مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
نظرة قومية اجتماعية في مفهوم الثقافة
 
أصفهاني، أحمد
 

 

 

ضمن سلسلة محاضرات الندوة الثقافية المركزية، قدّم الأمين أحمد أصفهاني محاضرة في السابع من تشرين أول 2022 تحت عنوان "نظرة قومية اجتماعية في مفهوم الثقافة". حضرها، إلى جانب عميد الثقافة والفنون الجميلة الدكتورة فاتن المر ومسؤولين حزبيين، عدد من القوميين والأصدقاء. افتتح رئيس الندوة الأمين الدكتور إدمون ملحم اللقاء بكلمة تجدون نصها بالضغط على الرابط التالي:

 

كلمة رئيس الندوة الثقافية الأمين ادمون ملحم

 

 

 

 

مادة المحاضرة التي قدّمها الأمين أحمد أصفهاني

 

في الندوة الثقافية المركزية

 

بتاريخ 7 تشرين الأول 2022

 

 

 

 

اللغة كائن حي، تمرّ في حالات تغيّر متواصلة. والتغيير يحدث بطرق عدة منها:

 

- إدخال مفردات جديدة لمواكبة التطورات المختلفة.

 

- نحت مفردات جديدة من كلمات مستعملة.

 

- تحميل المفردات الموجودة مضامين ومفاهيم مختلفة تعبّر عن أفكار جديدة.

 

ونجد عند أنطون سعاده، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه، هذه الطرق الثلاث (هنا بعض الأمثلة): أدخل كلمة "إنترناسيونية" بمعنى العالمية. نحت مفردة "المدرحية" من كلمتين ـ المادة والروح. وأعطى مضامين ومدلولات حديثة لمفردات سائدة مثل المجتمع، المتحد، الأمة، الوجدان، المُثل، المناقب... وغيرها. ولذلك نراه يُشدد على أهمية التعيين كشرط أساسي للوضوح. ونحن سننطلق من هذه القاعدة في حديثنا عن الثقافة القومية الاجتماعية.

 

عندما نطرح موضوع "الثقافة" تخطر على أذهاننا فوراً ثلاثة عناصر أولية مترابطة: النهضة ـ الثقافة ـ الحضارة. ولكل منها مفهوم أو مضمون معيّن في الفكر القومي الاجتماعي. ونحن نقترح إجراء مقارنة سريعة مع المفاهيم الأجنبية لتلك العناصر، نظراً إلى أن مرحلة التنوير والنهوض في سورية والعالم العربي كانت متأثرة إلى حد بعيد بصدمة الاحتكاك مع الغرب خلال الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام بين 1789 و1802.

 

Renaissance أصلها إيطالي Rinascita تعريبها: النهضة، وتعني بالأجنبية "الولادة من جديد"، "إحياء". انطلقت من إيطاليا في القرن الرابع عشر وتوسعت في القرن الخامس عشر، وانتشرت في أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. وتوصف بأنها الانتقال من القرون الوسطى إلى العصر الحديث.

 

Culture وهي تعني بالأجنبية: الثقافة / الحضارة. وتم استعمال هذه الكلمة في زمن الرومان كإشارة إلى تمهيد العقول لزراعة الأفكار الجديدة، ومن هنا جاءت كلمة الزراعة Agriculture. وهي توصف بأنها اكتمال الهيئات أو المؤسسات الاجتماعية، والحكم المدني، والقوانين العادلة، وأنماط الحياة، وتوفير الأمن في الداخل والخارج. ويصنّفها بعض الباحثين إلى قسمين:

 

- العادات والتقاليد والأفكار والأعراف والقوانين لشعب من الشعوب.

 

- الموسيقى والفنون والآداب والمعتقدات الروحية والمادية... إلخ.[2]

 

والآن ننتقل إلى المفردات العربية وما تقدمه لنا من مفاهيم أو مضامين، لأنها بذلك تعكس آليات التفكير في أمتنا والعالم العربي.

 

النهضة: مشتقة من الفعل نهض، أي القيام أو الحركة من المكان. وجرى العرف على تحديدها بلحظة الاصطدام مع الغرب. وقد أجبر هذا التحدي الغربي المفكرين في العالم العربي (تحديداً مصر وسورية) على النظر في أوضاعهم وتراثهم بهدف تغيير واقعهم المزري. فكانت النتيجة أنهم لم يتوصلوا إلى رؤية موحدة لطبيعة مشاكلهم وكيفية معالجتها. كما أن عودتهم إلى التراث، على غرار الأوروبيين الذين نهلوا من الموروث الإغريقي ـ الروماني، اقتصرت عند غالبيتهم على التراث الإسلامي ـ العربي. وكان من جراء ذلك أن حدثت قطيعة معرفية وزمنية بين الأمة السورية (وكذلك مصر) وبين تاريخها الذي يتجاوز الفتح الإسلامي بما لا يقل عن 3000 سنة!

 

احتل مفهوم النهضة مكانة مركزية في تفكير سعاده، إذ نصّت غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي على "بعث نهضة سورية قومية اجتماعية". وفي رسالته إلى المحامي حميد فرنجية بتاريخ 10 كانون الأول 1935 يقول: "وجدت أن لا بد لي من إيجاد وسائل تؤمن حماية النهضة القومية الجديدة في سيرها. ومن هنا نشأت فيّ فكرة إنشاء حزب سري..." [3]. فالحزب بحد ذاته وسيلة لحماية النهضة، ونضاله يجب أن يكون في هذا الاتجاه. وإذا توقف الحزب، أو عجز عن أن يكون فاعلاً من أجل النهضة فلا مجال لاعتباره الحزب الذي أراده سعاده.

 

ونجد في كتابات سعاده كثيراً من الشروح والمدلولات حول مفهوم النهضة وطبيعتها، لكننا اخترنا التعريف التالي من محاضرته في مؤتمر المدرسين (تموز ـ آب 1948): "النهضة السورية القومية الاجتماعية تعني تغيير اتجاه الأمة السورية من فوضى الانحطاط إلى نظام النهوض. من مصير الاضمحلال إلى مصير الوجود الحي، العامل، بوعي كامل، لأغراض الحياة الجديدة ومقاصد النفس الكبرى"[4]. ولكي نفهم طبيعة النهضة السورية القومية الاجتماعية، علينا دراسة وتوضيح "التعابير في ثقافتنا القومية الجديدة". وفي حال تلكؤنا في العناية بهذا الجانب "فالعقيدة السورية القومية وقواها الروحية تتعرض للبلبلة والميعان وتفقد فاعليتها ووحدة روحيتها"[5]. وهذا يعني أن التبحر في الثقافة القومية الاجتماعية يُرسي قاعدة متينة لتأسيس نهضة الأمة السورية.

 

الحضارة: مصدرها حضر، وتعني الإقامة في الحضر أو الانتقال من حالة البداوة إلى الاستقرار المديني. ومن المفردات المناقضة لها: البداوة، الانحطاط، الهمجية، التخلف، التقهقر، التراجع... إلخ. وتوصف بأنها المركب الذي يجمع بداخله كل المعتقدات والقيم والتقاليد والعلوم والفنون والسلوكيات. وحسب الاشتقاق اللغوي، فإن الانتقال من طور البداوة والترحال إلى طور الاستيطان والاستقرار يُشكل الخطوة الأولى نحو "الحضارة". والمؤشر الحقيقي لهذا التغيير "الحضاري" يكمن في الثقافة الجديدة.

 

الثقافة: تعطينا معاجم اللغة العربية شروحات عدة لمعنى الثقافة ومشتقاتها. لكن ما تم التوافق عليه هو التالي (حسب "معجم المعاني الجامع"): المصدر هو الفعل ثقَّفَ، ثقَّفَ يثقِّف، تثقيفاً، فهو مُثقِّف، والمفعول مُثقَّف. ثقَّف الشيءَ: أقام المُعوَجَّ منه وسوّاه. ثقَّف الإنسان: أدّبه وهذبه وعَلَّمه. ثقَّف المعوجَّ: سوّاه وقوَّمه. ثقَّف الأخلاق: أصلح السلوك والآداب.

 

هذا من حيث اللغة، أما من حيث المفهوم فثمة تعريفات متنوعة نقترح تكثيفها على الشكل التالي: الثقافة هي مجموع المعارف والفنون والعلوم التي يكتسبها شعب أو مجتمع معيّن على مرّ الزمن. فهي تتضمن الأفكار والقيم والتقاليد الاجتماعية والمعتقدات والمؤسسات، وتنتقل من جيل إلى آخر لتصبح إرثاً اجتماعياً يصل إلى الأفراد من خلال المجتمع. وتتمظهر الثقافة في أنماط حياة المجتمع برمته، لتشمل الأعراف والأزياء واللغة والدين. كما أن الثقافة تعتبر وسيلة لتحسين وضع الإنسان من خلال مواكبتها للمتغيّرات الحاصلة محلياً وعالمياً.

 

لاحظنا أعلاه أن كلمة Culture تُترجم إلى العربية بـ "الحضارة / الثقافة". وإذا ما دققنا في الصياغات اللغوية، سيتبيّن لنا أن "الثقافة" تختص بالفرد إجمالاً. في حين أن "الحضارة" هي صفة الجماعة المنتقلة من طور أدنى إلى طور أسمى وأرفع. وهما تكملان بعضهما بعضاً، فتنشأ علاقة تفاعلية بحيث تصبح "الثقافة" العنصر الأول في "الحضارة". ولا بد من ملاحظة أخيرة هنا: "الثقافة" قد تكون لفرد أو لجماعة... لكن "الحضارة" لا تُطلق صفةً إلا على المجتمع.   

 

ومع أن سعاده أعلن في خطاب الكورة سنة 1937 بوضوح: "نحن عقيدة ثقافية اجتماعية اقتصادية سياسية، نعمل لهذا المجتمع لتوحيده من جميع الوجوه"[6]، فهو يستخدم أيضاً المعنى المتعارف عليه لغوياً: "والرمح المثقف هو الأصلح للحرب من الرمح الأعوج. وقصد الثقافة أو التربية هو دائماً تقويم الاعوجاج وتوجيه قوى الحياة نحو الأفضل"[7].

 

وتحتل الثقافة في فكر سعاده مكانة متقدمة جداً في تكوين الوجدان القومي الجمعي، بل هي العنصر الأكثر تأثيراً في نشوء الوعي القومي الذي يضعنا على الطريق الصحيح كي نصبح أمة واحدة حية ذات حضارة راقية.

 

 

الثقافة صنو الهوية

 

وعلى هذا الأساس فإن للثقافة هوية قومية واضحة، لأنها تحمل طابع وصفات الشعب الذي يمارسها. وهي نتاج المتحد الاجتماعي بقدر ما هي عنصر حيوي في بناء الوجدان القومي المتنامي عبر الأجيال. وفي الوقت نفسه تكون لها امتدادات عالمية، فتلتقي مع ثقافات أخرى في جوانب معينة لكنها تحافظ على تمايزها الخاص. وقد يكون العمل الثقافي من إبداع فرد أو مجموعة، غير أنه لا يصبح "ثقافة" بالمطلق إلا إذا استهدف المتحد الاجتماعي كله. وفي هذه الحالة ستؤدي الثقافة مهمتين متلازمتين: إحداث التغيير الاجتماعي في الزمن الحاضر، وربط هذا التغيير بالخطوط العامة للحضارات المتنوعة عبر العصور.

 

ومن هذا المنطلق نفهم المبدأ الأساسي السابع من مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي: "تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي". وأهميته أنه يعيد وصل راهنية الثقافة القومية ومستقبلها بالتاريخ الحضاري للأمة السورية. وبقدر ما نتلمس الخطوط الكبرى للحضارة السورية على مدى العصور، ونؤسس عليها قيم الحق والخير والجمال، نكون قد أطلقنا تياراً إبداعياً مميزاً في المجتمع السوري.

 

لكن يتوجب علينا أن نفرّق بين المتعلم والمثقف، فليس كل متعلم مثقفاً بالضرورة. وعلى هذا الأساس نتحدث عن: ثقافة عمومية تتكون بالاطلاع السطحي المتنوع، وثقافة قومية اجتماعية راسخة تلعب دوراً حيوياً في حركة النهضة القومية. وقد شددّ سعاده منذ سنوات التأسيس المبكرة على مركزية الثقافة في العمل الحزبي. ووصف عقيدته بأنها "ثقافية اجتماعية اقتصادية سياسية". وهو لم يضع صفة "ثقافية" قبل الصفات الثلاث الأخرى جزافاً. ففي رسالة إلى وليم بحليس بتاريخ 14 آب 1940 يقول مجدداً: "إني قد عزمت على تعميم إنشاء الجمعيات السورية الثقافية في جميع المهاجر القومية، إذ أن الثقافة ناحية أساسية من نواحي عملنا. وأنا لا أقصد من ذلك مجرد ستر الحركة ووقايتها، بل تنشيط العمل التثقيفي الذي هو في أساس جميع أعمالنا الأخرى"[8].

 

ويكرر سعاده في مناسبات مختلفة عبارة "ثقافتنا القومية الجديدة"، ما يعني منطقياً وجود "ثقافة قومية عتيقة"، وهما على طرفي نقيض. ويعلن رفضه لأي تضارب نظري في هذا المجال. وهذا الموقف يتكامل مع عمله من أجل نشوء روح جديدة في الأمة تجدد حياتها وتقوي حيويتها وتنصرها على عوامل الخمول والجمود. ومن الواضح في سياق قراءتنا لسعاده أن "الروح الجديدة في الأمة" هي أحد تجليات الثقافة القومية عند مختلف الأمم.

 

 

ثقافات على عدد الأمم

 

لكل أمة ثقافة خاصة بها، تميّزها عن بقية الأمم وتسبغ على شعبها صفات معينة تكوّنت على مدى التاريخ لتصبح لبنة أساسية في شخصيتها القومية. وهذا لا يعني أن كل أمة تعيش بمعزل عن الأمم الأخرى، إذ من الطبيعي أن تظهر ملامح ثقافية مشتركة بين الأمم، خصوصاً في عصرنا الراهن حيث يُوصف العالم بأنه "قرية صغيرة". وتزداد الملامح المشتركة بقدر اقتراب الأمم من بعضها جغرافياً، أو لوجود مدى حيوي يشمل أمتين أو أكثر. ومع ذلك فإن المظاهر الثقافية المشتركة تظل قليلة وغير حاسمة مقارنة بالروح الثقافية العامة، لأن "حقيقة الأمة تبقى في روحها، في أفكارها العامة وشعورها العام". ومع أن سعاده يشير إلى بعض التباين، لكنه يضيف: "أما الأمم فلا تتميّز إلا بروحياتها وحياتها وتقاليدها التي هي نتيجة العمل العقلي ومجرى الفكر"[9].

 

ذكرنا أعلاه أن الثقافة هوية، أي أنها جزء محوري من مكونات الشخصية القومية لكل أمة. وقلنا أيضاً إنها تؤدي دوراً حيوياً في عملية تغيير المجتمع نحو الأفضل والأجمل والأسمى. وبما أنها نتاج اجتماعي، فهي عُرضة لتقلبات الأوضاع الاجتماعية سلباً أو إيجاباً. وبهذا قد تصبح إحدى المراحل الثقافية منارة للأمة، أو قد تبقى مرآة لها. وفي الحالة الثانية، سنواجه نزعات ثقافية سلبية، ترسّخ الفوضى الفكرية في بلادنا وتزيد البلبلة والتشرذم بين أبناء شعبنا.

 

لقد بلغ الواقع الثقافي الراهن في سورية درجة خطيرة من الانحدار والتشتت. ونحن لا نخجل من الاعتراف بأن عوارض هذه "الثقافة السلبية" أصابت بعض القوميين الاجتماعيين، وإن بشكل محدود. إن هذه الوضعية السيئة هي نتاج متوقع للتدهور الحاصل على كل المستويات في الوطن السوري. إلا أنها لم تصل بعد إلى نقطة اللاعودة، فما زلنا قادرين على التصدي لكل النزعات الهادفة إلى تدمير ثقافتنا القومية اعتماداً على ما نملك من وعي عقائدي وموروث حضاري تاريخي وخبرات راكمها القوميون منذ 1932 وحتى اليوم.

 

نحن نلاحظ الآن ضياعاً في التوجهات واختلاطاً في المفاهيم. وهنا تبدأ مسؤولية الثقافة القومية الاجتماعية، الناشئة عن نظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن. ولا وجود لهذه الثقافة خارج العقيدة القومية الاجتماعية، فمن قواعدها تنمو وفي رحابها تزدهر. ولكي نتجاوز واقع التراجع الراهن، فإن مهمتنا الأولى تكمن في التثقيف بالعقيدة واستيعاب مضامينها وتوظيف منهجها في تناولنا لكل الشؤون السورية، خصوصاً الثقافة الجديدة. والقاعدة الذهبية التي تشرّع أمامنا أبواب البحث والدراسة هي: "التعيين شرط الوضوح".

 

 

العقيدة أداة تثقيف

 

إن التثقيف بالعقيدة القومية الاجتماعية يُشكل، بالنسبة لنا، الإنجاز التمهيدي الذي يُطلقنا باتجاه نشوء ثقافة سورية جديدة. علينا أن نبدأ في مؤسساتنا الحزبية، مع القوميين الاجتماعيين والمواطنين المقربين. وعندما يتحقق الوعي العقائدي في صفوفنا، سيكون من السهل نشر الثقافة الجديدة في الأوساط السورية النابهة. وبهذه الآلية نخلق ثقافتنا التي هي ثقافة الأمة، ونتطلع إلى المستقبل من دون أن نُحدث قطيعة معرفية مع خطوط الفكر السوري الحضاري بأبعاده التاريخية.

 

وبما أننا لا ننشط وحدنا في كيانات الأمة، فالصدام مع قوى الرجعة والتخلف والعرقية والطائفية مسألة حتمية. إن الثقافات غير القومية تتكاثر بقدر ما تتكاثر النزعات التفتيتية في أوساط الشعب. ويصف بعض الباحثين هذا النوع بعبارة "الثقافة المضادة"، التي غالباً ما تكون مرتبطة بالمصالح الخارجية. يُنقل عن وزير الخارجية الأميركي كورديل هال Cordell Hull (بين 1933 و1944) قوله: "إذا أردت أن تُلغي شعباً، تبدأ بشل ذاكرته، ثم تشوه ثقافته وتجعله يتبنى ثقافة أخرى غير ثقافته، ثم تلفق له تاريخاً غير تاريخه وتعلمه إياه (...) عندئذ ينسى هذا الشعب من هو ومن كان، وتندثر معالم حضارته، وبالتالي ينساه العالم ويصبح مثل الأمم المنقرضة".

 

ولذلك لا يمكننا أن نبني الثقافة القومية الجديدة، إلا من خلال التعمق بالعقيدة القومية الاجتماعية والانطلاق بها إلى الأمام ونحو الأعلى. إننا مطالبون بمهمة مزدوجة: بناء الثقافة الجديدة التي يحملها إنسان مناقبي جديد، وهدم الثقافات اللاقومية المضادة داخلياً وخارجياً: "في الصراع المميت بيننا وبين قوات التوحش لا نشك في أن قوتنا الروحية المتمدنة العظيمة ستسحق التوحش وغدره ولؤمه سحقاً تاماً كاملاً"[10].

 

________

* الأمين أحمد أصفهاني كاتب وإعلامي ومحلل. يقيم حاليًا في لندن

 

 

 


[1] أنطون سعاده، الإسلام في رسالتيه، الطبعة الرابعة 1977، ص 73.

[2] مواقع مختلفة على الإنترنت، ومعاجم بلغات عدة.

[3] الأعمال الكاملة ـ الجزء الثاني"، صفحة 10.

[4] الأعمال الكاملة ـ الجزء الثامن"، صفحة 226.

[5] الأعمال الكاملة ـ الجزء التاسع"، صفحة 106.

[6] الأعمال الكاملة ـ الجزء الثاني"، صفحة 141.

[7] الأعمال الكاملة ـ الجزء الخامس"، صفحة 135.

[8] الأعمال الكاملة، الجزء التاسع"، صفحة 304.

[9] الأعمال الكاملة، الجزء الأول"، صفحة 453 ـ 455.

[10] أنطون سعاده، ترويسة الصفحة الأولى من جريدة "الزوبعة" العدد 67، تاريخ أول تشرين الأول 1943.

 
التاريخ: 2022-10-07
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: الندوة - نشرة الكترونية للندوة الثقافية المركزية، الثاني - 16 تشرين الثاني 2022
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro