مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي سورية الجديدة حرب المصالح
 
 
 
سورية الجديدة،سان باولو،العدد 34، 1939/10/21
 

عندما أعلن سعاده أنّ حقيقة الدوافع إلى الحرب في إسبانية، التي اشتركت الدول الكبـرى في التنازع على تقرير مصيرها، هي المصالح لا المبادىء، قام بعض بسطاء الدارسين في الشؤون السياسية بمحاولة صاخبة لإثبات العكس، فقالوا إنّ الحرب الـمذكـورة تـمثل جبهة من جبهات العراك الـمبادئي أو العقائدي العنيف بين الفاشستية أو الاشتراكية القومية والشيوعية أو الاشتراكية. وواحد منهم ألقى خطبة في الجامعة الأميركانية حاول أن يجعل منها رداً على مقالة سعاده في جريدة النهضة وأن يثبت، أنّ العراك هو عراك مبادىء لا عراك مصالح. ومثّل هؤلاء المتدرجون في الاشتراكية القوة الشيوعية أو الاشتراكية بصورة توهم أنها قوة العدل والحق والدفاع عن الشعوب المظلومة. ومثّلوا القوة الفاشستية أو الاشتراكية القومية بصورة تجعل منها قوة ترمي إلى الاستبداد والاستعمار. وكانوا يستندون في محاولاتهم هذه إلى الإذاعة القوية الصادرة عن المراكز الشيوعية السياسية، التي تسيّر المنظمات الشيوعية وفاقاً لخطط سياسية تقررها مصالح هذه المراكز. فكانت الفئات الشيوعية في سورية تعمل بالإرشادات والتعليمات الصادرة إليها من موسكو ثم من باريس، والشيوعيون السوريون الذين لا يزالون أطفالاً في الأمور السياسية ومبتدئين في النظريات الشيوعية كانوا يعملون بكل إخلاص تبعاً لهذه الإرشادات الأجنبية، مباهين بأنهم يحاربون «الفاشستية والاستعمار».


تنازعت موسكو وباريس السيطرة على الفئات السورية القليلة التي سمّت نفسها «أحزاباً» شيوعية في لبنان والشام، حتى كان أمر تأليف الجبهة الشعبية في فرنسة وتوافق السياستين الفرنسية والروسية فصارت لباريس اليد العليا في «أحزاب» سورية الشيوعية. وأيدت باريس وموسكو الحركة الشيوعية في سورية وأمدتاها بالمال وأنشئت جرائد ومجلات شيوعية في بيروت ودمشق وغيرهما. ولـمّا كانت باريس حريصة على تثبيت قدمها وتشديد قبضتها على الشؤون السياسية - الاقتصادية في سورية وكانت تشعر أنّ مطامعها في سورية أصبحت مهددة بامتداد الحركة السورية القومية التي اكتسحت مناطق كثيرة بسرعة، فقد صدرت التعليمات إلى المتمذهبين بمذهب الشيوعية أو الاشتراكية بمحاربة الحزب السوري القومي وتعاليمه. فقامت الصحف الشيوعية المأجورة، تعلّم السوريين أنّ إنقاذهم من الحالة التي هم فيها يتوقف على نتيجة العراك القائم بين المبادىء الشيوعية والمبادىء الفاشستية، مصورين تلك بأنها مبادىء العدل والحق بين الشعوب وهذه بأنها مبادىء الاستعمار والظلم وأنه بانتصار المبادىء الشيوعية تصل سورية إلى حقوقها. وهذا التعليم الفاسد هو خطة يقصد منها إبقاء السوريين بعيدين عن فهم التنازع بين الأمم على التفوق والتسلط، أي تنازع المصالح القومية بين الأمم، فلا يتنبهون لمصالحهم التي جاء الحزب السوري القومي يوضحها لهم ويعلمهم كيفية تحقيقها.


وقد سهّلت البلبلة الفكرية والفوضى العقائدية اللتان سبقتا النهضة القومية عمل الشيوعيين ومهمتهم التي لا نعتقد أنهم هم كانوا يدركون حقيقتها وهي مهمة إبقاء السوريين غافلين عن مصالحهم الحقيقية وعن القومية السورية التي تجمع هذه المصالح وتوحدها وتكوّن منها قضية سياسية واضحة. فكان كثير من السوريين يتوهمون أنّ نظرية «حرب المبادىء» التي أُوعز إلى الشيوعيين السوريين بثها في الشعب السوري صحيحة، وأنه عما قريب ستنشب حرب عظيمة بين جبهتين، كل جبهة تدين بمبادىء. فالواحدة مبادئها هي مبادىء الحق والعدل والحرية، والأخرى مبادئها هي مبادىء الاستعمار والظلم والاجحاف، وأنه بانتصار الجبهة الأولى يصل الشعب السوري إلى حقوقه وحريته. وحملت هذه الدعاوة المجرمة قسماً كبيراً من الشعب السوري على الشك برسالة سعاده وصدق نظرته في شؤون العالم السياسية - الاقتصادية.


كان قسم كبير من الشعب السوري فاقداً ثقته بنفسه، فلم يكن يستطيع الركون إلى حركته القومية وصحة مبادئها وصدق فراسة زعيمها. كان لا بد لهذا القسم من انتظار الأحداث والنتائج، مهما كان في هذا الانتظار من خسارة وقت، ومهما كلّف من خسائر وآلام. وقد مر وقت ثمين جداً بين سنة 1937 وسنة 1939. فماذا كانت نتيجة هذا الانتظار؟


في سنة 1939 نقض أعظم مركز شيوعي في العالم قول شيوعيي سورية البسطاء أنّ الحرب حرب مبادىء لا حرب مصالح. فستالين الذي كانت جريدة صوت الشعب الشيوعية البيروتية تصدر أعدادها بصورته هو عينه قد مدَّ يد التفاهم إلى هتلر الذي كانت هذه الجريد

ة وغيرها تلعنه وتلعن كل من يمدّ يده لمصافحته. وروسية الشيوعية هي الآن في عداد الدول التي تطلب التوسع والاستعمار.
والآن أليست هي مصالح روسية وألمانية هي التي أمْلَت على هاتين الدولتين المتسلحة كل واحدة منهما بمبدأ مناقض مبدأ الدولة الأخرى؟


ماذا سيقول الشيوعيون السوريون اليوم، وهم الذين قاموا يشوهون حقيقة قضية سعاده ويهاجمونه هم والجزويت لمجرّد مروره بمحور رومة - برلين، بعد أن اتفقت روسية وألمانية ولم يعد هتلر أو موسوليني في نظر الدعاوة الشيوعية الروسية الطاغية الأثيم، بل السياسي الحكيم الذي يخدم مصلحة شعبه!


ماذا سيقول الشيوعيون وجميع الفاسدين وعديمي الثقة بنفوسهم وحركتهم القومية، بعد أن جاءت حقائق كهذه الحقيقة تصفع وجوههم الصفيقة وتعلن فساد مبادئهم وأعمالهم وصحة مبادىء الحزب السوري القومي وأعماله؟ لا شك في أنهم سيلجأون إلى ألف تأويل وتأويل ليبرهنوا للشعب السوري أنه لا يجوز لزعيم سوري أن يسبق زعيماً روسياً أو فرنسياً أو ألـمانياً أو بريطانياً أو إيطالياً إلى فهم حقيقة الموقف السياسي العالمي والعمل بمقدرته الفائقة على إنقاذ شعبه!


أجل، إنّ هذه الكومة الفاسدة في الشعب السوري ترى كل شيء أجنبي، جديراً بالاحترام والتقدير والإعجاب مهما كان الشيء السوري القومي أعظم منه وأقوى. وهي هي نفسها التي كانت تشتم هتلر وموسوليني بالأمس، بإيعاز مراجع أجنبية ذات مصلحة ترى الآن أنّ ما قام به هتلر وستالين جيد جداً ولم يعد هتلر أو موسوليني ذلك الأثيم. أو لعلها طلّقت الآن ستالين، مثالها الأعلى، لتحل محله مثالاً آخر كديلادييه(1) أو تشمبرلين(2)؟ إنّ هذه الجماعة الأثيمة لا تعرف مسؤولية ولا مصلحة قومية ولا غاية لها غير مصلحتها التعيشية الخاصة، فهي إذا نادت بستالين فلأنها خدمت مصلحتها الخاصة بهذه المناداة وكما نادت به فلا تتورع بعد أن خسرت تأييده لشعوذتها، عن المناداة بأي زعيم أجنبي آخر أو لأية إرادة أجنبية أخرى.

إنّ الحرب هي كما يقول سعاده، حرب مصالح في الخارج وحرب مبادىء في الداخل. فالمبادىء هي لتنظيم المجتمع الخاص تنظيماً يكفل له أعظم مقدار من الفلاح الروحي - المادي. أما بين الأمم فالمصالح هي التي تنظّم العلاقات.
وسعاده الذي يريد خدمة شعبه بهذا الفهم الواضح يعرف جيداً ما يقول وما يفعل فما أحرى الشعب السوري باتّباع طريق الفلاح، طريق الثقة بالنفس والاعتماد على النفس فيؤيد حركته القومية تأييداً يجعل نجاح مصالحه أمراً محققاً!

 

(1) ادوار ديلاديبه (1844-1970)، سياسي فرنسي تولى رئاسة الوزارة الفرنسية ثلاث مرات.

(2) نفيل تشمبرلين رئيس وزراء بريطاني ووزير بريطاني أسبق وسياسي ينتمي لحزب المحافظين.
(1869-1940)، عقد هو ونظيره الفرنسي ديلاديبه معاهدة ميونخ مع ألمانية النازية في أيلول 1938 بغية استرضاء زعيمها هتلر وحقن الدماء.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro