مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إلى سليم صوى
 
 
 
1942/3/10
 

حضرة الرفيق سليم صوى،
كوردبة
أيها الرفيق العزيز،


قرأت كتابك الـمؤرخ في 26 فبراير/شباط الـماضي، الذي تـجيبني به على كتابي السابق إليك في صدد الـخلاف الشخصي الذي حصل بينك وبين الصديق عبود سعاده من جراء جدال جرى بينكما في صدد حوادث الـحرب الـجارية. وقد تأسفت لأنك لم تدقق في ما كتبته إليك ولإعلانك قبولك ما أبديته بتحفظ من أمر مسؤوليتك، التي لم أجزم بـمقدارها الصحيح كل الـجزم لعدم إمكان حصول مقابلة بينك وبين السيد عبود سعاده بحضوري لأسمع كل ما يدلي به كل منكما، ثم لنقضك هذا القبول الـمعلن بـما تبديه فيما بعد ولعدم قبولك الاحتكام، إذ تعود إلى التشبث برأيك الـخاص الذي تريد أن تترك للأيام تـحقيق صحته «فيأتي يوم يعرف به (عبود) أنه الـمذنب... وترجع الـمياه إلى مجاريها» على هذا الأساس.


بناءً على موقفك هذا لم يبقَ لي شيء أقوله في شأن الـخلاف الـمذكور، إلا أنه لا بدّ لي من إبداء دهشتي لتوقعك عودة الـمياه إلى مجاريها بينك وبين شخص لم تأسف على خسارة صداقته التي تقول إنك وجدت فيها «كل التصنع والـمواربة». بقي أن أقول كلمة بشأن ما سمعته من السيد فدعا مخول. فهو قد شهد بأنّ السيد عبود سعاده ردّ عليه بقوله «أنا أحسن منك»، ولكنه لم يشهد على أي كلام منك كان هذا الرد عليه.

 

وبدون هذه الشهادة ومعرفة السبب الـموجب لا يـمكن إعطاء حكم نهائي على النتيجة وتعييـن مقدار الضرر من الـجانبيـن. وأنا في كتابي السابق لم أقصد الدخول في جميع التفاصيل فقدّرت أنّ قول السيد سعاده كان جواباً لرميك إياه بالسخرية إذ قلت له إنك «لم تكن تعلم أنّ هتلر نسيبه.» وهو تقدير فقط، أي أنه لا يقوم مقام الواقع الذي لا يـمكن إظهاره بالاستماع إليك وحدك أو إلى السيد عبود سعاده وحده، بل بـمقابلتكما وسماع الشهود كلما لزم الأمر. إذاً لا يـمكن القول إنّ الشهادة التي شهدها السيد فدعا مخول، مع اعتبار صحتها، هي كافية لتعييـن النتيجة الكلية. فهذا التعييـن لا يحصل إلا بالتحقيق الكامل، الذي لم أرَ لزوماً له بعد عودتي من كوردبة، لاعتقادي وجود حسن النيّة من الطرفيـن ورغبة عندهما في الإبقاء على صداقة يؤسف لانفصامها.

 

ولا أكتمك أني كنت شديداً معك في كتابتي بخلاف ما كنته مع الصديق عبود، لأنك لم تبدِ لي سوى حجة واحدة ضده هي الكلمة التي شهد بها السيد فدعا مخول، بينما كان ما وقفت عليه منك ومن السيد عبود جملة ضدك أكثر كثيراً مـما هو ضده، ولا أقول لك ذلك للعودة إلى فتح الـموضوع من جديد، إذ لم تبقَ لي أية رغبة في العودة إليه، ولكن لإخبارك فقط.


والآن، وقد فرغت من أمر الـخلاف بينك وبين السيد عبود سعاده، أريد أن أتناول موقفاً ارتأيت أن تزجني فيه على كره مني. وهو ما ورد في كتابك الـمذكور، إذ تقول «أما إذا كنتم ترون أنّ برلـمان بريطانية قد قرر دفع ثمن رأس الـحاج [أمين] الـحسيني، وأنّ روسية كانت تستعد لـمهاجمة ألـمانية وهي في حربها مع إنكلترة عدوة الروسية القديـمة لتحمل عبء الـحرب وترفعه عن عدوتها لتريحها من عنائه، فلكل رأيه أيضاً.» فأنا لم أدخل معك في أي حديث سياسي عن برلـمان بريطانية ولا عن مسؤوليته في أمر دفع ثمن شخص الـحاج أميـن الـحسيني.

 

هذا في الدرجة الأولى. وإني أرى ذكرك البرلـمان البريطاني نوعاً من التحريف أو التأويل أو الـخروج عن الدائرة الـمحددة التي دار ضمنها الـموضوع الـمتعلق بالـخلاف بينك وبين السيد عبود سعاده ولا يتناول إلا رأييكما. فالـموضوع هذا هو: هل حصل تعييـن جائزة مالية من مفوضيـن بريطانييـن للقبض على الـمفتي الـحسيني أو الإتيان بشخصه أو برأسه، أم لم يحصل. وهذه الـمسألة ليست مسألة رأي، بل مسألة حدث. فقد أذاعت غير واحدة من الشركات البرقية الـموالية لبريطانية والـجبهة الديـموقراطية حصول هذا التعييـن قبيل هرب الـمفتي من إيران. ومع أنه لا البرلـمان البريطاني ولا أية مؤسسة بريطانية عليا أخرى كذّبت الـخبر فإنك أنكرت وجوده أو أنكرت صحته من غير استناد إلى أية أذاعة عمومية أو خبر موثوق.

 

وفي كتابي إليك وكتابي إلى السيد عبود استعملت التعابير التي استعملتماها أنتما حين الكلام على الـموضوع. ومع ذلك فهذا لا يخوّلك فتح مسألة البرلـمان البريطاني لتحويل الـموضوع إليها. فهذه الـمسألة لا يـمكن أن تـحل محل الـموضوع الأساسي ولا أرى أنك قادر على الـخوض في عبابها، لأنك تفتقر إلى معرفة صحيحة عن النظام السياسي - الإداري الداخلي لبريطانية العظيمة ومـمتلكاتها ومستعمراتها. وإنك قد ارتكبت خطأ كبيراً بنسبتك إليّ قولاً لم أقله أو بـمحاولتك تـحميلي مسؤولية موضوع لم أفتحه معك. وكذلك القول عن استعداد روسية لـمهاجمة ألـمانية فأنا لم أبدِ لك أي رأي فيه لا شفاهة ولا كتابة. وإنـما اقتصرت على تبيان خطأك في ادعائك، الـمنسوب إليك، أنّ روسية كانت جاهلة استعداد ألـمانية لـمهاجمتها، وأنها لم تدرِ بالهجوم إلا بعد أن كان العدو توغل في أرضها. وحين كلّمتك في هذا الأمر في كوردبة لم تنفِ لي أنك قلت ما هو بهذا الـمعنى.

وتخطئتي إياك هذه لا تعني أني أجزم بأنّ روسية كانت تستعد لـمهاجمة ألـمانية في هذه الظروف، ولا أني أوافق السيد عبود، إذا كان هذا رأيه، على أنّ ألـمانية لم تهاجم روسية إلا لأنها تأكدت أنّ روسية تتأهب لـمهاجمتها. وأنا لم أبحث معك ولا مع السيد عبود في آرائي الـخصوصية في هذه الـمسائل السياسية الدقيقة. أما العداوة بيـن روسية وألـمانية فقد شرحتها بإيجاز واختصار في الزوبعة(1)، ولا أمنعك ولا أنكر عليك أن ترتأي ما تشاء في هذا الصدد كشخص غير ذي غرض أو مصلحة أو هوى. فيمكنك أن تـحسب أنّ عداوة روسية لبريطانية هي أشد من عداوتها لألـمانية.

 

ويـمكنك أن تفترض أنّ مصلحة روسية متفقة مع مصلحة ألـمانية في هذه الـحرب أكثر مـما هي متفقة مع مصلحة بريطانية. إذاً، لم يكن وليس لي غرض أو قصد لفتح بحث أو مناقشة معك في هذه الأمور. وكل قصدي كان تبيان الأغلاط التي وردت في نظريتيكما وموقفيكما وإزالة أهم صعوبة وهي سوء التفاهم الشخصي بينكما. ولذلك قلت في كتابي إليك إنّ رأيي هو أن يتنازل كل منكما عن وجهة نظره في ما يعتقده واجباً على الآخر نحوه لإعادة الـمودة إلى سابق عهدها. ولـمّا كنت لا تريد أن تتنازل عن وجهة نظرك هذه فقد انتهى الأمر من جهتي، ولا سبب يجيز فتح مسألة آرائي في الـحوادث السياسية - الـحربية في هذا الـموقف.


أنتقل الآن إلى أمر آخر له علاقة وثيقة بآرائك وموقفك في النضال السياسي الـحربي الإنترناسيوني، وبعضويتك في الـحزب السوري القومي، وكونك ترأس لـجنة إدارية لأحد فروعه. فإنّ دفاعك عن بريطانية التي تآمرت مع فرنسة سراً في أثناء الـحرب الـماضية، على حياة الأمة السورية ومستقبلها وحقوقها، ثم تآمرت سراً مع اليهود على منحهم حقوق وطن قومي في بلاد هي بلادنا، الأمر الذي يعني خرابنا القومي، بينما كان سياسيوها وسياسيو فرنسة يغررون بالسورييـن ليكونوا معهم في الـحرب على أعدائهم، لا يتفق بوجه من الوجوه مع العقيدة السورية القومية ولا مع جهاد الـحزب السوري القومـي للتخلـص منسيادة أجنبية فرضت على الوطن السوري بالـخداع والقوة والغدر.

 

ولا يتفق مع العقيدة السورية القومية ولا مع جهاد الـحزب السوري القومي الدفاع عن روسية الشيوعية، التي أنشأت في سورية حزباً شيوعياً أمدّته بالـمال والـمذاييع الـخبيرين، ليقتل الفكرة القومية ويقاوم الـحزب السوري القومي، ولتسخير الشعب السوري للأغراض الروسية الشيوعية. وينافي العقيدة السورية القومية القول بانتصار الشيوعية، وبأنها ستعم العالم بالسلم بعد هذه الـحرب، كما بلغني أنك قلت.

 

وقد كنت أظن أنّ الكتاب الذي وجّهته إلى الرفيق السابق يوسف الغريّب واطلعت أنت عليه ثم سمعت قراءته مرة أخرى، مع تصريحاتي في الاجتماع الأخير مع رفقاء كوردبة، وطلبي مراقبة الأحاديث السياسية للأعضاء وتبليغي كل شذوذ يحدث عن أي منهم، تكفي لـجعل الواجب الـحزبي واضحاً لك. ولكن إصرارك على الدفاع عن بريطانية وسمعتها الـمناقبية وسياستها، حتى أنك لـجأت إلى اختراع فكرة البرلـمان البريطاني لتبرر دفاعك عن سمعتها وسياستها، يضطرني إلى تذكيرك بالـمبادىء العامة التي أوردتها في كتابي إلى يوسف الغريّب وبـما صرحته لك وللرفقاء في كوردبة عما يجب أن يتقيد به القوميون في مسائل السياسة الإنترناسيونية.

 

وأطلب منك أن تأخذ علماً بأنّ النظام الـحزبي لا يجيز لأحد الـمسؤوليـن إعطاء تصريحات أو تأييد سياسة أية دولة أجنبية لم تصدر من مراجع الـحزب العليا تعليمات بتأييدها على قاعدة مصلحة غاية الـحركة السورية القومية، لا بواسطة كتابات ولا بواسطة خطابات ولا بواسطة أحاديث عمومية أو خصوصية، هذا فضلاً عن أنه لا يجوز لأي فرد من الأعضاء.

 

أما الآراء السياسية الـخصوصية، التي هي من باب الافتراض الذي لا تـحيّز فيه، إذ لا يجوز التحيّز لغير القضية القومية ومصلحتها الـمقررة أو التي تقررها الـمراجع العليا، فيمكن إبداؤها لـمراجع الـحزب أو الاحتفاظ بها طالـما لا تـمسّ جوهر العقيدة القومية. فإذا مسّت جوهر العقيدة القومية كمسألة الشيوعية ومبادئها لم يكن جائزاً الاحتفاظ بها مع العقيدة القومية في صدر واحد. فكما أنّ الـمرء لا يـمكنه أن يعبد ربّيـن كذلك لا يـمكنه أن يدين بعقيدتيـن. فإذا كنت لست شيوعياً وتذيع عن قرب انتصار الشيوعية، فأنت تخدم مصلحة الـحركة الشيوعية لا مصلحة الـحركة القومية، من حيث لا تدري.


إنّ ما أبلغك إياه عن عدم جواز الدفاع عن سياسة بريطانية وسمعتها لا يعني وجوب تأييد سياسة أية دولة أجنبية أخرى، سواء أكانت من صديقات بريطانية أو من عدواتها، والتذييع بنجاحها. ولكن الدفاع عن الدول التي غدرت بأمتنا ومزّقت وطننا ووهبت شعوباً غريبة حقوقاً فيه، هو أمر يطعن الإباء القومي ويجرح الروح القومية، ولا ينتظر صدوره عن سوري قومي صحيح العقيدة إلا من باب الغلط.

 

وأفضل طريقة لتحاشي الوقوع في هذا الغلط هو التوجيهات التي تصدر في التعليمات وفي الصحيفة القومية التي لها قوة التعبير عن وجهة نظر الـحزب السوري القومي التي يتوجب على السوري القومي، الـمؤمن، الـمجاهد، التقيد بها، إذا كان لا يريد أن ينشىء لنفسه سياسة خصوصية ضمن الـحركة القومية. وهذا الأمر، أي السياسة الـخصوصية، تعني أنه سيكون للحزب سياسات عددها عدد أعضائه.

 

وهو انتفاء وجود الـمنظمة القومية. إنّ الآراء السياسية التي هي من النوع التكنيكي البحت، أي التي لا يصحبها شعور وهوس وميل، هي وحدها جائزة ويجب أن لا تعرض لأي تفضيل روحي أو مناقبي بيـن دول أجنبية، لأنّ هذا يضعف العصبية القومية التي يجب أن لا ترى أفضل من ذاتها ومصالـحها. ويجب أن يحتفظ بهذه الآراء لأماكنها. وفي الأماكن العمومية يجب أن يتجنب الـمسؤولون إظهار آراء وإعطاء تصريحات بريئة، بدون تـحفظ، يـمكن أن تعرّض سمعة الـحزب للشكوك والظنون. والـمسؤولون يجب أن يعلموا أنه لا فرق كبير، من الناحية العمومية، بين أن تكون آراؤهم ومواقفهم شخصية أو حزبية فهي جميعها تـمسّ الـحزب وسمعته.

 

لم أشأ أن أتعرض لهذه الأمور معك من قبل، بناءً على أنّ هذه الدقة النظامية لم تكن أوضحت لك من قبل. وأنا أعرض لها الآن من أجل الـمستقبل لكي تكون أعمالنا على نور. وأتـمنى أن لا ترفض، يا رفيقي العزيز، قبول هذه الـملاحظات النظامية ودرسها لاستخراج جميع الفوائد اللازمة لفلاح القضية السورية القومية المقدسة منها.
إقبل سلامي القومي ولتحيى سورية.

 

 

(1) مقال «الحالة السياسية-الحربية الحاضرة». الزوبعة، العدد 38، 1942/2/15. أنظر ج 6  ص 20.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro