مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
حديث الزعيم إلى جريدة «وطن» التركية «تحقيقات من العالم العربي»
 
 
 
وطن، اسطنبول،5/7/1947، 30/6/1947
 

فاروق فينيك

دمشق - هل تعرفون أنّ الشخص الأكثر إثارة في الانتخابات السورية هو لبناني إسمه أنطون سعاده؟ طبعاً لا. أليس كذلك؟ أنطون سعاده هو الرجل الـمعروف بـ «هتلر الشرق الأدنى».
يقول معارضوه إنه فاشستي كبير، أما رجاله فيعتبرونه ديـموقراطياً مثالياً. يقيم في لبنان، لكن حكومة لبنان لا تعرف مقر إقامته. ولو عرفت مقره لاعتقلته منذ زمن طويل ولربـما شنقته. وبرغم مذكرة التوقيف القديـمة التي أصدرتها الـحكومة بحقه، فلا يزال أنطون سعاده طليقاً، يقوم بجولاته من جبل إلى جبل وتستقبله الـمظاهرات الـحاشدة أينما حل.


إنه زعيم الـحزب السوري القومي الذي يقدّر عدد أعضائه الـمسجلين بـ 40 ألفاً في لبنان، و 60 ألفاً في سورية ومثلها في شرق الأردن وفلسطين. تـحت إمرته قوات مسلحة خاصة وفرق منظمة. جاء لـمتابعة سير الانتخابات السورية، فكان لابد من مقابلة أنطون سعاده الـمعروف بـ «هتلر الشرق الأدنى».
ذهبنا إلى لبنان لـمقابلة رجاله. ولأن لبنان هو بوابة سورية، فعندما تـحصل على تأشيرة دخول إلى أحد البلدين يـمكنك التجول بحرية في البلد الآخر. ومقابل خمس ليرات تنقلك أفخم سيارة إلى دمشق كلما ضاق بك الـمقام في بيروت. فإذا لم ترق لك الإقامة في دمشق، واشتقت إلى البحر، يـمكنك العودة إلى بيروت، بخمس ليرات أخرى، لتغطس في بحرها.


في سورية، التي جئنا إليها لـمتابعة سير الانتخابات، كان لا بد من مقابلة أقوى رجال الـمعارضة للحكومة، أعني أنطون سعاده. كان الأصدقاء الذين أفاتـحهم بالأمر يقولون إنّ مقابلته «غير مـمكنة» فهو «يختبىء في لبنان، ويعيش في الـجبال ولا يستقبل أحداً.» وعندما رغب مراسل وكالة «فرانس برس» لقاءه مرة، وبلغ الأمر حكومة لبنان كادت تطرده إلى خارج الـحدود، ولم يـمكنه الوصول إليه بسهولة.


إنتظرنا يوماً ويومين بعد إبداء الرغبة ونحن بانتظار الـجواب. وكان كل من تـحدثنا إليه يقول: إن اللقاء غير مـمكن. بعد تسع سنوات من الاغتراب، وفي اليوم نفسه الذي عاد فيه إلى لبنان ألقى خطبته العظيمة أمام 50 ألفاً من مستقبليه عند الطائرة وفيها: «إنّ سورية ولبنان دولة واحدة، ولا يـمكن فصل أيهما عن الآخر. ولقد جئت إلى هنا من أجل توحيدهما.»
كان لـخطابه هذا وقع القنبلة. واعتُبر الـخطاب اعتداء على استقلال لبنان. فصدرت مذكرة توقيف بحق أنطون سعاده. ولكن ها أنّ الرجل الذي صدرت بحقه الـمذكرة في الـجبل ويعمل للغاية نفسها. إلا أنه يتحرك سراً.


وبينما استمر ورود الإجابات التي تفيد استحالة الالتقاء به، إذ بصديق أعرفه من البلقان يأتي إليّ يوماً ويقول:
«هل تريد أن تقابل أنطون سعاده؟»
- نعم.
- إذن هيا بنا، إنّ سيارة تنتظرنا تـحت.
صعدنا معاً إلى السيارة. وسارت بنا وقتاً طويلاً فسألته:
-إلى أين؟
- ليس واضحاً أين سيكون الـمكان. ألا تريد لقـاء أنطـون سعـاده؟ الآن سـوف تلتقيه.
كان في السيارة رجل لا أعرفه. تبادلنا التحية. كانت الـمصابيح لا تعمل. فتقدمنا إلى الداخل وسط العتمة. خرجنا من بيروت، وقصدنا الـجبال وانتقلنا من واحد إلى آخر لـمدة ساعات ثم توقفت السيارة.
جاءتهم الشيفرة من ثلاثة أماكن ووردت إشارة من ثلاثة أماكن. ثم مرت السيارة قرب دكان في رأس الـجبل. وهناك انضم إلينا شخص آخر. كنا ثلاثة أشخاص داخل السيارة. وبعدما قطعنا مسافة طويلة توقفنا في مكان ما. قالوا:
- تفضلوا انزلوا. من هنا. لاحقاً سنسير على الأقدام.
كان الـمكان جميلاً. كانت جبال لبنان الـمكسوة بأشجار الصنوبر جميلة ذاك الـمساء، مثل «بويوك أضه» [جزيرة قرب اسطنبول] ومـمتعة مثل جزيرة هايبِلي. ثم سرنا على الأقدام مدة تتراوح بين خمس وعشر دقائق، عبر مـمرات ضيقة، مكسوة بالـحصى، ورائحة الصنوبر تعبق الـمكان.


وصلنا إلى ساحة واسعة. قالوا: «قفوا دقيقة.»
لعل هذه النقطة هي الـموقع الذي يتحكم بجبال لبنان. كان الوادي تـحتنا مغطى بطبقة من الضباب الأزرق مثل البحر. إنتظرنا على هذه الـحال دقيقة أو دقيقتين.
فجأة، ظهر من وراء أشجار الصنوبر رجال يحملون رشاشات ويتمنطقون بالـمسدسات والقنابل اليدوية.
في اللحظة التي ظننت فيها أنني في جبل لا حياة فيه، إمتلأ الـمكان من حولي بعسكر أنطون سعاده. قالوا:
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام.
تـحدثوا طويلاً بالعربية إلى الأصدقاء الذين اصطحبوني.
خيل لي أنني وسط رجال عصابات في اليونان. كان يوجد حوالي 30 - 40 رجلاً مزودين بـمسدسات أوتوماتيكية ورشاشات. قالوا:
- هل تستطيع التحدث في ضوء القمر؟
- نعم، نعم، بالطبع أستطيع ذلك.
- إذن، انتظروا قليلاً.
بعد دقيقة أو دقيقتين، وفي ظل ضوء خافت يرسله القمر ويتسلل من بين أشجار الصنوبر، لـمحتُ رجلاً يتقدم نحونا. كان شاباً فتياً يسير بخفة ورشاقة تشيان باهتمامه بـممارسة الرياضة.
فتح الرجال الـمسلّحون الطريق أمامه. كان بشوش الوجه وحيوياً. قال مرحّباً بي:
أهلاً وسهلا.
كان يعرف قليلاً من الفرنسية، ولكنه يتحدث الإنكليزية والألـمانية بطلاقة. قال: «ليس من السهل أن يعيش الـمرء في الـخفاء.»
كان الرجل دائماً في حالة حماس وانفعال. أخذ نفساً عميقاً بينما التفت يـمنة ويسرة. كان يحمل كتابين. هرع الرجال ثم جاؤوا ببعض الكراسي.
قال: لا يـمكننا التحدث هنا. وأردف:
- هل السيارة تـحت؟
- نعم.
تكلم إلى رجاله بالعربية. ثم التفت إليَّ وقال: سنذهبُ إلى أحد البيوت.
- حسناً، حسناً.
- لم أرَ حتى وجه الرجل. لعلني أراه أفضل في الضوء. قال هذا القول فاستحسنته.
سرنا بتمهل نحو السيارة. هرع نحونا رجلان أبلغاه أنّ الطريق آمنة. ثم ناولوه رشاشاً ومسدساً. فوضع الـمسدس في جيبه وأمسك الرشاش وصعدنا معاً إلى السيارة.
كان أحد الشبان الذين رافقونا يحمل رشاشاً ومسدساً أوتوماتيكياً. وشعرت بالـخوف والانفعال الشديدين مع بدء السيارة تـحركها.
ماذا لو علمت القوات الـحكومية بنا وحصل صدام واشتباك فذهبنا ضحيته؟ والـحمد لله أنّ وساوسي لم تتحقق.
كانت السيارة تطير بنا فوق طريق الإسفلت. توقفنا أمام بيت عند قمة أحد الـجبال. كانت الظلمة الدامسة تغطي الـمكان.
أشاروا إلى كنبة على السطيحة. قال سعاده:
- تفضل، إجلس.
كنا جميعاً وقوفاً. بدأت تتناهى من داخل البيت أصوات وقع أقدام. ثم فتح الباب وأطلت منه امرأة شابة قالت:
- تفضّل.
دخلنا البيت.
كانت النوافذ والستائر والدُرف الـخارجية مغلقة تـماماً. والـمناوبون (الـحرس) خارج الباب وفي الشارع ينتظرون نوبة حراستهم.
وأخيراً.. ها نحن وجهاً لوجه تـحت ضوء كهربائي ساطع.
- أهلاً وسهلاً.
وهكذا بدأنا الـحوار مع أنطون سعاده. (تفصيل الـحوار في الـمقال الـمقبل).
تـحقيقات من العالم العربي
هذيانات
الـمطالب الـحمقاء لفاشيّي سورية
بيروت. نحن وجهاً لوجه مع رئيس الـحزب السوري القومي، أنطون سعاده:

س- لـماذا صدرت مذكرة التوقيف بحقكم؟
ج- وأنا أيضاً لا أعرف... قال ثم أردف: أنا منذ تسع سنوات أقيم في أميركة الـجنوبية. عدت إلى هنا في 2 مارس/آذار. إستقبلني عشرات الآلاف. قلقت الـحكومة من وجودي. وظنوا أنهم بتوقيفي يضربون الـحزب. لقد اتضح مستقبل الـحزب. وأظن أنهم اتخذوا هذا القرار من أجل إبعادي وعزلي عن الساحة السياسية.
وكما في كل مكان، هنا أيضاً، يريد بعض الذين على رأس الـحكومة أن يديروا البلاد كأنها مزرعة لآبائهم. الذين يقودون الـحكومة لا يقومون بشيء سوى الـحفاظ على النظام الإقطاعي. يسمونها حكومة هذه الإدارة التي تستمر بدون إصلاح ودون برامج. إن هذا استمرار مباشر للنظام الإقطاعي.
س- ما هو إسم حزبكم؟
ج- إنّ حزبي هو الـحزب السوري القومي. أما الآن ولتسهيل ظروف العمل، فإننا نكتفي باستخدام إسم «الـحزب القومي».
س- ما هي غاياتكم؟
ج- تـحقيق وحدة سورية.
س- هل يعني ذلك سورية الكبرى؟
ج- نعم.
س- هل تعملون سوية مع الـملك عبدالله؟
ج- لا. بدأ الـملك عبد الله هذا العمل منذ ثلاث أو أربع سنوات، بينما نحن أسسنا ذلك قبل 15 سنة.
الـملك عبدالله يريد الآن، ما نحن أردناه قبل 15 سنة. إنّ حزبنا يسير اليوم وفق مبادىء تستند على أسس اجتماعية وإتنية. إذا تأسست سورية الكبرى يوماً ما، فسيكون ذلك من أجل خدمة قضية حزبنا. عندنا أعضاء مسجّلون ما يقارب 60 ألفاً في سورية و50 ألفاً في لبنان ومئة ألف في شرق الأردن وفلسطين، ولنا أضعاف هؤلاء من الـمناصرين.
بدون مساعدتنا لا يـمكن لأحد أن ينجح ولا يـمكن فعل أي شيء.
س- ماذا تريد أن تفعل؟
ج- نريد تأسيس سورية الكبرى. ونعمل من أجل تـحقيق سورية الكبرى ضمن الـحدود الطبيعية.
س- ما هو قصدكم بالـحدود الطبيعية؟ هل يـمكن أن نعرف ما يجول في بالكم؟
ج- توجد نظرتان لـحدود سورية: الـحدود الطبيعية والـحدود السياسية. حدود سورية الطبيعية تـمتد إلى طوروس، أما بالنسبة إلى الـحدود السياسية، فإنها تتحدد وفقاً للعلاقات بين البلدين.
س- هل تقصد الإسكندرونة؟
ج- نعم، إننا مستعدون دائماً للحوار مع تركية من أجل حلّ مسألة الإسكندرونة.
س- ألم تُظهر لكم الأحداث والوقائع أنّ تركية غير مستعدة للدخول في مساومات حول أرض هي جزء من الوطن؟ هل تعرف اللغة التركية؟ لو كنتم تعرفون لكنت سأقول لك قولاً مأثوراً.
قال مساعد له كان يجلس إلى جانبه:
ج- إذا أعدتـم الإسكندرونة فسنذهب إلى هناك ونتعلم التركية.
س- لا، لا تتعبوا أنفسكم. نحن نـجيء إلى هنا ونعلمكم التركية. فهذا أسهل.
عندها لاحظ أنطون سعاده أنّ الـحديث أخذ شكلاً جدياً فأراد تغيير منحاه:
ج- إنّ العلاقات بين البلدين تتواصل دائماً في ظل نطاق الصداقة. إنّ حزبنا حزب قومي. نحن معادون للشيوعية، ونعرف أطماع الشيوعيين. إذا استلمنا السلطة فسـوف نعاقبهم بجرم التعامل مع العدو. إننا نعرف أنّ تركية تقف ضد الشيوعية. ونحن لهذا السبب نقدر تركية.
س- ما هي نظرة حزبكم إلى مسألة فلسطين؟
ج- إنّ فلسطين جزء من سورية. وهي لا يـمكن أن تنفصل عنها.  يـمكن أن نقبل بوجود الأقلية اليهودية تـحت الـحاكمية السورية وضمن حدود سورية. لكن لا يـمكن أبداً الاعتراف بالاستقلال لهم.
س- هل أنت فاشستي؟
ج- إنّ معارضينا يقولون أي شيء في حقنا من أجل تشويهنا. يقولون إننا فاشستيون وإننا رجال الـملك عبدالله. وإننا دمى بيد الإنكليز. هذا لا أصل له ولا أساس. نحن رجال سورية العظمى، ونعمل فقط لـمصلحة سورية الكبرى.
إنهم يريدون إظهارنا كرجال للملك عبدالله بسبب السمعة السيئة للملك عبدالله في البلاد لكي يضعفوا قوة حزبنا في انتخابات سورية.
لـحزبنا فروع في شرق الأردن، لقد ذهبت إلى عمّان عام 1938 ويـمكنني الذهاب مجدداً. هل يُظهر ذلك أننا نتعامل مع الـملك عبدالله؟

س- هل أنتم متفائلون بالنجاح في الانتخابات؟
ج- سوف نخوض الانتخابات السورية. الـحكومة لم تعترف رسمياً بحزبنا. الشعب سيكون حتما معنا. لكن مهما تفعل فإن القوة بيد الـحكومة. هذه الانتخابات لن يكسبها الشعب بل الـحكومة.
س- لقد تـحدثنا كثيراً عن السياسة. لنتحدث بعض الشيء عن حياتكم. كيف تـمضون وقتكم؟
ج- معظم وقتي أمضيه في القراءة.
س- كم عمرك؟
ج- 42 سنة.
س- هل أنت متزوج؟
ج- زوجتي في الأرجنتين. بعد شهر ستكون هنا. عندي بنتان.
كان الوقت متأخراً والـخروج غير مـمكن فقيل لنا: إذا أردتـم يـمكنكم أن تقيموا هذه الليلة في أحد الفنادق في الـجبل.
لم يكن بد من ذلك، فوافقنا.
ودّعنا أنطون سعاده. ورافقنا رجاله الـمسلحون حتى السيارة. أمضيت تلك الليلة في فندق لا أعرفه في قمة جبل لا أعرفه أيضاً. وفي صباح اليوم التالي جاؤوا إليّ ونقلوني بالسيارة.


هكذا تـحدثنا مع أنطون سعاده زعيم فاشستيي سورية.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro