مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
شخصيات وكتب
 
 
 
الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 88، 20/1/1947
 

كنا قد ابتدأنا ننشر تـحت هذا الباب تعليقات على سلسلة الأخبار الـمتعلقة بالشخصيات الـجديدة اللامعة الظاهرة في الـحركة التي أخذت تردنا بعد حصول الاتصال مع مركز الـحركة في الوطن، والشخصيات الأدبية عموماً، والـمنتجات الأدبية التي صارت تردنا تباعاً. ولكننا لم نتمكن من إعطاء جميع ما وردنا، حتى الآن من أخبار وكتب، حقه من الذكر والتعليق، لأن الوارد كان كثيراً ولم يكن صدور الزوبعة في السنتين الأخيرتين منتظماً. والعدد الأخير بقي في الـمطبعة نحو أربعة أشهر دون أن تتمكن إدارة الـمطبعة «السلام» من حل أزمة الصف والطباعة.
ذكرنا في الـمقالات الـماضية شيئاً من بعض الشخصيات الـجديدة والآن نذكر شيئاً عن بعض الـمنتجات الأدبية.


الكتب التي وردتنا حتى الآن غير قليلة نعددها الآن: مصرع السمّنة للأمين عبدالله قبرصي، وهو قصة شعرية فلسفية ألّفها الأمين قبرصي في معتقل الـميه وميه. حول الـموقد مجموعة قصص قومية للأمين مأمون أياس، وضعت أيضاً في الـمعتقل. علي، أمير بيروت، رواية قومية تاريخية بطلها علي بن فخر الدين الـمعني للرفيق فريد مبارك وضعت أيضاً في الـمعتقل. حلاوة الفراق في العراق، لعبد الـحليم اللاذقي. في حنايا الدرج لأحمد مكي. أبعاد لأنطون كرم. إبن زيكار، رواية قومية تاريخية جليلة تتناول حوادث وقفة صور في وجه الإسكندر الـمكدوني، وضعها مؤلفها الرفيق جورج مصروعه في معتقل الـميه وميه. وحي الظلام ديوان شعر للأمين الأستاذ عبدالله قبرصي. معابد الريف ومن صميم لبنان لأسد الأشقر.


هذه كانت أول طائفة من الكتب الـجديدة التي وردتنا، عدا عن نشرات أخرى كأعداد مجلة العالم العربي وأعداد مجلة الثقافة وفيها أبحاث جليلة. وهذا العدد من الكتب غير قليل وكل كتاب يحتاج إلى قراءة دقيقة وتعليق خاص فلم يتسع الوقت ولم يـمكّنّا تأخر صدور الزوبعة من إعطاء كل كتاب ما يستحقه من الدرس والنقد.


وقد وردتنا في الـمدة الأخيرة خمسة كتب هامة نذكرها الآن ونعلق على واحد منها في ما يلي وهي:
تاريخ سورية السياسي، للرفيق إدوار سعاده باللغة البرتغالية ومطبوع في سان باولو البرازيل. العقل في الإسلام، للرفيق الدكتور كريـم عزقول، عميد الإذاعة السابق في الـحزب القومي الاجتماعي. البعث القومي، للرفيق الأستاذ فايز صايغ، عميد الإذاعة والثقافة في الـحزب القومي الاجتماعي. رسالة أم، للرفيق حافظ إبراهيم الـمنذر متولي تـحرير النشرة الإذاعية الداخلية في الـحزب القومي الاجتماعي. قدموس، رواية شعرية لسعيد عقل.


نبتدىء هنا بالتعليق على كتاب تاريخ سورية السياسي، للرفيق إدوار سعاده (بكلورية في العلوم الـحقوقية والاجتماعية)، نظراً لـموضوعه الذي تتجه إليه الأنظار بسرعة في عهد هذا الوعي القومي.
يقول الـمؤلف، في مقدمته القصيرة التي صدّر الكتاب بها، إنه استند في تأليفه إلى «جميع التواريخ العمومية» التي يجب أن نفهم منها أنها كتب التاريخ العام الأكاديـمية أو الـمدرسية وإلى تاريخ قيصر كنتو العالـمي الـمسهب الذي يقع في عدة أجزاء، والذي يقول مؤلف كتاب تاريخ سورية إنه أصبح الـمصدر الرئيسي الذي استقى منه أهم معلوماته إلى سنة 1870، ثم يقول إنّ مصادر أخرى متعددة أمدته بـمواد بقية تاريخه إلى سنة 1933.


من تصريح الـمؤلف، في الـمصادر التي استند إليها، نرى أنها كانت محدودة، فقيرة. فإن كتب التاريخ الـمدرسية ليست صالـحة مصدراً لكتابة تاريخ أمة مبعثرة أخباره بين تواريخ عدة أمـم ومسرودة بأشكال استبدادية تـحتاج إلى تنقيب طويل واستقصاء مضنٍ. أما التاريخ العالـمي للمؤرخ الـمعروف قيصر كنتو فمع أنه جمع معلومات هامة عن سورية كثير منها ثابت إلى اليوم، ومعلومات وثيقة في تاريخ العالم بالإجمال، فهو كتاب لا يـمكن في هذا العصر اعتماده كل الاعتماد لأن الكثير من معلوماته قد أصبحت مصححة بالتنقيبات الكثيرة التي جرت بعد نشره، ومن الـمعلومات الـجديدة غير الـمثبتة فيه قد ظهرت وأصبح من اللازم الاطّلاع عليها في تأليف كتاب من هذا النوع. فمن يريد اليوم كتابة تاريخ وافٍ من الوجهة الإجمالية لسورية لم يكن له بدٌ من الالتجاء إلى أبحاث الـمؤرخين الـمتأخرين والـمستشرقين الـمتخصصين، أمثال إدوارد ماير ومسفارو وموفرس ومللر وبركلمن ونلدكه وكيتاني وغيرهم.


ولكن الـمؤلف يقول إنه لا يقدّم بكتابه «مؤلفاً كاملاً». وهذا يعني أنه اقتصر على ما تناولته يده من الـمصادر ليظهر منها حقيقة سورية وعظمتها من ضمن الـمعلومات الواردة في كتابه.
إنّ غايته الواضحة جمع ما تيسر من الـحوادث التاريخية الـجارية في سورية، أو الـمتعلقة بها، وتأويلها تأويلاً جديداً بتنبّهٍ قومي للحوادث الـمذكورة، فلم يكن بد من أن يعتور الكتاب نقص في الـمعلومات، يورث نقصاً أو غلطاً في التأويل. وإنّ اقتصار الـمؤلف على الـمصادر الـمحدودة التي تعتبر فقيرة في كميّتها حدد له اختياره في التأويل بل اضطره لقبول الكثير من تأويل الـمؤرخين الذين استند إلى مؤلفاتهم من غير تـحقيق في مبلغ صحتها.


لم نقرأ الكتاب كله بتدقيق بل طالعنا أقساماً منه. وقد رأينا أنّ الـمؤلف توفق في مهمته الرئيسية، فأكسب حوادث تاريخية كثيرة تأويلاً جديداً صحيحاً يجعل لها قيمة تاريخية جديدة لم تكن لها لولا هذا التأويل. ولكن قِدَم الـمصادر التي استند إليها وقتها أوجدت في الكتاب مواضع ضعف تقلل من أهمية معلوماته.


من ذلك كلامه عن العلاقات السلالية للشعوب السورية القديـمة. فهو قد قبل الاصطلاحات النسبية القديـمة التي لم تعد تصلح اليوم بعد وقوفنا على نتائج علم السلالات وعلم الـجماعات السلالية وعلم أصول اللغات، فحسب الاصطلاحات القديـمة الـموروثة من التقاليد اليهودية في التوراة والتي تابعتها التواريخ العربية والإفرنـجية قبل نشوء علم الأنتربلوجية وعلم الإتنلوجية وعلم العاديات وعلم أصول اللغات: نرى أنّ الـحثيين الذين قطنوا شمال سورية وأنشأوا في منطقتهم دولة اشتهرت بالبأس منسوبون، حسب حكايات التوراة، إلى حثّ بن كنعان من ولد سام. وما نعرفه اليوم من التحقيقات السلالية واللغوية هو أنّ الـحثيين جماعة آرية اللسان أتت من نواحي جبال أرمينية وطورس وهي من سلالة الـمفلطحي الرؤوس ولها طابع سلالي خاص. وسلالتها تختلف كل الاختلاف عن سلالة الكنعانيين (الفينيقيين ) الـمستطيلة الرؤوس السامية اللسان. إنّ هنالك صحة كبيرة في أسماء شعوب سورية القديـمة وتفاعلها الـحربي والاجتماعي بعضها ببعض في سورية ولكن يوجد نقص في تعيين أصولها وسلالتها ناتـج عن عدم اطّلاع الـمؤلف على الأبحاث العلمية الأخيرة في هذا الصدد يـمتد نقص الـمعلومات إلى حقيقة العبرانيين ومنشأهم. فالـمؤلف يتابع جميع الـمعلومات التقليدية الـمستندة في الأصل إلى التوراة، وبعض اجتهادات الـمؤرخ اليهودي يوسيفس ، فيروي حكاية انتقال اليهود إلى مصر وقصة ولادة موسى وحيلة إنقاذه من القتل، وهي من قصص التوراة، ويجعل علاقة لليهود في مصر بالفتح السوري لـمصر وتأسيس الدولة السورية السائدة في وادي النيل الـمعروفة بدولة «الهكسوس». إنّ الـمعلومات الـحديثة لم تعد تـجيز لنا قبول هذه الـحكايات فلا يوجد في تاريخ مصر فرعون غرق في البحر الأحمر وهو يتبع هاربين من أرض مصر، ولا كان للعبرانيين أية علاقة قريبة أو بعيدة بالفتح السوري لـمصر واحتلالها.


كذلك قبل الـمؤلف جميع الـمعلومات الواردة في الـمصادر التي استند إليها، الـمتعلقة بنشوء الـمسيحية والـمحمدية، مع اجتهاد قليل في ما يتعلق بالـمسيحية، وفي سرده لهذه الـمعلومات لم يراعِ أي ميل تديّني. فهو يقول مثلاً عن الـمسيح إنّ أباه أو والده يوسف وإنّ أمه مريـم ويتكلم عنه كمفكر ومعلم وليس كإله، ثم إنه يقص القصة الإنـجيلية كلها ويذكر تعاليم الـمسيح الإنسانية السامية ولكنه لا يتعرض لعجائبه بإنكار أو قبول. ويصوّر قيامته كوهمٍ أو تشبيه أو مجرّد اعتقاد سرى بين أتباعه. أما في كتابته عن محمد فهو يسرد كيف قضى محمد على عبادة الأصنام في العُربة، ولكنه، لقبوله مرويات الـمصادر الـمحدودة التي استند إليها، وكلها أجنبية وغير موثوقة كل الثقة في جميع الـمواضيع يتابع الـمصادر الـمذكورة في مروياتها كل الـمتابعة، فقال عنه إنه كان يتظاهر بالاتصال بالسماء ووصف إكثاره من النساء خارج حدود القرآن للناس باستنكار كثير، وكذلك وصف غزواته وصفاً سطحياً باستنكار، ولم يتعرض لتعاليم القرآن بل نقل بعض الصور الناقصة والـمشوهة الواردة في الـمصادر التي استند إليها. وهذا يدل على أنه لم يهتم بالتحقيق في الرسالة الـمحمدية ولم يقرأ من كتب الـمحمديين شيئاً في تفصيل رسالة محمد، ولم يطّلع على دراسات حديثة منصفة لـمحمد، والـمؤلف لا يعذر في هذا الفصل لأنه كان يجب عليه، على الأقل، قراءة البحث الـجليل الذي أنشأه «هاني بعل» في الـمسيحية والـمحمدية ونشرته الزوبعة منذ نحو خمس سنوات. (أنظر ج 5)


وقد ختم الـمؤلف كتابه بذكر تأسيس الـحزب السوري القومي الإجتماعي عادّاً هذا الأمر أهم حادث في حياة سورية، وعدد من أغراض هذه الـحركة، فأشار إلى توحيد سورية الـمجزأة وفصل الدين عن الدولة وإنشاء قانون مدني. ثم ذكر أشياء ثانوية ليست أغراضاً معيّنة في غاية الـحزب كإبطال الـحريـم وتعدد الزوجات.


وإنّ اقتصار الـمؤلف على تعيين هذه الأهداف للحركة القومية الاجتماعية يدل على أنه لم يتعمق في درس أهداف هذه النهضة العظيمة التي تتعدى الأشياء الـخصوصية التي ذكرها، والتي تصوّر الـحزب القومي الاجتماعي بأنه يجلب سورية إلى حالة التمدن الغربي فقط، فلا تكون النهضة السورية القومية الاجتماعية قد أتت بشيء جديد، مع أنّ مبادىء هذه النهضة قد تناولت قضايا الثقافة والفكر العليا وقضايا الاجتماع والاقتصاد، وقدّمت في هذه الأخيرة نظريات جديدة تصلح لتأخذ عنها الأمـم الأخرى وتستفيد منها، ولو أنّ الـمؤلف عرض لهذه القضايا التي تشغل اليوم أفكار قادة الأمـم وعلمائها وأبرز الفلسفة الاجتماعية التي تقدّمها النهضة السورية، لكان أظهر القيمة العليا لهذه النهضة وأهمية سورية ونهضتها للعالم. وهذه أعلى حقيقة كان يجب على الـمؤلف العناية بها وذكرها.


وقد غلط الـمؤلف بعدم عرض مخطوطته على أحد من الـمفكرين في النهضة السورية القومية الاجتماعية ومن الـمطلعين في الشؤون التاريخية وبعدم استشارته في بعض القضايا التي اطلاعه فيها قليل.


ويزيد غلطه ثقلاً أنه وسم كتابه برمز الزوبعة، وألوان العلم القومي الاجتماعي الذي يحمل على الظن أنّ كتابه معبّر عن الـحركة السورية القومية الاجتماعية وصادر عنها، مع أنه لم يقصد إلا أن يكون الكتاب مؤيداً لـمرمى النهضة بإثبات الشخصية السورية التاريخية.
إذا صحح الكتاب ونقّح من مثل الأغلاط التي اقتصرنا على إيرادها في ما تقدم، انتفت أضرار أغلاطه وزادت فائدة حقائقه.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro