مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
حديث الزعيم إلى جريدة «بيروت المساء»
 
 
 
بيروت الـمساء، بيروت، العدد 17، 28/4/1947
 

بتُّ ليلة بضيافة أنطون سعاده
... محاطاً بالبنادق والـمدافع الرشاشة
خلّفنا بيروت وضجيجها وراءنا، وراحت السيارة تصعد بنا الـجبل في هذه الأمسية الرائعة من أمسيات الربيع، غمر النور فيها الساحل والـجبل، فكانت كل صخرة وكل شجرة وكل بيت يسبح في بحر من الضياء الشفاف.


بيت مري... برمانا... بعبدات...
السيارة تنهب بنا الأرض نهباً بين البيوت القابعة على كتف الـجبل تـحت قلانسها الـحمراء.. ونسيم الربيع يحمل إلينا عبق أزهار الـجبل...
وأخيراً وقفت بنا السيارة في ساحة ضهور الشوير الـخاوية إلا من بعض السابلة..


كانت الساعة الرابعة بعد الظهر وتوجهنا سائرين إلى حيث يقيم موقتاً «الزعيم» الأستاذ أنطون سعاده. وبعد مسير عشر دقائق، وصلنا إلى أوتيل سنترال، وهو بناء عادي قائم على مرتفع يطل على الطريق العام من جهة وعلى الوادي من جهة أخرى، تـحيط به أشجار الصنوبر الفارعة، ولا يـميّزه من سواه من البيوت الأخرى إلا هذه الـجماعات الواقفة أمامه والـحركة الدائمة بين دخول وخروج وذهاب وإياب، بينما السكون التام يضرب رواقه على ضهور الشوير بأكملها، حيث البيوت مغلقة الأبواب والنوافذ، كأنها تنطوي على أسرار لا تبوح بها..
عاش الزعيم....


واستقبلنا الواقفون بالتحية القومية:
تـحيا سوريا ويحيا الزعيم. فرد عليها الذين معي بـمثلها، أما أنا فاكتفيت بهز رأسي.. فنظر بعضهم إلى بعض وفي عيونهم بريق الشك، وسألنا عن الزعيم فقيل إنه سيخرج بعد قليل. وبعد دقائق قليلة، همس الـحاضرون: ها هو حضرة الزعيم.


وارتفعت الأيدي في تـحية إجماعية، ونظرت فإذا بشخص ربع القامة في غير قصر، عريض الصدر، يرتدي بذلة فضية، لا يـميّزه عن أي شخص آخر سوى طريقة رفعه رأسه إلى الأعلى، ودلائل العزم الـمنطبعة على قسمات وجهه، وهذا الأخدود ما بين حاجبيه الذي يضفي على وجهه كثيراً من الصراحة.
وتقدم إلى الـحاضرين يتحدث إليهم في لطف وإيناس... وقليل من البطء كأن السنين التي قضاها في الـمهجر قد تركت أثرها في لفظه.
والتف حوله نفر من الشباب وعلمت، فيما بعد، أنهم أفراد من حرسه الـخاص، وكلهم مدجج بالسلاح، يحمل البندقيات وحزامات الرصاص والـمسدسات في الـحزامات...
نزهة ليلية...


وقُدِّمت إليه بصفتي مندوب بيروت - الـمساء، فاعتذر لعدم تـمكنه من مقابلتي حالاً، لأنه ذاهب لنزهته اليومية ليستعيد نشاطه بعد عمل يوم كامل ووعدني بأن يقابلني حين يعود.
ثم نزل إلى الطريق العام وأخذ يتمشى وحده بتؤدة... وتبعه عن بُعد أحد أفراد الـحرس الملتفع بعباءته، يخفي تـحتها بندقية من الطراز القومي...
وغاب الزعيم عن عيني بعد أول منعطف، واتـجه نحو بلدته ضهور الشوير في نزهته اليومية.


واستطالت الظلال، وخضّب دم الشمس الغاربة بياض صنين، وأخذت نسمات باردة تهب على ضهور الشوير فالتجأنا إلى الفندق في انتظار عودة الزعيم.
وامتلأت ردهة الفندق بالقادمين، من القرى الـمجاورة لزيارة الزعيم، وكلهم مسلّح بالبنادق والـمسدسات، والقوميات، جاؤوا من بعيد ليحظوا برؤيته.
الساعة الثامنة. حان وقت توزيع الـحرس الليلي، فانتشر رجاله حول الأوتيل وانبثوا في أنحاء ضهور الشوير وعلى الـمرتفعات الـمجاورة يحرسون الزعيم ويسهرون على حياته..
أكواز الصنوبر...


الساعة العاشرة، والزعيم قد عاد من جولته، ولكنه منهمك في استقبال رجال الـحزب وغيرهم من القادمين من بيروت. وأحسُّ بالتعب فيُعرضُ علي أن أستريح فأدخل إحدى الغرف فإذا بها تعج بالسلاح من جميع الأنواع وحتى الرشاشات الثقيلة من الطراز الفرنسي .F.M وصناديق القنابل اليدوية، أو كما يسمونها «رؤوس الصنوبر».
وأحـاول أن أغفو متنـاسياً جو الرهبـة الذي يحيط بي، وقعقعـة الأسلحـة التي تـملأ الـجو.


ويرن في مسمعي ضجيح هتاف فأخرج إلى الردهة لأرى الزعيم وقد أحاط به عشرات الشباب وهو يلقي عليهم شبه خطاب في فوائد الفروسية واستعمال السلاح وأنظر إلى هذه الوجوه الشاخصة إليه: شباب فـي ميعـة الصبـا، يتقلـدون البنـادق فـوق بزَّاتهم «الأميركانيـة» ويتمنطقـون بأحزمـة الرصـاص، وفـي عيونهم بريـق العـزم والإيـمان.
وينتهي الزعيم من خطابه، وتنطلق الهتافات من جديد.


وأعود إلى فراشي غير الوثير أتـمدد عليه بكامل ملابسي أحاول أن أستريح..
وأحس بيد تهزني وصوت يقول: إنهض، لقد أتى دورك. وأنظر إلى الساعة فإذا بها حوالي الواحدة بعد منتصف الليل. وأهبّ واقفاً أفرك عينيَّ، وأفرك عمودي الفقري..
وأسير إلى غرفة الزعيم التي وقف أمامها حارسان من الشباب، شاكيا السلاح رافعا الـحراب على رؤوس البنادق.. وأدخل إلى غرفة بسيطة الأثاث كأنها غرفة طالب في بيروت.. ويجلسني إلى جانبه وينطلق يتحدث إليَّ.. لم يكن يبدو عليه التعب من يومه الـمثقل الذي أمضاه في الـمقابلات والـمحادثات، وتـحت ضوء الـمصباح كان يبدو وجهه شاباً، وجبينه الذي يحيط به شعر وخطّه الشيب، هادئاً كصفحة البحر في الـمساء.. ويقول لي:


- هل أروك (يعني رجاله)، هل أروك كل شيء.
- فأقول: نعم، لقد رأيت الرجال الـمسلحين ورأيت الـحرس الليلي ورأيت أعشاش الرشاشات...
تذكرت رشاشات الهوتشكيس الـمنتثرة على التلال الـمحيطة بضهور الشوير، التي تـحجبها عن الأعين أشجار الصنوبر، والـموجهة فوهاتها إلى مداخل القرية، يقوم عليها شباب من خُلّص الـحرس الـخاص.

حديث مع الأستاذ سعاده
وأطرح عليه أسئلتي فيجيب عليها كلها، ولكن يقول بين الـحين والـحين: هذا الـجواب لا ينشر.. فأتعهّد بذلك.


س - متى تخرجون من عزلتكم؟
 ج - أنا لست منعزلاً بالـمعنى الصحيح فالأعمال تـجري بشكلها الطبيعي.


س - متى يتم تأليف قائمة الـحزب الانتخابية؟
ج - يرجّح أن يتم تأليفها بعد أيام معدودة وأفضّل عدم إذاعة الـمدى الذي وصلت إليه قبل إتـمامها. ومتى حان الوقت لإعلان أي نتائج تعلن في حينها.


س - هل يدخل الـحزب الانتخابات وحده؟
ج - يرمي الـحزب إلى تشكيل قائمة تـمثّله، وليس من الضروري أن يكون كل أفرادها قوميين.


س - هل من مجال بعد للاتفاق بين الـحزب القومي وغيره في الانتخابات القادمة؟
ج - الـمجال ينفسح للمحالفات أي لإدخال أشخاص ذوي قوة انتخابية في قائمة الـحزب كعملية انتخابية بصرف النظر عن مواقفهم ومعتقداتهم، شرط أن لا يكون هناك..
ثم قال الأستاذ سعاده: أشطب الـجملة الشرطية الأخيرة.


س - هل ستؤيدون في هذه الانتخابات الشخصيات التي أيدتـموها في الانتخابات السابقة؟
ج - الـحزب لا يتقيد في الانتخابات الـمقبلة بـموقفه في الانتخابات السابقة. وهو سيخوض الـمعركة لتحقيق التعبير عن قضيته وإرادة الشعب. وأي تأييد من قبله لأشخاص من خارجه يجب أن يخضع لاعتبارات الـمصلحة الـمتبادلة مع من يتفق معه.


س - هل فاوضتكم أو ساومتكم الـحكومة للوصول إلى حل للحالة القائمة يرضيكم ويرضي الآخرين؟
ج - تـجري أحاديث تدل على أنّ الـحكومة أصبحت تـميل إلى إنهاء هذه الـحالة الشاذة التي خلقتها تدابير مستعجلة من قبلها. وأعتقد أنّ الـمصلحة العامة توجب وضع حد لـحالة من هذا النوع.


س - ما الذي حال بينكم وبين التفاهم مع الـحكومة بصورة مباشرة؟
ج - إثر التدابير الـحكومية، جرت مفاوضات بين الـحزب والـحكومة ولكنها انقطعت لأسباب غير واضحة.


س - هل تؤمنون بأن الـحكومة ستكون عند وعدها بأن الانتخابات ستكون حرة؟
ج - أتـمنى أن تبرَّ الـحكومة بوعدها ولكن يوجد ظواهر تدل على أنّ الـحكومة قد تكون متحيزة وأنّ تأليفها خضع لاعتبارات انتخابية. وقد سميت الـحكومة بحكومة الائتلاف الذي يعني ائتلاف العناصر الانتخابية. إذ لا يوجد معنى آخر للائتلاف، لأنه لا يوجد أحزاب سياسية بالـمعنى الصحيح ينتمي إليها أفراد الـحكومة.


س - وإذ لم تبرّ الـحكومة بوعدها، فماذا سيكون موقف الـحزب؟
ج - الـحزب سيدخل الانتخابات ليمارس الـحقوق الشعبية الصحيحة ولا يـمكن الـجزم بما قد سيحدث في الانتخابات من تلاعب، وكذلك لا يـمكن الـجزم بصورة نهائية بـما يـمكن أن يكون موقف الـحزب في حالة التلاعب: هل يقاطع الانتخابات أم يبذل جهده لـجعلها تسير وفاقاً للحقوق الـمدنية والسياسة بكل حرية.


س - ما هو إسم الـحزب الـحقيقي؟
ج - هو الـحزب القومي الاجتماعي العامل إيجابياً ضمن الكيانات السورية لتحقيق الأغراض القومية والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الذي تنص عليه مبادئه...


س - ما هو موقف الـحزب من الـجامعة العربية؟
ج - الـحزب يقول بضرورة وجود مؤسسة من هذا النوع تـجمع مصالح أمـم العالم العربي الـمشتركة بقصد التعاون لـما فيه خير العالم العربي أجمع.
ولكن لا يزال موضع سؤال هل تـحقق الـجامعة العربية، في شكلها وأساليبها الـحاضرة، هذه الغاية العظيمة على أفضل وجه.


س - ما هي العروبة بالنسبة لكم؟
ج - هي جامعة للأهداف والـمصالح التي هي فوق القومية، إذ هي جامعة مصالح لعدة أمـم أي عدة قوميات متقاربة، ويحسن تعاونها وتوثيق الروابط بينها.
نظام التعتيم...


الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وما زال هناك جمع كبير ينتظر مقابلة الزعيم، بينهم الشاب الـمثقف الآتي من بيروت، والـجبلي الآتي من قريته البعيدة والسيدات القوميات أتين لينظرن إلى الزعيم..

ونخرج لننام. فالأوتيل غاص بالعشرات من الـحرس لا يجدون مكاناً لنومهم ويرسلنا الزعيم إلى أحد البيوت في القرية، ننزل ضيوفاً على أصحابه القوميين...


وننزل إلى الطريق العام، في الريح الليلية الباردة التي تخترق الثياب حتى العظام... ويفتح أحدنا مشعله الكهربائي ليضيء الظلام الدامس فيعلو صوت قاسٍ: أطفىء الضوء.. فننظر إلى مصدر الصوت فإذا به أحد الـحراس قابع في ساقية إلى جانب الطريق العام، ملتفع في عباءته ويده على زناد بندقيته الموجهة إلينا.
وفي كل مئة متر تقريباً  نلتقي بأحد أفراد الـحرس الليلي يستوقفنا ليتأكد منا..


وأدخل الفراش لأَلقى بعض الراحة من تعب النهار.. ويكون آخر ما يطرق مسمعي أزيز محرك إحدى الدراجات النارية التي يقوم عليها أحد أفراد الـحرس بدورية سيارة على الطريق العام..

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro