مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
صحفي سوري في البرازيل يتحدث عن الثورة «نوع الثورة البرازيلية أسباب الثورة التطاحن السياسي كيف نشبت الثورة موقف الجالية السورية نتائج الثورة»
 
 
 
القبس،دمشق،العدد 479، 1930/10/26
 

الثورة البرازيلية
رغبت إليَّ جريدة القبس الغرّاء أن أتـحدث إلى قرائها عن الثورة البرازيلية الـحالية فنزلتُ عند رغبتها شاكراً لها إيجاد هذه الفرصة لقول كلمة بشأن بلاد تضم جالية سورية كبيرة تُعدُّ بالألوف في وقت من أحرج أوقاتها.


الـحقيقة أنّ أنباء الثورة البرازيلية قد فاجأتني، كما فاجأت العالم الـخارجي، وكما لا بد أن تكون فاجأت الكثيرين من سكان البرازيل أنفسهم. فقد تـحدّث القوم هناك كثيراً عن الثورة أثناء الانتخابات الأخيرة لرئاسة الـجمهورية وعدَّها بعضهم أمراً لا بدّ عنه. ولكن الانتخابات انتهت على سلامة، ولم يبدُ في الأفق شيء من دلائل العاصفة الـمنتظرة، واعتقد الـمجموع أنّ الثورة أصبحت في خبر كان، ومال عن الافتكار بها إلى انتظار السياسة التي سيتمشى عليها الرئيس الـمنتخب الدكتور جوليو برستس. بيد أنّ انفجار الثورة، على هذه الكيفية، يدل على أنّ أقطاب الـحزبيـن الـمعارضيـن، حزب التحالف الـحر والـحزب الديـموقراطي، لم يرتاحوا إلى نتيجة الانتخابات، فسعوا إلى الثورة بحجة أنّ التصويت في الانتخابات لم يخلُ من التزوير واستعمال القوة من جانب الـحكومة - وهي حجة يوافقهم عليها قسم كبير من الشعب والصحافة الـمعارضة والـمحايدة - أو بحجة جديدة لا أعرف عنها شيئاً عن هذا البعد.


مهما يكن من شيء فلا بد من حصر تعليل الثورة في البرازيل نفسها، أي أنه لا يجوز القول بأن الثورة البرازيلية نشبت بالعدوى من الأرجنتيـن أو بوليفية أو أي بلاد أخرى في أميركة الـجنوبية، فإذا كانت بلدان أميركة الـجنوبية تتشابه في الوضعيات السياسية والأحوال الاجتماعية والعمرانية فهي بلدان يعالج كل شعب من شعوبها قضيته الداخلية على حدة. ولم تكن البرازيل في حاجة إلى أسباب خارجية للقيام بالثورة، وليست الأسباب ما فاجأتني به الثورة، بل هي قضية الظروف والأسباب الـمباشرة التي ليس عندي شيء من خبرها، إذ إني تركت البرازيل والـجو فيها هادىء بعد أن كنت أتوقع رؤية لهيب الثورة يندلع فيها، وأنا هناك، لكثرة ما لهجت الألسن بها منذ بضعة أشهر أو ما يقارب السنة.

نوع الثورة البرازيلية
ليست الثورة البرازيلية ثورة مبادىء ضد مبادىء أخرى، كالديـموقراطية والأرستوقراطية، بل ثورة أساليب ضد أساليب، أي أنها ليست ثورة لتغيير نوع الـحكم، بل ثورة لتغيير تنفيذ الـحكم وأساليب مباشرة الـحكم، أي أنها ثورة أحزاب جديدة ضد حزب قديـم.


منذ تـحويل الأمبراطورية البرازيلية إلى جمهورية تولّى السير بالبلاد على الـمبادىء الديـموقراطية «الـحزب الـجمهوري»، الذي أدى للبلاد في أوائل عهده خدمات جلى، وظل الـحزب الـجمهوري «الـحزب الوحيد» في البلاد إلى بضع سنيـن خلت حيـن أنشىء في سان باولو «الـحزب الديـموقراطي»، وأنشىء في ريو غراندي دو سول حزب «التحالف الـحر». فقام هذان الـحزبان ينتقدان أساليب الـحزب القديـم ويوضحان عجزه عن مجاراة مقتضيات العصر وسد حاجات البلاد وتوفير أسباب تقدمها. والظاهر أنّ الـحزبيـن الـمشار إليهما لم يحتاجا إلى طويل عناء للوصول إلى مواطن الضعف ومواضع الـخلل في إدارة الـحزب الـجمهوري وإيضاحها للشعب الذي كان قد ابتدأ يدرك من تلقاء نفسه أنّ الأمور يجب أن تكون أفضل مـما هي عليه. وأخيراً، أخذت الصحف الـمعتدلة نفسها، تلقي على الـحكومة (والـحكومة يقوم عليها الـحزب الـجمهوري) تبعة كثير من الشؤون الاقتصادية والـمالية والقضائية.


الـحقيقة أنّ وجود حزب وحيد في البرازيل، لا ينازعه على مناصب الدولة فيها منازع ولا ينتقد أعماله منتقد، جعل للمناصب والوظائف الدولية الأهمية الأولى عند أعضائه الـمقتدرين، ومن البديهي، في مثل هذه الـحال، أن يكون النفوذ الشخصي والعائلي، لا الكفاءة والـمقدرة الـحقيقيتان، الـمعوّل عليه في تقرير الـمناصب والوظائف. لأنه ما زالت خطة الـحزب واحدة لم يكن حاجة إلى الاهتمام بالبرامج السياسية والاقتصادية، الأمر الذي لم يخلُ من نتائج سيئة ابتدأت آثارها تظهر وتؤثر على أحوال البلاد الاقتصادية والـمالية.


أسباب الثورة
البرازيل تـجني الآن الثمار الرديئة التي أثمرها وجود حزب وحيد فيها طيلة سنيـن عديدة. فلما أخذت الأحوال الاقتصادية تترجرج، وأصبحت البلاد عرضة للأزمات الشديدة، ابتدأ الشعب يتململ ويتذمر. وساعد على تذمره خلو البلاد من أحزاب تعالج قضاياه وتتسابق إلى تـحسيـن أحواله، فكان من وراء تلك الـحالة أنّ بعض ذوي النفوذ والـمطامع كانوا يقومون بثورات عسكرية وغير عسكرية متظاهرين بـمظاهر الأبطال الـمدافعيـن عن حقوق الشعب، ولكنهم كانوا أكثر الأحيان يفشلون بعد أن يكبِّدوا الـحكومة والبلاد خسائر كثيرة. وظلت الـحال، على هذا الـمنوال، إلى أن تنبّه بعض السياسييـن إلى ضرورة إيجاد قوى شعبية جديدة تدخل ساحة الـمباراة وتولد نهضة سياسية جديدة في الأمة، وسرعان ما تكونت هذه القوى في حزب التحالف الـحر والـحزب الديـموقراطي، فشعر الـحزب الـجمهوري بأهمية الـحدث وابتدأ يتخذ الاحتياطات للمحافظة على مركزه والدفاع عن خطته، فهو الـحزب الـمحافظ. ومن ثم ابتدأ أن يكون للبرازيل حياة سياسية بالـمعنى الصحيح، فلم تعد السياسة مقتصرة على طبقة العائلات الكبيرة ذات الـجاه والنفوذ كما كانت الـحال على عهد الـحزب الوحيد، بل أصبحت من حقوق كل برازيلي يـمكنه أن يقرأ ويتتبع سير قضية بلاده، بل أصبحت من واجبات أفراد الشعب جميعهم. هذا الـحدث الهامّ وضع الشعب البرازيلي في عداد الشعوب السياسية في العالم، وقد كان قبل ذلك شعباً يتصرف بـمقدّراته حزب واحد لا يحصي عليه أعماله أحد سواه.


منذ ذلك الـحيـن ابتدأ التطاحن بيـن القوى الـجديدة والقوى القديـمة، فقامت الأحزاب الـجديدة تنتقد سياسة الـحزب الـجمهوري وتقول بجعل التصويت مباشراً سرياً لضمان حرية الـمنتخِبيـن وصونهم من الوقوع تـحت تأثير ذوي الأغراض، وقام الـحزب الـجمهوري يدافع عن سياسته وعن طريقة التصويت العلنية الـمتبعة إلى الآن. وكانت الانتخابات الأولى التي تلت ثورة سان باولو العسكرية سنة 1924، والأحزاب الـجديدة لذلك العهد لم تزل في بدء وجودها فأسفرت عن فوز الـحزب الـمحافظ فوزاً كبيراً. ولكن أعقب ذلك الفوز ابتداء الأزمة الاقتصادية الهائلة التي شلّت حركة التجارة والصناعة البرازيليتيـن شللاً أخذ يتزايد سنة فسنة، وكثرت الانتقادات على سياسة حكومة واشنطن لويس التي ضحَّت بالـمصالح التجارية والصناعية والزراعية من أجل توطيد قيمة العملة البرازيلية، كما تقول الانتقادات الـمذكورة. وأخذت فئات جديدة من الشعب تنضم إلى صفوف الـحزبيـن الـجديدين وهي ترجو أن يكون الفرج على أيديهما، فنما هذان الـحزبان في خلال أربع سنيـن نـمواً عظيماً.

 

التطاحن السياسي
كانت الانتخابات الأخيرة، الـمعركة السياسية الـحقيقية الأولى في تاريخ الـجمهورية البرازيلية، فقد اتفق فيها الـحزبان الـجديدان على مناوأة الـحزب الـمحافظ، ورشَّحا الدكتور جتوليو فرغس رئيس ولاية ريو غراندي دو سول لرئاسة الـجمهورية، ضد الدكتور جوليو برستس رئيس ولاية سان باولو، الذي رشحه الـحزب الـجمهوري بإيعاز الدكتور واشنطن لويس رئيس الـجمهورية الـحالي، الذي تنتهي مدة رئاسته في الشهر القادم.


في هذه الأثناء، في أوائل هذه السنة، أخذت الإشاعات تتكاثر عن إمكان وقوع ثورة وعن قرب وقوعها. وكانت الإشاعات الـمذكورة ترتكز على أنه لا بد لـحزب الـحكومة من أن يلجأ إلى التزوير واستعمال الطرق غير الـمشروعة للحصول على الأكثرية، فيما لو رأى نفسه في مركز حرج، وأنّ الأحزاب الـمعارضة لا بد أن تلجأ حينئذٍ إلى القوة التي لا تبقى وسيلة غيرها لتأييد حقوق الـمنتخبيـن الـحقيقييـن. وقد قابلت الـحكومة تلك الإشاعات بحزم، وقال الناس إنها ابتدأت تستعد للطوارىء، فزادت معاشات أفراد الـجيش وأنفقت بسخاء على الاستعدادات الـحربية، فضلاً عن الـمقادير الكبيرة التي بذلتها للدعاية، وكان الـمعارضون يستثمرون هذه الأقاويل لزيادة تنفير الشعب من الـحكومة وحزبها. وكان في جملة ما اتَّهمت الأحزاب الـمعارضة الـحكومة به أنها أخذت تعطي الأجانب أوراق الهوية البرازيلية وتخوِّلهم حقوق الانتخاب على شرط أن يكون تصويتهم في جانبها، وقد رسموا لذلك صوراً هزلية علّقوها في الساحات العمومية.


كان من وراء ذلك كله أنّ الناس أخذوا يتخوفون حقيقةً من نشوب ثورة هائلة تـجتاح البلاد كلها، فابتدأوا هم أيضاً يستعدون لـمقابلة الـحوادث، فاحتاطوا بالـمؤن وامتنعوا عن بذل الـمال ووقفوا ينتظرون على حذر، فشُلّت من جراء ذلك الـحركة التجارية شللاً يكاد يكون تاماً وساءت أحوال التجار كثيراً. وفي هذا الدور أصيب كبار التجار السورييـن، الذين لم يكونوا قد سقطوا بعد، بالإفلاس وحلّت بالـجالية السورية الـخسارة العظمى.


إنتهى التصويت وأُعلنت نتيجة الانتخابات التي كانت في جانب حزب الـحكومة، ولم يبدُ للثورة أثر، فقيل حينئذٍ إنّ الثورة ستنشب حيـن فحص أوراق التصويت وظهور التزاوير الهائلة. وظلّت النفوس منقبضة ولكن اللجان الفاحصة انتهت من عملها، ورغماً مـما أذاعته الصحف الـمعارضة وبعض الـمحايدة وصرّح به فريق الـمعارضة من اكتشاف تزاوير كثيرة، لم تنشب الثورة. وابتدأت مخاوف القوم تضمحل رويداً، وعاد الناس إلى انتظار نتيجة السياسة التي ستتمشى عليها حكومة الرئيس الـمنتخب، والتهوا حيناً بالـمفاوضات التي دارت حول عقد قرض قدره عشرون مليون ليرة إنكليزية في لندن.

نشوب الثورة
لم توافنا الأنباء البرقية بشيء يـمكن أن يُستشف منه أسباب الثورة البرازيلية الـمباشرة، بعد أن ظن الناس أنّ زمنها قد مضى، وبعد أن قام الرئيس الـمنتخب برحلة طويلة في الـخارج. والظاهر أنّ الفريق الـمعارض للحزب الـمحافظ، أو بعض ذلك الفريق، لم يرضَ عن نتيجة الانتخابات، فبقي يعمل سراً لتغيير الـحالة بالقوة، وهو لا بدّ أن يكون وجد أحوالاً ملائمة لغرضه. إذ إنّ الأزمة الاقتصادية لا تزال مستحكمة في البلاد والناس يتضايقون ويريدون الفرج بقطع النظر عن الـجهة التي يأتي منها.
إنّ نشوب الثورة في جهات متعددة من البلاد، واندلاع لهيبها إلى ولايات غير قليلة، يدل على مبلغ خطورتها وسابق استعداداتها. فالأنباء البرقية تقول إنّ قسماً من الـجيش لا يستهان به انخرط في سلك الثورة، وحذت حذوه بعض الوحدات البحرية.
 
موقف الـجالية السورية
لا تُستهدف الـجالية السورية لغير الأخطار العادية في مثل هذه الأحوال، فالسوريون كانوا ولا يزالون يحافظون على نظم البلدان التي ينزلونها ويحترمون شعور أهلها، ولا يتداخلون في انقساماتهم ولا يشتركون في ثوراتهم، ولكنهم سيتضررون، بدون شك، أضراراً مادية، تتوقف وفرتها على الـمدة التي تظل فيها الـحرب قائمة. ولا شك في أنّ مركز معظمهم سيكون حرجاً، لأن الـحرب ستذهب طبعاً بقسم كبير، على الأقل، مـما لا تذهب به الأزمة الاقتصادية.
 
أما أبناء السورييـن الـمولودون في البرازيل، الذين يُعتبرون، بـموجب القانون البرازيلي، برازيلييـن، فإنهم معرّضون لأخطار الـحرب الـمباشرة، إذ عليهم أن يلبّوا نداء التجنيد ومنهم من يكون انخرط في سلك الثورة.
 
نتائج الثورة
لا يـمكن التكهن بـمبلغ الـخسائر الـمادية، وخسائر الأرواح التي تسببها الثورة الـحالية، ولكنها مهما قلَّت لا تكون قليلة، فالنتائج الـمباشرة ستكون، ولا شك، سيئة جداً وتبطل الثقة الـخارجية بوضعية البلاد ومقدرتها.
 
بيد أنها، من الوجهة الأخرى، لا بد أن تولد نتائج حسنة، فهي صدمة قوية، توقظ الشعب البرازيلي وتنبهه إلى وجوب إعداد مستقبله على صورة أفضل من الصورة التي عليها حاضره، إلا إذا أدت الثورة إلى انفصال بعض الولايات واستقلالها بأمرها، فيكون لذلك درس غير هذا الدرس ولا تتسع له هذه العجالة.
دمشق في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1930
أنطون سعاده
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro