مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
​البانوراما السياسية لسورية في خط مستقيم أرض ضاربة في القدم شعبها نشوؤها سقوطها إنبعاثها
 
 
 
بقلم أنطون سعاده
 

ملاحظة التحرير

(ننشر اليوم النسخة الأصلية الأولى لـمسلسل « البانوراما السياسية لسورية» التي نشرت في عدد سابق بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر الـماضي بتصرّف حرّ نقلاً عن النسخة الأصلية، وذلك تلبية لطلب الكاتب.)


لقد تبدّلت معالم سورية السياسية مرّات عدة في مجرى التاريخ. إلا أنّ الأرض تـمتلك ميزات في تكوينها الطبيعي حافظت على نوعية وسطها الطبيعي، ومحيطها الطبيعي (الـجغرافي) حيث استطاع مجتمع إنساني - شعب قوي - إنشاء عالم عاداته وتقاليده وتكوين «نفسيّته» وإظهار نبوغه وصنع مصيره.
في الشمـال يرتفـع حاجـز مؤلـف من سلسلة جبال طوروس وأنتي طوروس التي تفصل البلاد عن الأناضول أو آسية الصغـرى. وهي أرض كانـت مأهولـة في القـدم من الآراميين والأيونيين والفرنـجيين وشعوب أخرى، وهي اليوم خاضعة للاحتلال التركي.


في الـجنوب تـمتدّ الـحدود الطبيعية من قناة السويس التي كان البرزخ الـموجود محلها سابقاً والذي يحمل الاسم نفسه، يصل آسية وأفريقية والبحر الأحمر.
إلى الشرق، في الـجزء الـجنوبي من البلاد، تقع العُربة (العربية) وهي تعني الصحراء(1) التي تسري في جزئها الشمالي بـمحاذاة ضفاف نهر دجلة ومرتفعات الأرض وصولاً إلى الـخليج الفارسي.

أما غرباً، فيرسم البحر الأبيض الـمتوسط حدود البلاد مع جزيرتها الثمينة قبرص التي تشكّل من الوجهة الـجيولوجية والـجغرافية جزءاً لا يتجزّأ من بلاد السوريين. كما تتمتعّ بنفس طبيعة جبال لبنان (التي يعني اسمها «الـجبال البيضاء» لثلوجها أو لصخورها.


إنّ الـحدود كما هو ظاهر، محدّدة بوضوح. أما سورية الداخلية فطبيعتها متنوّعة تتخلّلها الهضاب والوديان والسهول. تربتها خصبة ومناخها صحّي ومعقول.
في غابر الزمان، لم تكن البلاد تدعى سورية، كما كان حال معظم البلدان، كفرنسة وإيطالية مثلاً، فهما لم تعرفا قديـماً باسميهما اللذين تُعرفان بهما حالياً.
ثمة جدل حول أصل إسم سورية. ويرّجح تأكيد الرواية التي تذهب إلى أنّ هذا الاسم هو اشتقاق من إسم صور أي صور الشهيرة القديـمة، عاصمة أول إمبراطورية استعمارية بحرية في العالم، التي أخذت موقعها على شاطىء البحر الـمتوسط عند سفح جبال لبنان. (من هنا جاءت سورية الياء في نهاية الكلمة إغريقية) الـمصريون القدامى أسموها «بلاد الـخورو» فيما كانوا يلفظون «الـخاء» على أنها سين» (سورو) مـما يدل على صلتها الوثيقة باسم سورية الـحالي.


في زمن ظهور موجة الهجرة البدوية العبرية (الإسرائيلية) الغريبة، كانت البلاد مقسّمة إلى عدة مناطق: منطقة الكنعانيين أو ما يسمّى «بأرض كنعان»، ومنطقة الآراميين، أو ما يسمّى  بأرض آرام، ومنطقة الـحثيين، أو أرض الـحث، وجميع هذه الـمناطق تقع في الـجزء الغربي من سورية.
في الـجهة الشرقية كانت توجد منطقة الآشوريين ومنطقة الكلدانيين أي آشورية وكلدانية. وكانت فينيقية امتداداً للكنعانيين وتلقّت تسميتها من الإغريق.
لقد حدّدت طوبوغرافيا البلاد إلى حدّ ما جزءاً هاماً من الأوجه الأساسية لتاريخ شعبها. فجبال لبنان الـممتدة من الشمال إلى الـجنوب كانت تشكل حواجز تـمنع العبور بين الداخل والشريط الساحلي الـممتد بين البحر وسلسلة الـجبال. فكان على الفينيقيين الـمقيمين في الساحل أن يوجّهوا أبصارهم نحو البحر لانعدام إمكانية إقامة دولة برية تكفي مساحتها لتكون دعامة لإمبراطوريتهم البحرية وقاعدة لسلطتها.


العوامل البركانية التي شكلت لبنان هي نفسها التي شكلت الأنتي لبنان والقلمون اللذين يسريان في مجرى مـماثل تصعب معه الاتصالات والعبور بين مختلف مناطق الشرق والغرب. إنّ وعورة الـجبال التي جعلتها متعذّرة البلوغ وغير صالـحة للسكن، ما كانت لتسمح بأن تصبح آهلة بالسكان الذين تأقلموا جيداً في الـمناطق السهلية. لهذه الأسباب بالذات لم تتمكن الإمبراطوريتان البريّتان الآشورية والكلدانية من السيطرة على كامل البلاد بشكل دائم.


خصب الأراضي السورية مشهور تاريخياً. فالـمهاجرون العبرانيون الذين اجتاحوا الـجزء الـجنوبي من بلاد السوريين بشكل بربري وهاجموا القرى والـمدن كما رووا هم أنفسهم  في توراتهم، دهشوا لـمّا رأوا خصب التربة وحيوية السكان. وقد فسّر أنبياء يهوه، إله اليهود الـخصوصي، بأنه وعدهم بـمساعدتهم على إبادة السوريين الذين زرعوا الأرض وبنوا الـمدن، واحتلال كل البلاد التي مدّنوها.
إلى ذلك، تـمتلك البلاد ثروات معدنية وكيميائية. فمنابع النفط في الـموصل مشهورة، كما توجد مؤشرات على وجود آبار جديدة في مناطق آخرى. أما الـمواد الكيميائية في البحر الـميت والثروات الـمماثلة الأخرى فقيمتها الاقتصادية لا تقدّر.


وتتمتع البلاد بأهمية استراتيجية لاتضاهى، فهي تـمتلك طرقاً مباشرة تؤمن لها اتصالاً مباشراً مع إيران وأفغانستان والهند وتركية ومع مصر عبر الـجسور.
وهي تتمتع بـموقع سيطرة يتحكّم بشرقي البحر الـمتوسط والبحر الأحمر. فالأول يضمن اتصالات سهلة مع دول الـحوض، والثاني مع الـمناطق الأفريقية التي تغمرها مياهه. كما وأنّ البحر الأحمر يسمح باتصال سهل مع بلاد البحر الهندي.
وقد ازدادت أهمية هذا الموقع المميّز مع التطور الباهر للطيران.
 في العصور القديـمة، كان يتحتّم على الغزاة كما على القوافل التجارية القادمة من الشرق إلى الغرب والعكس، أن يتخذوا سورية محطة إجبارية.
فنابوليون لم يستطع السيطرة على الشرق والوصول إلى الهند لأنه خسر معركة عكا (مدينة سورية دافع عنها السوريون ببسالة). ولو استطاع نابوليون احتلال سورية والسيطرة عليها، لكان لعب أوراقه بشكل آخر، مع احتمال التمكن من إخراج الـحلف الإنكليزي - التركي من الشرق الأدنى.


أما من وجهة البانوراما، فيمكن اعتبار البلاد من أكثر البلدان روعة في العالم. غير أنّ معالـمها الطبيعية واكبت ملامحها السياسية. فقد عانت مناطق عديدة من آثار الـحروب والاجتياحات.
لقد اختفت أحراجها وغاباتها القديـمة. ولم يبقَ إلا النزر اليسير من الغابات الـحرجية في لبنان - وهي بقايا الغابات الشهيرة لهذه الهضاب، أماكن داخلية كثيرة أصبحت جرداء، والـمناخ الـمعتدل بات يـميل بشكل عام إلى الـجفاف الشديد،

والأمطار تضاءلت عموماً بحيث أصبح الكثير من الأراضي الـخصبة عديـم الإنتاج، فأهملت، فكان من نتائج ذلك تقدّم الصحراء عدة أميال في الـمناطق التي كانت في السابق مزروعة.
إنّ بقايا وآثار جمال البلاد، وكذلك بقايا وآثار عظمة سورية، تـجتذب اليوم رجال العلم والشعراء والفنانين والسياح من كل أنحاء العالم. فهناك آثار مذهلة لصروح عظيمة ذات قيمة معمارية وفنية في بعلبك وتدمر (بالـميرا) وبترا وفي مواقع أخرى.


تنتشر أمكنة ذات معالم تاريخية قيّمة جداً كما للعالم في جميع أنحاء البلاد (لاسيما في الـمدن الـمعمرة منذ آلاف السنين) كدمشق وبيروت والقدس وأنطاكية وحلب ونينوى وحماه وسمساط (ساموستا) وكركمش وجبيل ورأس شمرا وصور وصيدون وعمّان وجرش وأماكن كثيرة أخرى. (يتبع)(2)

 

(1) كما ورد في الأصل الإسباني في جريدة الزوبعة.   

(2) لم يستكمل البحث.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro