مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
البطولة المناقبية: سلاحٌ في معركة الحياة
 
ملحم، ادمون
 

 

 

في زمنٍ تهاوت فيه القيم، واشتدّت المآسي، وسط ضجيج الانهيارات السياسية والاجتماعية، تتقدّم البطولة المناقبية كمنارةٍ تهدي الضالين في ظلام الخنوع والعبودية والاستسلام. ليست البطولة، في فكر أنطون سعاده، مظهرًا استعراضيًا ولا فعلًا طائشًا، بل هي فعلٌ واعٍ، مؤيَّدٌ بالعقيدة، متجذّرٌ في وجدان الأمة، نابعٌ من محبة المجتمع وخيره وحرّيته.

 

البطولة التي دعا إليها سعاده ليست لحظة شجاعة عابرة، بل نهجُ حياةٍ قائمٌ على الوعي، ونظامٌ قيمي يوجّه الفرد نحو الخير العام، حتى وإن تطلّب الأمر بذل النفس. إنها "بطولة التضحية الفردية في سبيل خير المجتمع"[1]، كما وصفها سعاده، وهي كذلك وقفة عزٍّ في وجه الباطل، وفعلٌ نقيّ في وجه الخيانة والانحطاط، واستشرافٌ دائم لقيامة الأمة من بين الركام.

 

إنّ البطولة الاجتماعية، كما جسّدها سعاده، هي التي تتجاوز حدود الذات لتحتضن الجماعة. لقد جعل من نفسه مثالًا أعلى لهذه البطولة: في المدرسة حيث علّم، في المحكمة حيث دافع، في السجن حيث صمد، وفي صبيحة الثامن من تموز، حيث واجه الموت مرفوع الرأس، مردّدًا كلماته الخالدة: "أنا لا يهمني كيف أموت، بل من أجل ماذا أموت."[2]

 

 

النهضة والبطولة: تكامل الفكرة والفعل

 

منذ اللحظة الأولى لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، جعل سعاده من البطولة الواعية منارةً للنهضة. لم تكن النهضة عنده مشروعًا فكريًا مجردًا، بل حركة صراعية تهدف إلى سحق "التنين الخبيث المتعدّد الرؤوس" الذي يجسّد الأباطيل والظلم والتخلف.[3] وكان سلاحها الأوحد: البطولة المناقبية المؤمنة.

 

وقد أيقظ الحزب في الشعب هذه القوة الكامنة، المختبئة في أعماق النفس السورية، وأعاد استحضار تاريخ حافل بالأبطال من أمثال يوسف العظمة، وهانيبعل، وأليسار. هذه السلالة من الأبطال لم تنقطع، بل استمرّت في أجيال المصارعين – أمثال وجدي، وسناء، وخالد، ونورما، وابتسام، ومريم، وعليّ، وعمّار، وفدوى وغيرهم من الشهداء الأبطال – الذين لم يرتضوا الذل، وساروا على درب الصراع، مؤمنين بأنّ الحياة بلا حرية هي حياة ذلّ وموتٌ بطيء.

 


مدرسة العز وصناعة الإنسان الجديد

 

مدرسة البطولة التي أسّسها سعاده لم تخرّج أبطالًا بالمفهوم التقليدي فحسب، بل خرَّجت الإنسان الجديد: الإنسان الحر، الواثق، المؤمن، الذي يرى في نفسه وسيلة لخلاص أمّته. هو الإنسان-المجتمع، المحب لشعبه ووطنه، الذي أدرك أنّ "الدماء التي تجري في عروقنا ليست ملكنا، بل هي وديعة الأمة فينا."[4]

 

هذا الإنسان لا يهرب من المواجهة، لا يساوم على المبادئ، ولا يرتضي الدعة على حساب العز. وقد قالها سعاده بوضوح: "إنّنا لا نرضى إلا حياة الأحرار، ولا نرضى إلا أخلاق الأحرار."[5] لقد دعا سعاده إلى اعتماد البطولة الواعية، المؤمنة، المصمّمة، وقال: "مارسوا البطولة ولا تخافوا الحرب، بل خافوا الفشل."[6] إنها دعوة لا إلى القتال فحسب، بل إلى بطولة الفكر والنظام والموقف، وإلى العمل والبناء وتحقيق الإنجازات الراقية.

 

 

خاتمة: نحو بطولة تُخلّد الأمة

 

إذا كانت الأمم تُقاس ببطولاتها، فإنّ الأمة السورية المغلوبة على أمرها التي أرادها سعاده، أمة حيّة، خُلقت لتقاتل لا لتُستعبد، ولتنتصر لا لتتفتت. فالتخلّي عن البطولة هو تخلٍّ عن المصير، وترك القرار لإراداتٍ غريبة.

 

البطولة التي نادى بها سعاده ليست حنينًا إلى ماضٍ مجيد، بل ضرورةُ الحاضر وضمانة المستقبل. إنها بطولة المصارعين "المؤمنين بأنهم جنود الحق والحرية"، الذين لا يهابون الموت، بل يستقبلونه بصدور رحبة متى كان طريقًا إلى الحياة، ويضحّون بأجسادهم لتزهر في أرضهم شقائق النعمان، لا أشواك الاستعمار والذل.

 

ففي عالمٍ تتهاوى فيه القيم، تبقى البطولة المناقبية المؤمنة التي علّمها سعاده، الملاذ الأخير للحرية والكرامة، والأمل الأوحد في معركة الحياة.

 


[1] نطون سعاده، الإسلام في رسالتيه: المسيحية والمحمدية، الطبعة الرابعة، بيروت، 1977، ص 87.

[2] سعيد تقي الدين، حدثني الكاهن الذي عرّفه.

[3] راجع خطاب الزعيم في البقاع الأوسط 23/04/1948.

[4] سعاده في أول آذار، ص 98.

[5]أنطون سعاده، المحاضرات العشر 1948، بيروت، 1976، ص 167.

[6] أنطون سعاده، المحاضرات العشر 1948، بيروت، 1976، ص 25.

 
التاريخ: 2025-04-25
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: صباح الخير - البناء، 129
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2025 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro