مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
مدرسة الأنانية ومحبة الذات تعاليمها الفوضوية الغريبة
 
 
 
بقلم هاني بعل
 

النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية،

بيروت،المجلد 1، العددان 3 و4، 15/12/1947 و1/1/1948

 

(وعدنا الرفقاء قراء النشرة الرسمية، في العدد الـماضي، بنشر شيء عن الـمذهب الأناني الفوضوي الـمنعوت «بالوجودية» التي أبدل فايز صايغ لفظ «الكيانية» بها. وإننا نفي بالوعد.)
ليس ما نريد أن نقوله الآن دراسة تـحليلية كاملة لـجميع تفاصيل مذهب الأنانية الفوضوية، بل هو إظهار نقاط ارتكاز لها تدل دلالة واضحة على اتـجاهها الفوضوي الأناني الهدّام للأمة والقومية، وعلى مصدر الفكر الذي نقله إلى العربية فايز صايغ، وأذاعه في أوساط الـحزب القومي الاجتماعي، كما لو كان يذيع تعليماً خاصاً به.


إنّ الكاتب الذي اعتمده الـمطرود فايز صايغ ونقل أفكاره وبثّها في أوساط الـحزب القومي الاجتماعي هو نقولا برديايف. وأهم ما نقله عنه فايز صايغ كان من كتابه العبودية والـحرية الـمطبوع في لندن 1944. وفي مكان آخر يرى القارىء مقابلة موجزة جداً بين أفكار برديايف والعبارات التي نقل بها فايز صايغ تلك الأفكار. ولو أنه كان لنا وقت وكان موضوع فايز صايغ يستحق كل هذا العناء لعمدنا إلى قراءة كل كتب برديايف التي جمعها فايز صايغ وجعلها مع كتب أخرى زاده للكتابة. ولكننا سنكتفي بنقاط ارتكاز لـمذهب الشخصية الفردية الأنانية الفوضوية من كتاب برديايف الـمذكور، وهي النقاط التي تسرّبت إلى أوساط القوميين الاجتماعيين عن طريق عمدة الثقافة وعمدة الإذاعة اللتين تولاهما فايز صايغ، بالاتفاق مع نعمة ثابت على خيانة الزعيم والقضية القومية الاجتماعية.


الـمرتكز الأول لـمذهب الفردية
إنّ نقطة الارتكاز الأولى لـمذهب الفردية القائل: بأن كل فرد هو شخص وبالتالي هو شخصية هي دينية تـجعل الفرد منبثقاً رأساًمن الله وليس من النوع الإنساني أو الـمجتمع الإنساني، أو بواسطة النوع الإنساني أو الـمجتمع الإنساني. وإليك ما يقول برديايف في كتابه العبودية والـحرية (لندن، 1944):


«الشخصية (الفردية) ليست جـزءاً من الـمجتمـع كما أنها ليسـت جزءاً من السلالة» (ص 26).
«الشخصية (الفردية) لا تنشأ من العائلة والنظام الكوني، إنها ليست مولودة من أب وأم، إنها تنشأ من الله، فهي تظهر من عالم آخر» (ص 36). ولتثبيت هذا الـمبدأ ضد الـحقائق العلمية يحتاج برديايف، في فوضويته، إلى إنكار قيمة العلم والنتائج الأكيدة التي توصل إليها العلماء وفلاسفة العلم، فيقول متسرعاً (ص  26 من كتابه) «جميع تعاليم علم الاجتماع عن الإنسان هي غلط (!!!) إنها لا تعرف غير الطبقة السطحية الـمأخوذة بـمثابة وضع للإنسان.» ثم ينكر قيمة الفلسفة الاجتماعية وفلسفة الـحياة (البيلوجية) لأنها لا تعتبر كل شخص شخصية مستقلة منبثقة رأساً من الله؛ فيقول في نفس الـمكان الـمذكور فوق: «الفلسفة الوجودية فقط (أي فلسفة الشخصية الـمعدودة عنده مركز الوجود)، وليس الفلسفة الاجتماعية أو الفلسفة الـحيوية، تقدر أن تبني تعاليم الإنسان من حيث هو شخصية» وهذا يوازي قولنا إنه: بـما أنّ موضوع الإنسان، في نظر الفلسفة «الوجودية»، هو موضوع شخصي فكل فلسفة أخرى تخرج عن هذا الـموضوع تكون فاسدة! ولذلك يقول برديايف إنّ العلم وحقائقه وكل فلسفة تبنى على حقائق العلم هي غلط من أساسها!


وهكذا تكون التصورات والافتراضات الـمتسلسلة بـمعزل عن العلم، التي تعيد الإنسان إلى أزمنة التكهنات والتخرصات، هي وحدها أساس الفلسفة الصحيح!


الـمرتكز الثاني
ولـما كانت الشخصية (الفردية) منبثقة رأساً من الله من غير واسطة النوع الإنساني ومن غير واسطة الـمجتمع كان اتـحاد الفرد في الـمجتمع وروحيته ونظامه قضاء على شخصيته. ولذلك وجب أن يكون لهذا الـمذهب اللاوجودي، الـمنعوت خطـأ بالوجوديـة نقطة ارتكاز ثان هو: رفض الاتـحاد في الـمجتمع، والتمرد على واجبات الـمجتمع.


أنظر ما يقول برديايف، في كتابه الـمذكور: (ص 28) «إنّ تـحقيق الشخصية (الفردية) لذاتها (والشخصية هي شخصية كل شخص - كل فرد)، شيء يفترض أي يشترط الـمقاومة، إنه يقتضي مصادمة مع قوة العالم الاستعبادية - إنه يقتضي رفض التوافق مع العالم»!!


النزعـة الفردية في أشد غلوها، والسلبية الاجتماعية في أشد عماوتها، هما الـمرتكز الثاني لـمذهب الشخصية الفردية الفوضوية.


تبلغ هذه النزعة الفردية السلبية حداً بعيداً جداً، يصعب عنده التوفيق بين الـمجتمع والفرد، نفسياً، إلا على أساس إخضاع الـمجتمع للفرد وجعله «جزءاً من شخصيته». إلى هذه النتيجة يصل قول برديايف الـمتقدم وقوله الآتي: «قد يقال إنّ الـمجتمع والطبيعة يقدّمان الـمواد لتكوين الشخصية (الفردية). ولكن الشخصية هي تـحرر من الاعتماد على الطبيعة ومن الاعتماد على الـمجتمع والدولة. إنها تقاوم كل تعيين لها من الـخارج، إنها تعيين من الداخل. حتى من الداخل هي تعيين ذاتي، حتى أنّ الله نفسه لا يقدر أن يحدثه. الشخصية (الفردية) هي الـمركز الوجودي الـمطلق فهي تقرر نفسها من الداخل، في معزل عن كل العالم الوضعي» (ص 26).


من كلام برديايف يتضح أنّ الفردية تقف موقفاً سلبياً نافراً من الطبيعة ومن الـمجتمع ومن الدولة ومن الله الذي تنبثق منه رأساً الشخصية الفردية!
إنّ مذهب الشخصية الفردية مذهب سلبية دائمة ومقاومة مستمرة تدفع الفرد دائماً إلى الـمخالفة والـمقاومة من أجل تثبيت شخصيته وخشية أن يكون في قبولها لأي فكر أو حكم أو تقليد ما يـمكن أن يُشتم منه أنه قبول لتقرير من الـمجتمع أو الدولة أو الله! خالف تعرف! هذا مزية الشخصية الفردية! خالف تعرف وخالف دائماً لتعرف دائماً! هذه هي القاعدة الذهبية لهذا الـمذهب الغريب.
ويصل الأمر إلى تفاصيل غريبة نضرب صفحاً عنها ولكننا نأخذ مثلاً منها: إذا قرأ أحد القائلين بـمذهب الفردية فكراً لـمفكر وأعجبه واعتنقه، وجب أن يحرص كل الـحرص على أن لا يظهر بـمظهر الـمقتبس والتابع فيمكنه أن يستولي على الفكر كله استيلاء ويدعيه لنفسه!


الـمرتكز الثالث
تكون نقطة الارتكاز الثالثة في مذهب الشخصية الفردية: ولاء الفرد لنفسه فقط - لشخصيته وحدها!
لننظر في ما يقوله برديايف في هذا الصدد: «الشخصية (الفردية) هي الـحرية والاستقلال عن الطبيعة أو الـمجتمع أو الدولة» (ص 35). «الشخصية (الفردية) ليست مظهراً في جملة مظاهر. الشخصية هي غاية في نفسها، لا واسطة لغاية، فهي توجد من ضمن نفسها» (ص 34) «كل شخصية (فردية) هي غاية في نفسها» (ص 39) «كل شخصية (فردية) لها عالـمها الـخاص» (ص 40).


ومع أنّ مذهب برديايف يقول بأن الشخصية الفردية هي من الله رأساً، فهو ينكر أنها مخلوقة من الله. إنها تخلق ذاتها. «الشخصية (الفردية) تخلق نفسها وتوجد بـمصيرها الـخاص» (ص 23).
في هذه النظرة الفردية الـمحدودة، الإنسان هو الفرد فقط: «إنّ قضية الإنسان أي قضية الشخصية (الفردية) هي سابقة لقضية الـمجتمع» (ص 26)، أي أنّ قضية الفرد فوق قضية الـمجتمع ومتقدمة عليها. «الإنسان، الشخصية الإنسانية (الفردية) هي القيمة العليا وليس الـمتحد.» «ليس الواقع الـمجموعي الذي يخص العالم الوضعي كالـمجتمع أو الأمة أو الدولة أو الـمدنية أو الكنيسة. هذا هو مقياس القيم الشخصي (الفردي)» (ص 28).


ويقضي الولاء الـمطلق للأنانية، ليس فقط أن لا يكون الفرد جزءاً من الـمجتمع، وأن تكون قضيته فوق قضية الـمجتمع، بل أن يكون الـمجتمع جزءاً من الشخصية الفردية، وكذلك النظام الكوني كله!: الشخصية (الفردية) هي ذات (فاعلة) وليست وضعاً (مفعولاً) في جملة أوضاع، وأن جذورها لفي خطة الوجود الداخلية، أي في العالم الروحي، عالم الـحرية. أما الـمجتمع، من الـجهة الأخرى، فوضع (مفعول). الـمجتمع، من وجهة نظر الوجودية، جزء من الشخصية (الفردية) فهو ناحيتها الاجتماعية كما أنّ الكون (كزمص) (Cosmos) هو جزء من الشخصية، «فهو ناحيتها الكونية» (ص 26).


ولـما كانت شخصية الفرد هي «القيمة العليا والـمركز الوجودي الـمطلق» وكانت غايتها «تـحقيق نفسها»، كان الـمجتمع، بالنتيجة، تابعاً وواسطة لها. «الـمجتمع والطبيعة يقدّمان الـمواد لتكوين الشخصية». «يجب على الشخصية (الفردية) أن تبني نفسها، وتغني نفسها وتـملأ نفسها بـما في العالم، وأن تـحقق الوحدة في الكلية على طول حياتها» (ص 23).


من أجل أنّ شخصية الفرد هي «القيمة العليا» ومن أجل أنّ الـمجتمع واسطة لها وجب احتقار الـمجتمع: «من بعض الوجوه، الكلب والهر هما، في الـحقيقة، شخصيتان ووريثا حياة أبدية أكثر من الأمة أو الـمجتمع أو الدولة أو العالم كله»! (ص 42).


وإذا كان مبدأ الشخصية الفردية يعترف بوجود الـمجتمع فما ذلك إلا من أجل إبراز الشخصية: «إنّ من خصائص الشخصية (الفردية) أنه لا يـمكنها كبت نفسها أو كفاية نفسها، إنّ أحداً أو شيئاً آخر ضروري لوجودها، شيئاً أعلى أو مساوياً أو أدنى؛ بلا هذا يستحيل الإحساس بالفرق (!!) ولكنني أعود إلى تكرار ما قلته، إنّ علاقة الشخصية الواحدة بغيرها، لا تعني أبداً علاقة البعض بالكل، حتى حين تكون علاقة بالأعلى. فالشخصية (الفردية) تبقى تامة فلا تدخل في شيء، حتى في علاقتها مع الآخر الأعلى» (ص 30).


لا يـمكن، بـموجب هذه النظرة، أن يكون هنالك حق عام للمجتمع على الفرد. إنّ للفرد فقط حقاً خاصاً على الـمجتمع. الشخصية الفردية تقدر أن تلاحق الـمجتمع ولا يقدر الـمجتمع على ملاحقة الشخصية الفردية!


الـمرتكز الرابع
الـمرتكز الرابع لـمذهب الشخصية الفردية هو: الفوضى الـمطلقة.
يقول برديايف: «الشخصية (الفردية) هي كائن عاقل، ولكنها غير مقررة بالعقل ولا يـمكن تعريفها بأنها سيارة العقل» (ص 24): ثم هو يقول: «ليست الشخصية (الفردية) مجرّد كائن مفكر، بل هي أيضاً كائن حر (أي منفلت من قيود الفكر - فوضوي). الشخصية هي كل تفكيري (غير الـمقيّد)، كل إرادتي (غير الـمقيّدة)، كل شعوري (غير الـمقيّد)، كل حركتي الـخلاقة (أي كل الأفعال التي أرغب في القيام بها بعامل التصور غير الـمهذب وغير الـمقيّد بالـمعقول والـمقبول في الـمجتمع) (ص 25)، إذ الشخصية الفردية، في عرف برديايف «هي الشذوذ وليست القاعدة» (ص 23).


كل تعسف جائز ومستحسن في هذه الفوضى البديعة.
كل رغبة وكل شهوة وكل جماح هي من ضرورات «الـحرية». ولا تـحقيق للشخصية الفردية إلا بهذه الفوضى. فالشخصية الفردية لا تقوم إلا بالشذوذ والـمخالفة وعدم التوافق مع العالم وبالتمرد والانفلات!


كل عقل وكل فكر يحدّ من «حرية» الشخص هو من «الوضع» الذي لا يليق بالشخصية الفردية.


الـمرتكز الـخامس
لـمذهب الشخصية الفردية مرتكز خامس أخير لا آخر هو: فلسفة النعامة.
للنعامة فلسفتان: الأولى حين تزجّ رأسها في الرمل إذ يدركها الصياد. هذه فلسفة النعامة الشخصية الصغرى.

 

الثانية هي: قيل للنعامة، يا نعامة طيري! فقالت لست طائراً، إنـما أنا جمل! فقيل لها يا نعامة احملي! فقالت لست جملاً، إنـما أنا طائر!
هذه الفلسفة الثانية هي فلسفة النعامة الشخصية الفردية الكبرى الباهرة!


يقول برديايف في مقدمة كتابه إنّ الشخصية الفردية هي «عدم التغيّر في تغيّر». ويقول أيضاً (ص 37): «لا يـمكن للشخص أن يكون بكليته عضواً في العالم أو الدولة لأنه عضو في مـملكة الله.. وهذا مرتبط بالواقع أنّ الإنسان (الفرد) كائن ليس في عالم واحد، بل في عالـمين»!


بـما أنّ الفرد يخصّ عالـمين، لا عالـماً واحداً، وجب أن يختار، بحسب مرتكز ولائه لشخصيته، في أية مناسبة يحسن أن يكون ولاؤه، بعد نفسه ومن أجل نفسه فقط، لأحد العالـمين دون الآخر. فمرّة يكون ولاؤه لعالم الـملكوت ومرّة يكون لعالم الأرض!


الطريقة الأخرى لتطبيق فلسفة النعامة الثانية هي أن يكون الـمرء بوجهين ولسانين!
فلسفة عظيمة وسلوكية باهرة!

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro