مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إلى ميشال أبو رجيلي
 
 
 
صدر عن مكتب الزعيم، 1946/2/23
 

إلى ميشال أبو رجيلي
مديرية الإسكندرونة - بوسطن - أميركانية
أيها الرفيق العزيز،


من بضعة أيام تسلمت كتابك الأخير الـمؤرخ في 12 فبراير/شباط الـحاضر، وفي الوقت عينه تسلمت رسالة من الرفيق العامل غسان تويني الذي كان يشغل في الـمدة الأخيرة وظيفة وكيل عميد الإذاعة في الـمركز وقد أصبحت متصلاً به. سررت كثيراً بكتابك الذي كشف لي عن عدة أمور هامّة وضرورية لفهم بعض مسائل العمل السوري القومي الاجتماعي عندكم.


إني كنت أشعر دائماً أنه كان في الإمكان فعل أكثر مـما فُعل حتى الآن في أميركانية من أجل قضيتنا القومية الاجتماعية الـمقدسة. وكنت أستنتج مـما لديّ من الرسائل من الـمنفذية أنّ الفتور والنشاط كانا ملازمين لـحالتي الإهمال والاهتمام اللتيـن تناوبتا وتداولتا حياة الأميـن فخري معلوف الذي أصابه في الأخير هذا الانحراف العقائدي والـمنطقي والنظامي. وهو انحراف أسفت له أشد الأسف لـما كنت أنتظره من ذكاء الرفيق معلوف وفهمه ورزانته، ولـما كان يظهر فيه من متانة خلق.

 

ولم يكن لفرع أميركانية مهرب من الوقوع تـحت قيود عوامل نفسية الـمنفّذ العام ودوافعها، لأنه كان الفرد الوحيد القادر بخبرته وعلمه على إعطاء الرفقاء الـجدد الشروح العقائدية التي وعاها وفهمها من درس الـمبادىء وشرحها، ومن ملازمته الزعيم وتقلّبه في مناصب مركز الـحركة وحضوره الـمجالس الإدارية ووقوفه على قضايا سياسية هامّة. ومع كل ما بدا منه من تقصير في أميركانية فأظن أنّ وجوده على رأس الفرع هناك رفع قيمة العمل القومي في نظر الأعضاء وقرّب إلى قلوبهم الشعور بخطورة النهضة ومؤسساتها. وإذا كان في الـمدة الأخيرة أخذ ينحرف رويداً عن جادة القومية الصحيحة، ويحاول إخضاع العقيدة القومية الاجتماعية لإحدى العقائد الدينية التي اعتنقها مؤخراً، وجعل نظرات أحد الـمذاهب الدينية محكاً ومقياساً لصحة نظر مذهبنا القومي الاجتماعي، فهو من الشذوذ الذي لا يـمكن أن يفسد صحة عقيدة القومييـن الواعين السليمي الإدراك. خصوصاً وأنّ أسباب هذا الشذوذ ونوعه بادية للعيان. ولا يـمكن أن تخدع من ليسوا دون مستوى الفهم الاعتيادي.


إنّ ما وقفت عليه في كتابك من موقفك وموقف حضرة الـمدير الرفيق جورج شاهيـن، من حزبية الرفيق فخري معلوف الدينية، الطائفية، الـجديدة، مع محافظتكما على الـمسلك النظامي الذي يوجب الـمحافظة على هيبة الـمؤسسات والرتب والوظائف، مع ضمان سلامة العقيدة السورية القومية الاجتماعية قبل كل شيء، يجعلكما جديرين بتقدير خاص فأهنئكما والسرور يـملأ قلبي.


إسترعى نظري في كتابك هذه العبارة «وإذا أحب معالي الزعيم أن يتجنب كاتب هذه السطور بعض الغموض في تقريره ويلتزم الطريق الصحيح في الـمستقبل فحضرة الـمدير وأنا على استعداد تام لتلبية زعيمنا الـمفدّى وإطلاعه على كل ما حدث في جوّنا الذي تلبد بالغيوم السوداء منذ سنة تقريباً عندما كان قد حان وقت توسيع نطاق العمل والدعاية، وعندما كان السوريون قد تفهموا بعض التعاليم القومية، الخ.» إنّ طلبي منك رفع تقرير إلى الزعيم يعني ضمناً إعطاء كل الـمعلومات والأوصاف والاستنتاجات والتعليلات الصادقة بـمنتهى الصراحة. ولا يجوز أن يكون التقرير إلى الزعيم بغير هذه الصفة. إنّ التحفظ يكون في ما يتعلق بالأعلى تـجاه الأدنى كما لو كان الكلام، مثلاً، عن العميد تـجاه الـمنفّذ العام، أو عن الـمنفّذ العام أمام الـمدير، ولا يكون العكس مطلقاً، لأنّ صلاحية الأعلى تشمل صلاحية الأدنى ولا يعكس. ومتى كان الأمر يتعلق بسلامة العقيدة وفلاح الـحركة فالتلكؤ عن إبلاغ الـمراجع العليا الـحقائق الأكيدة والوثيقة والـملاحظات النزيهة يعرّض صاحبه لظنة التآمر.

 

وأقلّ ما يتهم به هو كتمان الشهادة مع الـمعرفة. ويوازي ذلك الـحنث بإحدى مواد القَسَم الذي معناه الـحنث بالقَسَم كله. وشرطاً واحداً تقتضي حالات رفع الـمعلومات والـملاحظات الـخصوصية الـمتعلقة بالـموظفيـن وغيرهم إلى الـمراجع العليا هو: أن لا تكون الـمعلومات ملفقة ولا مرسلة نكاية بشخص أو بقصد الإيقاع عن طريق الوشاية. أما الـمعلومات والـملاحظات النزيهة الصادقة فأقلّ ما يطلب من القومييـن الواعين الساهرين أداءه. لذلك أطلب من حضرة مدير مديرية الإسكندرونة ومنك التعجيل برفع جميع الـمعلومات الـمتعلقة بسير الـحالة الـحزبية عندكما بدون أدنى تـحفّظ. ويجب أن يشتمل التقرير على الـماضي والـحاضر.


قضية الأميـن فخري معلوف: هذه القضية لا تزال غير مبتوت فيها. فقد رفع الأميـن معلوف استقالته من جميع وظائفه ومهماته والتمس إطلاقه من قَسَمه. ولـمّا لم يكن لسؤاله وجه مشروع فقد رفضت إجابة سؤاله. وهو الآن أمام أحد ثلاثة وجوه: إما أن يثوب إلى وعيه ويعود إلى التمسك بالعقيدة القومية الإصلاحية ونظامها، أو أن يحال أمره إلى الـمحاكمة، أو أن يكمل انقلابه ويجهر بخيانته فتتخذ الـمنظمة القومية في شأنه الأحكام والتدابير التي تراها لازمة. وإني أفضّل له الوجه الأول. وهذا ما حضضته عليه في جوابي على كتابه الاستعفائي الانسحابي. وسأعالـجه بتؤدة لأني أفضّل أن لا نفقده وأن ننقذه من الضلال الـمناقبي والأخلاقي الذي جرّه إليه هوسه وحماسه الديني الـجديد. ولأني أرى وجهاً لاحتمال أنّ هوسه وحماسه الشاذين هما عارض وقتي يـمكن أن يزول. ومبلغ شذوذه وانحرافه يشجع على فسح الـمجال لهذا الاحتمال لأنه لا تضارب بين القومية والدين إلا حيث يـمزج الواحد بالأخرى وقضاياها السياسية والاجتماعية، أو تـمزج الواحدة بالآخر وقضاياه اللاهوتية والفلسفية.

 

فليس من فروض القومية تعييـن وجود الله أو عدم تعيينه، ولا تقرير صفات الله هل هي بالأقانيم الـموحدة على ما قررته الـمجامع الدينية الـمسيحية الغالبة، أم بالوحدانية الـخالصة من تـجزئة الأقانيم، على ما تقول به الرسالة الـمحمدية. كذلك يجب أن لا يكون من فروض الدين تعييـن سياسة الدولة وأشكالها وخططها، ولا حدود الأمة ووحدتها وماهيتها، ولا الوطن وجغرافيته، ولا الشعب واقتصادياته ومصالـحه. كل عضو من أعضاء الدولة السورية القومية الاجتماعية ومن أعضاء الـمتحد القومي له الـحرية أن يذهب أي مذهب ديني يشاءه بشرط أن لا يتعدى الدين مسائل الاعتقاد بالوجود أو الـخلق والنفوس وخلودها، والـحساب في الـحياة الأخرى التي تبتدئ بعد مغادرة هذه الدنيا، وما شاكل من قضايا ما وراء الـمادة إلى إخضاع الأمة والدولة لأية قضية أو نظرة سياسية - اجتماعية - اقتصادية يريد تقريرها. وشذوذ فخري معلوف وانحرافه، ليس في أنه يدين بالكاثوليكية، بل بقوله بفرض نظرياتها ومذاهبها السياسية على سياسة الدولة القومية، وطلبه حمل الدولة القومية الاجتماعية على دخول القضايا الدينية وإعلان مذهب ديني لها فيها. وفي هذه النقطة يظهر اختلاله الـمنطقي بجلاء هائل.

 

إنّ البابوية ومركزها وشأنها ليست قضية دينية بالـمعنى الـخالص، بل قضية كاثوليكية متعلقة بالـحزبية الكاثوليكية وفعل رومة السياسي في تقرير شأنها. وهي لذلك مرفوضة من غير الكاثوليك من الـمسيحييـن ومن غير الـمسيحييـن من بقية الأديان. ومقال الزوبعة الذي أثار هوس الرفيق معلوف وحماسه لم يتعرض لشيء من شؤون البابوية الدينية، بل أعلن صراحة أنه لا يدخل فيها ولا يـمسّها بشيء ولكنه عرض للنواحي السياسية من حركات البابا وتصريحاته السياسية الـمستندة إلى نفوذه الديني ونفوذ الدين في عامة الـمؤمنيـن الكاثوليك، وعرض لها في قضية من أهم قضايا قوميتنا الـحيوية لها. ألا وهي قضية فلسطيـن ومساعي اليهود الإنترناسيونية لانتزاعها منا، وما يظهر من نـجاحهم في اكتساب تأييد دولة الفاتيكان وقداسة البابا لـمطاليبهم. ومن الأمور الهامّة جداً للزعامة السورية القومية الاجتماعية فيما يتعلق بقضية الأميـن فخري معلوف، معرفة موقفه وسلوكه وتصرفاته بعد تلقيه جواب رفض استعفائه وانسحابه.


أوصيكم بالتعاون الكلي مع الرفيق غسان تويني لـحل معقدات العمل السوري القومي الإصلاحي في أميركانية، وبإطلاعي دائماً على كل ما هو هام من سير الأعمال عندكم وتقدّرون أنه، لأسباب خاصة، لا يصل إليّ بالطرق الإدارية النظامية.

 

يوجد مسائل قديـمة من أعمال فرع أميركانية بقيت غامضة لي، منها ما كان بلغني، قبل انحراف السيد راجي ضاهر عن النظام، عن حصول حركة اكتتاب وتبرعات من الرفقاء هناك لإنشاء جريدة أو مجلة سورية قومية باللغة العربية أو بالإنكليزية أو بالاثنتيـن. وقد كانت الـمنفذية أبلغتني ذلك رسمياً فماذا جرى لهذا الـمشروع؟

عندما صدر كتابي الأخير - الصراع الفكري في الأدب السوري - أرسلت منه هدية إلى الأميـن معلوف وتوقعت أن يطلب مني إرسال كمية لتباع هناك بين محبي الإطلاع في قضايا الأدب والفكر، فلم يردني شيء من هذا القبيل، فهل يستحيل وجود محبي اطلاع واقتناء مثل هذا الكتاب في أميركانية؟


ليعلم الرفيق تويني بواسطتك أني أرسلت إليه من بضعة أيام جواباً مسهباً بالبريد الـجوي إلى عنوانه حيث يقيم مع الرفيق فخري معلوف.


إقبل وحضرة مدير مديرية الإسكندرونة سلامي القومي ولا تنسوا فلسطيـن والإسكندرونة. ولتحيى سورية.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro