مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
لجنة التمثال تهين شعور العالمين المسيحي والإسلامي (1)
 
 
 
الـجريدة،سان باولو،العدد 83، - 1922/7/8 العدد 84، 1922/7/15
 
​إطّلعت منذ بضعة أيام على الأبيات التي قررت لـجنة التمثال نقشها على قاعدته، ولقد أذاعتها بطريقة غريبة خالية من آداب السلوك، فعوضاً عن أن تدفعها للنشر إلى الـجرائد العربية، التي كلّفتها هي إذاعة إعلانها الطويل العريض لـمباراة الشعراء، ذاكرة فيه الإشارات والرموز الـموضوعة على قاعدة التمثال الذي يراد إهداؤه إلى الأمة البرازيلية في عيد استقلالها الـمئوي، دون أن تتقاضاها تلك الـجرائد أجرة عليه، وعوضاً عن أن تشكر صنيعها دفعته إلى جريدة واحدة دون سواها، وزادت الطيـن بلة في كتمانها عن الـجريدة الـمذكورة والـجالية إسم الناظم.
 
ولـما كنت في عداد الذين بعثوا بأبيات إلى اللجنة الـموقرة إجابة لإذاعتها الـمشار إليها وخدمة للجالية في تقديـم أبيات تنطبق على الإشارات والرموز التي أذاعتها اللجنة الـمذكورة، وبصفتي أحد أفراد الـجالية الذين يهمهم ظهورها أمام الأمة البرازيلية بـمظهر العظمة التاريخية الـجامعة بين الوقار وروح الشكر للأمة الكريـمة التي أنزلتنا على الرحب والسعة، رأيت أن أقول كلمتي في هذا الـموضوع مستلفتاً نظر اللجنة الـمحترمة والـجالية عموماً إلى ما في الأبيات التي قرَّرَت نقشها على التمثال من إهانة الشعور الديني للمسيحييـن والـمسلميـن في سائر أنحاء العالم، وإهانة الشعور الوطني للبنانييـن والسورييـن والفلسطينييـن في الوطن والـمهاجر كلها، أما الأبيات التي أقرتها اللجنة فهي الآتية:
 
لـــو قــطــعــنــا بــقـيــة الأرز مـــن لــبـ
                                                   ـنــــا ن والأرز مـــهـــبـــط الإلـــهـــام
وابــتـنــيـنـــا بــهــا «هــنــا» هـــيــكـــلاً 
                                                   تـطـعـن أبـــراجـــه صـــدور الــغــمــام
وانــتــزعـنــا مــن بـعــلــبك ومــن تـــد
                                                   مـــر آثـــار مــجـدنــا الــمـتـرامـي
واغــتـصــبـنــا قـــبـــــر صـــــلاح الــدْ
                                                   دِيـــن والــقـدس قـبر فـادي الأنام
ووقــفـنــا هــذه الــكـنــوز عــلـى ذا الــ
                                                   ـمـوطــن الــحـر والـبنـيـن الـكرام
لشـــعـــرنــــا بـــأنـــنـــا مــــا وفـــيــنــا
                                                   مــا عـلـيـنــا لــهـم مــن الإكـــرام
 

هل يرضى النصارى والـمسلمون من أبناء الوطن العزيز وأبناء الـجالية الكريـمة عن هذه الأبيات؟ هل يرضى الـمسيحيون عموماً، واللبنانيون خصوصاً، أن تقطع بقية الأرز الـخالد الذي بني به هيكل سليمان والذي يقول عنه الشاعر إنه «مهبط الإلهام»، وأن يبنى به «هنا» هيكلاً «تطعن أبراجه صدور الغمام» وأن نـجرِّد وطننا من هذا الأثر التاريخي الثميـن الـحي وأن يوقف كل ذلك على البرازيل لأنها لم تطردنا من بلادها؟ هل يرضى الـمسلمون عموماً، والسوريون خصوصاً، أن نغتصب دمشق قبر صلاح الدين الذي يعدّه الـمسلمون من أقدس الآثار الدينية ويعدّه السوريون من أثمن الآثار التاريخية، وهو الذي وقف عليه الإمبراطور غليوم الثاني [1898]، وهو في شامخ مجده وباذخ عزه، رافعاً قبعته مطأطئاً رأسه مخاطباً من تلك البقعة التاريخية الثلاثمئة مليون مسلم على وجه البسيطة؟ هل يرضون أن نأتي بهذا الأثر الفخم وأن نزعج عظام أعظم سلطان مسلم ظهر على وجه الأرض، وأن نخرجها من ضريحها ونأتي بها إلى البرازيل لأنها تعاملنا معاملة سائر الـجوالي الأخرى؟

 

هل يرضى العالم الـمسيحي أن «نغتصب» القدس قبر الـمسيح الذي هو عنده أقدس وأعز أثر تاريخي في العالم منذ بدء الـخليقة حتى اليوم، وأن ندنس ذلك الضريح الـمقدس باقتلاع حجارته الرخامية التي سجد لـمقامها الـملوك والأمراء والعظماء راكعيـن خاشعيـن مطأطئي الرؤوس يقبّلونها بلهفة وشغف واحترام وشعور ديني عميق، حتى أنّ زوايا تلك الـحجارة الـمقدسة حفيت من كثرة التقبيل واضمحلت وأصبحت ملساء من قبلات ملاييـن الـملاييـن من رجال العالم الـمسيحي ونسائه الذين قبَّلوها، لا ماشيـن إليها مشياً بل زاحفيـن إليها زحفاً على ركبهم، احتراماً وإجلالاً للإله الذي يؤمنون به وبتشريفه لها ثلاثة أيام راقداً في قبره ليفتدي الأنام وفي عدادهم أعضاء لـجنة التمثال وشاعرها؟ هل يوجد مسيحي واحد، عدا أعضاء هذه اللجنة العظيمة، يرضى بتدنيس قبر الـمسيح على هذه الكيفية الشائنة لأن فريقاً من اللبنانييـن والسورييـن هاجروا إلى البرازيل وأثرى بعضهم فيها إما بسبب الـحرب أو بجدّهم ونشاطهم فأفادوا البلاد كما استفادوا منها؟ وإذا رضي مسيحي نفعي بذلك، هل يرضى الـمسلمون به وهم يحترمون عيسى ابن مريـم ويعدّونه نبياً عظيماً؟ -هل يرضى رجل ديني أو وطني بـمثل هذا التدنيس الـمخجل وأن ننقل قبر السيد الـمسيح إلى البرازيل لأنها قَبِلتنا في بلادها وهي تدعو شعوب العالم إلى الـمهاجرة إليها لتحيي مؤات أرضها وتنمي تـجارتها وتكثر صناعتها وهي لولا ذلك لـما بلغت عُشر نـجاحها الـحالي؟

 

أما الأبيات التي بَعثْت بها إلى اللجنة فإنها تتضمن جميع الإشارات والرموز الـمنقوشة على قاعدة التمثال، وتُظهر عظمتنا التاريخية وتـُمثلنا أمام الأمة البرازيلية الكريـمـة جاليـة جامعة بيـن الـمحـافظـة على شرفهـا التاريخي، واحترام النفس والفخار بـماضينـا الـمجيـد، وإظهار روح الشكر العميق لـما علينا من ديون الكرامة والفضل لهذه الأمة الشريفة، لذلك كانت الأبيات الآتية بـمثابة قاموس للرموز والإشارات وهي ما يأتي:
 
نـحـن أبـنـاء الألـــى خـاضــوا الـبـحــارْ
                                                   يــوم لـم يُــعــرَفْ شــراعٌ أو بــخـــارْ
لـبـنــي الـعــالــم أعــطـيـنــا الــحــروف
                                                   واكـتـشـفـنــا جــزراً مـنـهـا الـكـنــارْ
واتَّــجـــرنــا مـــع أقــــاصـــي الأمــــم
                                                   وجــــوالــيـنــا بــــدت نــــوراً ونـــارْ
ونــــزلـــنـــا فـــي الــبــرازيــــل الــتــي
                                                   طــيـبــنــا نـهــدي إلــيــهــا والـشعـارْ
واحــتــفــلــنــا الآن بـــاســتــقــلالــهــا
                                                   الــمــئــوي كــالشـمـس حسناً ومدارْ
إنــــمـــا نــــهـــدي إلــيــهــا مــا لــهــا
                                                   مــن ديـــون الـشــكر والفضل الكـثارْ
 
هل يرضى الـمتخلّفون عموماً والـجالية خصوصاً أن ننتزع «آثار مجدنا الـمترامي» من بعلبك التي تعدّ من عجائب الدنيا السبع وأعظم وأفخم أثر تاريخي جامع بيـن ضخامة البناء العجيبة ودقة الصناعة الغريبة التي تـحيّر العقول والأفهام؟ هل ترضى الـجالية أن ننتزع أيضاً آثار مجدنا الـمترامي من تدمر التي يقصدها السياح من أقصى بلدان العالم لـمشاهدة آثارها الـخالدة وهي الـمملكة السورية التي كانت على عهد زنوبيا الشهيرة ندة لرومة وأصلتها حرباً هائلة لا يزال يردد التاريخ صداها؟
 
نترك الـحكم في ذلك للجالية عموماً ولكتّابها وشعرائها خصوصاً.
 
وهنا نسأل اللجنة الـمحترمة لـماذا أفادتنا في إعلانها عن الإشارات والرموز الـمنقوشة على قاعدة التمثال إذا لم يكن الغرض من ذلك تضمينها في الأبيات الستة الـمطلوبة؟ هل يا ترى كان عملها هذا ضحكاً من الشعراء أم من نفسها؟
 
أنطون سعاده
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro