادي في ضوء رؤية سعاده العميقة والشاملة. وهو دعوة إلى إعادة بناء أسسنا الاقتصادية على قاعدة السيادة والعدالة والإنتاجية، ومساهمة في النقاش المستمر حول كيفية استعادة مستقبلنا الاقتصادي بما يخدم مصلحتنا القومية.