مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
ساحر الإذاعة عبود عبود: هل لديك كعكة؟
 
سلّوم، نزار
إعداد: مؤسسة سعاده للثقافة
 

اضغط هنا لمشاهدة كامل الندوة

 

 

 

 

ينتمي حيدر حاج إسماعيل إلى ذلك الجيل الذي هجر المجتمع العتيق عابراً ودون تردد ليقيم في مجتمع النهضة، بعد أن ارتقت دماء سعادة صبيحة الثامن من تموز 1949 مِنصَّة ملحميّة ملهمة خيال التغيير وموقدة شعلة العقل وبصيرته ودافعة إرادة القوة نحو رؤية سورية أمّة سيدة حرّة مبدعة ورائدة في عالم محكوم بقانون الصراع الذي لا يتيح فرصة الحياة إلّا للمجتمعات القادرة على إعادة صياغة نفسها بما يمكّنها من خوض هذا الصراع والانتصار فيه.

 

دماء سعادة أتاحت تلك الفرصة الاستثنائيّة التي اجتازت العقيدة فيها حواجز الخصومات والعداوات واكتسحت سدود الأوهام والأكاذيب التي تم نصبها لتعيق حركة النهضة نحو شعبها.

 

كان حيدر حاج إسماعيل من بين تلك الكتيبة الإذاعية الضاربة التي جالت العديد من مدن سورية وبلداتها وعلّمت في مدارس النهضة وهي تنقل للأجيال تلك المبادئ والتعاليم التي ستشكّل النظام العظيم للوجود السوري المأمول.

 

مقتل العقيد عدنان المالكي في نيسان 1955، أحدث انقلاباً كاملاً على (فرصة النهضة الذهبيّة). ضُربت النهضة على نحو مقصود منه موتها وتبدد أتباعها. دخل القوميون ليقيموا في السجون وتتشرد عائلاتهم، وانتعش بالمقابل المجتمع القديم بأحزابه الوهميّة والطائفيّة والمذهبيّة، ليخبو حلم التغيير متراجعاً أمام قوى الأمر الواقع الموظفة في مقتضيات الاستراتيجيّات الخارجيّة.

 

ابتداءً من هذه اللحظة الكابوسيّة، ستتغير تقنيات الإذاعة الحزبيّة، وسيظهر جيل من المذيعين (الاسطوريين) الذين سيتكفلون بالقيام بتلك المهمات الخاصة، المهمات التي ستؤكد أنَّ النهضة لا تزال على قيد الحياة. لم تكن هذه المهمات سوى (بناء الجسور بين النهضة والشعب) بعد أن تم تدميرها في مناسبتين مؤلمتين: مقتل المالكي 1955، والمحاولة الانقلابيّة 1961.

 

حيدر حاج إسماعيل، مع اسمه السري - العلني: عبود عبود كان واحداً من المذيعين الاستثنائيين، غير النمطيين، الذي احترف بناء الجسور النهضوية بين الفوالق التي كادت أن تعزل النهضة عزلاً تاماً.

 

لم يشتغل عبود عبود بالسياسة الاعتياديّة، كان غريباً عنها، كما لم يشتغل بالقضايا الفلسفيّة المجرّدة، وهو لو شاء لكان قدّم في هذا الحقل الكثير. إيمانه العميق بالعقيدة كرّسه كشارح استثنائي لمضمونها وكمسهب بارز في التقاط تداعياتها. كتيبه عن الفلسفة المدرحيّة، وكتابه "العامل الثقافي في الاعلام العربي" ومقالاته كانت سلاحاً فعّالاً لجيل من المذيعين الجدد الذين نزلوا إلى ساحة الصراع الفكري أوائل السبعينيات بالسلاح الأبيض وحسب... (سلاحهم) بعض ما حفظوه وفهموه من الفلسفة القوميّة الاجتماعيّة التي توفرت لهم من نسخ معدودة لكتب سعادة الممنوعة من الظهور خصوصاً في الشام.

 

نظر عبود إلى نشر العقيدة والدعوة إليها كمهمة وحيدة رسوليّة لا شريك لها، فجاء إنتاجه في هذا المنحى، ولم يحمل اجتهادات قابلة للتأويل ويمكن الاختلاف حولها. لم تأخذه نرجسيات المفكرين ... اكتفى بأن يكون مبدعاً في فن إذاعة مضمون العقيدة، وفي اختراع مطلق الكيفيات التي تمكّنه من مواصلة بناء الجسور التي سيعبر عليها المجتمع العتيق نحو عالم النهضة.

 

يُحكى أنّه ذات مرة، مضى عليه الوقت ولم يحظ بأحدٍ كي يوصل له ما يؤمن به... هذه حالة تسبب له التعاسة.. هي أشبه بالإصابة بالمرض... مرض الصمت – عطالة الإذاعة... لابدَّ من الشفاء سريعاً منه... خرج من البيت، عبر أحد شوارع دمشق... التقى أول رجل صادفه... قرر أن يفكّ صيامه الإذاعي معه.. تقدم منه معترضاً سبيله بهذا السؤال العجيب: هل لديك كعكة؟

 

كانت الكعكة غير الموجودة مع الرجل اللَبِنَة الأولى في جسر وصوله إلى النهضة. الساحر لم يدعه يكمل دربه في العالم العتيق المهلك.

 

يا ساحر الإذاعة... الشباب والرجال والنساء هائمون في شوارع مدننا المهدمة...هل من يريد أن يبرأ من مرضه وعطالته فيسألهم إنْ كان لديهم الكعك؟

 

----------------------------------------

 

تنويه: نص المداخلة التي ألقيت في الندوة التي أقامتها مؤسسة سعادة للثقافة لتكريم الأمين حيدر حاج إسماعيل (عبود عبود)، يوم السبت 13 كانون ثاني 2024.

                                

 

 

 

 

 
التاريخ: 2024-01-13
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro