مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
عواقب الاستقلال الممنوح «أخبار الوطن المحزنة»
 
 
 
الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 85، 10/8/1945
 

حذّرت دوائر الـحزب السوري القومي الاجتماعي العليا الشعب السوري من عواقب الاستسلام لوعود الاستقلال الـجديدة الـممنوحة من الفئتين الـمتحاربتين في هذه الـحرب العالـمية الثانية، خصوصاً تلك الوعود التي قطعها الألـمان والطليان تـمهيداً لزحفهم في مصر نحو قناة السويس، والتي قطعها الإنكليز والفرنسيون الأحرار تـمهيداً لزحف الأولين من فلسطين على لبنان والشام، ليحلّوا محل قوات حكومة فيشي فيهما. وقد تناولت الزوبعة تلك الوعود من الفريقين وحللتهما وأفردت لوعود البريطانيين والديغوليين أبحاثاً خاصة في أعدادها، خصوصاً أعداد 15 وأول أغسطس/آب و15 أغسطس/آب وأول سبتمبر/أيلول وأول أكتوبر/تشرين الأول من سنة 1941، وحذّرت السوريين من خطر الاقتناع بأن تلك التصريحات وذيولها قد كفِلت للسوريين حصول استقلالهم وحريتهم الـمطلقة في تقرير مصيرهم وشكل حكومتهم، وسيادتهم على شؤونهم ووطنهم.


ولكن الـجهل والغرور وحب الذات وحب الظهور من غير كِلفة وعناء أعمت بصائر أكثر اللاقوميين عن إدراك نظرة الـحركة السورية القومية الإصلاحية في شؤون قضيتنا القومية السياسية وجعلت وجهاءهم يندفعون في مظاهر تلك الوعود الـمواربة، الـخلابة، فأقبلوا في الوطن على النيابة والوظائف الـجديدة التي يقتضيها وَهْمُ «الاستقلال الـممنوح» وفي الـمهجر تسابقوا على وسائل الظهور في حلل الاستقلال الـمزركشة وسنحت الفرصة للكشف عن مرضى عقول بعض الـمنضمين إلى الـحزب السوري القومي الاجتماعي في الأرجنتين وغيرها الذين تخلوا عن أيْـمانهم وأظهروا عجزهم عن فهم مدى رسالة الـحزب الذي انضموا إليه واعتنقوا مبادئه ونظامه وقاموا يركضون ويتسابقون لإعلان انقلابهم وقبولهم «الاستقلال الـممنوح» للبنان وغير لبنان الذي جاء رخيصاً وهيناً!


أثبتنا في أعداد الزوبعة الـمشار إليها أهم تصريحات الإنكليز والديغوليين، وفي الأعداد التالية حلّلنا تلك التصريحات وعيّنا مواضع الـخطر فيها. وقد وعى القوميون الصحيحون تـحليلات جريدتهم وتـمسكوا بتوجيهات زعامتهم فلم يخيبوا. ولكن الفئات الأخرى التي هي «أكبر» من أن تنقاد لـحزب أو زعامة وصلت إلى حضيض الإخفاق والـخيبة في حوادث الـمشادة بين الـحكومة اللبنانية والإدارة الفرنسية الديغولية سنة 1943، ثم في الـحوادث الناتـجة عن إنزال قوات فرنسية جديدة في منطقة الانتداب الفرنسي السابق وما تقدَّمها وما عَقِبها مـما ينفي نفياً قطعياً وجود سيادة قومية فعلية واستقلال سوري أكيد.


أكدت هذه الـحوادث الدامية الأخيرة ما قاله هاني بعل في عدد 15 أغسطس/آب سنة 1941: «إنّ التصريحات والوعود بالـمساعدة على الاستقلال وبتحقيق الاستقلال، الصادرة من جانب دولتي الـمحور الكلي ومن جانب بريطانية و «الفرنسيين الأحرار» هي وعود عديـمة القيمة الـحقوقية والشرعية» (أنظر ج 4 ص 268) فلا يصح الاستناد إليها، لأن الـمانح له حق استرجاع الـممنوح. وهذه النظرة الـحقوقية العميقة هي من إنتاج القيادة السورية القومية الاجتماعية الفكري، وامتيازاتها.


إنّ الـحوادث الاصطدامية الأخيرة بين السوريين والفرنسيين لم تفاجىء الـمنظمة السورية القومية الاجتماعية. فهذه الـمنظمة قد أعلنت منذ البدء، أنّ وعود منح الاستقلال من قِبَل بريطانية وفرنسة لم تغيّر وضع أمتنا السياسي. وكان واضحاً لها أنّ الشيء الوحيد الذي طرأ على ذاك الوضع السياسي هو أنّ الـجيش البريطاني حل محل الـجيش الفرنسي في سورية الشمالية.
ومسألة تزاحم بريطانية وفرنسة على النفوذ السياسي والـمراكز الاستراتيجية والـموارد الاقتصادية في بلادنا مسألة قديـمة تتجدد بالاحتلال البريطاني الـجديد. وقد اتخذت هذه الـمسألة شكلاً جديداً باغتنام بعض الفئات أو الشركات السياسية الرجعية فرصة انحلال القوة العسكرية الفرنسية واحتلال البريطانيين شمال سورية، للانتقام من الـحكم الفرنسي السابق الذي كانت تتودد وتتقرب إليه زلفى ابتغاء تسلّم مقاليد الـحكم ووظائف الإدارة من غير فائدة، لأن التسلط الفرنسي كان قد اختار آلاته البشرية أمثال إميل إده في لبنان وجميل الألشي وحقي العظم في الشام.


إغتنمت هذه الفئات الـمريضة الفرصة، فقامت تناهض الفرنسيين الضعفاء اليوم،

بعد أن كانت تتزلف إليهم وهم أقوياء بالأمس، ليس من أجل تأمين سيادة قومية طالـما كانت هي من أعوان الإرادات الأجنبية على إعدامها ومحق معالـمها وخنق روحها، بل من أجل اكتساب رضى الـمحتلين الـجدد لتكون لهم ما كانته مزاحمتها للفرنسيين من قبل. وهكذا حلّت «الكتلة الدستورية» في لبنان محل فئة إميل إده وخيرالدين الأحدب التي تسمّت بأسماء أخرى ونكّلت برئيسها إده الذي فرّ من البلاد ليعمل لإعادة حزبه الفرنسي إلى البلاد ليعود هو إلى التحكم والانتقام.


والسياسة الإنكليزية مشهور أمرها فهي تقدر على التوسع بالناس وإرضاء مطاليبهم التي لا تعاكس جوهر الأغراض البريطانية السياسية والاستراتيجية والاقتصادية. وهي تفسح للشعوب التي تدخلها، ضمن نطاق نفوذها السياسي، مجالاً من الـحرية يتسع لـحركات رجالها وأحزابها ولا يضيق بالأغراض البريطانية الأساسية. ومن نتائج سياستها اكتساب الـمصريين والعراقيين حالات واسعة من الـحكم الذاتي، الذي يعني الاستقلال في الـحكم الداخلي، ولكنها لا تبلغ درجة الاستقلال الصحيح الذي يشمل حرية العمل والتعاقد الـخارجيين.


هذه الـمرونة السياسية الإنكليزية لم يصلح لها الـمزاج الفرنسي الفوّار. فلم تكتفِ السياسة الفرنسية، في جميع أدوارها وفي مختلف مناطقها الـجغرافية، بتأمين أغراض فرنسية جوهرية وترك ما تبقّى للوطنيين، بل استأثرت بأسباب الـحكم الذاتي، وضربت رقابة دقيقة على جميع فروع الإدارة الداخلية، وتدخلت في كل أمر شعبي داخلي، ولم تفرّق في الـمعاملة بين الشعوب غير الـمتمدنة والشعوب الـمتمدنة، ولا بين الشعوب الـمؤهلة والشعوب غير الـمؤهلة فولدت أحقاداً عميقة وشقّت هوة سحيقة بينها وبين السوريين الذين حاولت حكمهم.


والـمرونة السياسية الإنكليزية لا تقف عند حد إحسان سياسة الشعوب الواقعة ضمن نطاق [نفوذها] بل هي أيضاً تـحسن سياسة الدول الـمزاحمة لها على النفوذ السياسي. فلما قررت احتلال شمال سورية لم تفكر فقط في اجتذاب ميول السوريين بوعد الاستقلال، بل فكرت أيضاً بإرضاء الفرنسيين الديغوليين بوعد آخر مطاط، بتأمين فرنسة على «أسبقية مصالـحها» في لبنان والشام. ومن أروع ميزات هذه الـمرونة السياسية البريطانية محاولتها التوفيق بين وعديها للسوريين والفرنسيين بشد هذه وإرضاء تلك تارة وشد تلك وإرضاء هذه تارة أخرى!


هذه هي الـحالة السياسية في أشكالها الظاهرة. ولكن بقي شكل خفي من الناحية السورية. فمنذ نشأ الـحزب السوري القومي الاجتماعي نشأت في سورية مدرسة التخطيط السياسي السوري والـمرونة السياسية السورية. وهذه الـمدرسة تعالج اليوم النزق الفرنسي من جهة والرزانة البريطانية من الـجهة الأخرى. ومستقبل سورية الناجح يتوقف على مبلغ إقبال السوريين على مدرسة الـحزب السوري القومي السياسية الاجتماعية.


ومـما لا شك فيه أنّ مبادىء هذه الـمدرسة السياسية قد انتشرت انتشاراً واسعاً في الوطن والـمغترب، حتى أنّ الفئات السورية الـمناوئة للحزب السوري القومي الاجتماعي لم تقدر أن تتخلّص من تأثير هذه الـمدرسة وأساليبها في تفكيرها وسلوكها السياسي.


كلما ازداد إقبال السوريين على الـمنظمة السورية القومية وتعاليمها ازدادت الـمعنويات السورية صعوداً وكثر التوافق الـمطاوع في الـحركات السورية السياسية. وفي جميع مظاهر الشعب السوري الأخيرة نرى عياناً تأثير الـحركة السورية القومية الاجتماعية وتعاليمها في قيادة الفكر والشعور السوريين نحو الغاية الكبرى. وليس أدل على ذلك من تغيّر اتـجاه لبنان وحركات السياسة الشامية.


ومن الأدلة على عِظَمِ تأثير الـحزب السوري القومي الاجتماعي، أنّ الشركات البرقية لم تتكمن من إغفال مظاهراته الكبرى في بيروت، ولكنها قالت إنّ شعار الزوبعة الذي حمله الـمتظاهرون هو الصليب الـمعقوف الأطراف الذي اتخذه الاشتراكيون القوميون الألـمان شعاراً لهم، وقالت إنّ هذه الـمظاهرات هي نتيجة تـحريض الـحاج أمين الـحسيني الديني، تضليلاً للرأي الإنترناسيوني وتشويباً للحقيقة!


إنّ الـحزب السوري القومي قد حقق فكرة صراع النهوض القومي الاجتماعي. ولن يطول الوقت حتى نراه يحقق انتصار البعث القومي وإرادة الأمة السورية على الإرادات الأجنبية!

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro