مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي سورية الجديدة الأمة السورية تجاه الحوادث الإنترنسيونية
 
 
 
سورية الجديدة،سان باولو،العدد 11، 1939/5/20
 

عندما وقف سعاده في أوائل سنة 1933 خاطباً في حفلة تدشين النادي الفلسطيني، مظهراً الحاجة إلى معالجة القضية السورية بكليّتها ووجوب الخروج من الدائرة الضيقة التي حصرت الشركات السياسية قضيتنا القومية فيها، مصرحاً بأن الخطرين الشمالي والجنوبي - الخطر التركي والخطر اليهودي - قد أصبحا مداهمين وأنّ ملافاتهما بصورة ناجحة لا يمكن أن تتم إلا بدرس القضية السورية درساً جديداً شاملاً ابتداء من الأساس القومي، وكان الحزب السوري القومي لا يزال حينئذٍ جنيناً لا يدري أحد بنشوئه، اعتقد معظم الذين حضروا تلك الحفلة أنّ كلام سعاده ليس سوى كلام خطيب اجتهد في تنويع كلامه وقليلون جداً هم الذين أدركوا أنّ كلامه كان كلام خبير بعيد النظر يدرك الأخطار قبل وقوعها ويرى الامكانيات والطرق الناجحة. كانت الشركات السياسية في ذلك الوقت توجه نظر الشعب إلى مسائل جزئية مبعثرة يخفي الضجيج القائم حولها حقيقة القضية القومية الكاملة والخطر الكامن في ظروفها.


ولما جاءت سنة 1936 كانت مسألة الهجرة اليهودية إلى جنوبي سورية قد استفحل أمرها وتفاقم شرها حتى ضاق سوريو الجنوب ذرعاً بالحالة. وبدلاً من أن تكون هذه الحالة مدعاة إلى درس المسائل السورية كلها ومسألة الجنوب بصورة خاصة وتقرير خطة عامة كما هي وجهة نظر زعيم الحزب السوري القومي، أدت الظروف إلى مشاغبات انتهت بثورة السنة المذكورة. وشغلت الثورة الاعتباطية أفكار الشعب السوري فلم ينتبه لتطور السياسة البريطانية - الفرنسية في الشرق الأدنى والوجهة الجديدة التي تتخذها وهي الوجهة التي عيّنتها الاعتبارات الحربية بعد حرب الحبشة وتوسع النفوذ الإيطالي. والمنظمة القومية الوحيدة التي كانت تدرس الموقف وتطورات السياسة العليا كانت في حرب عوان مع السلطات والشركات السياسية والمؤسسات الدينية والفئات الرجعية. كان الحزب السوري القومي قد ظهر منبهاً الشعب إلى حقيقة مصالحه ووحدة مصيره معيّناً قضية الأمة السورية تعييناً واضحاً حاملاً إليها شعار الحرية والواجب والنظام والقوة وما ينطوي عليه من فضائل باقية ومثل عليا.


وفي سنة 1936 رأت الدولتان المحافظتان على أوسع تحكُّم استعماري في العالم أن تخضعا القسم الشرقي من البحر المتوسط الواقع تحت إدارتهما أو نفوذهما لاعتبارات السياسة العسكرية، التي أخذت تتفوق على غيرها من الاعتبارات تجاه نهضة الدولتين الكليتين وظهور مطامح إيطالية في المتوسط والشعور بتطلعها إلى المستعمرات المحفة به وزعمها أنها أحق بها من مستعمريها الحاليين، بناءً على أنها كانت داخلة في الإمبراطورية الرومانية. فبينما كانت إيطالية منهمكة في حرب الحبشة اتجهت السياستان البريطانية والفرنسية إلى تطبيق السياسة العسكرية في سورية، ففُتحت في فلسطين الطرقات الضرورية للمقتضيات الحربية وأنشئت التحصينات اللازمة وسعت بريطانية لحل مشكلة جنوبي سورية على ما يقنع السوريين واليهود لتربح تأييد الفريقين أو استكانتهما على الأقل في حالة حرب، فوضعت مشروع التقسيم الذي حاولت أن تخدع السوريين به موهمة إياهم أنه يخولهم إنشاء «دولة مستقلة» لكن المذكرة التي وضعها الحزب السوري القومي وردّ بها على تقرير بعثة اللورد بيل أثارت الرأي السوري العام فرفض مشروع التقسيم. ومع ذلك فقد استمرت السياسة البريطانية في اتجاهها ورأت فرنسة أن لا تتأخر هي نفسها في تطبيق سياستها العسكرية في شمالي سورية خصوصاً بعد ما رأته من تطور سورية بظهور الحزب السوري القومي الذي ابتدأ يوحد صفوف الأمة في القضية القومية.

فغررت فرنسة بالشاميين واللبنانيين متظاهرة لأولئك بأنها قد عزمت الآن عزماً أكيداً على إجابة مطاليبهم وإعطائهم السيادة القومية، ولهؤلاء بأنها تريد أن ترفعهم إلى «مصاف الدول». وفي الوقت الذي أعلنت للشاميين قبول المفاوضة لتحويل الانتداب إلى معاهدة وللبنانيين قبولها إعادة «الدستور» وإيجاد حكومة لبنانية تشبع الطامعين بالفخفخة الفارغة، كانت تسعى بالاتفاق مع وجهة النظر البريطانية لتوثيق علاقاتها مع تركية ومنحها الامتيازات التي تريدها في الأرض السورية.


وقد رأت أوساط الحزب السوري القومي السياسية أنّ سيطرة الاعتبارات الحربية على السياستين البريطانية والفرنسية، فيما يختص بسورية، جعلت فرنسة تحدد مركزها الثابت في البحر السوري بالمنطقة الجبلية الساحلية من سورية، وهي منطقة لبنان - العلويين، ولذلك أصرت فرنسة في المعاهدة الشامية - الفرنسية على امتيازات عسكرية في المنطقة العلوية لمدة خمس سنوات، كما أوجدت شروطاً في المعاهدة اللبنانية تكفل تنفيذ هذه السياسة الجديدة استعداداً للنضال الفاصل بين الدولتين المحافظتين والدولتين المجددتين. وعبثاً حاول زعيم الحزب السوري القومي التوصل بمرونته المشهورة إلى جعل الشركات السورية السياسية تفهم حقيقة الحالة الجديدة والمخاطر التي تجلبها على القضية السورية. فقد اغترّ الكتليون اغتراراً فاضحاً بوعود الساسة الفرنسيين، حتى أنّ السيد جميل مردم جعل مسألة تصديق المعاهدة وحصول الاستقلال التام معلقة على المزايا الشخصية التي قد يتحلى بها حامل وظيفة وزير خارجية فرنسة وأخلاقه الطيبة، كما دلت تصريحاته عن السيد بونه في أثناء وجوده في فرنسة المرة الأخيرة.


وكان من وراء استمرار السياسة البريطانية الجديدة أنّ مسألة فلسطين تحولت إلى نقطة الابتداء في المساومة التي أرادت بريطانية إجراءها مع مصر والعراق وبلاد العرب لإيجاد سياسة موحّدة تؤثر على مجرى السياسة السورية فتتألف من هذه الأمم في الشرق الأدنى جبهة تستخدمها الإمبراطوريتان «الديموقراطيتان» لسد شرقي البحر المتوسط ضد الإمبراطوريتين الكليتين.


ولـمّا كانت هذه الجبهة لا يمكن أن تتم إلا إذا كانت تركية منها ولـمّا كانت تركية ذات مطامع بعيدة في سورية، فإن السياسة البريطانية لم تألُ جهداً في إظهار محاسن الاتفاق بين فرنسة وتركية على حساب سورية وحساب مصالح فرنسية مقبلة في سورية. والظاهر أنّ العقم الفرنسي السياسي اقتنع ولعله هو الذي أشار بصحة هذه النظرية فسارت السياسة «الديموقراطية» على خطة وجوب ابتياع موقف تركية المشكوك بمتانته بلواء الإسكندرونة ومنطقة واسعة تتناول حلب ولواء الجزيرة.

وتؤكد أوساط الحزب السوري القومي العليا أنها كانت واقفة على هذه المناورات وبعض المخابرات الدائرة في هذا الصدد. وهو ما دفع بزعيمه إلى تناسي الحملة العنيفة التي قامت بها ضد الحزب «الكتلة الوطنية» وغيرها وبذل المساعي لتوحيد القوى والعمل لدرء الخطر المداهم فلم يلاقِ سوى الصدمة التي وجّهها إليه السيد جميل مردم وهو بعد رئيس الوزارة، كما أشرنا إلى ذلك في رأي سورية الجديدة من العدد الماضي.

 

والآن يظهر لنا «الكتاب الأبيض» البريطاني في صدد فلسطين فإذا به لا يخرج عن حد تثبيت نظرة الحزب السوري القومي، وإذا الوطن السوري قد أصبح عرضة لتجزئة جديدة مؤلمة جداً، وإذا بالشركات السياسية والفئات النفعية تتسابق لقبول هذا الاتجاه الجديد فتعقد بعضها مؤتمرات غريبة بأسماء غريبة كمؤتمر «الجبهة المقاومة للفاشستية» الذي وردت برقية تشير إلى انعقاده في بيروت، والذي أشار إلى ذلك أيضاً مدير «شعبة سورية الجديدة» في بيروت، في رسالته الأخيرة لنا المنشورة في هذا العدد، واتخاذه القرارات القائلة بتأييد السياسة الفرنسية على طول الخط. وبعض هذه المؤتمرات يعقد باسم «العروبة» والبعض الأخير يعقد باسم «القومية اللبنانية» التي نبتت بين ليلة وضحاها كما ينبت الفطر.


إنّ قضية الأمة السورية والوطن السوري تقف الآن في أحرج المواقف التي سجلها لها التاريخ. ولا يدرك ذلك إدراكاً كلياً غير الحزب السوري القومي. هذه المنظمة القومية العظيمة التي تجاهد في حرب حقيقية لا في موقف الخطابات الرنانة والقصائد الطنانة. وإننا لموقنون من أنّ الحزب السوري القومي يقوم بواجبه ومهمته فالكلام لا يتناوله بل يتناول الواقفين بعيداً يتفرجون ببلادة إحساس نادرة.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro