مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
غورو وسورية
 
 
 
الـجريدة،سان باولو،العدد 41، 1921/8/13
 
رجع غورو إلى سورية ورأسه مـملوء بالتصورات الـخيالية، وحقيبته مكتظة بالـمذكرات والقرارات من مالية وعسكرية واقتصادية. وأهم ما تـحواه تلك الـحقيبة هو نظامات الوحدة السورية، التي هي بعض خزعبلات فرنسة التي تأتيها في وطننا السيّء الطالع. فهي بعد أن قسّمت البلاد السورية إلى دويلات لا تلتئم مع راحة الوطنييـن وإرادتهم، كما صرّح بذلك مندوبوها، رجعت الآن إلى القول أنْ لا حياة للبلاد السورية إلا بالاتـحاد، ويا ليتها تفعل.
 
يقول غورو إنّ الوحدة أمر مقرر كما أنّ استقلال لبنان أمر لا جدال فيه. وهذا يعني أنّ لبنان سيكون متحداً مع سورية إسماً فقط، لأن في اتـحاده معها فعلاً خطراً عظيماً على إلهة الـحرية ومنقذة الشعوب الضعيفة. فيتضح لنا أنّ هذه الوحدة التي جاء بها غورو هي توحيد الـميزانيات الـمالية فقط. وعلى هذه الطريقة فلبنان وسورية متحــدان منقسـمان: متحدان من حيث الـميزانية ومرجعهما واحد وهو القومسيرية العليا؛ ومنقسمان لأنهما دولتان مستقلتان الواحدة عن الأخرى تـمام الاستقلال. وهو استقلال يخجل منه الرجل الـحر ويهزأ به الصبيان.
 
إنّ الوحـدة التي تعنيهـا فرنسـة هي غـير الوحـدة الـحقيقيـة، فهي تعني وحــدة الـميزانيات الـمالية ويكون مرجعها مندوبها السامي غورو، وغورو يرجعها كلهـا إلى فرنسـة. أمـا الوحـدة الـحقيقيـة فهي وحــدة البـلاد السـوريـة التي قسّمتهـا فرنسـة حسبمـا يلتئم مع مصلحتها الاستعمارية لا مع إرادة الأهالي الوطنييـن، كما صرّح بذلك مندوبوها ليبرروا ذمتهم من تبعة هذه الـخطة الشنعاء. وبـما أنّ فرنسة تعمل بإرادتها هي وليس بإرادة الوطنييـن كما تزعم، فالبلاد السورية ستبقى مقسمـة كما هي. وما الوحـدة إلا وسيلـة من وسائـل فرنسـة ليسهـل على القومسيريـة العليـا جمع الأمـوال وإرسالهـا إلى فرنسـة لتسـد بهـا بعـض جشعهـا.
 
لم يكد يصل غورو إلى بيروت إلا وأخذت الوفود تتسابق إليه من جميع أنحاء سورية وهو يقابلها كل وفد على حدة. وبعد أن نفحهم بالوعود الـحسنة، صرفهم شاكرين له اهتمامه بهم مظهرين غاية السرور لتلطفه بـمقابلتهم داعيـن له ولدولته بدوام العز والنصر، هاتفيـن «لتحيَ فرنسة أُمُّ الـحرية ومحررة الشعوب الضعيفة» ، غير عالـميـن أنّ مظاهراتهم هذه التي يحسبونها فارغة تـحدث ضرراً سياسياً عظيماً لأنها تعاكس جهاد الوطنييـن. ومع أنّ غورو يعلم أنها مظاهرات فارغة، فهو يعلم أيضاً أنها حجته الوحيدة أمام العالم للبقاء في سورية. لذلك يتكلف هو مقابلتهم مضطراً ليظهر للعالم حب السورييـن لفرنسة وله على الـخصوص.
 
لا نعلم ما يضمره لنا غورو طي فكره، وما تكنّه تلك الـحقيبة التي أشغلت عقول السورييـن. ولكن الذي يظهر هو أنّ غورو يقوم بعمل سياسي هام لا يعلم أحد ماذا ستكون نتيجته إلا بعد أن يتم. ولكن لا شيء هنالك يرجى منه خير. فغورو هو هو لم يتغير وخطته الاستعمارية في [سورية] فهو يلبسها في كل وقت ثوباً وشكلاً جديداً، ولكنهما لـمقصد واحد ونتيجة واحدة. ومع كل ذلك فإن السورييـن لا يزالون يعلقون الآمال على رجوعه وعلى ما سيأتيه من الأعمال في سبيل إصلاح أوطانهم.
 
لـماذا يقيم السوريون الاحتفالات والـمظاهرات للاستعمارييـن؟ ألا يعلم إخواننا أنّ هذه الـمظاهرات التي يحسبونها فارغة تشجع الاستعمارييـن على التمادي في غيّهم وتزيدهم عتواً، فيحسبون أنّ البلاد بلادهم وأنّ أولئك الساكنيـن فيها ليسوا إلا عبيداً وجدوا لـخدمتهم، وهم الآن لا يعاملونهم إلا معاملة العبيد، فضلاً عن أنها تكون أصدق شهادة على أنّ السورييـن راضون عن الـحالة التي هم عليها مع الأوصياء. وزد على ذلك الاستقبالات الـحافلة التي يعدّونها لغورو رئيس الاستعمارييـن دلالة على ما تكنّه صدور الوطنييـن من الـحب الشديد لهم. غير أنّ الشيخ الـجليل، أي غبطة البطريرك الـماروني، لم يشأ أن يبقي ذلك الـحب مكنوناً بل أظهره بخطاب فاه[فاهى] به فخامة الـجنرال غورو إذ قال:
 
«إنه يكفينا أن نتأكد [من] جود فرنسة بيننا فهذا عربون نهوض بلادنا واستقلالها. فنحن ثابتون على حبها في كل الأحوال، فكيف إذا كان مـمثلها بيننا الـجنرال غورو. وإننا لنحب الـجنرال غورو ونـجلّه لا لكونه مـمثلاً لفرنسة بل لأنه الـجنرال غورو» .
 
وقال أيضاً:
«إنه يحق للبلاد أن تفتخر به كما تفتخر فرنسة لأنه أنـجز في مدة قصيرة أعمالاً يعجز عن مثلها غيره، وذلك بفضل صفاته الفريدة، فإنه خدم لبنان وسورية وفرنسة فوفق بين الـمصلحتيـن.» 
 
لا نعلم كيف يحق للبلاد السورية أن تفتخر بغورو كما تفتخر فرنسة؟ إننا نعلم أنّ غورو خدم بلاده أجلّ خدمة وذلك بإجراءاته الاستعمارية في سورية كما في مراكش، لذلك يحق لفرنسة أن تفتخر به. غير أننا لا نعلم أنّ هنالك خدمات قام بها غورو في سبيل البلاد السورية سوى القبض على أعضاء مجلس الإدارة في لبنان والقضاء على استقلال سورية في معركة ميسلون. أما أنه أنـجز في مدة قصيرة من الأعمال ما يعجز عنها غيره، فهذا لا ننساه له أبداً، لأن القبض على أعضاء مجلس الإدارة في لبنان والقضاء على استقلال سورية بطريق الغدر لـممّا يعجز بإتيان مثله أعظم طاغية في العالم.
 
ما هذا الاستقلال السخري الذي حصلت البلاد السورية عليه؟ وما هذه الأعمال الشائنة التي يأتيها رجال سورية أمام مستعمريهم ومستعبديهم؟ بل ما هذا الـخضوع والتذلل لذلك الذي أتاهم بصفة محرر فلم يكن إلا طاغية؟ ألم يكفهم الفخر الذي نالوه يوم ضربهم تلك الضربة القاضية في ميسلون؟ ألم يكفهم الشرف الذي نالوه يوم قبض على أعضاء مجلس الإدارة في لبنان وبعث بهم إلى الاعتقال في كورسيكة؟ ألم يكفهم كل هذا حتى يتسابقوا للسلام على ذلك الذي قضى على ما بقي من آمالهم بالـحرية والاستقلال؟ أوَيظن بعض السورييـن أنهم بـمثل هذه الأعمال ينالون الاستقلال؟
 
أنطون سعاده
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro