مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
هل حانت ساعة العمل القومي؟
 
 
 
الزوبعة،بوينُس آيرس،العدد 30، 1941/10/15
 

إنّ جميع التطورات والحوادث السياسية الأخيرة تدل دلالة واضحة على أنّ المجال سينفسح قريباً أمام الحركة السورية القومية لتقول الكلمة الفاصلة في مصير سورية في هذه الحرب وفي وضعية الشرق الأدنى، فيما يختص بسورية ومصالحها.


رأى زعيم الحزب السوري القومي، من زمان، أنّ هذه الحرب قادمة بسرعة وأعلن للشعب السوري، قبل كل إنسان، اقتراب الحرب ووجوب التأهب لها. فلما وقعت الحرب ظن الناس أنه إمّا أنّ الحركة القومية تظهر على المرسح في الحال، وإمّا أن تخسر الرهان وتفوتها الفرصة. ولذلك أخذوا يقولون في كل مكان «هذه فرصتكم! فماذا تعملون؟» ولكن الحزب السوري القومي احتفظ برصانته ومركزه ووقف ينتظر فرصته واثقاً من قدومها، غير آبه للألاعيب الصبيانية التي قامت فئات كثيرة من السوريين تُظهر كم تمرنت عليها وكم تحسنها.


لم تبقَ فئة سورية في الوطن أو المهجر إلا تقدمت إلى الأمام وأعلنت نظرتها السياسية. فـ «الكتلة الوطنية» الشامية أعلنت موقفها «الديموقراطي» الفرنسي. و«الكتلة الشعبية» الشهبندرية أعلنت موقفها «الديموقراطي» الإنكليزي. والأمير عبدالله صاحب شرق الأردن من قبل الإنكليز أعلن أنه حليف «الحلفاء» القدماء. والحاج أمين الحسيني انتقل إلى العراق ثم إلى إيران ليقاوم الإنكليز من هناك. وشكيب أرسلان ابتدأ يعمل لدولتي المحور. ورجال السياسة «اللبنانية» أعلنوا أنـهم مع فرنسة على طول الخط. وأصحاب الصحف السورية في المهجر أعلنوا أمورهم فكانوا فرنسيين وبريطانيين وألـماناً وطلياناً، وكلهم كانوا استقلاليين لمصلحة هذه الدولة الأجنبية أو تلك، وكل فئة منهم ادّعت أنـها هي وحدها حاكمة مطلقة على مصير الشعب السوري. وبقي أفراد قلائل ثنويون لم يجدوا مكاناً يظهرون فيه، وهم يبحثون الآن عن هذا المكان الذي لا يهمّهم أين يكون بشرط أن يحصلوا عليه!


الحزب السوري القومي وحده لم يرتعش ولم يأخذه الهوس ولم يتقدم إلى أي عمل اعتباطي. أما موقفه فكان قد أعلنه من قبل، قبل الحرب. والحزب السوري القومي يعرف كيف يثبت على ما يقول، لأنه يقول ما يعرف أنه سيثبت عليه.


جميع عناصر سورية السياسية اللاقومية جرّبت دهاءها وأساليبها، وكلها حبطت وسقطت إلى الأرض. وآخر حركة من حركات هذه العناصر حبطت حبوطاً لا مثيل له هي حركة تناول «الاستقلال» الذي أمْلته الإرادة الأجنبية إملاءً وعيّنت حدوده وشروطه تعييناً وعلّقت مصيره الأخير على نتيجة الحرب وفرضت لقاءه دم أبناء البلاد.


قد قُدّر للشعب السوري أن يجتاز اختباراً جديداً يدفع ثمنه مبلغاً فاحشاً، لأن مشعوذي السياسة السورية تمكنوا مرة أخرى من الحؤول بين الشعب السوري وصوت الزعيم الذي أسس له قضيته ووقف نفسه على خدمتها بإخلاص لم تعرف له سورية مثيلاً منذ قرون عديدة. ولقد حاول الزعيم أن يرفع هذا الإختبار عن الشعب فوجّه النداء تلو النداء إلى الأمة ولكن أصوات المشعوذين كانت لا تزال أقرب إليه. ويظهر أنه لا بد من اجتياز الاختبارات للوصول إلى اليقين.


وآخر نداء وجّهه الزعيم إلى السوريين القوميين والشعب السوري كان في أول يونيو/حزيران سنة 1940. وفي هذا النداء أبدى الزعيم خشيته من الاختبارات المرة المقبلة وعدم استعداد الشعب لتجنبها فخاطب الشعب السوري قائلاً:
«أيها الشعب السوري،
«إنك قد خبرت هذا النوع من القيادة (القيادة النفعية والـمأجورة) ودفعت ثمن اختباراتها في استغلالك من ثروتك وتجارتك وزراعتك وصناعتك ومن دماء بنيك.


«لقد كان فاحشاً الثمن الذي دفعته حتى الآن لتلكؤك عن الالتفاف حول حركتك القومية، التي وقف رجالها يذودون عن شرفك وكرامتك وحقك في الحياة بنفوسهم. وهم الوحيدون الذين ثبتوا في أماكنهم في هذه الشدة، ومثلوا أمام المحكمة العسكرية من أجل شرفك وحقك. فهل تريد أن تدفع ثمناً آخر لتعيد اختبارك السابق؟»
وقد وضع الزعيم هذا السؤال الأخير ليبدي ما يتوقع حدوثه. وهذا السؤال الصريح يدل على أنّ الزعيم يفهم نفسية هذا الجيل فهماً عميقاً ويدرك إدراكاً كلياً حالة الشعب الاجتماعية والمناقبية. وقد صحّ ما توقعه الزعيم وهوذا الشعب السوري يدفع في الوطن والمهجر ثمن اختبار جديد يقوده إلى عبودية جديدة باسم الاستقلال وإلى ضلالة أعظم من كل ما تقدم من الضلالات.


أما الذين ادّعوا أنـهم أهل لإنقاذ الشعب السوري، وتقدموا يزحمون الوقت زحماً، ويطلبون عقد «مؤتمرات عربية» في المهجر، فقد ظهرت مخرقتهم وبان عجزهم وانفضحت شعوذتهم.


قد جرّب الشعب السوري، وجرّبت الدول الكبرى من الجبهتين المتحاربتين، جميع السياسيين اللاقوميين. فما هي نتيجة هذه التجربة؟ خيبة للشعب السوري وفشل للدول.


إنّ المشعوذين قد وعدوا الشعب السوري وعوداً كثيرة، وزيّنوا له نعيماً دائماً، ووعدوا الدول الأجنبية وعوداً أخرى كثيرة، وزيّنوا لها تمكيناً واستغلالاً فباؤوا بالخيبة.


القديم والتقليدي المستمر، الإقطاعي والنفعي، كل ذلك آخذ في الانهيار أمام الشعب السوري وفي الخارج. فلا الشعب السوري وجد في شيء منه الدعامة التي كان يتوقع أن يستند عليها، ولا الدول الأجنبية الراغبة في الوصول إلى تفاهم مع قوة سورية يكون لها شأن وجدت في شيء منه ما ترغب فيه. وقد أدركت هذه الدول أنّ ما تكتبه الجرائد النفعية هو كلام يذهب في الريح. ولا شك في أنّ الدول ذات المطامع الاستعمارية في سورية تُسرّ في سرّها لهذه النتيجة الباهرة، لأنها تعني لها انعدام القيادة الصحيحة في الشعب السوري وإمكان التلاعب به. 


ولكن، أيـمكن القول إنّ الأمة السورية قد تلاشت وإنّ الحياة فيها انعدمت؟


كلا، وألف كلا. فتحْتَ مظاهر الانحطاط والانحلال في الأمة السورية تمتد في أوساط الشعب، وخصوصاً في أوساط الشباب، روحية جديدة ويحيا إيمان جديد وتعمل زعامة نظرت إلى مصلحة الشعب ومستقبل الأمة. وأوساط واسعة من الشعب السوري تنتظر ساعة العمل.


أما الدول الأوروبية فستدرك عاجلاً أنّ الأمة السورية لم تسلّم وأنّ الذين سلّموا هم الأموات لا الأحياء. فلا يبعد أن نرى قريباً وجه سورية الحقيقي يطل من بين مظاهر الانحلال ليعلن حدثاً خطيراً تهتز له سورية من أدناها إلى أقصاها وتتجه إليه أنظار العالم.


إنّ سورية اللاقومية قد مثّلت آخر أدوارها، وإنّ عهداً قديماً يلفظ الآن آخر أنفاسه ليبتدىء العهد الجديد - عهد النهضة القومية.


قريباً، وقد يكون قريباً جداً، يبتدىء العمل القومي، فتنقذ الزعامة القومية مقدّرات الأمة السورية من أيدي المشعوذين والدجالين، وتقبض على عنان السياسة السورية لتعلن للعالم إرادة سورية!

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro